الخميس 30 كانون الاول , 2021 02:36

بالتزامن مع مفاوضات فيينا: صراع استخباراتي مشتعل

مفاوضات فيينا

لا يقتصر الصراع ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، على رسائل التهديد العسكري المتبادل، التي تنقلها وسائل الإعلام ما بينهما، بين الحين والآخر، والتي كان آخر مثال عليها: المناورات الإيرانية تحت اسم الرسول الأعظم (ص) 17، التي جاءت رداً على التهديدات الإسرائيلية بقصف المفاعلات النووية في إيران.

فللصراع جانب آخر، مستمر منذ أكثر من أربعين عاماً في الظلال. هو الصراع الاستخباراتي، الذي لم يتوقف يوماً، ولا ينتهي عند نجاح عملية استهداف هنا، أو اختراق معلوماتي هناك.

وآخر الفصول التي تم الكشف عنها، هو ما ذكرته "القناة 12" الإسرائيلية مؤخراً، بأنه تم اكتشاف شبكة إيرانية، نجحت في إنشاء علاقة مع شخصيات في حزب الليكود، ومن ثم دفعتهم لنشر محتويات من دون أن يعرفوا من بالضبط يقف خلفها. إضافة الى أن هذه الشبكة قد قامت بتأجيج الخلاف بين الجهات السياسية في الكيان، المنتمية لليمين واليسار، ونجحت في ذلك. كما أنها حاولت أن تنشر رسائل ضد رئيس وزراء الكيان السابق "بنيامين نتنياهو"، أو الحالي "نيفتالي بينت"، من أجل تأجيج الخلاف السياسي في إسرائيل، وتشجيع التظاهرات ضدهما. مثلما حصل في شهر أيلول الماضي، حينما نظم نشطاء الليكود تظاهرة ضد "بينيت"، فتطوعت هذه الشبكة بـ"المساعدة"، من خلال نشر الدعوات والأفلام التي أنتجتها للمناسبة بنفسها.

وتابعت القناة بأن عناصر الشبكة حاولوا الاتصال أيضاً بنشطاء مركزيين من الليكود، منهم "ايكي كوهين" مستشار نتنياهو، والناشط الإسرائيلي المعروف "ليئور هراري"، لإثارة القلائل بين أفراد هذا الحزب.

وعن كيفية قيام هذه الشبكة بتنفيذ هذه الأعمال، فإنها تقوم بذلك عبر عشرات الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنشط عند مئات الحسابات الإسرائيلية.

وهذه ليست المرة الأولى، التي يكشف فيها عن انجاز استخباراتي إيراني على هذا الصعيد. فقد ضج الإعلام مراراً عن عمليات إيرانية شبيهة، مثل التمكن من اختراق هاتف وزير الحرب الحالي "بيني غانتس"، أو اختراق أجهزة حواسيب الوزارة ايضاً، أو حتى من خلال ما كشف منذ مدة، عن تجنيد إيران لعاملٍ في منزل غانتس.

البرنامج النووي قلق إسرائيل الدائم

أما على صعيد الكيان، فمنذ أن تم الكشف لأول مرة عن وجود برنامج نووي إيراني، مطلع الالفية الثالثة، وتل أبيب تسعى منذ ذلك الوقت، من خلال أجهزتها الاستخباراتية وعلى رأسهم الموساد، الى معرفة أسرار هذا البرنامج أولاً، وتصفية القائمين عليه من علماء وإداريين ثانياً، واستهداف المنشآت بشتى الوسائل لصعوبة استهدافها عسكرياً ثالثاً.

واستطاع هذا الكيان، تحقيق النجاح في بعض العمليات، إلى أن الإيرانيين سرعان ما استطاعوا التعويض من خلال مضاعفة الجهود. فعندما لجأ الموساد الى اغتيال العلماء، وآخرهم الشهيد فخري زادة، كان رد طهران بمضاعفة اعداد العلماء أكثر فأكثر، حتى باتت البلاد محلية الإنتاج في مجال المعرفة النووية.

وحينما تمكنت إسرائيل من استهداف بعض المنشآت النووية، مثلما حصل هذا العام في الانفجار بمنشأة "نطنز"، كان الرد الإيراني سريعاً، من خلال السرعة في تعويض وإصلاح ما قد تضرر، بل وعبر إنشاء أقسام جديدة بأجهزة طرد مركزي متطورة أكثر، وتسريع مسار رفع نسبة تخصيب اليورانيوم حتى باتت عند مرحلة الـ 60%.

أما على صعيد الاستعلام الاستخباري، فقد ادعى رئيس وزراء الكيان السابق "بنيامين نتنياهو" في العام 2018، خلال مؤتمر صحفي عقده، أن الموساد استطاع أن يستولي في عملية نفذت في ليلة الـ 31 من كانون الثاني، أكثر من50 ألف وثيقة و163 قرصاً من الأرشيف النووي ونقلهم الى الكيان.

فكان الرد الإيراني سريعاً، من خلال ما أعلنته العديد من الجهات الدولية التي أقرت بأن الارشيف لم يتضمن أي معطيات جديدة وحاسمة، تخدم في المعركة ضد البرنامج النووي الإيراني. ولم يكد نتنياهو  يستفيد مما استثمره في هذا المؤتمر سياسياً، حتى اهتزت الساحة الإسرائيلية بالكشف عن نجاح الاستخبارات الايرانية في تسجيل إنجاز غير مسبوق ضد "إسرائيل"، من خلال تجنيد وزير الطاقة والبنى التحتية السابق في الكيان "غونين سيغف". ما يعني أن الإيرانيين استطاعوا تجنيد هذا المستوى السياسي الرفيع، الذي يؤهله منصبه للوصول إلى الكثير من المنشآت الاقتصادية والسياسية والعسكرية إضافة إلى المنشآت السرية، وبالتالي تزويدهم بمعلومات نوعية جداً ومحدَّثة حول كل المنشآت التي تندرج تحت مسؤوليته، أو اطلاعهم على كل المعلومات والمعطيات السرية، التي عرفها حينما كان عضواً في حكومات اسحاق رابين وشمعون بيريس.

مباحثات فيينا بالتوازي مع التهديدات الاستخبارية

أما آخر المعطيات حول هذا الجانب من الصراع في الأسابيع الأخيرة، فهو ما كشفته أوساط متابعة لهذا الصراع، عن إرسال رئيس الموساد "ديفيد برنيع" برسالة الى طهران، تحتوي على معلومات خاصة، تفيد بأنه إن لم تكن مطالب إسرائيل في صلب المحادثات النووية (مباحاثات فيينا)، فإن الموساد سيضع مهاجمة بعض المراكز الحساسة الإيرانية، على جدول أعماله.

وأضاف الموساد في هذه الرسالة، إن لديه جواسيس في مراكز إيران الحساسة قدموا معلومات استخباراتية خاصة إلى تل أبيب، كاشفاً في الرسالة، عن تفاصيل المعلومات "المزعومة" لإثبات اشرافه الاستخباري.

وقد أعطى عملاء الموساد، الخرائط والحیثیات الخاصة لمهاجمة إيران، الأمر الذي دفعهم للإعلان في هذه الرسالة، انهم سوف يهاجمون بعض النقاط في هذا البلد، سواء تم التوقيع على الاتفاق أم لا، لكن مدى شدة هذه الهجمات، يعتمد على مدى تلبية مطالب الكيان، خلال المسار التفاوضي.

 وصلت هذه الرسالة إلى كبار مسؤولي المخابرات الإيرانية عبر قنوات خاصة، وذكر الموساد بشكل غير مباشر، أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، قد وضع على جدول أعماله، خطة شاملة لمهاجمة مراكز محددة وحساسة في إيران. في المقابل ردت طهران برسائل تحذير مماثلة الى تل ابيب.

وتختم الأوساط بأن الجانبین یتبادلان حالیا توجیه التهدید، والاعلان عن الجهوزیة، بمنسوب عالوهذا ما يشير الى أنه قد نشهد في الفترة المقبلة، العديد من فصول حرب الظلال هذه، بل وربما فصول في أشكال الصراعات الأخرى (سيبرانية، عسكرية،...).

وكانت إيران قد توصلت مع السداسية الدولية المعروفة باسم P5 + 1 (الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) إلى اتفاق نووي تاريخي في 14 يوليو / تموز 2015 يحد من برنامج إيران النووي، ويعزز المراقبة في مقابل تخفيف الحظر عن إيران. فيما انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018. 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور