الجمعة 02 كانون الاول , 2022 03:20

أوكرانيا.. حرب استنزاف مستمرة بين روسيا وألغرب

الحرب الاوكرانية

تكثر التحليلات والدراسات التي تبحث في تطورات العملية العسكرية الروسية الخاصة في دونباس والتي تحاول فهم العقلية البوتينية في مجريات هذه العملية، وهل ستكون عملية استنزافية بتبعاتها الإقتصادات العالمية وسط تساؤلات حول ما يجري خلف أبواب الكرملين من سياسات وما ينعكس عليه من استراتيجيات البيتين الأبيض والأوروبي للضغط عليه بالذراع الأوكراني الذي بات ذراعاً ناتوياً في الفضاء الروسي..

اليوم وبعد أشهر من العملية الروسية في أوكرانيا التي لعبت على عامل الوقت فكان النفس الروسي فيها طويلاً وما يزال صامداً أمام الدعم الغربي الناتوي المالي والعسكري لأوكرانيا ضدّ روسيا الاتحادية في محاولة لإنهاكها ليبدو أنّ السحر ينقلب على الساحر، والنفس الروسي الطويل قابله ضيق تنفس غربي في مواجهة شتاء شديد البرودة تتجمّد معه الخيارات الغربية، وتتصدّع الوحدة الغربية الناتوية في مواجهة القوّة الروسية التي أعيت الغرب ببرودة أعصابها وبرودة ردّها حتى با الشتاء روسياً بطقسه وسياساته وأصبح القطب المتجمّد الشمالي إمتداداً للسياسة الروسية المتجمّدة وباتت إنعكاساً له أمام كل التحليلات والدراسات التي تسعى لفهم العقلية البوتينية المليئة بالمفاجآت فباتت العقارب الأوكرانية ومن خلفها الغربية تضبط على توقيت العواصف الروسية غير المرئية..

وفي محاولة أميركية لمواصلة حربها مع روسيا بالذراع الأوكرانية طلب الرئيس الأميركي جو بايدن في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، من الكونغرس تخصيص 37.7 مليار دولار أخرى لأوكرانيا، وقال الرئيس الديمقراطي للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، المحافظ الجديد جريجوري ميكس من نيويورك، إنه "من الضروري التأكد من حصولنا على كل شيء لهم (للأوكرانيين)... حتى يكون لديهم الأسلحة لمواصلة الزخم المتحرك (ضد الروس) خلال الشتاء".

وقد"تضمنت المساعدات المقدمة لأوكرانيا بالفعل عشرات الآلاف من الصواريخ وصواريخ الدفاع الجوي والأنظمة المضادة للدروع، وأكثر من 84 مليون طلقة من الذخيرة، إضافة إلى الطائرات بدون طيار والدبابات والشاحنات والرادارات والدروع الواقية ومعدات أخرى ".

وهنا ربما علينا توقع زيادة عدد ضربات الطائرات بدون طيّار وكذلك الهجمات الإرهابية الأوكرانية في العمق الروسي ليتكرر سيناريو تفجير جسر القرم ونورد ستريم بعد هذه المساعدات ورفع سقف التصريحات الأميركية والناتوية المناهضة لروسيا..

 كما بلغ إجمالي الحسابات التي نشرها معهد كيل للاقتصاد العالمي "تعقب دعم أوكرانيا" في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 52 مليار دولار من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا هذا العام، واعتباراً من ذلك الوقت وحتى الآن، تم تخصيص حوالي 60 مليار دولار، وإذا تم منح الطلب الحالي الذي تقدّم به بايدن والذي يبلغ 37.7 مليار دولار ويبدو أنّ ذلك شبه مؤكد باعتبار أنّ الكونغرس الأميركي الآن فعلياً 100 ٪ من المحافظين الجدد الذين لا يرفضون أبداً فرصة إنفاق المزيد من الأموال على الأسلحة والحرب ما يعني أنّ أميركا تكون قد أنفقت حدود 100 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا في أوكرانيا.

بالتالي فإنّ من يقول بفشل العملية الروسية وبضعف القرار الروسي في أوكرانيا فعليه قراءة الأرقام وهذا غيض من فيض الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا من الغرب حتى باتت شراهة زيلينسكي خارج السيطرة وباتت معظم الدول الغربية في حرج أمام شعوبها لإرضاء الشهية "النازية" على حساب الحاجة الطاقوية لشعوبها.

أما روسيا التي أعيت المحللين لقراءة تكتيكاتها العسكرية ورسمت بتلك التكتيكات العسكرية فصلاً جديداً من "فنون الحرب" الذي وضعه "صن تزو" قبل مئات الأعوام لتصبح الإستراتيجية الروسية العسكرية استراتيجية هجينة ومتطورة تداخلت فيها الوسائل والأدوات، فبينما كان الغرب يستخدم الاقتصاد لخدمة الحرب كان أحد الأسلحة الروسية المستخدة للمواجهة باستخدامها لسلاح موجه ضدّها فبات الغرب أمام أزمة عالمية طالت قطاعاته كافة وكأنما فتح بيديه صندوق باندورا، ولم يعد قادراً على كبح التضخم الذي طال إقتصاداته.

أن روسيا عادة ما تنفق حوالي 60 مليار دولار سنوياً على جيشها، في حين تنفق أميركا أكثر من 1.2 تريليون دولار سنوياً وبعضها ينفق في الإدارات الفيدرالية غير العسكرية، مثل وزارة الخزانة، وذلك للاختباء من الجمهور، حيث تفيد بعض التقارير الإعلامية أنّ  400 مليار دولار سنوياً من الإنفاق العسكري الأميركي الذي لم يتم دفعه من "وزارة الدفاع". لذلك فأنّ إنفاق الولايات المتحدة يشكل حوالي 20 ضعف ما تنفقه روسيا على الدفاع في السنة، وهي بالضبط 20 إلى 1 ميزة الإنفاق العسكري.

يبدو أن الخطة الروسية لمواجهة الزخم الأميركي ضدّها تقوم على استثمار الهفوات الغربية والفساد الأميركي إذ لا يمكن لأي دولة منافسة أميركا في فئة فساد إنفاقها العسكري والذي يصل إلى 1.2 تريليون دولار أميركي زائد الإنفاق العسكري السنوي! وهذا هو السبب في أن "مكتب المحاسبة يكتشف أن الفشل هو المعيار في الطائرات العسكرية الأميركية".

كما أنّ عامل الوقت بات يحكم الشعوب الأوروبية والأميركية في مواجهة شتاء قارس، وجشع أميركي استحوذ على العقلية الغربية، وسط توقعات مجلة "ذا إيكونوميست" بأن يموت حوالي 147 ألف شخص في أوروبا خلال فصل الشتاء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة أي بالبرد، ورغم أنه مجرد توقع إنما يؤثر في العقلية الأوروبية لإثارة شعوبها ضدّ أنظمتهم، وهنا نتحدث عن أشهر من الصقيع لا يحتاج فيها بوتين لتحريك قواته لتدمير أعدائه بل سيكون ذلك وفق الطبيعة.

يمكننا القول بأنّ الغرب قد هُزم بالفعل فهو في بداية الطريق إلى الهاوية إذا ما استمر بتنفيذ الأجندة الأميركية بسبب الأزمة الإقتصادية التي بات يعاني منها نتيجة العقوبات الأحادية المفروضة على روسيا والأزمة الطاقوية والغذائية الناتجة عن تلك العقوبات وفي هذه الفترة الصعبة على نفسه يستنزف موارده في الحرب ضدّ روسيا ما يجعل احتمال كسب حرب ضد الصين أمراً مستحيلا.

يبدو أن الغرب قد خسر فعلياً، إنما نتائج هزيمته ستظهر لاحقاً، وستكون عملية تراجعه بطيئة إنما مميتة كتلف الخلايا الواحدة تلو الأخرى، ولو كان لسنوات وليس لأشهر، ورغم صعوبة تحديد النقطة التي يمكن تسميتها انتصاراً روسياً إنما يمكننا ملاحظة الاقتصاد الروسي الذي لم ينهار في الربيع ورغم شدة وحدّة العقوبات.

ناهيك عن وضع الجيش الأوكراني بين فكي كماشة الجيش الروسي وعدم حصوله على الإمدادات العسكرية خلال فصل الشتاء يجعل من خيرسون مقبرة "النازية" كما أنّ قيام زيلينسكي بتجميد ملايين من الأوكرانيين سيجعلهم يتذكرون بأنه يهودي وربما ستبدأ حينها المذابح ضدّ اليهود مرة أخرى في أوكرانيا لتكون مقبرة "اليهودية".

ورغم أنه من غير المرجّح توقيع معاهدة سلام يتم فيها تقسيم أوكرانيا وهو ما ترغب به كل من بولندا والمجر ورومانيا للإستيلاء على جزء من الأراضي الأوكرانية التي كانوا يسيطرون عليها في الماضي إلا أنه على الأرجح سيكون هناك هدنة قد تتحول إلى حرب جديدة بعد فترة ليست ببعيدة، أو تستمر الحرب وتمتد لتشمل دول البلطيق، وكل ما سيحدث في هذه الحرب سيحتوي على مفاجآت كبيرة، وسيعتمد الكثير على مسار الأزمة الإقتصادية والمواجهة الصينية – الأميركية، وهنا قد تكون العولمة السلاح القاتل لليبرالية والذي كان سابقاً سلاحها الفعّال وستكون الحرب العالمية الثالثة حرباً هجينة تتداخل فيها العوامل الإيديولوجية مع تلك الأصولية الدينية والقومية وحتى الإقتصادية والطاقوية، وسيكون للمنتصر فيها الحق بوضع شكل النظام العالمي وقواعده الدولية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.سماهر عبدو الخطيب

-كاتبة صحافية سورية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية.

 




روزنامة المحور