الخميس 28 تموز , 2022 03:34

لبنان اكتشف ثروته البحرية منذ الـ 43: مُنع من استخراجها لصالح تأسيس الكيان!

الاحتلال والثروة البحرية اللبنانية

وصلت سواحل البحر الأبيض المتوسط ولا سيما تلك الواقعة عند الحدود اللبنانية – الفلسطينية الى حافة الحرب على خلفية تهديدات المقاومة في لبنان لحماية ثروة البلد النفطية والغازية من الاعتداء الإسرائيلي ورفع "الفيتو" الأمريكي الذي يمنعه من استفادة منها في أسوأ أزماته الاقتصادية والمعيشية.

فاستخراج الثروة اللبنانية الضخمة من مياه المتوسّط، اذ تشير دراسة علمية أمريكية قديمة "أن في البحث على عمق من 1000 إلى 3000 متر سيظهر الذهب الأسود بكميات كبيرة وتجارية، وسيجعل من لبنان بلداً نفطياً غنياً وقوياً"، لا يتناسب مع مصالح الكيان الذي يخشى أن ينافسه لبنان، لذلك بقي البلد تحت سطوة الضغوطات الغربية والإسرائيلية التي كبّلته لعقود طويلة.

في هذا الإطار يبيّن العرض الآتي، جذور الصراع على غاز لبنان ودور هذه الضغوطات بالإضافة الى الاهتمام الإسرائيلي في ثروة البلد وتخوفاته من الدور الروسي حولها.  

تعود الجذور الأولى لحكاية لبنان مع النفط والغاز إلى العام 1943، حين استقدمت حكومة الاستقلال الأولى "شركة نفط العراق" للتنقيب عن النفط والغاز في البرّ الّلبناني، ثم لاحقاً في البحر. وحفرت الشركة المذكورة العديد من الآبار أهمها بئر يقع في المنحدر الغربي لجبل "تربل" شمال مدينة طرابلس. لكن الشركة ولأسباب غامضة، أعلنت بعد شهور قليلة من عملها التجريبي، عن توقف الحفر، وبرّرت ذلك ببيان صوري قالت فيه "إن نتائج الحفر لم تكن مشجعة...وإن تكلفة استخراج النفط أكثر من قيمة شرائه. وعلى ذلك يعلّق الباحث الّلبناني ريمون عطا الله بالقول "إن الفرنسيّين هم من كانوا وراء الدعوة لوقف التنقيب عن الثروة النفطية، ولأمر يعود إلى نشوء الكيان في العام 1948، ومنع أي دولة مجاورة له من أن تكون غنية وقادرة على بناء نفسها وقدراتها الأمنية والعسكرية. في العام 1970 وبناءً على مذكرة علمية تقدّم بها البروفسور توماس غوديكيه، أستاذ الفيزياء والجيولوجيا في الجامعة الأميركية، إلى من يهمه الأمر في الدولة الّلبنانية، تقول بوجود نفط في "الحوض المترسب والمغمور بالمياه الضحلة المؤلفة لأجزاء واسعة جداً من الشواطئ الّلبنانية... وأن في البحث على عمق من 1000 إلى 3000 متر سيظهر الذهب الأسود بكميات كبيرة وتجارية، وسيجعل من لبنان بلداً نفطياً غنياً وقوياً".

بعد سنتين من تقديم البروفسور الأميركي توماس غوديكيه، مذكرته "لمن يهمه الأمر من الّلبنانيين"، كان زميل أكاديمي آخر له في الجامعة الأميركية في بيروت هو الّلبناني د. زياد بيضون (رئيس دائرة الجيولوجيا فيها) قد تقدّم بدراسة علمية مفصّلة تظهر وجود كميات من الغاز والنفط تحت قاع مياه لبنان البحرية، ينبغي استخراجها واستثمارها بأسرع ما يمكن. وعلى ما يبدو لاقت دعوة د. بيضون آذاناً صاغية من جانب العديد من الشركات النفطية الأميركية والأوروبية، حيث تحرّكت في اتجاه بيروت، خصوصاً في العام 1974، للمنافسة على نيل رخصة الامتياز الخاصة بالتنقيب. كما أن رئيس جمهورية لبنان وقتها (أي في العام1975، مع الراحل سليمان فرنجية، أبدى كلّ اهتمام بالموضوع فطلب شخصياً من د. زياد بيضون إعداد مذكرة علمية مفصّلة بالمسح الجيولوجي والنفطي للمياه الإقليمية الّلبنانية، لكي يتسنّى للجانب الرسمي الّلبناني الأخذ بناصية الأمور على حقيقتها، ومفاوضة الشركات العالمية المتهافتة على التنقيب واستنساب العروض الأفضل بين تقديماتها. وكان للرئيس الّلبناني وحكومته وقتها ما أرادا وصدر بالفعل مرسوم رسمي لبناني يحمل الرقم 10537 بتاريخ 31 تموز/يوليو 1975، يقضي بوضع موضع التنفيذ القانون المعجل المكرر، والمحال على مجلس النواب الّلبناني بموجب المرسوم الرقم 10095 تاريخ 11 نيسان/ أبريل 1975 والذي يجيز لوزارة الصناعة والنفط الّلبنانية النظر في كلّ عروض الشركات العالمية المتقدمة واختيار الأنسب بينها لبدء أعمال التنقيب عن النفط واستثماره لحساب الدولة الّلبنانية. لكن مفاجأة قيام الحرب الأهلية الّلبنانية في 13 أبريل/نيسان من العام 1975 حالت دون بدء عمل شركات التنقيب، وبالتالي فقد لبنان امتياز أن يكون بلداً نفطياً غنياً منذ عقود طويلة.

في العام 1996 تكرّرت محاولات التنقيب عن النفط والغاز في المدى البحري الّلبناني. وهذه المرة من شركة "سبكتروم" البريطانية التي جاءت واستطلعت المياه الإقليمية والاقتصادية الّلبنانية بإذنٍ من سلطات البلاد. وبعد اكتشافها أن الجرف القاري لجهة لبنان في شرقي البحر المتوسط يحوي كنوزاً هائلة من الغاز والنفط، أوقفت عملها وغادرت لبنان من دون أن تزوّد السلطات الرسمية بأيّ تقرير يتناول نتائج عملها. ويبدو أن هذه الشركة تلقت إشارات بالكف عن خدمة لبنان بأعمال التنقيب عن غازه وبتروله بناءً على ضغوط إسرائيلية. يقول الخبير النفطي السوري جيلبير الياس "إن جماعة سبكتروم البريطانية النفطية تلقت تهديداً إسرائيلياً سرّياً بالكف عن العمل في المياه الإقليمية الّلبنانية؛ وطُلب منها التستر على الأرقام الهائلة التي يحتويها القعر البحري الّلبناني من الغاز والنفط، ولا سيّما في الجزء الشمالي منه، حيث المياه أقل عمقاً من الجزء الجنوبي. وأن هذه الأرقام "السريّة" لا تعرفها في المحصّلة إلا إسرائيل والشركة نفسها". أما لماذا ضغط الكيان المؤقت سرّاً على الحكومة البريطانية لتجمّد عمل شركة سبكتروم؟ عن هذا السؤال يجيب د. جيلبير الياس: "لأن ذلك ببساطة ليس من مصلحة إسرائيل، ولكي تفكر دوائر الطاقة فيها بالاستيلاء على الثروة الطبيعية الّلبنانية من النفط والغاز، وجرّها بوسائل عديدة، في طليعتها الحفر الأفقي تحت قاع البحر". وبعد سبكتروم البريطانية، جاء دور شركة "بي.جي.أس" النرويجية التي أجرت مسحاً شاملاً ثلاثي الأبعاد للمياه الإقليمية الّلبنانية أكّدت خلاله وجود كميات النفط والغاز الهائلة التي تحدثت عنها شركات أجنبية كانت سبقتها في المهمة نفسها. وأكّد مهندس الشركة هلغ سميث أن ثمة غطاء رسوبياً كثيفاً يميز جيولوجيا الشواطئ الّلبنانية ما يشير إلى وجود كميات كبيرة من الغاز تقدر بـ 1200 مليار متر مكعب. وكميات الغاز في رأي هذا المهندس النرويجي تفوق كميات النفط بأضعاف في مياه المتوسط الّلبناني. وهو أمر يؤكده أيضاً الخبير النفطي الّلبناني د. علي حيدر الذي أشار الى أنه " وبحسب المؤشرات الجيولوجية ثمة كميات ضخمة جداً من الغاز الطبيعي في المنطقة التابعة للمياه الاقتصادية الّلبنانية... وأن طبيعة الثروة النفطية الّلبنانية غالبيتها من الغاز الطبيعي. كما أنّ المسح الزلزالي الذي قام به لبنان على طول الشاطئ الّلبناني؛ والخطوط السود والبيض فيه تكشف نوع الطبقات الموجودة. وقد تمّ اكتشاف 13 نوعاً من المصائد الخاصة بالنفط والغاز تقدر عوائدها بما يتجاوز 100 مليار دولار". ان الكيان المؤقت، وفي محاولاته مسابقة لبنان بالتنقيب عن الغاز والبترول واستثمارهما، يؤكد على أطماعه أيضا في الحقول المشتركة مع لبنان وغزة المحتلة، كما يثير الشكوك حول حرصه على التكتم في الكثير من الأمور التي لها علاقة بهذا الملف، حتى يتسنى له سرقة ما يريد واستبعاد لبنان بكل الوسائل، ومن خلال ممارسة الضغوط عليه للتراجع او بالحد الأدنى القبول بالتخلي عن الحقوق اللبنانية في ثروته البحرية، واجباره على الانصياع للشروط والضغوط الامريكية التي تصب في مصلحة الكيان.

_ اهتمام الكيان المؤقت القديم والمتجدد بغاز ونفط لبنان:

منذ الثمانينيّات قدّم خبراء جيولوجيون إسرائيليون دراسات علمية خاصة تؤكد وجود آبار نفط وغاز بكميات هائلة في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة امتداداً طبعاً إلى مياه غزة ولبنان وسورية وقبرص. وبعد انسحابه المذلّ من لبنان في العام 2000 بدأ الكيان المؤقت جدياً عمليات المسح الزلزالي للجرف البحري لشرق الأبيض المتوسط بأكمله؛ فتبيّن له بعدما استخدمت الأقمار الاصطناعية الأميركية السرية أن 61.01 كلم من حوض النفط الكبير والمكثّف يمتد ضمن الحدود البحرية لفلسطين المحتلة، فيما يمتد القسم الثاني بطول 120 كلم قبالة الشواطئ الّلبنانية، ويصل إلى 50 كلم كأقرب نقطة إلى جزيرة قبرص. أما الأرقام الحقيقية للمخزون النفطي والغازي لهذا الجوف البحري المتوسطي فلا تزال غير معلنة عن قصد من طرف الإسرائيلي، خشية إثارة الانتباه، وللتغطية على ما بدأ بالاستيلاء عليه من الحقول النفطية الّلبنانية والفلسطينية لجهة قطاع غزة المحتلّ والمحاصر. لكن شركة نوبل إينيرجي الأميركية المعنيّة بمسح الطاقة واستخراجها، والتي لها حصة كبيرة من الحقل الأكبر المُكتشف في الحوض الشرقي المتوسطي: ليفياثان تقدّر بـ 39.66%، حيث يحتوي هذا الحقل وحده على 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي) تقول إن هذا الحقل، مع حقل آخر أصغر منه هو تمارا، يقع مقابل مرفأ حيفا بمسافة 90 كلم ويحتوي على ما يتجاوز الـ 8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي.. تقول نوبل إينيرجي إن هذين الحقلين الغازيين متلاصقان في موقعهما داخل المياه الإقليمية والاقتصادية الّلبنانية- الإسرائيلية. لا بل وأكثر من ذلك، يذهب الخبير النفطي الّلبناني د. علي حيدر "إلى أن ربع إلى ثلث حقل ليفياثان على الأقل، يقع في الجانب الّلبناني؛ ما يعني أن إسرائيل فتحت شهيتها بالكامل على سرقة كلّ ما تبقى من كنوز هذا البئر، الذي يعتبره رئيس مجلس إدارة شركة نوبل إينيرجي تشارلز ديفيدسون "الأهم والأغزر بين آبار الغاز الطبيعية المكتشفة حديثاً في العالم". ويرجح ديفيدسون وجود حقل نفطي في قعر هذا البئر، أو تحت مصائده يقدّر بحوالي 2.6 برميل من النفط الخام.. ما يضاعف من الاهتمام الإسرائيلي، المضاعف أصلاً، وبالتالي منع لبنان من أيّ نوع من أنواع المطالبة بحقوقه في هذا الحقل وغيره من الحقول المتداخلة في مياهه الإقليمية والاقتصادية. وفي هذا الإطار هدّد وزير البنى التحتية الإسرائيلي عوزي لاندو لبنان بالقول إن "إسرائيل ستدافع عن مكتسباتها في هذا الحقل أو غيره من حقول الحوض المتوسطي بكلّ ما يلزم من قوة". ومثله هدّد رئيس وزرائه نتنياهو لاحقاً لبنان أيضاً قائلاً: " إن هذه الموارد الطبيعية (حقول الغاز) هي هدف استراتيجي كبير الأهمية وسوف يسعى أعداء إسرائيل إلى النيل منه، ولقد عقدت العزم مع حكومتي على أن ندافع عن تلك الموارد بجميع الوسائل المتاحة". وبما أن حقل "ليفياثان"، ومعه حقل تمارا، يكفيان وحدهما، ليس لسد حاجات الكيان المؤقت من الغاز الطبيعي على مدى 35 عاماً فقط (وليس20 عاماً كما هو متداول) وإنما يجعلان منه كيانا "دولة" كما يريدون مصدّرة للغاز تحمل الرقم 4 عالمياً بعد روسيا وقطر وإيران.. لأن الأمر كذلك، فقد أقدم الكيان على ترسيم الحدود البحرية من جانب واحد ووفق ما يحلو له، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين البحرية الدولية التي لا يعترف بها أصلاً. كما أنه الكيان الوحيد في العالم المنتسب إلى الأمم المتحدة من دون ترسيم نهائي لحدوده في البر والبحر، الأمر الذي يجعل تطورات الأمور معه معقدة جداً، وليس أمام الطرف الذي ينازعه هنا أي خيار سوى الحرب معه، أو الإذعان لشروطه.

يبدو أن لبنان لن يرضخ للشروط الإسرائيلية، وسيدافع عن حقوقه في ثروته البحرية بكلّ الوسائل المتاحة. هذا على الأقل ما صرّح به وزير الطاقة والمياه الّلبناني جبران باسيل سابقا، مبيّناً أن أكثر من عشر شركات نفط عالمية تقدمت للاستثمار في هذا المجال، "حيث إن لدينا ثروة كبيرة من الغاز والنفط موزعة في مياهنا البحرية الإقليمية وخصوصاً عند حدودنا الجنوبية". وأردف الوزير الّلبناني يقول: "إسرائيل منزعجة لأن لبنان انتقل من الكلام إلى الفعل للمرة الأولى، لكننا نؤكد أننا سنحمي هذه الثروة، ولن نسمح لها بأن تعتدي عليها".

_ التخوف الإسرائيلي من دور روسي محتمل في ملف الغاز اللبناني:

سلّط الاعلام الإسرائيلي الضوء على التحرك الروسي في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بحقول الغاز اللبنانية ورصد الإمكانيات المتوفرة للجانب الروسي للمشاركة بجدية في هذا الملف، مما يؤكد حالة القلق والارباك التي يشعر بها الكيان في هذا الموضوع. تسائل اعلام الكيان عما تريده روسيا من حقول الغاز اللبنانية؟ وأشار كل من إيلي ريتيج ؛ سيميون بولينوف شاؤول خوريف في مقال منشور في جريدة جيروزاليم بوست في يونيو الماضي، الى انه على الرغم من المؤشرات المتواضعة لاكتشافات الغاز الفعلية، فإن مشاركة روسيا في سوق الطاقة اللبنانية تشمل مصالح أوسع بكثير من الغاز الطبيعي - وبعضها يتعلق بالكيان المؤقت بشكل مباشر. كما أكد كتاب المقال الصهاينة على انه منذ شهور، وتحديدا منذ اذار مارس الماضي، رافقت سفينة بحث وإنقاذ روسية إنشاء منصة حفر غاز جديدة قبالة سواحل بيروت، في إجراء يعزز المشاركة الاقتصادية والعسكرية لروسيا في سوق الطاقة اللبنانية. ومن هنا طرح كتاب المقال السؤال، “لماذا تصر روسيا على المشاركة في التنقيب عن الغاز الطبيعي بين الدول المجاورة لإسرائيل؟"، على الرغم من الوعد المتواضع بوجود احتياطيات غاز صغيرة نسبيًا؟ كيف ترتبط هذه الخطوة بالاعتقاد السائد بين مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين بشأن "القوة اليهودية"؟ كيف يجب أن ترد إسرائيل على روسيا؟

في أوائل عام 2018، أصدرت الحكومة اللبنانية ترخيصين للتنقيب عن الغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية إلى "كونسورتيوم" من ثلاث شركات طاقة دولية: "إيني" الإيطالية (40%)، و"توتال" الفرنسية (40%)، و"نوفاتاك" الروسية (20%).

يشير كتاب المقال الى أن المناقصة اللبنانية يجب ان ترفع من مستوى الوعي في الكيان ليس فقط لأنها تشمل الأراضي المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان ("بلوك 9")، ولكن أيضًا بسبب مشاركة روسيا المباشرة في المشروع. من خلال شركة "نوفاتاك"، وهي شركة غاز مملوكة لمليارديرات روسيين تربطهما علاقات مباشرة ببوتين، أضافت الحكومة الروسية بُعدًا عسكريًا للمشروع في الأشهر الأخيرة، عندما بدأت سفينة البحث والإنقاذ التابعة للبحرية الروسية بمرافقة إنشاء منصة حفر جديدة في المياه اللبنانية في مسافة 22 كم غرب بيروت.

رسمياً، تسمح السفينة الروسية برسم خرائط جيوفيزيائية للمياه الإقليمية اللبنانية للتنقيب عن الغاز، لكن مسار رحلاتها منذ وصولها إلى المنطقة لا يتطابق مع هذا الغرض. ويعتبر الاعلام الإسرائيلي أنّ هذا يثير الشكوك في أن روسيا تستخدم أنشطة التنقيب عن الغاز اللبنانية لإدخال سفن تحمل معدات مراقبة للتجسس البحري للحركة البحرية، بما في ذلك الغواصات، بالقرب من إسرائيل والمياه القبرصية. ومما يعزز هذا القلق حقيقة أن النتائج الأولية تشير فقط إلى اكتشافات غاز متواضعة في المنطقة المكتشفة ("المربع 4").

وبحسب كتاب المقال الذين يركزون بعمق على التدخل الروسي في الملف، فإن مشاركة روسيا في سوق الطاقة اللبنانية تشمل مصالح أوسع بكثير من الغاز الطبيعي - وبعضها يتعلق بالكيان المؤقت بشكل مباشر. واعتبروا أنه على عكس المفاهيم الشائعة، لا تشكل احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط تهديدًا خطيرًا للهيمنة الروسية في أسواق الغاز الأوروبية، حيث تصدر روسيا ما يقرب من 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي كل عام إلى أوروبا. من ناحية أخرى، خصص الكيان ما بين 350-450 مليار متر مكعب للتصدير على مدار الثلاثين عامًا القادمة - وهي كمية تصدرها روسيا في غضون عامين. ولكن في حين أن الغاز الإسرائيلي لا يمثل تهديدًا لحصة روسيا في السوق، إلا أن روسيا في عام 2011 بذلت جهودًا كبيرة للاستحواذ على حصص كبيرة في حقل ليفياثان للغاز الإسرائيلي - وبعد أن فشلت في ذلك

 - بدأت مشاريع التنقيب عن الغاز في لبنان وقبرص ومصر.

يعتبر المراقبون الاسرائيليون بان الاهتمام الروسي باحتياطيات الغاز للكيان وجيرانه مدفوع بالمصالح الاقتصادية والعسكرية. من الناحية الاقتصادية، تسعى روسيا إلى تقويض أي تهديد، كبير أو صغير، لأسواقها في أوروبا، والتي تشكل معظم دخلها المرتبط بالطاقة. يقترن هذا بعقيدة "القوة العظمى في مجال الطاقة"، التي طورتها روسيا في العقد الماضي عندما أصبح واضحًا أن روسيا لن تكون قادرة على تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد المفرط على صادرات الموارد الطبيعية. في هذا السياق، فإن صعود أي مصدر جديد في سوق الطاقة العالمية، مهما كان صغيراً، يقوض حصرية روسيا. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تصور روسيا لسوق الغاز الإسرائيلي مستمدًا من تصور حقيقي - لدى بعض كبار المسؤولين الروس البارزين - لقوة "اليهودية العالمية" ومن وجهة نظرهم لمشروع الغاز الإسرائيلي كجزء من "أجندة يهودية عالمية، خاصة بعد مشاركة شركة الطاقة الأمريكية، نوبل إنيرجي، في مشاريع التنقيب عن الغاز في الكيان المؤقت. كما يرون بأن مصالح روسيا في حقول الغاز ترتبط بتوسع أسطولها البحري في شرق البحر المتوسط، اذ تتمثل إحدى التحديات الجيو ستراتيجية لروسيا في حقيقة أن أسطولها يفتقر إلى حرية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. يعتمد وصولها الحالي على المرور عبر مضيق البوسفور الذي تسيطر عليه تركيا، العضو في الناتو، والتي يمكن أن تعطل مرور السفن الروسية في زمن الحرب.

إن أنشطة التنقيب عن الغاز الروسية في شرق البحر المتوسط توفر لها سببًا مشروعًا لإرسال أصول بحرية روسية في مهمات دورية واستطلاعية في المياه الاقتصادية لدول المنطقة، فضلاً عن نشرها للدفاع عن منصات الغاز. مثل هذه الأنشطة التي تقوم بها البحرية الروسية تمنحها أيضًا درجة معينة من السيطرة في المنطقة، والقدرة على مراقبة حركة السفن الأخرى - بما في ذلك السفن التابعة للبحرية الإسرائيلية.

يمكن وصف هذه الاستراتيجية الروسية، المنفذة في مناطق أخرى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، بـ "الضم البحري الزاحف": في المرحلة الأولى، ترافق السفن البحرية الروسية فقط منصة الحفر الجديدة في المياه الاقتصادية للدولة التي سمحت بإصدار البحث. بعد ذلك، إذا ظهر تهديد لأمن المنصة فجأة، يصبح الوجود البحري الروسي دائمًا. بمجرد أن يبدأ استخراج الغاز، وتصبح الدولة المضيفة معتمدة على شركة روسية لتوفير مورد اقتصادي مهم، فإن الطريق ليس سوى طريق قصير للمطالبة بإيصال البوارج الروسية إلى الوطن. بينما تمكنت إسرائيل من تجنب مثل هذا السيناريو بسبب رفض نوبل إنيرجي السماح لشركة غازبروم الروسية متعددة الجنسيات بحصة من حقل ليفياثان للغاز، يبدو الآن أنه يتحقق في لبنان.

في الخلاصة، لا يستطيع الكيان المؤقت منع دخول روسيا الى سوق الطاقة اللبنانية، لكن يجب عليها أن تولي اهتمامًا أكبر لمجالها البحري حيث تزيد روسيا من وجودها في المنطقة. ويؤكد المراقبون الصهاينة على أن الكيان يجب عليه صياغة استراتيجية بحرية متماسكة فيما يتعلق بمياهها الاقتصادية، في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتشريعات محلية كاملة فيما يتعلق بمياهها الاقتصادية (بما أن الكيان ليس طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982). وإذا لم يحدث ذلك، فقد يجد الكيان نفسه يرد على تصرفات القوى الأخرى في المنطقة، مثل السفن الروسية المحيطة بقواته البحرية ومراقبة تحركاتها، البنية التحتية البحرية المملوكة للصين؛ أو تصريحات أحادية الجانب من جانب تركيا أو السلطة الفلسطينية بشأن مياههما الاقتصادية، كما حدث في الأشهر الأخيرة.

التخوف الإسرائيلي من تواجد قوى أخرى في المنطقة مثل الروس والصينيين، وإمكانية ان يعمل هؤلاء على توقيع اتفاقيات مع لبنان تشمل مشاريع الغاز والنفط، يزداد يوما بعد يوم، ولأجل التصدي لهذه الاحتمالات التي يبدو انها باتت حقيقة اليوم، يطالب المراقبون الصهاينة القيادة في كيانهم بضرورة أن تشمل المشاركة الإسرائيلية المتزايدة في البحر إجراءات مختلفة، مثل تطوير المراقبة التي من شأنها أن تمكن الكشف الأولي عن التحركات المحتملة في المياه الاقتصادية التي يحتلها الكيان المؤقت، وربما عرقلتها والتشويش عليها، فضلاً عن تعزيز التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي مع الجهات الفاعلة الإقليمية التي لديها مصالح مماثلة لدرء القوى المتنافسة من البحار( المقصود هنا كل القوى التي تتضارب مصالحها مع المصالح الاسرائيلية)، مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وقبرص واليونان، مع الحفاظ على التنسيق مع الولايات المتحدة.

الكل متفق على أن الطاقة بتفاصيلها هي ملف شائك ومعقد وعنصر مركزي من عناصر الصراع بين الدول. لكن لكلّ صراع ظروفه الموضوعية المحيطة به. وبما أن البراغماتية الأميركية تخترق كلّ شيء، بخاصة إذا كان ذلك يتناغم مع مصالحها وأرباحها المادية، فمن المحتمل هنا أن تنعقد الصفقة الكبرى بين أميركا ممثلة للجاني الإسرائيلي ولبنان على النفط أيضاً، وتمر الأمور بسلام ولا تطلق رصاصة واحدة بين لبنان والكيان المؤقت على مدى عمر آبار النفط والغاز، خصوصاً المكتشفة منها حديثاً. ومن سيناريو متفائل إلى سيناريو آخر واقعي أو حذر أيضاً يتعلق بمآل الصراع بين لبنان والكيان المؤقت حول الغاز والنفط، قدمه الخبير العسكري الّلبناني العميد المتقاعد أمين حطيط وذلك في حواره مع قناة الجزيرة الذي أشار فيه الى أنّ النزاع بين لبنان والكيان المؤقت حول الغاز والنفط مفتوح على احتمالين، فإما أن يأخذ النزاع شكلاً سياسياً ودبلوماسياً وقضائياً وقانونياً، وفي هذا الوضع من المؤكد أن لبنان هو الرابح، بخاصة أن الأمم المتحدة ستستند إلى قانون البحار للحكم في أيّ نزاع.( مع اعتبار ان الكيان المؤقت غير موقع على اتفاقية مونتيغو باي 1982 المتعلقة بقانون البحار).

أما الاحتمال الثاني فهو أن يرفض الكيان المؤقت الإذعان لقانون البحار (وهذا وارد وربما طبيعي من كيان لا يعترف بالقوانين والتشريعات الدولية)، ما يفتح المجال أمام ثلاث فرضيات: الأولى ألا يجد الكيان المؤقت شركات تتعامل معه للتنقيب عن النفط والغاز.  اما الفرضية الثانية، فهي أن ينجح الكيان المؤقت في استقدام شركات للتنقيب، ولكن من دون الدخول في منطقة النزاع مع لبنان ومراعاة المجال البحري الّلبناني. اما الفرضية الثالثة، فهي أن تقوم شركات النفط بنصب منصات التنقيب في المنطقة الاقتصادية اللبنانية في ظل عجز الأمم المتحدة عن إلزام الكيان المؤقت بالتوقيع على قانون البحار، وفي هذه الحالة يصبح احتمال الاشتباك العسكري مرجحاً، لأن لبنان بحسب المواقف التي صدرت عن مسؤوليه بإجماع، لن يسمح باغتصاب حقوقه. نعتقد ان مبادرة المقاومة في لبنان بالضغط ليس فقط على الكيان وانما حتى على حلفائه في الداخل والخارج، يكشف عن ان التطورات الأخيرة ذاهبة الى مزيد من الضغوط، لاسيما أن التحدّي الجدّي الّلبناني يتخطّى حدود الكلام هذه المرّة. وامام المعادلة التي تقول إن من يسيطر على الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط سيغيّر قواعد اللعبة الاستراتيجية في المنطقة برمّتها. يبدو اننا امام معادلة لن تسمح للإسرائيلي الانفراد بتقرير مصير هذا الملف مهما امتلك من قوة ضاغطة، لأنه باختصار لم يعد بمقدوره السيطرة الكاملة وتغيير قواعد اللعبة لأجل مصالحه.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور