الأحد 09 نيسان , 2023 12:10

هآرتس: هل اتسعت حدود الحرم القدسي على قبضة "إسرائيل"؟

مجموعة مستوطين داخل الحرم وأحد المرابطين يقرأ القرآن

في هذا المقال الموسع والشامل الذي نشرته صحيفة هآرتس، يستعرض الكاتب تسفي برئيل كيف توسعت حدود ومنطقة الحرم الشريف لتشمل عمان التي أصبحت على خطوة من السماح للمواطنين الأردنيين لاجتياز الحدود إلى الضفة للانضمام إلى نضال الفلسطينيين، إلى لبنان حيث التنسيق بين حزب الله وحماس على قدم وساق إذ تم إطلاق الصواريخ من هناك، ثم مصر التي لم تعد قادرة على ضبط التفاهمات بين حماس واسرائيل بسبب الممارسات الاسرائيلية، أما الإمارات التي كانت تقوم بتحذير نتنياهو سرًا من مغبة سياساته، انتقلت إلى العمل العلني الذي تضمن توجهات مشتركة مع السلطة الفلسطينية.

في هذا المقال يرى الكاتب أن معاهدات السلام التي كانت تستخدم كرافعة ضغط على إسرائيل، وتخدم مصالح الدول العربية المطبعة، ومن الجانب الاسرائيلي هي دليل على أن اسرائيل بإمكانها عقد سلام مع دول عربية دون حل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال، إلا أن – وبحسب الكاتب - كلتا الصيغتين، العربية والإسرائيلية، كاذبة ومضللة. ذلك أن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني له حضور ثابت، وهو يهدد نسيج العلاقات الحساس بين الدول العربية وإسرائيل. هذه الدول بدأت بالتشكيك بالرافعة السياسية التي وضعتها بأيديها اتفاقات إبراهيم، لأنها أصبحت غير مقتنعة بأن رئيس حكومة إسرائيل يريد ويمكنه منع تحويل الحرم إلى بركان نشط سينثر حممه الملتهبة عليها.

وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

إطلاق الصواريخ أمس من الأراضي اللبنانية باتجاه الحدود الشمالية، والصواريخ التي أطلقت من غزة قبل يوم إلى إسرائيل، والمواجهات داخل الحرم التي تهدد بإشعال حريق كل يوم في رمضان، كلها وضعت إسرائيل في معضلة معروفة: إلى أي مدى يمكن مد حدود المواجهات العنيفة، وكم من الممكن ضبط النفس، وأمام من نضبط النفس وحتى متى ؟ أو بكلمات أخرى: أين تصل "حدود الساحة" ومنطقة نفوذ الحرم الشريف؟

الأربعاء، اجتمع مئات المواطنين في مسجد الكالوتي في عمان، المجاور لسفارة إسرائيل، ودعوا حكومة الأردن إلى طرد السفير الإسرائيلي. زعيم الإخوان المسلمين في الأردن، عبد الحميد اذنيبات، الذي حضر الاجتماع، قال بأن "ما حدث أمس في المسجد الأقصى أهال الدموع من كل قلب مسلم. الصهاينة أرسلوا رسالة واضحة بأن في نيتهم بناء ما يسمونهم هيكلهم". ودعا متحدثون آخرون الحكومة إلى السماح للمواطنين الأردنيين باجتياز الحدود إلى الضفة من أجل الانضمام إلى نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال.

بعد وقت قصير، فرقت قوات الأمن الأردنية الاجتماع. وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الذي شارك في مؤتمر حلف الناتو في بروكسل، أرسل رسالة قاطعة مفادها: "التطبيع مع إسرائيل في الواقع بدأ، ولكن التزامنا به لا يمكن أن يأتي على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب مبادئنا. هذه الهجمات (على الحرم) تجاوزت حدودها". وقد انضم إلى الإدانات الرسمية، الشركات الاجتماعية الصاخبة التي تنشر فيها أفلام من الصعب مشاهدتها، يظهر فيها رجال شرطة وهم يضربون مدنيين بالهراوات وأعقاب بنادقهم، وعشرات الأشخاص ملقون على الأرض في ساحة المسجد مقيدين بالقيود البلاستيكية. هذه الردود ليست جديدة، وسبق رؤية أمثالها وأسوأ منها في سنوات سابقة. ولكن التحديث المقلق هو في الانضمام النشط والمسلح للتنظيمات الفلسطينية في لبنان لاحتفالات الحرم.

هنا تزداد المعضلة أمام إسرائيل. "حزب الله" تنصل في الواقع من مسؤولية عن إطلاق النار، ولم يشر إلى الجهات التي قامت به. بيد أن التنسيق الكامل الموجود بين التنظيمات الفلسطينية التي تعمل في لبنان وبين "حزب الله" فيما يتعلق بنشاطها العسكري، يقيد استقلالية النشاط الفلسطيني من الأراضي اللبنانية. من هنا، وعندما يتم إطلاق نار بهذا الحجم، فإن الافتراض يقتضي القول بأنه تم بعد تنسيق ومصادقة من "حزب الله".

في غضون ذلك ، تتخذ إسرائيل إزاء لبنان السياسة التي تبنتها في غزة. والتي بمقتضاها تميز بين هجمات حماس وهجمات الجهاد الإسلامي أو تنظيمات أخرى، هكذا فإنها تميز بين هجمات "حزب الله" وإطلاق النار التي تقوم به منظمات فلسطينية. "حزب الله" نفسه يساعد في هذا التمييز. على الرغم من الخطاب الملتهب للأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله والتشجيع الذي يقدمه لـ المقاومة الفلسطينية كي تصطدم مع نظام الاحتلال الإسرائيلي، فإنه ما زال يفضل، والأصح يضطر، إلى التمسك بموقف المتعاطف المتحمس الذي يجلس على المنصة في الوقت الذي هو نفسه مقيد بشبكة سياسية داخلية تجبره على التصرف بحذر شديد.

تتربع في قلب المعركة اللبنانية قضية تعيين رئيس جديد للدولة، الذي تدار الدولة بدون رئيس منذ تشرين الأول، عندما أنهى ميشال عون ولايته. يكمن في هذا التعيين على الأقل نظرياً، مفتاح حل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة والتي تعتبر كدولة مفلسة. حتى الآن كان يمكن لـ "حزب الله" أن يولي شروطه دون قيد ويدفع قدماً بترشيح سليمان فرنجية للرئاسة. بل ونجح في فرض صيغة تسوية على فرنسا بموجبها ستوافق على أن يكون فرنجية هو الرئيس مقابل أن يكون رئيس الحكومة نواف سلام الذي يعتبر محايداً.

بيد أن مصالحة بين السعودية وإيران دخلت إلى مصفوفة القوى في لبنان، والتي أعلنت عنها الدولتان في الشهر الماضي. أمس، التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين عبد اللهيان للمرة الأولى في بكين، ووقعا على بيان مشترك يفيد باستئناف اتفاق التعاون الأمني الذي وقع بين الدولتين في سنة 2001، وفتح القنصليات والسفارات من جديد، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين الدولتين. ورد في البيان بأن الدولتين ستعملان معاً للدفع قدماً من أجل الأمن الإقليمي.

وحتى قبل البيان الذي ينهي قطيعة تبلغ سبع سنوات بين الدولتين، فإن السعودية تحولت إلى الشريك الأكبر في الجهود الدولية للعثور على حل الأزمة في لبنان. العلاقة الجديدة بين السعودية وإيران تضع "حزب الله" أمام واقع جديد لم يكن معروفاً والذي سيكون فيه على "حزب الله" أن يأخذ بالحسبان ليس فقط موقف الدولة الراعية له، بل أيضاً التفاهمات التي سيتم التوصل لها بين إيران والسعودية في القضية اللبنانية. إن تدخلاً عسكرياً مباشراً في المواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية معناه وضع لبنان كله على لوحة الأحداث الإسرائيلية. إذا كان الأمر كذلك، فسيعرض مكانة لبنان السياسية للخطر، وهذه المرة ليس فقط أمام أعدائه في الداخل، بل أمام الكتلة الدولية الجديدة الآخذة في التبلور والذي تعد إيران عضواً فيها أيضاً. علاوة على ذلك، عندما تدفع كل من السعودية وجاراتها قدما بعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، فلا يمكنه أن يبدو "حزب الله" كعبوة ناسفة ستخرب الخطوات التي هي أكبر منه.

حتى وإن لم يكن نصر الله شريكاً في النضال الفلسطيني وستهدأ الجبهة اللبنانية، فلن يكون في هذا ما من شأنه أن يقلل تهديد الاشتعال داخل الحرم في وقت ترى فيه إسرائيل حكومتها هي الأخطر، والتي تقلص دور الوساطة التي تديره مصر بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية. في شباط، استضافت مصر بعثات من حماس والجهاد الإسلامي في محاولة لرسم "الخطوط الحمراء" الفلسطينية للرد قبيل بداية رمضان. في نهاية اللقاءات، اتضح أمس أن التفاهمات التي تم التوصل إليها كانت ضعيفة جداً: رئيس المخابرات المصرية عباس كامل حاول إقناع رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بتقييد الرد العنيف فقط لحالة أن غزة هوجمت مباشرة. حسب تقارير في وسائل الإعلام العربية، رد هنية بأن معنى طلب كهذا هو "فصل الجبهات بين الضفة وغزة، ولهذا لا يمكنه الموافقة على ذلك. زعيم الجهاد الإسلامي زياد النخالة، كان أكثر فظاظة عندما أوضح بأن تنظيمه، لن يقف مكتوف الأيدي إزاء الهجمات وقتل مقاتليه بساحة القتال في الضفة".

هذا اللقاء جرى في اليوم الذي التقى فيه رئيس الأركان هرتسي هليفي مع نظيره المصري أسامة عسكر في البحرين. نقل عسكر إلى هليفي مخاوف مصر من اندلاع حرب في عدة جبهات إذا لم يضغط هليفي على الحكومة ويكبح خطوات أحادية الجانب من جانبها. هذه الرسالة، بالتحديد عبر هليفي، كان يمكن أن تدل على المصاعب التي تواجهها مصر في إدارة حوار مباشر ومعقول مع نتنياهو، والذي - وفق رأيها - هو أسير بأيدي وزراء متطرفين. أحدهم هو إيتمار بن غفير قام بعملية استعراض عندما زار الحرم. الثاني وهو بتسلئيل سموتريتش، لا يخفي توقه لتهويد شرقي القدس ويدفع لتوسيع الاستيطان في الضفة. هذا، حتى قبل أن يلقي سموتريتش خطابه في باريس والذي نفى فيه وجود الشعب الفلسطيني على خلفية خارطة لأرض إسرائيل الكاملة والتي تضم الأردن أيضاً.

تواصل مصر أيضاً في هذه الأيام نشاطات كبحها أمام حماس وأمام إسرائيل، ولكن قدرتها على تنفيذ مهمتها الأخلاقية كوسيط، والتي نجحت طوال سنوات في تقييد مجال المواجهة العنيفة، ترتبط بدرجة التعاون الذي ستجده من الجانب الإسرائيلي. مصر تخاف من أن مبادرات سيقوم باتخاذها سموتريتش، المسؤول عن الإدارة المدنية، مثل إلغاء تسهيلات مدنية، ستدمر التفاهمات التي تم التوصل إليها بين إسرائيل وحماس، والتي تعزز الوضع القائم وتغذي احتياج حماس لخدمات مصر وإسرائيل.

بعد أقل من أسبوعين من اللقاء في القاهرة، جرى في العقبة الواقعة بالأردن اللقاء الذي استهدف كبح اندلاع انتفاضة، والذي شارك فيه ممثلون من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة وإسرائيل. كان هذا منتدى يمثل سابقة والذي حل محل إطار النقاشات الثنائية المعتاد والذي تدير فيه إسرائيل اتصالاتها مع كل دولة عربية على حدة، وفق جبهتها: مع مصر حول غزة، ومع الأردن حول القدس والضفة. بعد شهر من ذلك، اجتمع هذا المنتدى في شرم الشيخ، وفي الشهر القادم من المتوقع أن يجتمع في المغرب بشرط ألا تتدهور الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية إلى حرب شاملة.

إلى جانب هذه اللقاءات، تعمل الإمارات بصورة مستقلة أمام إسرائيل والسلطة الفلسطينية. رئيس الإمارات محمد بن زايد، الحلف العربي ربما الأقرب لإسرائيل، كف منذ فترة عن تحذير نتنياهو برسائل وبمحادثات سرية. ثم انتقل إلى العمل العلني الذي تضمّن توجهات مشتركة مع السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن للحصول على قرارات إدانة ضد إسرائيل.

هذه المنتديات التي تشارك إسرائيل في عضويتها، تجبرها على أن تأخذ بالحسبان مصالح الدولة التي طبعت علاقاتها معها وأصبحت حلفاء رغم كونها دولة محتلة. ليس هناك دولة من هذه الدول تهدد بخرق اتفاقات السلام أو بمقاطعة إسرائيل. أكثر من هذا، زعماء الدول الأعضاء في هذا المنتدى يتم مهاجمتهم لأنهم يمنحون إسرائيل رخصة لمواصلة احتلال الفلسطينيين.

الرد المعتاد هو أن اتفاقات السلام تستخدم كرافعة ضغط سياسية على إسرائيل، وتخدم مصالح هذه الدول. إسرائيل من جانبها استخدمت اتفاقات السلام كدليل على أن بإمكانها عقد سلام مع دول عربية دون حل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. كلتا الصيغتين، العربية والإسرائيلية، كاذبة ومضللة. للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني حضور ثابت، وهو يهدد نسيج العلاقات الحساس بين الدول العربية وإسرائيل. هذه الدول بدأت بالتشكيك بالرافعة السياسية التي وضعتها بأيديها اتفاقات إبراهيم، لأنها أصبحت غير مقتنعة بأن رئيس حكومة إسرائيل يريد ويمكنه منع تحويل الحرم إلى بركان نشط سينثر حممه الملتهبة عليها.


المصدر: هآرتس

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور