الإثنين 29 أيلول , 2025 02:39

تفعيل "آلية الزناد": واشنطن تطلق النار على الدبلوماسية وتتورط بالتصعيد؟

أعادت الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فرض العقوبات الأممية على إيران بعد نحو عقد على رفعها بموجب الاتفاق النووي المعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، في خطوة جاءت بعد فترة من الانهيار التدريجي للاتفاقية، منذ انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 وإعادة فرض عقوبات أحادية على طهران. تفعيل هذه الآلية، المعروفة باسم «آلية الزناد»، يعكس أكثر من مجرد قرار قانوني؛ إنه خطوة استراتيجية ضمن الحرب المستمرة ضد إيران، حيث تُمثل العقوبات الدولية جزءاً من أدوات الضغط التي استخدمتها واشنطن على مدى أربعة عقود منذ انتصار الثورة الإيرانية.

تُعدّ آلية الزناد إجراءً استثنائياً أُدرج داخل الاتفاق النووي، يسمح بإعادة فرض جميع العقوبات الأممية تلقائياً عند إخلال إيران بالتزاماتها، دون الحاجة لتصويت جديد في مجلس الأمن. يهدف تصميمها إلى تجاوز أي إمكانية لاستخدام روسيا أو الصين للفيتو، ما يمنح الدول الغربية القدرة على الضغط المباشر على طهران. ويظهر هذا التصميم أن الهدف ليس فقط العقوبات نفسها، بل إعادة إنتاج غطاء قانوني وسياسي لهذا البند، بما يعكس استراتيجيات طويلة المدى للضغط والردع.

جاء تفعيل الآلية اليوم تتويجاً لسلسلة طويلة من الانتهاكات والتراجع التدريجي للاتفاق منذ 2018. بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى، رفعت إيران تدريجياً مستوى التخصيب إلى 60% وخفضت الرقابة الدولية، كرد على هذا الانسحاب وعدم وفاء الترويكا بالتزاماتها أيضاً، قبل أن تأتي الدول الأوروبية من جهتها لتعيد العمل بالقرارات الأممية الستة السابقة:

-القرار 1696 عام 2006 والذي طالب إيران بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

-القرار 1737 عام2006 والذي فرض قيوداً ملزمة بموجب الفصل السابع على نقل المواد والتكنولوجيات النووية، وأنشأ لجنة لمراقبة وتجميد أرصدة الأشخاص والشركات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

-القرار 1747 عام 2007 الذي وسّع القيود السابقة لتشمل عقوبات على أشخاص وكيانات، وحظر التعاون العسكري والأسلحة، وزيادة الضغوط على سلسلة التزوّد بالتكنولوجيا النووية.

4- القرار 1803 عام2008 الذي طالب إيران بالتوقف فوراً عن أي تخصيب أو أبحاث مرتبطة بأجهزة الطرد المركزي.

- القرار 1835 عام 2008 الذي أكّد على جميع القرارات السابقة.

-القرار 1929 عام 2010  الذي شمل أوسع حزمة عقوبات قبل اتفاق عام 2015، بما في ذلك حظر الأسلحة التقليدية، وتجميد الأرصدة، وتقييد الأنشطة التجارية الحساسة، وإنشاء لجنة خبراء لمراقبة تنفيذ العقوبات.

محاولات موسكو وبكين لإرجاء فرض العقوبات عبر مشروع قرار داخل مجلس الأمن فشلت، حيث لم يحصد سوى أربعة أصوات، مقابل تسعة رافضة وامتناع دولتين. فيما يمكن اعبتار استمرار دعمهما السياسي والاقتصادي لطهران، بمثابة وضوح لموقفهما من هذه الاجراءات القمعية التعسفية، اذ أعلنت بكين أن الاتفاقيات بين البلدين ستبقى سارية بما في ذلك النفط.

إيران  صاحبة الخبرة الطويلة في مواجهة العقوبات على مدى أربعة عقود، باتت تمتلك القدرة على تطوير شبكات التفاف اقتصادية وسياسية، داخلياً وخارجياً، تحدّ من آثار الضغط الدولي، مع الاحتفاظ بأوراق قوة لم تُستخدم بعد. هذه القدرات تشمل البرنامج النووي، الصواريخ الباليستية، والحضور الإقليمي المؤثر، مما يجعل أي تصعيد دولي عملية محفوفة بالمخاطر. اذ أن ما شهدته المنطقة خلال حرب الـ12 يوماً بين إيران وكيان الاحتلال، أعطى نموذجاً عن شكل التصعيد المتوقع والذي تعالجه واشنطن والترويكا الاوروبية بمزيد من التهور، وفكرة عن قدرة إيران على الصمود وايلام الطرف الآخر بما لم يكن يتوقع سابقاً.

بالنسبة لإيران، فالأمور باتت أكثر وضوحاً بعد الحرب الأخيرة التي جاءت تتويجاً لنسف واشنطن كل جهود المفاوضات ونقضها لالتزاماتها وممارستها لسياسة الكذب والتملص. من جهتها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، أن "المرحلة الحالية دقيقة وتتطلب إدارة متعددة المستويات، اقتصادياً وعسكرياً". ووصفت تفعيل آلية الزناد بأنه "غير قانوني"، مشددة على أن "الردود الإيرانية ستكون متناسبة مع مصالح البلاد وبما يتوافق مع الإمكانيات المحلية". وأوضحت أن "العقوبات الحالية ذات طابع عسكري أكثر من اقتصادي، وأن أي تهديد سيُواجَه بـرد حاسم وفوري". مضيفة أن "أبواب الدبلوماسية مفتوحة، شرط أن يكون التفاوض عملياً ويحترم المواقف الإيرانية وليس شكلياً".

تفعيل آلية الزناد يعكس استمرار الحرب الأميركية ـ الأوروبية على إيران ضمن مسار طويل، حيث تُستثمر القوانين الدولية كأدوات ضغط سياسي بيد الولايات المتحدة، ويستفيد كيان الاحتلال الإسرائيلي من إعادة فرض العقوبات لمحاولة تعزيز موازين القوى الإقليمية لصالحه. ومع ذلك، تمتلك إيران أوراق قوة استراتيجية لم تُستثمر بعد، وخبرة عميقة في مواجهة الضغوط الدولية. المرحلة المقبلة ستكون اختباراً لمعادلة دقيقة بين الردع والتحفظ على فرص الحوار، مع قدرة إيران على صمود مؤسسي وسياسي أمام الضغوط متعددة الأشكال، كما فعلت على مدى عقود.





روزنامة المحور