الثلاثاء 30 أيار , 2023 01:40

سياسة إيران المنفتحة على طالبان

العلاقات الإيرانية الأفغانية

لدى إيران الكثير من الأسباب لتبني استراتيجية براغماتية تحافظ من خلالها على نفوذ ولو محدود لدى جارتها الشرقية في أفغانستان. مع استيلاء طالبان على البلاد وانسحاب القوات الأمريكية والناتو، تتعامل طهران بشكل عملي مع الجماعة، لحماية وتعزيز استراتيجيتها للأمن القومي من جهة، ولدعم استقرار الأمن الإقليمي من جهة أخرى، خاصة أن إيران تلعب دورًا أساسًيا في أمن المنطقة.

في التعامل مع طالبان، تجاهلت طهران بعض رجال الدين والإصلاحيين والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذين عبروا علنًاً عن آرائهم ضد التعامل مع طالبان. حتى أنّ أحد كبار رجال الدين الإيرانيين، حذّر الحكومة من الوثوق بطالبان وتذكر "أفعالهم الشريرة وقتلهم"، قائلا إن تجاهل تحذيراته سيكون خطأ "فادحًا" و"لا يمكن إصلاحه". وفي مواجهة هذه الانتقادات، سعت إدارتا الرئيس السابق حسن روحاني والرئيس الجديد إبراهيم رئيسي إلى إقناع طالبان وجماعات أخرى بتشكيل نظام سياسي جديد يكون فيه لكل جماعة عرقية دينية حصة في السلطة. وبدعم من "قوة القدس" الإيراني، والعميد إسماعيل قاآني، عملت طهران على التخفيف من عداء طالبان والحد من عدم الاستقرار داخل أفغانستان، والذي سيتدفق حتمًا نحو إيران.

جني الأرباح من السياسة الإيرانية تجاه طالبان

لدى تسلّمها البلاد، أوضحت إدارة رئيسي أنّ أولويتها في سياستها الخارجية هي جيران إيران، أكد رئيسي أن "انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يجب أن يكون فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلام الدائم". فيما دعا الامام السيد علي الخامنئي المسؤولين الإيرانيين الى عدم السماح لأي أحد بتعكير العلاقة مع دول الجوار (بما فيها أفغانستان)، وقد بدأ هذا النوع من الاحتضان لطالبان في جني الأرباح مبكرًا من عمر حكومة طالبان الجديدة، إذ كانت الجماعة أيضًا حريصة على تحسين العلاقات مع طهران على عدة مستويات هي:

أولاً: إشراك شخصيات حليفة لإيران في الحكومة

في 21 أيلول سبتمبر، أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في مؤتمر صحفي تعيين ستة مرشحين من طهران إلى الحكومة المؤقتة. وعين قائدا طالبان الملا عبد القيوم ذاكر والملا صدر إبراهيم نائبين لوزير الدفاع ونائبا لوزير الداخلية على التوالي. ويمثل الإثنان فصيلين داخل طالبان يتلقيان دعمًا من إيران منذ سنوات. وتهدف طالبان من خلال تعيينهما إلى تأمين الوحدة الداخلية وتحسين العلاقات مع طهران. فكلا الرجلين زعيمان قويان ومستقلان يقودان قوات كبيرة خاصة بهما، عملت عبر المحافظات في الجنوب والغرب، على طول الحدود مع إيران.

الأقليات الأفغانية المتحالفة تقليديا مع إيران

وبالإضافة إلى ذلك، عينت طالبان أربعة أفراد آخرين جديرين بالملاحظة في حكومتها المؤقتة يمثلون الأقليات العرقية التي كانت متحالفة تقليديًا مع إيران. ومنهم الحاج نور الدين عزيزي، وهو طاجيكي من إقليم بنجشير، وزيرًا للتجارة. كما عيّنت حاجي محمد بشير، وهو تاجر أوزبكي من بغلان، نائًبا لوزير التجارة، والحاج محمد عظيم سلطان زاده، وهو تاجر أوزبكي آخر من ساري بول، نائبًا ثانيًا للوزير. وأخيرًا، تم تعيين الدكتور محمد حسن غياسي، وهو من الهزارة الشيعة، نائبًا لوزير الصحة. وتأتي هذه التعيينات بعد أن ندّدت طهران علنًا بالحكومة المؤقتة ووصفتها بأنها "غير شاملة" وألمحت إلى أن العلاقات لن تكون ودية.

لكن هذا لا يعني أنه قد تمّ تجاوز الخلافات العرقية والدينية. عام 2020، اقترح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف أن تستخدم الحكومة الأفغانية لواء فاطميون للقتال ضد داعش خراسان، إلا أنّ مخاوف طالبان من تعاظم القوة الشيعية ومشاركتها في الحكم ودعم الأمن، حال دون ذلك.

ثانياً: تأمين الحدود من الجماعات الإرهابية

مع انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإن طالبان هي ما يقف بين الجماعات "الجهادية" التكفيرية العابرة للحدود، وخاصة داعش خراسان، وبين إيران. تزداد داعش خراسان نشاطًا في ظلّ الانشقاقات عن طالبان، وانضمام المسلحين المتطرفين الفارين من باكستان، وخاصة طالبان باكستان وجماعة عسكر جهانغوي المعادية للشيعة. ولطالما اشتبك تنظيم داعش في خراسان مع طالبان، مدعياّ أن حكمهم غير شرعي، ووصفهم بأنهم "قوميون قذرون" مهتمون في المقام الأول بالوصول إلى السلطة في أفغانستان بدلًا من العمل على إقامة خلافة. تتمركز داعش خراسان في شرق أفغانستان وعبر خط دوراند في باكستان مع حوالي2000 مقاتل، ولديها طموحات إقليمية عابرة للحدود الوطنية للاستيلاء ليس فقط على أفغانستان ولكن أيضا على أجزاء من أوزبكستان وباكستان وطاجيكستان وإيران. الواقع أن التعبئة الإرهابية المتطرفة في أفغانستان أمر لا مفر منه.

إلى جانب تنظيم داعش في خراسان، تشمل هذه الجماعات نواة تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وحركة تركستان الشرقية. وتتمتع طالبان حاليًا بدعم ونفوذ محليين بين أمراء الحرب القبليين، في حين كان تنظيم القاعدة هادئًا نسبيًا.

على الرغم من عجزهم في البداية عن إقناع طالبان بتشكيل حكومة شاملة، وغير ذلك من الخلافات الحتمية التي قد تنشأ، فإن الأولى بالدول المجاورة مثل إيران أن تسعى إلى المشاركة، والعمل مع طالبان لكبح جماح المتطرفين الراديكاليين في أفغانستان وتعزيز جهاز الاستخبارات حول هذه العناصر. وبالإضافة إلى وجود عدد من حلفائها ولو كان قليلًا كجزء من الحكومة المؤقتة، تواصل طهران العمل على إبقاء قنوات الاتصال والنفوذ المحتمل مفتوحة.

نهر هلمند في أفغانستان

ثالثاً: تأمين المياه

قضية المياه في العلاقات الإيرانية الأفغانية كادت أن تشعل الجبهة الحدودية في أيار مايو 2023. وقع البلدان اتفاقًا في عام 1973 يلزم أفغانستان بإطلاق 850 مليون متر مكعب من المياه من حوض نهر هلمند العابر للحدود سنويًا. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ المعاهدة لعقود بسبب الحروب والصراعات، مما ترك البنية التحتية للري والطاقة الكهرومائية في أفغانستان في حالة من الفوضى. ومنذ استئناف بناء السدود في عام 2011، تنازع المسؤولون الأفغان والإيرانيون على كمية المياه التي يتم إطلاقها ودور طهران في دعم حيلة طالبان ضد مشاريع السدود المتعددة. لدى افتتاح سدّ كمال خان قبل الانسحاب الأمريكي بخمسة أشهر، كرر الرئيس الأفغاني آنذاك أشرف غني التزام حكومته بالمعاهدة الثنائية، لكنه شدد على أنه سيتعين على طهران دفع مقابل: "إذا أعطيتنا النفط، يمكنك حينئذ طلب المزيد من المياه، أو تعطينا شيئًا في المقابل". وأكد غني أن أفغانستان "لن تعطي المياه المجانية لأي شخص".

ومع استيلاء طالبان على السلطة، تداول السكان المحليون على وسائل التواصل الاجتماعي أن الجماعة أطلقت المياه من سد كمال خان إلى إيران "بناء على أوامر" من طهران. ونفت طالبان هذه التقارير، قائلة إن إغلاق المياه وإطلاقها لا علاقة لهما بإيران، كما أنّ المياه لم تصل إلى إيران بسبب خلل في بناء السدّ الذي بناه الأمريكيون عمدًا بشكل لا يستفيد منه أحد. وإثر اشتباكات الحدود الأخيرة أعلنت طالبان تشكيل لجنة فنية بمشاركة خبراء إيرانيين للنظر في مشكلة السدّ. وعليه فإن العمل مع طالبان لمعالجة مسألة مياه نهر هلمند الذي تُحرم من مياهه محافظة سيستان وبلوشستان كلها، هو أولوية تعزز موقف إيران الأمني القومي.

رابعاً: تأمين الاستقرار على الحدود

تحرص إيران على تجنّب اندلاع صراع مفتوح بين طالبان وأي جماعة أخرى مثل الأقليات الأفغانية كالهزارة والأوزبك والأتراك، وجماعات المعارضة مثل قوات المقاومة الوطنية بقيادة أحمد شاه مسعود الابن. على الرغم من الكثير من الأصوات الإيرانية التي دعت إلى إعلان العداء مع طالبان ودعم مسعود، إلا أنّ طهران تعرف جيّدًا أن عدم الاستقرار في أفغانستان، التي تربطها مع إيران حدود بمسافة 900 كلم، سيؤدي بما لا يدعو مجالًا للشك إلى توجّه اللاجئين إلى الحدود الإيرانية وانفلات عمليات تهريب المخدرات وغيرها، بالإضافة إلى تسرّب الأنشطة المتطرفة على حدودها الشرقية.

معبر حدودي بين إيران وأفغانستان

خامساً: تأمين الاستقرار في المناطق السنية

في الحرب التركيبية على إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني، لعبت السعودية دورًا أساسيًا في تحريض وتسليح المناطق السنية بفضل نفوذها على الحدود الباكستانية، حتى إنّ الاشتباك الذي حصل في مقام شاه جراغ كان مع عناصر من داعش تسللت من حدود باكستان إلى شيراز، بالإضافة إلى إحباط عناصر خلايا إرهابية واعتقالهم من قبل حرس الحدود في مدينة خدا آفرين في محافظة أذربيجان الشرقية. في المقابل كانت الحدود من جهة أفغانستان مؤمّنة.

إلى ذلك، بالطبع لا تريد طهران إفساح المجال للانتهازيين لزعزعة الاستقرار في جنوب وشرق إيران حيث توجد مجتمعات سنية كبيرة منها عرقيات تتعاطف مع طالبان وخاصة من عرقية البلوش. وكانت طهران قد أبلغت خلال الحرب التركيبية أنّ هذه الجماعات قد استخدمت في أعمال الشغب بهدف إضعاف الحكومة. في المقابل لعبت طالبان دورًا في التهدئة، خاصة عندما نصحت الزعيم السني عبد الحميد مولوي، بالتوقّف عن التحريض ضدّ الحكومة الإيرانية، لوقف أعمال الشغب في محافظة سيستان وبلوشستان.

نتائج الانخراط العملي مع طالبان

يمكن القول إن طهران اتبعت سياسة مرنة ومنفتحة مع طالبان لضمان الأمن والاستقرار بصفتها لاعب أساسي في الأمن الإقليمي من جهة، والأمن الداخلي وتوسعة النفوذ من جهة أخرى. إلى ذلك، ثمة علاقات اقتصادية بين البلدين بقيمة 4.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن تلعب مبادرة الحزام والطريق الصينية دورًا مهمًا بالنسبة لإيران، وبالتالي على إيران أن تضمن، أو تساهم على أقل تقدير في الانتباه على مخاوف الصين الأمنية، بل هي ملتزمة مع الصين بهذا الامر، خاصة أنه من المتوقع أن تعمل طهران كمركز إقليمي لمبادرة الحزام والطريق، وغيرها من مشاريع النقل والتجارة في منطقة غرب آسيا.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور