أعدَّ مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية التابع لقيادة الجيش الأمريكي ملف معلومات حول تداعيات تفعيل آلية "سناب باك" في الاتفاق النووي الإيراني، محذّرًا من العواقب الاستراتيجية الخطيرة التي قد تنجم عنها.
وفي ظل تصاعد التوترات المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني، يرى المركز أنّ تفعيل آلية "سناب باك" كخطوة تحمل تداعيات استراتيجية خطيرة، لا سيما فيما يتعلق باحتمال دفع إيران إلى اتخاذ قرارات قد تُغيّر مسار الصراع جذريًّا. ومن بين أخطر هذه التداعيات، أن يؤدي تفعيل الآلية إلى انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهو سيناريو لا يُنظر إليه باعتباره رد فعل دفاعي فحسب، بل كإشارة محتملة إلى نيّة طهران المضي قُدمًا في تطوير أسلحة نووية بشكل علني.
وبحسب معدو الورقة فإن الخطر يزداد حين يُفسَّر هذا الانسحاب على أنه مقدمة لتعزيز التعاون مع قوى إقليمية أو دولية جديدة، ما قد يُستخدم كذريعة من قبل الولايات المتحدة والكيان المؤقت لتبرير عمل عسكري استباقي. وفي هذا السياق، لا يُعدّ تفعيل "سناب باك" مجرد إجراء تقني في إطار الاتفاق النووي، بل خطوة قد تُسرّع تصعيدًا عسكريًّا واسع النطاق، خاصة إذا اتُّخذ دون تقييم دقيق لانعكاساته على نوايا إيران وقدرتها على الرد.
النص المترجم للمقال
في عام 2015، تم إنشاء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) كإطار يهدف إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. وتم إرفاق خطة العمل الشاملة المشتركة بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSCR) رقم 2231 (2015).
تتضمن خطة العمل الشاملة المشتركة "آلية لتسوية النزاعات" يُشار إليها عادةً باسم "سناب باك" (أي: إعادة فرض العقوبات). وتمنح هذه الآلية مجموعة الدول الثلاث الأوروبية والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الثلاث الأخرى (E3/EU+3) - وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والصين وروسيا والولايات المتحدة (في الأصل) - سلطة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، في حال ثبوت إخلال إيران بشكل كبير بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
في 28 أغسطس، قررت مجموعة E3 إخطار مجلس الأمن بأنها تعتقد أن إيران لم تفِ بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي قامت بتفعيل آلية العودة إلى الوضع السابق. مع بدء تفعيل آلية "سناب باك" الآن، تبدأ عملية الأمم المتحدة التي تستغرق 30 يوماً، ولكن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث تحافظ على الانخراط الدبلوماسي أملاً في حل النزاع. يمثل هذا نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في العلاقات مع إيران، ومن المرجح أن يحفز إعادة تقييم استراتيجية فيما يتعلق بالمناقشات المستقبلية للسياسات الإقليمية والدولية.
آلية تسوية النزاعات ("سناب باك")
تضمن آلية "سناب باك" إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران تلقائياً في حال حدوث عدم امتثال جوهري (كبير). لقد صُممت هيكلية الآلية عمداً لإزالة إمكانية استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، حتى من قبل الأعضاء الدائمين مثل الصين أو روسيا. يتم ذلك لأن العقوبات تُعاد تلقائياً ما لم يوافق المجلس بالإجماع على إنهاء هذه العقوبات.
ستعيد آلية "سناب باك" فرض تدابير تشمل ما يلي:
- إعادة تفعيل حظر الأسلحة المنتهي الصلاحية، وهو حظر كان يمنع الدول من تزويد أو بيع أو نقل غالبية المعدات العسكرية والقتالية إلى إيران، كما كان يمنع إيران نفسها من تصدير أي أسلحة إلى الخارج.
- إعادة إحياء وتطبيق الأحكام (البنود القانونية) التي كانت قد انتهت صلاحيتها في أكتوبر 2023، والتي كانت تفرض قيوداً على إيران، تحديداً: - منع إيران من تصدير الصواريخ والطائرات المسيرة (الدرونز). - منع إيران من المشاركة في أي أنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية المصممة خصيصاً لحمل رؤوس نووية.
- تطبيق ضوابط التصدير، وحظر السفر، وتجميد الأصول، وقيود أخرى على الأفراد والكيانات والبنوك المشاركة في أنشطة إيرانية نووية وباليستية محددة، مما يتطلب من الحكومات الوطنية والاتحاد الأوروبي دمج هذه القيود ضمن قوانينها.
- حظر معظم الأنشطة النووية الإيرانية مرة أخرى، بما في ذلك تلك الأنشطة التي سُمح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
الأحداث التاريخية (Historical Events):
- في 14 يناير 2020، سجلت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) مخاوفها من أن إيران لا تفي بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وأحالت المسألة إلى اللجنة المشتركة ضمن آلية تسوية النزاعات. وقد أدى هذا إلى زيادة الانخراط الدبلوماسي مع إيران، ولم يؤد إلى انهيار أو تصعيد رسمي لاتفاق JCPOA.
- في 3 يوليو 2020، بدأت إيران أيضاً بتفعيل آلية تسوية النزاعات، لمعالجة مخاوفها بشأن قضايا التنفيذ من جانب مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3). وفي نهاية المطاف، تم تعليق هذه العملية.
- في 8 أغسطس 2025، وجهت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، توضح فيها مخاوفها بشأن برنامج إيران النووي وموقفها المشترك بخصوص آلية إعادة فرض العقوبات ("سناب باك").
- في 28 أغسطس 2025، أصدرت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) بياناً مشتركاً أعلنت فيه أنها تطلق رسمياً عملية إعادة فرض العقوبات ("سناب باك").
التبعات والآثار المحتملة
- قبل تفعيل آلية "سناب باك"، عرضت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) تمديد صلاحية الآلية لمدة تصل إلى ستة أشهر للسماح بمزيد من المفاوضات مع إيران. كان هذا التمديد مشروطاً بأن تتعاون إيران بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وأن تعالج المخاوف المتعلقة بمخزونها من اليورانينيوم المخصب.
- في إخطارها الصادر بتاريخ 28 أغسطس، أكدت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث مجدداً التزامها بالبقاء منخرطة دبلوماسياً مع إيران طوال فترة "سناب باك" الممتدة لثلاثين يوماً، مشددة على استمرار الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى استعادة امتثال إيران الكامل لالتزاماتها النووية. قد تسعى إيران إلى استغلال هذه الفترة التي تبلغ 30 يوماً لصالحها من خلال استخدام تكتيكات المماطلة والمناورات الدبلوماسية.
- تُعيد آلية "سناب باك" تفعيل نظام عقوبات ملزم عالمياً، ومنسق ومتعدد الأطراف، وله دعم قانوني من الأمم المتحدة، مما يعزز بشكل كبير من قدرة إنفاذه. وقد تؤدي القيود المشتركة، العسكرية والدبلوماسية، إلى تعميق عزلة إيران، مما يؤثر على طموحاتها النووية وقدراتها العسكرية.
- ومع ذلك، "من المرجح أن يكون التأثير الاقتصادي الناتج على إيران هامشياً، نظراً لأن طهران تواجه بالفعل مجموعة من العقوبات الأمريكية الثانوية الشاملة والأكثر إضراراً بكثير مما هو منصوص عليه في قرارات مجلس الأمن السابقة".
- قد يؤدي إعادة فرض العقوبات إلى رد انتقامي من إيران، بما في ذلك زيادة طموحاتها النووية، أو القيام بأعمال عسكرية مزعزعة للاستقرار في المنطقة. كما هددت إيران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) في حالة إعادة فرض العقوبات.
الخاتمة (الاستنتاج)
- لا يمكن تبرير تفعيل آلية "سناب باك" إلا إذا اعتُبرت رسالة مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) الصادرة في 8 أغسطس ومحتوياتها بمثابة دليل على "جهود حُسن النية لاستنفاد عملية تسوية النزاعات"، مما يسمح بتخطي الخطوات التمهيدية
- إن انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) نتيجة لتفعيل آلية "سناب باك" قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، حيث قد يشير الانسحاب إلى نية (إيرانية) لمتابعة امتلاك الأسلحة النووية علانية بدعم من شركاء أو حلفاء جدد، مما يزيد من خطر العمل العسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.
- ينطوي تفعيل آلية "سناب باك" على خطر تسريع إعادة التموضع الاستراتيجي لإيران من خلال دفعها إلى تعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع روسيا والصين، وبالتالي تعقيد جهود الغرب للحد من سلوكها. وللتخفيف من هذا الخطر، من الضروري أن تنسق الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث نهجهما وتعملا في تناغم لمواجهة التحدي الإيراني.
المصدر: مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية