الخميس 14 تموز , 2022 04:42

16 عاماً على حرب تموز: ماذا أنتجت؟

مليتا

16 عاماً مضت على الإنتصار الكبير الذي حققته المقاومة في عدوان تموز 2006، كسرت من خلاله مشروع "إسرائيل" الكبرى، وأفشلت المخطط الأميركي لرسم شرق أوسط، مقسمة دوله، تابع بشكل كلي للولايات المتحدة الأميركية. 16 عاماً كتب فيها مجد لبنان وتاريخه المقاوم، ومذاك رسمت المقاومة معادلات عسكرية وأمنية وسياسية لا يمكن فهمها إلا بقراءة حجم تقارب المصالح الأميركية – الإسرائيلية من هذه الحرب، والتي يختصرها مشروع الشرق الأوسط الكبير، بأهداف هي القضاء على المقاومة، وتقسيم لبنان إلى دويلات طائفية، والحفاظ على أمن الكيان، فكانت هزيمة امريكا واسرائيل هزيمة استراتيجية ونقطة تحول لكل المنطقة إنطلاقاً من إفشال هذا المخطط، وهذا ما يتطلب تأريخ هذه المحطة الأساسية والكبرى في عمر منطقة الشرق الأوسط والصراع مع العدو.

منذ أحداث أيلول وغزو أفغانستان ثم غزو العراق، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تعدّ العدة لشرق أوسط جديد، يقوم في الأساس على حفظ أمن الكيان الإسرائيلي المؤقت وإعطاءه الأهمية الكبرى، بحيث تستطيع الإدارة الأميركية رسم خارطة المنطقة وفق رؤيتها وفرض إرادتها على دولها، ومن ثم التفرغ لأزمات أخرى وملفات مختلفة في غير منطقة من العالم.

أولاً: حرب بالوكالة

وفي إطار مشروعها الأكبر للهيمنة، أتت حرب تموز 2006، والتي تعدّ إحدى الحروب بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية، علماً ان حرب "تدمير لبنان"، كما وصفها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لا تختلف كثيراً عن حرب تدمير العراق، وكان هدفها الأساسي والمعلن هو القضاء على حزب الله ونزع سلاحه، ومن ثم تدمير لبنان اقتصادياً ومحاولة تفتيته. لذلك كانت هذه الحرب هي الخطوة الأساس لتحقيق فكرة الولايات المتحدة الأميركية عن قيام شرق أوسط جديد، تكون فيه "إسرائيل" المركز السياسي والاقتصادي.

ولا شك أن هذه الحرب كان مخططاً لها وهو ما أجمع عليه الكثير من المحللين، سواءٌ حدثت عملية أسر الجنديين الإسرائيليين أم لم تحدث، إلا أن توقيتها هو الذي تغير بعد أن استطاعت المقاومة أسر الجنديين، وأصبح الوقت وعنصر المفاجئة بعيداً عما كان يخطط له الأميركي والإسرائيلي، وذلك في محاولة لرسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط بحياكة أميركية ولباس إسرائيلي، وهو ما يتلاءم مع مصلحة الكيان المؤقت.

وقت ذاك أعلن رئيس حكومة العدو الأسبق إيهود أولمرت، منذ اليوم الأول لبدء العمليات العسكرية في لبنان، من أن هذه العمليات ستستغرق وقتاً، ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها. وهذه الأهداف كانت معدة مسبقاً ومتفق عليها مع الولايات المتحدة الأميركية، وتقوم "إسرائيل" بتنفيذها نيابة عنها، ويؤكد ذلك الدعم الأميركي المطلق للكيان الإسرائيلي، والذي بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى لبدء تلك الأزمة، " وذلك على النحو الآتي:

- تأكيد الرئيس الأميركي جورج بوش الأبن أن "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها.

- إعلان وزيرة الخارجية الأميركية وقتها، كونداليزا رايس، قبيل توجهها لحضور مؤتمر روما حول لبنان، أن لا حديث عن وقف إطلاق النار قبل أن ينسحب حزب الله لمسافة 20 كم بعيداً عن الحدود، وإطلاق الجنديين الإسرائيليين، بالإضافة إلى قبول نشر قوات دولية في لبنان على طول الحدود اللبنانية مع "إسرائيل" ومع سورية.

- وفي تصريح ثانٍ، قالت رايس إن "ما يجري هو البداية لشرق أوسط جديد". ولتنفيذ هذا التوجه الأميركي- الإسرائيلي، المتفق عليه مسبقاً، تعمّدت الولايات المتحدة الأميركية، علناً، عرقلة الجهود الدولية والإقليمية للوقف الفوري والسريع لإطلاق النار في لبنان. وقد أثبت ذلك ما حدث في مجلس الأمن، وفي اجتماعات الدول الثماني الكبرى، التي عقدت في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، في الفترة من 15 إلى 17 تموز 2006، وما حدث في 27 تموز في مؤتمر روما الدولي الخاص ببحث الأزمة اللبنانية والوضع في لبنان.

- مسارعة واشنطن إلى مدّ "إسرائيل" بجسر جوي عسكري.

ـ- قامت واشنطن بحشد الرأي العام الدولي، لكي يُتاح لها التدخل لفرض الشروط لإقامة ما سمّوه الشرق الأوسط الجديد.

وكانت أولى أدوات تسويغ هذه الحرب الترويج بأنها حرب ضد حزب الله، ذلك الحزب الإرهابي ومن هنا بدأت محاولات استمالة بعض السياسيين في لبنان وغيره، كي يسهل على المعتدين عزل لبنان وحرمانه من التضامن العربي، وهذا كان أيضاً يعدّ مقدمة لتقسيم لبنان، وقد برز بوضوح البعد الإقليمي والدولي للأزمة اللبنانية في مناقشات مجلس الأمن، إذ انحازت الإدارة الأميركية كلياً إلى جانب "إسرائيل".  

ثانياً: الأهداف الحقيقية للحرب

وقد أجمعت الدراسات والقراءات للحرب على أن المشروع كان يقوم بتقسيم الشرق الأوسط، ورسمه وفق خط جيوسياسية أميركية، يكون للولايات المتحدة الأميركية من خلالها القدرة على الهيمنة والسيطرة، بحيث تكون هي من تحكم البلاد في هذه المنطقة، أو أن تكون كل دولها تابعة للولايات المتحدة، وقد ربطت واشنطن بين الحرب وبين الدور الإيراني والملف النووي، فالحرب شُنت إستباقياً على حزب الله لإضعاف دور المقاومة وبالتالي إيران ومحاصرتها، وللتخلص من تهديد حزب الله الصاروخي اذا اندلعت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية- أو الأميركية - الإيرانية. وتشير دراسة بعنوان: "التداعيات الاقليمية للحرب الاسرائيلية على لبنان"، نشرت في مجلة الدفاع الوطني اللبناني عدد تشرين الأول 2006، إنه "إثر ما كانت تشهده أميركا من تعثّر واضح في العراق، وعودة لعمليات طالبان في أفغانستان، وعناد إيران النووي، وانزعاج عربي من السياسة الأميركية في العراق التي أتاحت لإيران التمدد وزيادة نفوذها، كان على الولايات المتحدة أن تضع حداً لذلك التراجع المتدحرج، ولتزايد الإنتقادات لإدارتها السيئة للحرب على العراق، وأن تحقق انتصاراً مدوياً يعيد خلط الأوراق في لبنان وفلسطين والعراق، ويجعل إيران أكثر انصياعاً للمطالب الأميركية – الأوروبية ولكي يجعل هذا الانتصار الشرق الأوسط أكثر انسجاماً مع الرؤية الجديدة له"، وكانت "إسرائيل" بدورها تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة الاعتبار لهيبة جيشها بعد الإندحار المذل من لبنان في العام 2000 وإلى قدرته على الردع التي تتراجع منذ حرب تشرين في العام 1973، مروراً بالانتفاضة والمقاومة في لبنان، من دون أن يسجّل هذا الجيش نجاحات بارزة في تلك المواجهات.

شوكان هدف القضاء على حزب الله سوف يثبت الانتصار الأميركي في لبنان، ويضعف حليفته سوريا ويمهد الطريق من دون تردد أمام الخيار العسكري للتعامل مع إيران، وبهذا تكون الحرب هي مخاض ولادة شرق أوسط جديد.

وأشار باحثون في مراكز الدراسات الإستراتيجية الأميركية إلى أن فكرة الشرق الأوسط الجديد تتحقق من خلال حل مشكلات المنطقة برمتها، والتي تحصل وفق المراحل الآتية:

"المرحلة الأولى: إطلاق يد "إسرائيل" لتدمير كل الإمكانات العسكرية أو معظمها، والبنى التحتية لحزب الله وحماس، ثم يأتي دور الولايات المتحدة لتزعّم النظام العالمي على إصدار قرارات من مجلس الأمن، ظاهرها حل المشكلات وباطنها تدمير ما تبقى من هذين القوتين، وتفكيك بنيتهما التحتية، والعمل على إقامة أنظمة سياسية في كل من لبنان وفلسطين لها روابط قوية بالولايات المتحدة وحلف الأطلسي، بما يساعد على فك الارتباط نهائياً بين سورية ولبنان.

المرحلة الثانية: التوجه نحو سوريا وإيران من أجل إجبارهما على الانصياع للنظام العالمي. ويشمل هذا التوجه جميع الآليات الدبلوماسية والحصار الاقتصادي، واستخدام القوة العسكرية فيما لو تطلب الموقف ذلك.

المرحلة الثالثة: إعادة تشكيل المنطقة طبقاً للرؤية الأميركية، بدعم الدول الصديقة الموالية للولايات المتحدة الأميركية ومساندتها.

ثالثاً: خلاصة لنتائج الحرب

انقضت وانتهت الحرب في 14 آب 2006 بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من دون أن تحقق واشنطن و"إسرائيل" الأهداف التي وضعتها لها. فلم يتمّ القضاء على حزب الله ولا نزع  سلاحه، ولا إيقاع الهزيمة به، وبهذا فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كانت إدارة بوش تتفاخر به. وعلى إثر الانتصار الكبير للمقاومة، والخيبة العظمى والهزيمة لكيان العدو، انفجرت الأزمة الداخلية في الكيان على مستويات عدة، خاصةً على مستوى عدم ثقة الرأي العام الإسرائيلي بقيادته، فأداء الجيش الإسرائيلي كما ظهر كان مخيباً لآمال قادته السياسيين والعسكريين والمستوطنين، ما دفع السلطة السياسية إلى تشكيل لجنة فينوغراد والتي توصلت إلى أن حرب لبنان شكلت "إخفاقا كبيرا وخطيرا" لإسرائيل، وكشفت اللجنة وجود ثغرات خطيرة على أعلى المستويات الهرمية السياسية والعسكرية في الكيان، وفي المقابل فإن فشلَ "إسرائيل" في تدمير البنية الأساسية لحزب الله وفيما ما بعد للمقاومة الفلسطينية، ما أدى إلى صعود قوى المقاومة التي رسمت معالادت الردع بوجه العدو على كل الصعد في البر والبحر والجو، فيما يفشل العدو اليوم بإدخال لبنان بما يعرف المعارك بين الحروب لأنه يحسب الكثير قبل الدخول بهكذا خطوة ضد المقاومة، خاصةً أن خلف هذه المقاومة بيئة شعبية حاضنة ‏لخيار المقاومة ومؤمنة بها وتملك روح القتال وتستعد في كل مسيرتها لخوض الحروب بوجه العدو وتقديم التضحيات وتسجيل الانتصارات.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.علي مطر

باحث في العلاقات الدولية 

[email protected]




روزنامة المحور