الثلاثاء 08 حزيران , 2021 02:28

"إسرائيل" قلقة حيال العلاقات الإماراتية-الإيرانية

العلاقات الاماراتية-الاسرائيلية

قبيل شهرين على انتهاء السنة الأولى لتطبيع الإمارات مع كيان الاحتلال، تشهد العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية توترًا نتيجة التغيرات التي تمر بها السياسة الخارجية الإماراتية من بينها سياستها مع كل من حليفتها الأولى السعودية و"عدوتها الكبرى" إيران.

وبعد أن كانت الإمارات لاعبًا أساسيًا في الصراعات التي شهدتها دول منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص "اليمن" -حيث كانت القوات الإماراتية تساند التحالف السعودي في عدوانه على اليمن- فإنها اليوم تعمل على تخفيض تدخلاتها في ساحات المواجهة وبرز ذلك جليًا في سحب معظم قواتها البرية من اليمن في العام 2019، ما خلّف تعقيدات داخلية بين الادارتين الإماراتية والسعودية.

وما زاد الطين بلةً إنفتاح الامارات على الحوار الإيراني، فبعد أن كانت إيران تشكل تهديدًا للاستقرار الأمني الاماراتي بحسب زعمها، فهي اليوم تسعى إلى التصالح معها لسببين، الأول الحفاظ على مصالحها التجارية والثاني تحسبًا لأي ضربة إيرانية قد تؤذي الأمن الاماراتي.

كل هذا أثار قلق "إسرائيل" فبحسب الباحث في معهد دراسات الأمن القومي يوئيل غوزنسكي، فيتوجب "على إسرائيل أن تأخذ في اعتبارها حدوث تغيير محتمل في مكانة الإمارات كمدماك في الجبهة في مواجهة إيران" وفي مقال له تحت عنوان "تغييرات في السياسة الخارجية للإمارات: التداعيات على إسرائيل والمنطقة" أكد عوزنسكي على أن "على إسرائيل الانتباه إلى التغييرات التي تتشكل وكيف ستؤثر في عملية تطبيع العلاقات".

النص المترجم:

تمر السياسة الخارجية الإماراتية، التي تميزت في العقد الماضي بالتدخل في ساحات متعددة في الشرق الأوسط، بتغييرات كي تتلاءم مع الظروف والأوضاع المتغيرة. أهداف السياسة الخارجية الإماراتية بقيت على حالها - قبل كل شيء المحافظة على العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيزها، وأيضاً على مواجهة التهديدات - وفي الطليعة من طرف إيران وتركيا. لكن المقاربة الاستراتيجية للإمارات تفسح مجالاً أيضاً لنهج أكثر حذراً وبراغماتية، وتوجه الاهتمام والموارد إلى مسائل أُخرى في محاولة لفهم البيئة التي تواجهها.

العلاقة بين سكان دولة الإمارات (من أصل نحو 9 ملايين فقط نحو مليون هم مواطنون إماراتيون) وبين عائداتها الضخمة من النفط حولتها إلى واحدة من أغنى دول العالم من حيث الناتج القومي لدخل الفرد. هذه الثروة بالإضافة إلى طموح زعمائها ساعدا الإمارات، التي تحتفل اليوم بمرور 50 عاماً على الاستقلال، بأن تصل بمرور السنوات إلى لعب دور قيادي في العالم العربي في مجالات كثيرة، بينها الطاقة الخضراء، والطاقة النووية المدنية، والصناعة الأمنية، والسايبر، والفضاء.

في أعقاب الاضطرابات الإقليمية سعت الإمارات، التي أظهرت في الماضي ضبطاً للنفس في إدارة علاقاتها الخارجية ووقفت في ظل الآخرين، لأداء دور لاعب أساسي في عدة ساحات في المنطقة. وتدخّل الجيش الصغير الممول والمسلح في عدد من الصراعات، في اليمن وليبيا وأفغانستان، وكذلك في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وكان هدف حكومة أبو ظبي التأثير في صوغ نظام إقليمي من خلال إقامة قواعد عسكرية ومرافئ، ودعم مادي، وتدخّل دبلوماسي، وتأسيس تحالفات حتى لو كانت ضعيفة.

مع ذلك، برز مؤخراً تغيير في السياسة الإقليمية للإمارات: أبرز تعبير عن ذلك خفض التدخل في ساحات المواجهة: سحبت الإمارات معظم قواتها البرية من اليمن في سنة 2019، وقلصت تدخّلها العسكري في ليبيا بدءاً من سنة 2020. هذا بالإضافة إلى استمرار تدخّلها "من وراء الكواليس" ودعمها أطرافاً محلية في هذه الساحات. في مطلع سنة 2021 تحدثت تقارير عن تقليص الإمارات وجودها العسكري في أريتريا، وفي الصومال، وفي القرن الأفريقي، كما جرى تغيير في المناصب في وزارة الخارجية...

التغيير في السياسة الخارجية الإماراتية تجلى في علاقتها بحليفتها السعودية وبعدوتها إيران.

علاقات الإمارات بالسعودية: لا تزال كتلة دول الخليج مستقرة وتقود جدول أعمال عربياً. لكن الدولتين المركزيتين - السعودية والإمارات - تنتهجان سياسة خارجية تتعارض أحياناً مع مصالح الدول الأُخرى. في العقد الماضي قامت الدولتان بخطوات إقليمية ساعدت على صعود الرئيس المصري السيسي، وفي الحرب في اليمن، والتعاون مع إدارة ترامب وحصار قطر. وتبين فعلاً وجود علاقات وثيقة بين زعيمي الدولتين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ونظرة مشابهة إلى العالم. صحيح أنه اندلعت في الماضي خلافات بين الدولتين على خلفية نزاعات حدودية على أماكن حقول النفط والغاز، وكذلك على دورهما في قيادة المنطقة العربية، وفي "مجلس التعاون الخليجي". لكن خارجياً تُظهر الدولتان أن كل شيء على ما يرام. علاوة على ذلك، من الطبيعي أن يكون للحليفين عدة ضغوطات وقيود توجّه سياستهما حيال مختلف الساحات والدول، مثل الحساسية السعودية الكبيرة إزاء التطبيع مع إسرائيل، يضاف إلى ذلك انتهاج الإمارات خطاً تصالحياً مع إيران منذ مطلع سنة 2019، وسحب معظم قواتها من اليمن تاركة السعودية وحدها في المعركة في مواجهة الحوثيين. كما توجهت الإمارات أيضاً نحو استئناف علاقاتها بنظام الأسد، خطوة على ما يبدو ستتخذها الرياض حالياً. اتفاق المصالحة الموقّع مع قطر في كانون الثاني/يناير 2021 يرمز إلى تغيير السياسة السعودية على الرغم من معارضة معينة من طرف الإمارات التي لا تزال ترى في قطر وفي الإسلام السياسي تهديداً.

علاقة الإمارات بإيران: في نظر الإمارات، إيران هي تهديد مركزي للاستقرار الإقليمي، لكنها تحرص على المحافظة على علاقات تجارية طبيعية معها، لأن إيران شريك تجاري مهم بالنسبة إليها. قبل انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران كان حجم التجارة بين الإمارات وبين إيران نحو 13 مليار دولار. في سنة 2016 سمحت الإمارات ببقاء قنصليتها في إيران مفتوحة بعد أن أغلقت أغلبية الدول العربية قنصلياتها في إيران عقب الهجوم على القنصلية السعودية في إيران. في سنة 2019 بدأت الإمارات حواراً مع إيران بعد الهجمات الإيرانية على سفن في الخليج في أيار/مايو 2019. جاءت الخطوة الإماراتية خوفاً من ضربة إيرانية من جهة، وشكوكها إزاء الالتزام الأميركي بالدفاع عن أمنها من جهة ثانية، في ضوء عدم الرد الأميركي على الهجمات الإيرانية. في المقابل أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن، حيث قامت بالعبء الأكبر في القتال البري ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. واستمر التوجه التصالحي إزاء إيران وشمل توقيع مذكرة تعزيز التعاون في مجال الملاحة، وتسوية أموال مستثمرين إيرانيين في مصارف إماراتية، وزيارات لمسؤولين رفيعي المستوى من الإمارات إلى إيران، وإرسال مساعدة طبية إلى إيران على خلفية وباء الكورونا. صحيح أن الإمارات تشعر بالقلق من الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي سيزيد نفوذ إيران الإقليمي، لكنها يمكن أن تربح من رفع العقوبات عن إيران لأن ذلك سيزيد حجم التجارة بين الدولتين.

التداعيات على المنطقة وعلى إسرائيل

حاجة الإمارات إلى تعديل سياستها ناجمة قبل كل شيء عن التبدل في رئاسة الولايات المتحدة، وعن السياسة التي ينتهجها الرئيس جو بايدن حيال مسائل مركزية وعلى رأسها إيران، وانطلاقاً من اعتراف الإمارات بحدود قوتها ورغبتها في تعويض الخسائر، في الأساس تلك المتعلقة بصورتها التي تضررت جرّاء تدخّلها في اليمن. من المحتمل أن تدرك زعامة الإمارات أن حرية العمل المعطاة لها خلال إدارة ترامب تقلصت وعليها أن تلائم نفسها مع الواقع المتغير. التداعيات الاقتصادية لوباء الكورونا، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط وزيادة الضغوطات الاقتصادية على الإمارات، ساهمت أيضاً في الحاجة إلى مسار جديد والرغبة في الانطواء على الداخل.

تقليص الوجود العسكري للإمارات في ساحات متعددة وفي المنطقة ليس دليلاً على التخلي عن أهداف سياستها الخارجية، بل من المحتمل من الآن فصاعداً أن تستخدم وسائل أُخرى. على سبيل المثال، في اليمن بقيت ملتزمة بالانفصاليين في الجنوب، وتسيطر على ميليشيات ومجموعات مسلحة، وفي المقابل تتعاون مع الولايات المتحدة في صراعها ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من تقليص تدخّلها العسكري في ليبيا، فإن أبو ظبي عززت تعاونها الأمني مع اليونان في مواجهة الأطماع الإقليمية لأنقرة.

إن فهم الاتجاه الدبلوماسي الذي تسير فيه الإمارات مهم لإسرائيل، ليس فقط لأنها دولة مهمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، بل أيضاً لكونها ترسم طريقاً للآخرين. على سبيل المثال، الإمارات متقدمة كثيراً على السعودية في المناورات السياسية التي تقوم بها – في هذا الإطار يمكن رؤية الاتصالات الأخيرة بين إيران والسعودية، والتي جاءت عقب حوار إماراتي - إيراني، وكذلك قصة الغرام الدائرة حالياً بين الرياض ودمشق.  لذلك يتعين على إسرائيل أن تأخذ في اعتبارها حدوث تغيير محتمل في مكانة الإمارات كمدماك في الجبهة في مواجهة إيران، وخصوصاً في ضوء تصدعات إضافية تظهر في الجبهة المعادية لإيران وفي طليعتها الحوار السعودي - الإيراني. في عصر التحالفات المتبدلة وتغيّر الولاءات يجب على إسرائيل الانتباه إلى التغييرات التي تتشكل وكيف ستؤثر في عملية تطبيع العلاقات.


المصدر: معهد دراسات الامن القومي

الكاتب: يوئيل غوزنسكي




روزنامة المحور