الجمعة 10 آذار , 2023 05:28

ماذا تعني عودة الدبلوماسية بين الرياض وطهران؟

طاولة حوار بين إيران والسعودية

مع تزايد أهمية منطقة غرب آسيا كمورّد مهيمن للطاقة العالمية، وخاصة إيران والسعودية كأكبر موردين للنفط والغاز فيما يسمى الشرق الأوسط، لم تكن عواقب الخلاف السعودي الإيراني في المنطقة أكثر خطورة من أي وقت مضى في ظلّ أزمة الطاقة العالمية، وارتفاع أسعار النفط، وهي آخر بقعة في العالم تريدها الدول الكبرى أن تشتعل.

وفي الوقت الذي تعجّ فيه المنصات الإعلامية بالحديث عن "مخططات عسكرية كبرى" ضدّ إيران، ومناورات عسكرية هنا، واتفاقات استراتيجية هناك، بلغت ذروتها عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي لويد أوستن إلى المنطقة، عقد كل من أمين عام المجلس القومي الإيراني الأعلى الجنرال علي شمخاني ونظيره السعودي بين ٦ الى ١٠ آذار/مارس 2023، اجتماعات مكثفة في بكين، بمبادرة من الرئيس الصيني شخصيًاً، وبرعاية وحضور نظيرهما الصيني أسفرت عن إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية والمملكة السعودية خلال مدة أقصاها شهرين. والعمل بكل بروتوكلات التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والأمني الموقعة بين البلدين.

العلاقات المعقدة بين السعودية وإيران

كانت العلاقة المتوترة في كثير من الأحيان بين السعودية وإيران في قلب العديد من التحولات السياسية الرئيسية التي حدثت في غرب آسيا منذ سقوط صدام حسين في عام 2003. تفاصيل العلاقة المعقدة ومتعددة الأبعاد بين السعودية وإيران كان لها آثار سياسية على استقرار الدول في المنطقة العربية مثل لبنان والبحرين واليمن، وعلى المصالح الأمريكية إلى حدّ ما.

 في التحليلات التقليدية حول العلاقات السعودية الإيرانية، يحكى عن الفروق بين السنة والشيعة كمحرّك رئيسي في التعاملات بين البلدين، خاصة أنه في الخطاب الشعبوي السعودي، كثيرًا ما استخدمت النعرة الطائفية للتحذير من "الخطر القادم من إيران"، وقد ذهبت بعض التحليلات، إلى أن السعودية تضمن التفاف الدول العربية حولها وهيمنتها عليها، بفضل تضخيم هذا الخطر، وهو الأمر الذي استخدمه الكيان المؤقّت أيضًا للتحالف مع الدول العربية المطبعة، باعتبار إيران عدوًا مشتركًا.

ومع وصول جو بايدن، حاول الانخراط دبلوماسيًاً مع إيران في محاولة لإحياء الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي كان لا بدّ أن يؤثّر على المملكة السعودية التي عارضت الاتفاق النووي منذ العام 2015، فارتفعت الأصوات المهددة بالتسلح النووي السعودي، وبدأ التحضير الإعلامي لقرع طبول الحرب بين إيران والسعودية.

أهميته وانعكاساته على المنطقة والعالم

وفقًا لخطاب ألقاه مؤخرا وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، فإن بايدن وفريقه "ما زالوا يعتقدون أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي." ويتم تداول الدبلوماسية على أنها "الطريقة الأكثر ذكاء في إيران". ومع اندلاع حرب في أوروبا وتهديد الصين لتايوان، فإن آخر شيء يريد البنتاغون رؤيته هو أزمة في الشرق الأوسط. فور إعلان عودة العلاقات بين البلدين، صرّح المتحدث باسم البيت الأبيض بأنّ "واشنطن على علم بتقارير استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية. وترحب بأي جهود تساعد في إنهاء الحرب باليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط".

أما الصين التي وقعت اتفاقات استراتيجية سابقة مع البلدين، وفيما يبدو من السرعة في التوصل إلى اتفاق، يبدو أن الصين تمكنت من إعطاء ضمانات أمنية لكلّ منهما، سرّعت في نجاح المبادرة، التي ستضمن بالطبع أمن الممرات المائية في الخليج الفارسي، حيث تشقّ الناقلات النفطية الخليجية طريقها عبرَهُ إلى الصين، وبالتالي فإنّ حربًا تعرقل هذا الطريق، لن تنشب بين البلدين.

ومن المتوقع أن تنعكس عودة العلاقات بين البلدين على مجموعة من الملفات على مستوى الإقليم، وخاصةً فيما يتعلّق بالملف اليمني بشكل أساسي، وعلى عودة العلاقات بين السعودية وسوريا التي شهدت عدّة مخاضات ولم تولد بعد، بسبب الخلاف على الوجود الإيراني في سوريا. وفي الدرجة الثانية ستنعكس هذه العلاقات على خفض التصعيد الكلامي والتوتر السياسي لحلفاء السعودية في لبنان.

أما بالنسبة للعراق، فالسعودية لديها تحفّظ على تعيين رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني باعتباره رجل الفصائل العراقية الموالية لإيران في العراق. ومع ذلك واصلت بغداد جهودها لدفع الحوار بين إيران والسعودية لمعالجة القضايا العالقة، حيث رعت 5 جولات من المفاوضات. وفور إعلان عودة العلاقات بين البلدين، صرّحت الخارجية العراقية بأنّ هذا الاتفاق "سيُعطي دفعة نوعية في تعاون دول المنطقة، بهدف إطار يحقق تطلعات جميع الأطراف ويؤذن بتدشين مرحلة جديدة".

التخفيف من حدة الاصطفاف ضد إيران

بعد هذا الاتفاق غير المفاجئ والمفاجئ في آن، من المفترض أن تبدأ مساعي حلّ الخلافات التي صعّدت من الاضطرابات في المنطقة، كما أنه من المتوقع أن تخفف عودة الدبلوماسية من حدّة اصطفاف الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي ضد "العدوّ الإيراني المشترك" كما يتمّ الترويج في الإعلام العبري والعربي والغربي.

وأخيرًا، ستبدأ ملامح النفوذ الصيني السياسي بالظهور في المنطقة من البوابة الاقتصادية.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور