الأربعاء 04 كانون الثاني , 2023 05:15

بريكست أم BREGRET: ندم بريطانيا على خروجها من الاتحاد الأوروبي

أحد شوارع بريطانيا

مشاكل بالجملة ومآزق اقتصادية من كل ناحية تعاني منها بريطانيا منذ عام 2016، تاريخ تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي. تمّ إقناع الشعب بأن البريكست سيحسّن الوضع الاقتصادي للبلاد، إلا أن السنوات الثلاث التي تلت الخروج من الكتلة الأوروبية بشكل رسمي، كانت الأشد على بريطانيا، خاصة انها تزامنت مع أزمة كورونا، ونقص العمالة، وارتفاع تكاليف الطاقة، والحرب الروسية الأوكرانية، كل ذلك أدى إلى سقوط 3 حكومات خلال 6 سنوات، ويبدو أن الرابعة على الطريق.

 بريطانيا التي كانت صاحبة أغنى اقتصاد في أوروبا، أصبحت واحدة من أفقر دول أوروبا الغربية، وحيث إن مهندسي الاقتصاد البريطاني في الفترة الأخيرة هم نفسهم من يتعاقبون على الحكومات اليوم، فليس أسهل من تعليق الدمار الاقتصادي على شماعة الحرب الأوكرانية، إلا أن استطلاعات الرأي حول موقف البريطانيين بعد 3 سنوات من البريكست، أظهر أن 56% من الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن قرار الخروج كان خطأً كبيرًا، كما ظهر في الأشهر الأخيرة مصطلح BREGRET، B لبريطانيا، وregret تعني الندم، أي ندم بريطانيا.

لماذا دخلوا ولماذا خرجوا؟

في نيسان/ أبريل 1988، ألقت رئيسة الوزراء الشهيرة مارغرت تاتشر، واحدًا من أهم خطاباتها أمام رجال الأعمال البريطانيين، لإقناعهم بمزايا انضمام بريطانيا لسوق أوروبية موحدة، ليس فيها أي حواجز تجارية، وتمنح إمكانية الوصول المباشر بدون أي عوائق للقوة الشرائية العالية لأكثر من 300 مليون أوروبي. إذ يقع على عتبة بريطانيا سوق أكبر بكثير من اليابان والولايات المتحدة، لا يحتاج إلى تكاليف توصيل مرتفعة القيمة.

كانت تاتشر متحمسة جدًا لفكرة السوق الأوروبية الموحدة، وقد أعلنت في خطاب آخر، أن بريطانيا لا تحلم بوجود معزول عن الأطراف الأوروبية الأخرى، وأنّ مصير بريطانيا هو وجودها ضمن المجموعة الأوروبية. ومنذ ذلك اليوم، أي قبل 34 سنة، دخلت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ككيان، وفي السوق المشتركة كبوابة تجارية، لطالما وجدوا فيها ميزات انعكس بشكل واضح وإيجابي على الاقتصاد البريطاني.

إلا أنه وبشكل مفاجئ، عام 2016، أصبح جزء كبير من البريطانيين مقتنعون بأن الاتحاد يأتي عليهم بخسارة، وأن أحوالهم الاقتصادية ستتحسّن إذا خرجوا من الاتحاد. صوّت 52% من الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 تموز / يونيو 2016، وكانت النتائج صادمة حتى للسياسيين الذين دعوا الناس إلى التصويت، ظهر ذلك بالتخبط والارتباك الذي عانت منه الحكومة، فعندما استحقّ الأمر لم يكن لدى أحد خطة أو تصوّر كيف سيحصل الخروج وما الذي سيحصل بعده.

المستويات في أدناها حتى عام 2028 على الأقل

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توقّع مكتب مسؤولية الميزانية في بريطانيا أن ينخفض مستوى معيشة الأسر إلى 7.1% خلال السنوات المقبلة، وهي أكبر نسبة انخفاض منذ بدء تسجيل البيانات عام 1956، كما توقع انخفاض الدخل الحقيقي للبريطانيين بنسبة 4.3% في السنة المالية الحالية 2022 – 2023، وهو الأكبر منذ 56 عامًا. ريتشارد هيوز، رئيس مكتب الميزانية البريطانية، قال للبريطانيين إن هذه الانخفاضات ستقضي تمامًا على أي تحسّن يمكن أن يحصل في مستويات المعيشة خلال السنوات الثماني القادمة، وسيبقى الدخل أقل من مستواه قبل وباء كورونا إلى سنة 2028 على الأقل.

هذا التراجع يحصل بالتوازي مع وصول معدّل التضخم في البلاد لمستوى تاريخي، إذ أشار مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى أن الأسعار ارتفعت في بريطانيا خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بنسبة 11.1%، وارتفاع التضخم معناه انخفاض الدخل الحقيقي. يحصل ذلك في الوقت الذي يرفع فيه بنك إنكلترا أسعار الفائدة، رغم التأثير السلبي على الاستهلاك والاستثمار، وازدياد معدلات البطالة، وحركة التجارة التي تقل مع السوق الأوروبية الأقرب لبريطانيا، أدى كل ذلك إلى نمو اقتصادي أقل وانكماش وركود، سيؤدي بالضرورة إلى رفع الضرائب وخفض الانفاق الحكومي، وهو الأمر الذي فعلت عكسه رئيسة الوزراء السابقة ليز ستراس وكانت نهايتها السقوط بعد 44 يومًا من توليها رئاسة الحكومة.

لماذا هم نادمون؟

مستشار الخزانة البريطانية جيريمي هانت، وهو بمثابة وزير مالية بريطانيا، وقف في كانون الأول / نوفمبر الماضي أمام أعضاء البرلمان البريطاني وقال "إن الركود الذي تعاني منه بريطانيا، صنع في روسيا". إلا أن القوى الفاعلة الحقيقية في الاقتصاد، وهي الشركات، لها رأي آخر. قامت شركة كولمان باركس للبحوث باستطلاع رأي جرى عبر 303 من مديري المشتريات في شركات بريطانية كبيرة، حيث أقل مؤسسة تشغّل 1000 موظف، وإيراداتها أكبر من 50 مليون جينيه إسترليني في السنة. تمّ سؤالهم عن أهم وأكبر مشكلة اقتصادية خلال سنة 2022، وكانت النتيجة أن 80% من المدراء اعتبروا أن البريكست هي السبب، إذ تسببت في اضطرابات في سلاسل التوريد، واًصبح ثمة تفتيش وجمارك وبضائع تتوقف حتى يتم فحصها، وإجراءات أخرى. ويأتي بعدها في المرتبة الثانية الحرب الأوكرانية وأسعار الطاقة ووباء كورونا والسياسات الحكومية ونقص العمالة.

في 2020 كان عدد الشركات البريطانية التي كانت تُصدّر للاتحاد الأوروبي 27 ألف و321 شركة، وفي 2021 أصبح عددها 18 ألف و357 شركة. وهذا الانخفاض حصل قبل أن يدخل بوتين إلى أوكرانيا، وقبل ارتفاع أسعار الطاقة.

قامت كلية لندن للاقتصاد بدراسة قالت فيها إن الحواجز الجمركية وعمليات التفتيش تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 6%، وزوّد هذا الأمر تكلفة الطعام بالنسبة للأسر متوسطة الدخل بحوالي 210 جينبه إسترليني.

مركز الإصلاح الأوروبي CEF، قال إن مغادرة بريطانيا للسوق الأوروبية أدى إلى انخفاض الاستثمار في بريطانيا بنسبة 11%، وتراجعت تجارة السلع بنسبة 7%.

التخطيط لاتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي

في 20 كانون الأول/نوفمبر الماضي، نشرت التايمز الريطانية خبرًا مفاجئًا، بأن شخصيات كبيرة في الحكومة البريطانية تخطط لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، يسمح لها بالوصول إلى السوق الأوروبية المشتركة، شبيه بالاتفاق الذي قامت به سويسرا، القادرة على التمتع بمزايا السوق الأوروبي بدون عضوية. وهو الأمر الذي طرح سؤال سبب عدم الالتزام بالقواعد والتحريض على الخروج من البداية. وبمجرد نشر هذا التقرير، بدأت مساءلة الحكومة البريطانية وعلى رأسها ريشي سوناك الذي كان يقنع البريطانيين بفوائد البريكست سابقًا، إلا أن سوناك نفى هذا التوجّه، في خطوة اعتبرها الكثير حفظًا لمصداقيته وسمعته السياسية. في الوقت الذي لا يملك أحدًا بعد خطة واضحة لإنقاذ بريطانيا.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور