الثلاثاء 25 كانون الثاني , 2022 04:18

الفرق بين حلفاء إيران وأدوات السعودية.. واضح!!

السيد حسن نصر الله والامام السيد علي الخامنئي

من حق كل فريق سياسي بناء العلاقات وتطويرها مع جهات محلية او خارجية من دون ان يشكل ذلك مساسًا بالقوانين والانظمة المحلية او الدولية وانتهاكا للسيادة والاستقلال، وقد جرت العادة في منطقتنا منذ زمن بعيد ان تبني الشخصيات السياسية والاجتماعية والاحزاب والتيارات والجمعيات ووسائل الاعلام وغيرها من العاملين بالشأن العام علاقات مع الخارج لأسباب مختلفة، بعضها مقبول وقانوني ونزيه هدفه تحقيق المصلحة الوطنية، فيما كثير منها لديه غايات خاصة وضيقة ترتبط بشخص الزعيم او المنطقة او الطائفة او الحزب او التيار..

ولا نكشف سرًا ان في المنطقة انقسامًا حادًا بين من محورين أحدهما ينضوي تحت لواء محور المقاومة وتحوز فيه إيران مركزًا متقدمًا وطليعيا، بينما في الجهة الاخرى محور سعودي أميركي تسانده دول خليجية و"اسرائيل"، ويلتصق به احزاب وقوى لبنانية وعراقية وغيرها.

تبقى التساؤلات البديهية والمشروعة هي حول أداء كل فريق وكيف تقوم العلاقات فيما بين مكوناته، بمعنى آخر كيف هي العلاقات القائمة بين ايران وحلفائها، وكيف هي العلاقات بين السعودية والتابعين لها؟ وما هو الضابط والمعيار الذي يحكم علاقات كل فريق؟

للإجابة على هذه التساؤلات من المهم الاشارة الى كلام سابق للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم العاشر من شهر المحرم في 24-10-2015 حيث قال "... انتبهوا لهذه الجملة، عند أميركا يوجد عبيد، عند الطغاة وغزاة المال والنفط والغاز يتعاطون كأسياد مع عبيد، أما نحن سادة عند الولي الفقيه.."، هذا الكلام يحمل في طياته الكثير من المعاني عند البحث حقيقة العلاقة القائمة على الاحترام والتقدير المتبادل بين إيران وحلفائها سواء في لبنان او فلسطين او العراق واليمن وغيرها من الدول.. ومن جهة اخرى بين المتعاملين (في مختلف الدول) مع السعودية ومن يقف خلفها لا سيما الادارة الاميركية او بعض الادارات الغربية.

علاقة الامام الخامنئي بالسيد نصر الله 
إن حلفاء ايران هم أصحاب قرارهم الوطني الحر يتخذونه باستقلالية بناء لتقييمهم لاعتباراتهم الداخلية المحضة ووفقا لما يرونه من مصلحة وطنية في بلدانهم، والامثلة على ذلك عديدة منها ما يتعلق بحزب الله في لبنان، حيث العلاقة بين طهران وبيروت تحكمها المودة والاحترام المتبادل، وهنا لا بد من الاشارة ايضا الى العلاقة الروحية التي تربط قائد الثورة السلامية السيد علي الخامنئي بالسيد حسن نصر الله، ويشير اليها مدير مكتب القائد آية الله السيد حجازي الى بعض ضيوفه اللبنايين ويقول ان الفرحة والحبور والابتسامة لا تفارق محيا الامام الخامنئي عند لقائه بالسيد نصر الله، فهو يستقبله كما يستقبل ابنه العائد من السفر، اما في السياسة، فتؤكد مصادر من صلب النظام ان السيد الخامنئي أوصى المسؤولين الايرانيين لا سيما الجهاز الدبلوماسي بضرورة استشارة السيد نصر الله قبل أي خطوة او اجراء او قرار بما يخص كافة الدول العربية، وان رأي السيد نصر الله هو الرأي الحاسم والنهائي في القضايا العربية عموما واللبنانية على وجه الخصوص. وهنا ربما يصبح الحديث معكوساً، أي ما مدى تأثير السيد نصر الله في ايران والقرار السياسي فيها وسياساتها الخارجية مع الدول العربية! وأي دولة في العالم تتعامل مع حلفائها بهذه الطريقة التي تتيح لهم كل هذه الصلاحيات الواسعة، هي الشراكة الحقيقية اذن، وتحالف الأخوة في العقيدة والهدف، لا علاقة الرئيس والمرؤس او التابع والمتبوع.

ايران والمقاومة الفلسطينية
وبنفس السياق، تأتي علاقة إيران بحلفائها في المقاومة الفلسطينية حيث تؤكد قيادة الفصائل أن طهران لم تطلب منها يوما القيام بأي عمل أو اي خطوة من أجلها، وأنها هي التي تقدّر كيف تمارس حقوقها بالرد على اي عدوان اسرائيلي، او المساس بحقوق الاسرى والشعب الفلسطيني بدون اي طلب او تدخل ايراني، على الرغم من الدعم اللامحدود من قبل الجمهورية الاسلامية لكافة فصائل المقاومة بدون استثناء، بل أبعد من ذلك، ان الجمهورية الاسلامية اليوم هي من يدفع ثمن علاقتها بحماس والجهاد والمقاومة الفلسطينية ويفرض عليها الحصار الاميركي والغربي منذ عقود، وجل ما يطلبه هؤلاء لإنهاء كافة القضايا العالقة بيمه طهران بما فيها الازمة النووية هو فك الارتباط مع هذه الحركات ووقف دعمها للمقاومة، وهذا ما صرح به للعلن وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو قبل سنوات.

حماس تعارض طهران وتتلقى الدعم والسلاح منها
رغم الخلاف بين طهران وحماس على خلفية الحرب على سوريا، وتورط بعض قيادتها بالحرب ضد الرئيس السوري بشار الاسد، بل أحيانا خاض بعضهم المعارك في مخيم اليرموك ضد الجيش السوري، مستفيدين من التدريبات والتكتيكات التي اكتسبوها من مدربي حرس الثورة الاسلامية وحزب الله، الا ان هذا الامر لم يدفع ايران الى الضغط على حماس وقيادتها، او وقف الدعم السياسي والاعلامي والعسكري، بل كان مستغربا ان تواصل طهران ارسال المبالغ المالية الطائلة لحماس فيما بعض مسؤوليها منغمسون في الحرب السورية وكانوا يطلقون التصريحات يوميا ضد سوريا أحد اهم حلفاء ايران وركن من اركان محور المقاومة، وهذا الامر يدل بوضوح ان حلفاء ايران لا ينفذون اجندتها ولا يئتمرون بأوامرها، بل يتصرفون بما يرونه مناسبًا حتى لو اصطدموا مع الجمهورية الاسلامية، وتجربة سوريا خير برهان.

ونفس السيناريو يحصل في العلاقة بين طهران والقوى العراقية المختلفة التي حازت سابقا كل الدعم السياسي والعسكري لمواجهة الاحتلال الاميركي وعدوان تنظيم "داعش" الوهابي الارهابي، فاليوم نرى بعض القوى العراقية تتخذ مواقف وتطلق تصريحات لا تصب بمصلحة ايران، بل تصب في كثير من الاحيان في مصلحة السعودية والولايات المتحدة بدون ان نجد اي اعتراض او مطالبة ايرانية كمقابل للدعم الذي قدمته وما تزال.

انصار الله في اليمن: المصلحة الوطنية لا اجندات خارجية
إن أحد أبرز الامثلة على طبيعة العلاقة بين ايران وحلفائها ومدى استقلالية الحلفاء باتخاذ قراراتهم، ما نشر في وسائل الاعلام مؤخرا ان "الإمارات تواصلت مع طهران لتتوسط لها مع انصار الله في اليمن، للقول أن لا علاقة لأبو ظبي بالغارات التي استهدفت صعدة أو بالمعارك الجارية في الحديدة وبالقصف الذي استهدفها وان التصعيد هو اميركي سعودي فقط.. وذلك خوفا من الرد اليمني المتوقع على المجازر التي ارتكبتها قوى العدوان الاماراتي السعودي الاميركي الاخيرة في اليمن"، ولفتت المصادر الى ان "الرد الايراني كان واضحا ان القرار بيد أنصار الله وحدهم..."، وبالفعل جاء الرد اليمني رغم الوساطات بعملية اعصار اليمن الثانية.

أما اذا انتقلنا الى المقلب الآخر حيث الاطراف المتعاملة مع النظام السعودي فنجدها تابعة بشكل كامل للرياض وتأتمر بكل ما يصدر عنها، وهنا يمكن الاشارة الى بعض الامثلة: من اليمنيين كعبد ربه منصور هادي الذي يغيب بشكل كامل عن المشهد وما يجري في اليمن بينما هو وأعضاء حكومته نزلاء بالفنادق السعودية، وينتظرون ما تقرره عنهم القيادة هناك.  

وسائل اعلام لبنانية بتمويل خليجي
ومن الأمثلة الفاقعة على التبعية والرضوخ للقرار السعودي، يمكن متابعة الادوات الاعلامية والسياسية في لبنان، فهناك وسائل اعلامية وكتاب وشخصيات لبنانية معروفة تعمل بناء لقرار سعودي بمهاجمة هذه الجهة او تلك، وبث برامج تحريضية على فئة لبنانية معينة وبالتحديد على حزب الله والمقاومة وحلفائها، وتعمد هذه الوسائل لقلب الحقائق والمعايير خدمة لسياسة السعودية في لبنان وتحميل تبعات كل ما يجري من انهيار اقتصادي ومؤسساتي في الدولة لايران والمقاومة، علما ان الكون كله يدرك ان حلفاء السعودية وعلى رأسهم "الحريرية السياسية والاقتصادية" هم من حكموا لبنان خاصة ما بعد اتفاق الطائف.

فرقة الردح العربية بأموال سعودية اماراتية
كما يمكن الاشارة الى مواقف العديد من الشخصيات السياسية الرسمية وغير الرسمية التي تتزلف للسعودية وقيادتها وتشكل فرقة الردح العربية التابعة لها (خاصة عند المسارعة لاستنكار الردود اليمنية المشروعة على جرائم العدوان وغض النظر عن كل المجازر التي ترتكتب بحق الشعب اليمني)، وذلك في محاولة من هذه الشخصيات للفت النظر بوجودهم وامكانية دعمهم من قبل السعودية للبقاء في مناصبهم او للفوز بالانتخابات النيابية المقبلة، وهنا يمثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رأس حربة لتبني المشروع السعودي الهادف لحصار لبنان وتجويع شعبه وافتعال الفتن الداخلية المتنقلة.

الحريري والعلاقة مع السعودية!
إن الرضوخ للإرادة السعودية يمثلها بأبهى صورها اليوم على الساحة اللبنانية، رئيس تيار المستقبل سعد الدين الحريري الذي نجده منذ فترة تائها لا يعرف ماذا يفعل في ظل عدم اكتراث القيادة السعودية له وبالاخص ولي العهد محمد بن سلمان، وقد روّج الحريري منذ فترة انه تحول من رجل سياسة الى رجل أعمال يهتم ببعض المشاريع في الإمارات وغيرها من الدول، حتى وصل الى قرار إعلان انسحابه من الحياة السياسية في ظل رفض نواب كتلته النيابية وكثير من جمهور "المستقبل" وأيضا شخصيات سياسية لبنانية لمثل هذا القرار، مع انتشار معلومات مفادها ان ضغوطا اقليمية (سعودية) فرضت على الحريري لتعليق العمل السياسي وعدم الترشح في الانتخابات النيابية القادمة.

ومواقف الحريري الحالية تعيد الى الذاكرة كيفية استدعائه الى الرياض في خريف العام 2017 حيث أجبر على تقديم استقالته مباشرة على الهواء، وبالسياق ذكرت مجلة "ذي نيويوركر" الأميركية في تقرير لها يوم 2-4-2018 حيث قالت "سعد كان يفكر في أن كل مشاكله مع ابن سلمان ستحل، لكن، بدلا من ذلك، في الرياض واجهته الشرطة، التي احتجزته، احتُجز الحريري لمدة 11 ساعة، وضع السعوديون الحريري على كرسي، وصفعوه مرارا وتكرارا..."، لعل هذه الكلمات تلخص كيفية تعاطي السعودية مع التابعين لها أو أدواتها في المنطقة وما درجت العادة على تسميتهم خطأ بـ"الحلفاء".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور