الجمعة 04 آذار , 2022 05:24

تحركات أمريكية مريبة في سوريا بالتزامن مع العملية الروسية في أوكرانيا

الوضع الامريكي المستجد في سوريا

تتسارع أحداث الفوضى مؤخراً، في مختلف المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السورية، شمالًا وشرقًا وجنوبًا، والتي لا يمكن أن تصبّ إلا في خدمة النفوذ الأمريكي. الذي لا يخفي رغبته في بقاء الوضع في هذا البلد، ضمن حالة اللاستقرار، وهو ما يتمظهر في وجوده المباشر ودعمه للحركات الانفصالية والإرهابية.

ويمكن الاستدلال على هذا الواقع بوجود عدة معطيات تكاد تكون مؤشرات، بل ونقاط تحوّل في السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار، بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتداعياتها، فإن المعطيات تكاد تشير جميعها، الى أن هنالك مرحلة تحوّل جديدة للسياسة الأمريكية قد بدأت في سوريا، أو يمكن أن تكون بداية التمهيد لها.  

التحوّل في الحركة الأمريكية في مناطق شمال شرقي وغربي سوريا

تستعيد مناطق سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التحركات العسكرية والسياسية بزخم أكبر، بعد حادثة سجن الصناعة. في مسار يخشى بأن يكون بداية قبضها لأوراق سياسية ملموسة مقابل وكالتها في منع استقرار البلاد.

سياسيًّا، أنهت لجنة ما يسمى بـ" صياغة العقد الاجتماعي" هناك مناقشة البنود، والعزم على إجراء انتخابات بعد تصديق لمجلس العام على العقد. أما عسكريًّا، فلا تزال عمليات التمشيط والترهيب للمدنيين مستمرة في الحسكة، بذريعة ملاحقة "العناصر الهاربة". كما أطلقت قسد عمليات عسكرية وأمنية باتجاه ريف حلب الشمالي، حيث تنتشر الفصائل الإرهابية المدعومة تركيًّا. تزامنت مع إطلاق الأخيرة لعملية "نسر الشتاء" ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في محافظتي الحسكة السورية ونينوى العراقية، واستهدافها لمواقع تابعة لقسد شرقي الفرات.

وتشهد العلاقة بين قسد وحزب العمال الكردستاني تغيرًا لافتًا في طبيعة ومستوى العلاقة، إذ انتقلت من تجنّب قائد قسد مظلوم عبدي، الإعلان عن المشاركة في أي احتفال لـ"حركة الشبيبة الثورية" التابع لحزب العمال الكردستاني، إلى المجاهرة بذلك، بل وإظهار زيادة مستوى التفاعل والمشاركة بين الطرفين. وقد حضر عبدي منذ مطلع العام الجاري ثلاثة اجتماعات دورية شهرية وسنوية لحركة الشبيبة. وإذ يطرح هذا التحوّل تساؤلات عدّة لجهة ما إذا كان ذلك يستتبع مخاطر على قسد أو فوائد، وعمّا إذا كان عبدي يمكن أن يتحرّك خارج الغطاء الأمريكي. والأهم، عن ماهية الثمن المقابل الذي لا بد وأن يكون المقبوض منه أعلى من المدفوع، ولصالح الأمريكيين بالدرجة الأولى.

وهناك عوامل عدة مساعدة على إثارة الريبة والشك في النوايا الأمريكية، من أبرزها:

أولًا: الجهد الأمريكي الذي بقي حتى فترة قريبة يروّج لعدم وجود ارتباط بين وكيله "قسد" وحزب العمال الكردستاني، بغية تفادي المجلس السياسي لقوات سوريا الديمقراطية "مسد"، في المحافل الدولية لشبهة التورّط مع الحزب المصنّف إرهابيًّا. ولمحاولة طمأنة الجانب التركي من التهديد الكردي على حدوده.

وسواء كان الأمريكي عازمًا فعليًّا على "شرعنة" الوجود الكردي في المحافل الدولية، أو كان يناور مع الأكراد لتحصيل المزيد من المكاسب، فإنّ المواقف الرسمية والميدانية والبحثية كانت تتجه كلها، نحو عدم وجود تشارك عملياتي أو ميداني من شأنه أن يعرقل مساعي واشنطن في دخول "مسد" إلى المحافل الدولية.  

وعليه، فقد تكون محاولة "قسد" الحفاظ على العلاقة مع حزب العمال الكردستاني، تؤطرها السياسة البراغماتية الأمريكية، التي تغضّ الطرف عن هذا التحوّل لصالح محاولة تحقيق اختراق أكبر للمناطق ذات الغالبية العربية، وقطع الطريق أمام تعزيز المقاومة الشعبية الرافضة لسياسات قسد والاحتلال الأمريكي، مع تأمين منافذ أكبر لأكراد شمال شرقي سوريا في ظل الحاجة إلى فتح المعابر، وتحديدًا معبر "سيمالكا"، مع إقليم كردستان العراق. ويعزّز هذا التعليل عدة عوامل:

1)ضعف حديث "قسد" عن حاجتها إلى موارد بشرية.

2)تأكيد الأمريكي على الالتزام بدعم "قسد" وعدم إعطاء أنقرة الضوء الأخضر الذي تحتاجه للقيام بأي عملية عسكرية في مناطقها.

3)المساعي الأمريكية الأخيرة في التعامل مع إنجاح الحوار الكردي-الكردي كأولوية.

4)رسائل الردع الدائمة بين واشنطن وأنقرة في مناطق خفض التصعيد لاكتساب أكبر عدد ممكن من الأوراق السياسية.

5)إعادة افتتاح معبر "سيمالكا" في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني/يناير بعد وساطات أمريكية تابعتها مع أربيل منذ بداية الشهر، وشخصيًّا من خلال نائب المبعوث الرئاسي لمتابعة ملف الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي السفير "ماتيو بيرل"، وعبر مكتب عملية الانتقال السياسي في سوريا.

أي بمعنى آخر، تجرّب واشنطن منحى آخرًا في تثقيل التجاذبات مع تركيا من جهة، وتقويض نفوذ الحكومة السورية وحلفائها من جهة أخرى.

وتكاد تمثّل عملية القوات الأمريكية الخاصة في إدلب ضد زعيم تنظيم داعش الوهابي الإرهابي، لرأب الإخفاقات وتخفيف وطأة الانتقادات عن إدارة بايدن، إمّا هدفًا أمريكيًا قويًّا في المرمى التركي، أو صفقة غير معلنة بين واشنطن وأنقرة، قد تظهر تفاصيلها لاحقًا.

ثانيًا: تحاول إدارة بايدن منذ فترة إنجاح الحوار الكردي- الكردي، رغم ما يصطدم به من عراقيل وحواجز. وخلال فترة الأشهر القليلة الماضية، تكثفت الحركة الأمريكية الدبلوماسية في المنطقة، من خلال عقد اجتماعات وتنسيق لقاءات مع مختلف الأطراف الكردية.

ولعلّ اهم اهداف واشنطن من ذلك، هو تشكيل تكتّل كردي صلب يؤمّن لها أوراق سياسية مع موسكو ودمشق. وهنا، لا بد الالتفات إلى أنّه، وخلال شهر كانون الثاني/يناير، عقدت لجنة مصغرة (30 عضوًا)، انبثقت عن اللجنة الموسّعة (158 عضوًا) التي شكّلتها الإدارة الذاتية التابعة لـ "قسد" في منتصف العام الماضي، عدّة اجتماعات في مدينة الحسكة لكتابة مواد مسودة دستور خاص بمناطق سيطرتها، يتناول جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ترافقت هذه المساعي خلال الشهر، مع تحميل فريق الاستجابة والانتقال في سوريا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية للدولة السورية، مسؤولية عدم كتابة اللجنة الدستورية مسودة دستور جديد، وإعاقة الوصول إلى حل سياسي تحت البند 2254، بالتوازي مع التركيز على الالتزام بالحلفاء والشركاء في الحل.

إن هذه الرسائل الأمريكية تلقّفها الكرملين جيدًا كما يبدو، خاصة في ظل الرسائل المكثّفة أثناء الازمة الأوكرانية، بالاستفادة من واقع الساحة السورية في الردع المتبادل. الأمر الذي قد تفسّره مبادرة نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف"، في الأسبوع الثالث من شهر شباط، حول ضرورة مشاركة ممثلي الأكراد في عملية الإصلاح الدستوري بسوريا.

ويظهر أن الرد الأمريكي لم يتأخّر كثيرًا، حيث نظّم المركز الأوروبي للدراسات الكردية، ومقرّه برلين مؤخّرًاً، ورشة عمل على مدى ثلاثة أيام في أربيل، لمناقشة مسودة دستور "كردستان سوريا". وقدّم المركز مقترحًا لإدارة المناطق الكردية في سوريا، يهدف إلى بناء نموذج "كردستان سوريا" شبيه بنموذج "كردستان العراق".

اللافت في هذا الطرح الأوروبي وجود مدينة القامشلي وعفرين ضمن المقترح بالرغم من خصوصية كليهما. فالأولى تخضع في قسم منها لسيطرة الجيش الروسي، بحكم الأمر الواقع بظل وجود قواعد روسية في المنطقة، والثانية للسيطرة التركية.

وفي هذا السياق، فإنه من الجدير التذكير بما تعانيه مناطق سيطرة مسلحي ما يعرَف بـ"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، بعد عمليات "درع الفرات" و "غصن الزيتون" و "نبع السلام" في سوريا. ما دفع بالشعب إلى الخروج في تظاهرات ضد المجالس المحلية التابعة لأنقرة، وقد اتسعت رقعتها الجغرافية حتى طالت بلدات منطقة عفرين.

ثالثًا: مع مطلع كانون الثاني/يناير، أعلن مظلوم عبدي عن مساعٍ أمريكية للتوصّل إلى اتفاق بين شرق الفرات وغربه، بما يضغط على الدولة السورية، لتقبّل الإدارة الذاتية دستوريًّا وتعترف بكل من "قسد" و "الأسايش". كما أعرب عن رغبة كردية في حل الخلاف مع تركيا بالحوار، والتنصّل من تحمّل مسؤولية الخلاف بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، بإعلان أن قسد ليست طرفًا في الحرب بين الطرفين. هذا، وقد ختم عبدي قوله باعتقاده أن العام 2022 سيشهد، بداية خطوات تحويل بقاء القوات الأمريكية إلى أرضية، للوصول إلى الحل السياسي وتقدّم العملية السياسية.  

يتزامن هذا الحديث مع محاولات أمريكية لاستعادة احتضان أنقرة، كضابط إيقاع امريكي في المنطقة، بالاستفادة من الأزمات المتنوعة في حكومة أردوغان، سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي، في ظل الاستحقاق الانتخابي المقبل، وأزمة ترسيم حدود النفط والطاقة في المنطقة وتقسيم الحصص.

وقد تكون انقرة قد قدّمت فعلًا أوراق اعتمادها مجدّدًا، عبر بوابة الكيان المؤقّت، باستثمار تراجع التنسيق الروسي الإسرائيلي الأولي والنسبي في سوريا. وقد تكون أولى هذه الأوراق هي العملية الأمريكية التي استهدفت زعيم داعش أبو إبراهيم القرشي، في منطقة أطمة السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة على الحدود مع تركيا، بما يعني ذلك ضمن سيطرة الأخيرة الاستخباراتية والأمنية والعسكرية على المنطقة، ويعكس وجود تواطؤ تركي أمريكي. 

وتشير الأوضاع الميدانية في مناطق شمالي غرب سوريا، إلى المسعى الأمريكي التركي لإبقاء المنطقة ساحة استنزاف للسيادة السورية. فالتصعيد العسكري في شمال غربي سوريا، والتوترات الأمنية في إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وشمال غربي حماه، إلى جانب الاستهداف التركي لمناطق ريفي تل أبيض وعين عيسى الغربي والطريق الدولي، كلٌّها تساهم بدورها في نشر الفوضى وعدم الاستقرار، وتعميق معاناة المواطنين ورفع مستوى العبء على الدولة السورية.

أمّا وقد بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فقد شهدت مناطق شمال شرقي سوريا وغربها حركة أمريكية مستجدة، يرجّح أن تكون بمثابة مؤشر على تفعيل رسائل الردع في سوريا، بما قد يحتمل معه زيادة الضغط على دمشق، أو بما قد يزيد معه أيضًا، من نسبة التهديد والمخاطر فيها.

ويسجّل من أبرز هذه الإجراءات، قيام قسد بهجوم على موقع للجيش السوري، المتواجد على خطوط التماس مع الجماعات الإرهابية الموالية لتركيا، وتحديدًا في منطقة ريف تل تمر في ريف الحسكة. بالإضافة الى انتهاك تركيا لاتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا في العام 2019، إثر استهداف الأولى، لقرى خطوط الجبهة بين قوات "مجلس منبج العسكري" والفصائل الموالية لأنقرة، في مناطق منبج والشيخ ناصر.

لقد شهدت مناطق خفض التصعيد شمال غربي سوريا، تصعيدًا عسكريًّا وقصفًا بين الجماعات الإرهابية والجيش السوري، وقد شارك بالقصف فصائل "غرفة عمليات الفتح المبين" التي تضم "هيئة تحرير الشام" وجيش "العزة".

أما سياسيًّا، فقد بدأت رسائل الضغط تتّضح معالمها مع المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون"، الذي أعلن عن قلقه من صعوبة الدبلوماسية السياسية في سوريا، وتأثير الحرب على عرقلة الحل السياسي وفق القرار 2254.

كما بادرت واشنطن إلى دعوة حلفائها في الملف السوري -من مبعوثي الدول الأوروبية والعربية والاتحاد الأوروبي- إلى اجتماع تنسيقي يوم الخميس الواقع في الـ 3 من آذار/مارس، للتداول بشأن تداعيات الحرب على الساحة السورية. واللافت، توجيه واشنطن الدعوة لأنقرة، في خطوة لا لبس في دلالتها على محاولاتها احتضان تركيا، لأهمية تأثير اصطفاف الأخيرة، وحساسية دورها في المرحلة المقبلة.

حركة التحوّل الأمريكية في الجنوب السوري

تشهد مناطق الجنوب وتحديدًا محافظة السويداء، منذ نهاية الأسبوع الأول من شهر شباط/فبراير الجاري، عودة للاحتجاجات الشعبية بذريعة قرارات الحكومة السورية رفع الدعم. لكن الهتافات لم تكن ذات طابع معيشي كما يروّج له، فالشعارات السياسية المنددة بالدولة السورية اخترقت التجمعات. والدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوقفة مماثلة في بقية المناطق، ومنها حي جرمانا في دمشق بغالبيته الدرزية والمسيحية، دليل قوي على الأهداف المغرضة من وراء التحركات في إثارة النعرات الطائفية والمقامرة بوتر الأقليات. وقد تطوّرت الاحتجاجات إلى المطالبة بـ "إسقاط النظام" وإقامة "إدارة ذاتية مؤقتة"، الأمر الذي يعني أنّ الحرب العسكرية توقفت في الداخل السوري، لكن الحرب الناعمة الأكثر خطورة وتهديدًا على المجتمع السوري، لم تسقط عن طاولة خيارات المتآمرين على الدولة السورية عبر نشر الفوضى وعمليات التخريب.

يدعم القول بهذا المخطط وجود عدة مؤشرات، قد تكون مرتبطة بمخطط أكثر خطورة، قد يعيد إلى المشهد السوري دور غرف العمليات العسكرية، الموك، في إدارة حروب المنطقة الرمادية وتعزيزها داخل سوريا.

أولى المؤشرات هي الحالة الأمنية المتردية في درعا، التي تعكس حالة من التوتر الشديد نتيجة حوادث الاغتيالات والاختطاف والانفجارات والاستهداف، الذي يطال بشكل خاص العسكريين من الجيش السوري وقوات الأمن وعناصر التسوية.

أضف إلى ذلك وجود بعض المعلومات الخاصة حول لقاء جرى في الأردن جمع بين الجماعات المسلحة في درعا. الوضع الذي يحتمل معه بدء تحرّك مماثل لاحتجاجات السويداء في كل من محافظتي درعا والقنيطرة، علمًا أنّ عمان رعت اتصالًا بين دروز الأردن ودروز السويداء، ويحتمل أن يكون دروز الأردن قد أخذوا على عاتقهم دور الواجهة الأمامية لدروز الكيان المؤقت، في اختراق الشارع الدرزي الممانع.

 ومع نهاية شهر شباط/فبراير، وأثناء الحذر الإسرائيلي في التعامل مع العملية الروسية في أوكرانيا، أعلنت "لجنة التواصل الدرزية لعرب 48" نيّتها تسيير قافلة من المساعدات العاجلة إلى السويداء، جُمعت من دروز الخليل والكرمل، ضمن ما يسمّونه "مشروع التواصل العربي"، بمساعدة من الأمم المتحدة عبر معبر القنيطرة. علمًا أن دمشق لم تتلقّ طلباً من أيّ جهة أممية، لدخول مثل هذه القافلة حتى صباح يوم الـ 27/2/2022.

وبالنظر لخطورة أهداف الخطوة وتداعياتها في الجنوب السوري، فقد نظّم أهالي المنطقة وقفة احتجاجية عند إحدى النقاط الحدودية مع الجولان المحتل في محافظة القنيطرة، رفضًا لما رأوا فيه شكلًا من أشكال التطبيع المبطّن.

أمّا المؤشر الثاني فهو تعاظم النشاط العسكري والاستخباراتي الأردني على الحدود الأردنية السورية، بذريعة مكافحة التهريب والتسلّل، مع التركيز على عنوان مكافحة تهريب المخدرات من سوريا.

وقد تُوّج تعزيز النشاط العملياتي والتخطيطي، بزيارتين للملك الأردني إلى الحدود، كما تمّ تزويد الحرس الحدودي بكتائب مشاة إضافية وآليات خفيفة ووحدات استطلاع مزودة بكاميرات مراقبة، إضافة إلى وحدات مدفعية متوسطة وثقيلة. ولم يتوقف رفع مستوى التجهيز والاستعداد على الجانب العسكري، بل طال الشق الأمني والاستخباراتي في زيادة الجهد الأردني الاستخباراتي المكثف، وتزويده من قبل الأمريكيين بأجهزة للاستطلاع والحرب الإلكترونية واستشعارات حرارية على طول الحدود.

وفي معرض دعم الحدود الأردنية السورية، كان لافتًا قبول وجهاء مخيم الركبان للاجئين في الأسبوع الأول من الشهر الجاري بالعرض الأمريكي، في قاعدة التنف، لتطبيع الأوضاع معهم وصولًا إلى إجراء مصالحة بينهم وبين الجانب الأردني، بما يؤمّن للأخير التفرّغ لإدارة الأوضاع في الجنوب، وتحريكها وفق الأجندة الأمريكية.

خلاصة وتوصيات

إنّ الدولة السورية اليوم بكل مكوناتها وأطيافها، أمام استحقاق بغاية الحساسية لجهة الحفاظ على انتصاراتها التي دفع ثمنها تضحيات وبطولات أبنائها. فالحرب الكونية الإرهابية تحوّلت إلى استراتيجية احتواء، تسعى لتفكيك المفاصل من الداخل، بأية آلية يمكن أن تقدم فعالية اعتمادها، سواء عبر داعش أو محاولة إحياء الثورات الملونة أو الخنق الاقتصادي. وتكمن الخطورة في أنّ الهدف لم يعد إسقاط الدولة كما كان سابقًا، وإنّما يكفي إحداث اهتزازات متتالية تمنعها من استعادة قوتها وعافيتها، وتترك ارتدادات على المدى المتوسط والبعيد.

ويظهر بأن الأمريكي يتجّه لرفع المناورة مع الروسي والدولة السورية، حول حكم ما يسمى بالمناطق الإدارة الذاتية، وتفعيل غرف التخطيط "الظلامية".

وفي حال اتخذت الإدارة الامريكية خيار عدم الفصل في الملفات، وهو الأكثر ترجيحًا وفق المؤشرات الميدانية والسياسية حتى اللحظة، فإنها قد تتخذ من تداعيات العملية الروسية في أوكرانيا، عوامل ضاغطة على موسكو من البوابة السورية، اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، بالاستفادة من تعدد اللاعبين وساحات "حكم الأمر الواقع". الأمر الذي يحتاج إلى مزيد التماسك الداخلي والالتفاف حول الدولة التي عليها رفع مستوى الجهوزية، وربما رفع مستوى رسائل الردع، والمبادرات الاستباقية، وفق ميزان المصالح والفوائد.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور