الثلاثاء 19 تموز , 2022 11:47

حسن كامل الصبّاح ...عقلاً مغتالاً

حسن كامل الصباح

قد يكون بقدرة القوة الجائرة أن تغتصب "الأرض"، وأن تغتال الأشخاص، وأن تبيد جيوشاً ومؤسسات، لكن من المستحيل مهما طغت في جبروتها أن تستمر على مدى الازمان.

عندما تفشل الأرض تحت ظروف القهر والاحتلال، من أداء مهمتها كوعاء "للوطن" يحتضن آثاره وقيمه، ويشهد على هويته وتاريخه، يتصدى المواطن لهذه المهمة ويصبح هو الوعاء الحاضن الشاهد، وتصبح الذاكرة بديل "الأرض". ولن يقوى أحد على قهر الذاكرة أو هزيمة الوجدان، والذاكرة عصيّة على القهر والنسيان. ومن هنا فإن الكتابة عن حياة رجالاتنا الرجال، الذين حملوا المشاعل المضيئة، علماً وأدباً وفكراً ونضالاً واختراعاً. رجال احتلوا مكانة هامة في الزوّد عن الأرض للوصول إلى الوطن.

أديسون العرب

لم يكن "أديسون العرب: حسن كامل الصبّاح" إلا أحد هؤلاء الرجال العباقرة الذين يستحيل محوهم من الذاكرة الوطنية. وصدق من قال "من العبقرية ما قتل".

ولد "أديسون العرب" في عاصمة الجنوب اللبناني النبطية سنة 1894، والده الحاج علي الصّباح، وخاله علاّمة العرب الشيخ أحمد رضا. ويعود الفضل في تربيته الأولى لوالدته الحاجة آمنة رضا، ولوالده الحاج علي. وأخذ ينشأ وينمو ويتفتح عقله، وشارك في توجيهه وتغذيته وتفتح معارفه العلمية خاله الشيخ أحمد رضا.

في سنة 1914 انتقل الصباح من المدرسة السلطانية في بيروت إلى صف الأول علمي في الكلية السورية الانجلية (الجامعة الأميركية). وسنة 1915 دخل الصبّاح في اختصاص الهندسة، ولكن في شباط/فبراير 1916 تم استدعاؤه للخدمة العسكرية في الجيش العثماني، ولأن النبطية من جبل عامل تابع لولاية بيروت، أُعطي حسن كامل الصبّاح رتبة ملازم في الجيش العثماني، ونقل إلى الأستانة، وألحق بسرية التلغراف اللاسلكي التي كانت قيادتها بيد الألمان حلفاء الأتراك، فاستفاد من الألمان كثيراً من العلوم والنظريات والممارسة، ونُقل الى منطقة غاليبولي الحربية، ودرس الألمانية، قدم له الألمان الكثير من الكتب العلمية. استمرت صحبته للألمان الى نهاية الحرب، والتي انتهت بانكسار ألمانيا وتركيا، وبدأ البحث عن  مستقر في بلاد العرب. فتوجه نحو دمشق عام 1919، حيث قامت "الحكومة العربية"، ثم انتقل الى الجامعة الاميركية يدّرس فيها الرياضيات للصفوف الثانوية، والجدير بالذكر أن "موشيه دايان" الوزير الاسرئيلي، كان طالباً في هذه الجامعة، وتتلمذ في الرياضيات على يد الصبّاح، وكان للصبّاح سجالات عنيفة معه لا دخل للدرس بها.

كان طموح حسن كامل الصبّاح أن يصبح مهندساً عالمياً، لكن لا يحب أن تكون ثمراته إلا لبلاده العربية في الدرجة الأولى.

لم يجد هذا الطموح في لبنان، فقرر أن يهاجر الى الولايات المتحدة الأميركية، لعل فرصة حسنة تؤاتيه. حيث راسل جامعة بوسطن وقصدها سنة1922، ثم انتقل الى جامعة إيللنيوا حتى آب/ أغسطس 1923.

ساقه القدر الى شركة "جنرال الكتريك"، واعتبر حامل شهادة في الهندسة الكهربائية، باشر العمل في 20 آب/ أغسطس 1923، وراتبه 17 دولاراً في الأسبوع، ثم زيد إلى 25 دولار. وحصل على مساعدة من "جمعية تهذيب الشبيبة السورية" بقيمة 400 دولار. فقرر العودة الى الجامعة واختار هذه المرة جامعة "أوريانا" بعد أن مكث في "جنرال الكتريك" ثلاثة أشهر، ونال شهادة استاذ علوم متفوق.

في مطلع آذار/ مارس 1924 عاد إلى "جنرال الكتريك" برتبة مهندس ممتاز، وكتب الى أهله في النبطية في نيسان/ إبريل 1924 يشكو ضيق ذات يده، ولكنه صابر مثابر لأن الحياة جهاد وكفاح.

67 اختراعا للصباح

خلال 12 سنة، قدم هذا العقل اللبناني الكثير من المكتشفات والاكتشافات، لكن الثمرات كلها كانت للشركة، وقد سجلوا له حسب القيود والسجلات الرسمية 67 اختراعاً.

في العام 1935 انتهى حسن كامل الصبّاح من فكرة مبتكرة لتحويل نور الشمس الى تيار كهربائي في صحاري العرب. خابر حكومة العراق، ثم السعودية بواسطة الامير شكيب ارسلان، أطلعت شركة "جنرال الكتريك" على ما يهتم به هذا المشروع العظيم، واشتمت الشركة رائحة أن الصبّاح إذا خرج من أميركا حياً ومعه دماغه، فسوف تخسر الولايات المتحدة عقلاً قلّ نظيره. فتركوه يتهيأ للسفر، حتى حان وقت مغادرته أميركا ليركب طائرته الخاصة.

في 21 آذار/ مارس 1935 ذهب مع "صديقين" له من الأميركان الصهاينة وهما "جدعون بوجل" وزوجته في سيارتهما الى "مالون" قرب نيويورك ليدفع القسط الأخير من ثمن الطائرة، وطلب تهيئة الطائرة.

ثلاثة مهندسين صهاينة من شركة "جنرال الكتريك" دبّروا المؤامرة ونفذوها، أحدهما اسمه "الكسندر سن" والثاني "برنس" والثالث "بوجل" الذي كان على يده المصرع. حيث تم التبادل بين سيارة الصبّاح وسيارة "بوجل".

لم يحضر الطبيب الشرعي إلا بعد 5 ساعات من وفاة "أديسون العرب" الذي قضى بصعقة كهربائية سببت له انفجاراً في الدماغ أو سكتة قلبية. وبقي مقتل حسن كامل الصبّاح لغزاً، لكن من يعرف العقل الصهيوني يعرف مدى إجرامه وحقده على العلماء والمخترعين المسلمين.





روزنامة المحور