الأحد 27 حزيران , 2021 04:23

ألمانيا تحاول استعادة نفوذها الخارجي من العراق

يلاحظ كل من يتتبع الشأن السياسي في العراق، تحركاً ونشاطاً ملفتأ للدولة الألمانية في البلاد. عبر سفارتها في بغداد، او من خلال قواتها التي تشارك فيما يسمى بالتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والتي تشكل فيه القوات الألمانية المرتبة الثانية لناحية العدد، كما من خلال الاهتمام الإعلامي المركز لإذاعتها الناطقة بالعربية "دويتشه فيليه" بالمواضيع العراقية، حتى بتقاصيل الأحداث والشخصيات (برنامج البشير شو، وبرنامج العراق اليوم).

ثلاث مراحل للنشاط الألماني

تصاعد هذا الإهتمام الألماني، خلال 3 مراحل أساسية، تظهر كل مرحلة منها بوضوح، خلفيات و أسباب تزايد هذا المسار:

_المرحلة الأولى بدأت في العام 2014؛ إبان دخول حوالي مليون لاجئ من سوريا والعراق إلى ألمانيا،  حيث تسجل الإحصاءات الألمانية دخول أكثر من 259 ألف شخص من العراقيين. وبدأ هذا اللجوء بالتزامن مع هجوم تنظيم داعش على محافظات العراق، الذي تشكل على إثره ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة التنظيم، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة دول عدة من بينها ألمانيا، لتشكل هذه المشاركة بوابة توجه برلين الإستراتيجي الجديد. فألمانيا التي كانت من الدول المعارضة الحرب على العراق عام 2003، تغير نهجها لتصبح الآن ثاني أهم عنصر في التحالف بعد أمريكا.

ويبرر المسؤولين الألمان سبب هذا التغير، بإيقاف ما وصفوه بالسيول البشرية المتوجهة نحو أراضيهم (لا يمكننا أن نغفل عن أن ألمانيا تشجع الهجرة إليها، وتجنس المهاجرين لتسد العجز في افتقارها ومعاناتها من نقص اليد العاملة)، إضافة للإدعاء بأن نيتهم القضاء على العناصر والخلايا الألمانية المنضوية في داعش.

وتركزت الجهود الألمانية في هذه المرحلة، على تقديم الدعم العسكري لحكومة إقليم كردستان عن طريق "التحالف الدولي". إذ كانت تتخذ من أربيل مقراً لقواتها، فقامت بتزويد "البيشمركة" الكثير من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلاً عن القيام بالتدريب والدعم اللوجيستي.

_المرحلة الثانية: أما في العام 2016، فقد شهد التوجّه الألماني في العراق تغيّراً، عندما بدأت حراك ذات طابع مدني إضافة إلى تطور في الجانب العسكري. ففي الشأن العسكري بدأت القوات الألمانية تؤدي دوراً هجومياً مباشراً تستهدف فيه تنظيم داعش، عبر توجيه الضربات الجوية والعمليات الخاصة.  

أما فيما يخصّ الشأن المدني، فقد بدأت برلين تطوّر علاقاتها مع بغداد، عبر تقديم الدعم المالي والاقتصادي للحكومة. وفي العام نفسه، تولت ألمانيا مسؤولية قسم المهام المدنية في قوات التحالف المعني بتقديم المساعدات المجتمعية وإعادة البناء. لهذا عيّنت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل مندوباً خاصّاً عنها للعراق، وهو السفير ايكهارد بروزه ليكون رئيساً للقسم المدني في التحالف، والمكلف بمتابعة مشاريع ألمانيا في العراق.

_المرحلة الثالثة: بدأت في نهاية العام 2017 ومطلع العام 2018 حينما علمت ألمانيا أن الرئيس الأمريكي وقتئذ دونالد ترامب، يخطط لتقليص الوجود الأمريكي في العراق(الأمر الذي عارضه حلفاء أمريكا والدولة العميقة في واشنطن ليتم تأجبل هذا الطرح). ما شجّع ألمانيا على التوجه لأخذ دور قيادي في العراق والمنطقة بشكل عام.

وفي هذه المرحلة أيضاً وجهت وزارة الخارجية الألمانية وكالة التنمية (GIZ) التابعة لحكومتها بالدخول للعراق، ودعم مشاريع اقتصادية الصغرى مختلفة. بالتزامن قام مركز الدراسات التابع لحزب ميركل بزيادة نشاطاته في هذه المرحلة، فأقام عدة برامج للتقريب بين النخب السياسية العراقية والألمانية، بهدف تثبيت النفوذ الألماني بين بقية الدول في العراق، وعزمهم على رسم سياسة خارجية مستقلة عن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

الأمر الذي أدى إلى زيادة المنافسة بين الدول الأوروبية في العراق من جهة، وظهور توجه بينها لعقد اتفاقيات ثنائية، تبقي على التعاون الأمني والعسكري بعد رحيل قوات التحالف أو انسحاب الولايات المتحدة من العراق من جهة أخرى. وبدأت ألمانيا ترى أن أوضاع أمنها واستقرارها وجزءاً من نموها الاقتصادي، مرتبط بنحو مباشر بنفوذها في المنطقة والعراق خصوصاً، لعدة أسباب أهمها القرب الجيوغرافي.

أما فيما يخصّ العراق تحديدا،ً فترى ألمانيا أن تواجدها سيوثر على الصعد التالية:

_ إيجاد فسحة لتطبيق سياستها الجديدة مع دولة مهمة لها نوع من الاستقرار.

_ إمكانية خلق فرص للتبادل التجاري والاقتصادي، وإيجاد دوراً لقواتها العسكرية خصوصاً بعد فشل التجربة في أفغانستان.

_ تحقيق أولوياتها الداخلية عبر إرجاع عشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين، الذي تم رفض لجوؤهم، ولم تصل الحكومة الألمانية إلى اتفاق مع الحكومة العراقية لإعادتهم للعراق.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور