الجمعة 20 كانون الثاني , 2023 02:59

خطر الصدام الداخلي: هل تصمد حكومة نتنياهو؟

بنيامين نتنياهو

لم يمر اسبوعان على تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو قبل أن تصطدم بأول التحديات الداخلية، اذ نزل أكثر من 100 ألف مستوطن الى شوارع "تل أبيب" وأمام منزل رئيس "الكنيست" أمير اوحانا ورئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، مطالبين بسقوط هذه الحكومة ورحيل نتنياهو ورافعين شعارات مناهضة لأجندة اليمين المتطرّف الذي سيطر على مفاصل الحكم في مستويات الكيان ويسعى الى تغييرات جذرية لا سيما في الجهاز القضائي تسمح بإعادة توليد مثل هذه الطبقة الدينية المتطرفة وتبدّل من "الأسس" التي قامت عليها "إسرائيل" وتحوّلها الى كيان "ثيوقراطي" (على حدّ ادعاء "المعارضة" الحالية).

يشهد الكيان انقسامات حادّة، أوضحها بين اليمين المتطرّف واليسار، ما يجعل من تمرير الائتلاف الحكومي لأي اقتراح أو تعديلات موضع سجالات سياسية، ومن بينها تعديلات وزير القضاء ياريف ليفين في "المحكمة العليا"، وتوسيع صلاحيات وزير الأمن ايتمار بن غفير للتدخّل أكثر في الجيش، وفرض "قانون" (قانون درعي) يسمح لشخص مدان قضائيًا بالوصول الى الحكم مثل رئيس حزب "شاس" ارييه درعي الذي تسلّم وزارتي المالية والداخلية لكنّ المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارة، طالبت بإقالته ليجد نتنياهو نفسه اليوم في مأزق، اذ زعم عضو من حزب "شاس" يعقوب ميرغي أنه "في حال قررت المحكمة العليا إلغاء تعيين رئيس حزبه، أرييه درعي، وزيرًا فإن نتنياهو يعلم أنه لن تكون هناك حكومة".

الحكومة قد تصمد ولكن!

أمام مشهد سياسي متأرجح تطرح تساؤلات حول "صلابة" هذه الحكومة ومدى قدرتها على الصمود وعدم التفكك بفعل الضغوطات، ليجيب الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم، "أعتقد أنها سوف تستمر برغم الاحتجاج من قبل يمين الوسط ويسار الوسط، وأن الاحتجاج هو على السلوك الداخلي المتعلق بالقضاء والمحكمة العليا وسلوك وزير الامن القومي بن غفير... صحيح أن الصهيونية الدينية استطاعت ابتزاز نتنياهو لكنه يدرك أنه بدونها لن يستمر طويلًا، وهو استطاع توحيد صفوفها من أجل مصلحته. كذلك، ستستمر في ظل ضعف المعارضة وانتهازية بعض أطرافها، وأيضا ستبقى لأن هناك إجماع صهيوني يهودي على استكمال المشروع الاستعماري الاستيطاني".

تُذكر تجربة التناوب الحكومي بين اليمين "الليبرالي" الذي مثّله نفتالي بينيت واليسار الذي مثّله يائير لابيد بالضعيفة وغير المستقرة، فهي واجهت، الى جانب حملة دعائية من نتنياهو، انتقادات عديدة حول أدائها وقد انهار الائتلاف بعد حوالي السنة والنصف من تشكيله.    

فيما فتح الكاتب والمحلل السياسي مفيد أبو شمالة الأبواب على عدّة سيناريوهات. الأوّل الافتراض أن "الحكومة تملك أغلبية مريحة تمكنها من الاستمرار حتى نهاية ولايتها". والثاني "أن تنعكس جملة التغييرات التي تمارسها خاصة على الصعيد القانوني وتغيير شكل الكيان بما يتستنفر المعارضة للانخراط في فعل شعبي يحرك الأغلبية العلمانية للمطالبة بإسقاط الحكومة من خلال تظاهرات واسعة أكثر فعالية". على أن يكون السيناريو الثالث هو "مواجهة ضغوط أوروبية أو أمريكية تدفع الكنيست إلى حل الحكومة وإجراء تغيير سياسي ما".

نتنياهو في مأزق مخططات التطرّف.. مناورة بين الخطاب التضليلي والواقع

استمرار هذه الحكومة مرهون أيضًا بكبح جماح اليمين المتطرّف، وهنا يرى الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو أن "نتنياهو لن يفعل ذلك، بل إنه يرى في الصهيونية الدينية فرصة لاستكمال المشروع الصهيوني على كامل فلسطين كما هي عقيدة حزب الليكود".

ولضمان استمرارها، أوضح الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو أن "نتنياهو سيعتمد على الخطاب السياسي المزدوج في التعاون مع الداخل والخارج، وهو أحد الحيل. بمعنى آخر سيخاطب نتنياهو العالم والقوى الديمقراطية في داخل المجتمع الاسرائيلي والقوى الليبرالية بخطاب الطمأنينة، بمعنى أن إسرائيل غير ذاهبة إلى التصعيد والتطرف الذي قد يحدث تغيّرًا نوعيًا في طبيعة الصراع مع الفلسطينيين. ولكن في نفس الوقت، سوف يخاطب في الداخل الصهيوني أو الأحزاب الدينية بخطاب آخر وبإعطاء الفرص الكثيرة لهؤلاء من أجل تمرير مشاريعهم ولكن دون ضجّة وضوضاء".

وتابع " سويرجو"، "رغم أن هذه المسألة هي مسألة معقدة وصعبة، وليست سهلة النجاح. ولكن نتنياهو فعّل السياسة وأعتقد انه سينجح في هذا الملف لسنوات من المراوغة السياسية ومحاولة الدفاع عن حكومته، وفي نفس الوقت محاولة كبح جماحها ألا تذهب نحو كسر الخطوط الحمراء بشكل صارخ حتى لا تتصادم مع المجتمع الدولي ولا تتصادم أيضًا مع المقاومة الفلسطينية في غزة".

نتنياهو وسياسة الهروب الى الأمام

هرباً من المأزق الداخلي اليهودي – اليهودي، يرجّح الخبير في الشأن الإسرائيلي حسن لافي أن "تصدّر الحكومة الأزمة الى الخارج"، فكي يتجنّب نتنياهو السيناريو الأسوأ الذي تحذّر منه أوساط الاحتلال وهو " الحرب الأهلية" قد "يذهب نحو الهجوم في الملف الفلسطيني الذي يعتبر ملف إجماع داخل إسرائيل، سواء بضم الضفة الغربية أو تهويد القدس أو حتى في الذهاب إلى معركة إذا تطلب الأمر مع غزة من أجل تبريد الجبهة اليهودية - اليهودية الداخلية. فيما يبقى الحديث عن الجبهة الشمالية أو إيران بعيدًا، فالحكومة أو حتى أي حكومة، هي غير قادرة على الذهاب نحو حرب إقليمية واسعة لأسباب داخلية في ظل المتغيرات سواء في الإقليم أو على المستوى الدولي".

صمدت الحكومة أم لم تصمد، فإن هذه الانقسامات والسجالات الداخلية، تشير الى تآكل "نسيج" اليهود في فلسطين المحتلّة وإن الصدامات الداخلية، بمختلف أشكالها، تصبح أمرًا واقعًا لا مفر منه اذ لم تتمكّن الأطراف ولا سيما الائتلاف الحكومي الحالي من ترميم الجبهة الداخلية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور