الخميس 13 آذار , 2025 11:40

إسرائيل أمام الحصار اليمني من جديد

مرة أخرى، يعود البحر الأحمر إلى واجهة الصراع، لكن هذه المرة على وقع تهديد جديد من قائد حركة "أنصار الله" السيد عبد الملك الحوثي بإعادة فرض الحصار البحري على كيان الإحتلال. لم يكن هذا الإعلان مجرد تصريح سياسي، بل رسالة استراتيجية موجهة إلى تل أبيب، التي تجد نفسها اليوم في موقف صعب: أزمة اقتصادية خانقة، حرب استنزاف في غزة، وتراجع في ثقة المستثمرين، ومعضلة الحصار البحري الذي قد يعمّق أزمتها أكثر.

منذ بدء العدوان على غزة، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من خسائر غير مسبوقة، حيث تراجع الاستثمار الأجنبي، وهبطت قيمة الشيكل، وارتفعت كلفة الحرب التي باتت تلتهم الموازنة العامة. ومع دخول عام 2025، أصبح واضحاً أن حكومة نتنياهو غير قادرة على إعادة الاستقرار الاقتصادي، خاصة بعد اضطرارها لزيادة الضرائب ورفع معدلات الإنفاق العسكري على حساب القطاعات المدنية.

وسط هذه الأزمات، جاء التهديد اليمني ليضيف تحدياً جديداً لإسرائيل. فإغلاق الممرات البحرية، سواء في البحر الأحمر أو حتى عبر رأس الرجاء الصالح، يعني ارتفاع تكاليف النقل البحري بشكل كارثي، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع داخل الكيان المحتل، وزيادة الضغوط التضخمية التي تعاني منها الأسواق الإسرائيلية أصلاً.

على عكس الدول الكبرى التي تمتلك شبكات إمداد متنوعة، تعتمد إسرائيل بشكل شبه كامل على طرق التجارة البحرية لاستيراد المواد الخام والمنتجات الأساسية. في عام 2023، مرّ أكثر من 25% من وارداتها عبر البحر الأحمر، وهو ما يجعلها شديدة التأثر بأي تعطيل في هذا المسار.

ومنذ أن بدأ اليمنيون باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ارتفعت تكاليف التأمين على السفن المتجهة إلى موانئ إسرائيل بشكل جنوني، حيث باتت شركات الشحن تتجنب إيصال البضائع إليها خوفاً من الاستهداف. هذا يعني أن أي إغلاق جديد للممرات البحرية سيضع تل أبيب في أزمة إمدادات غير مسبوقة، مما قد يجبرها على البحث عن حلول مكلفة أو القبول بشروط سياسية لم تكن مستعدة لها سابقاً.

لم يمر التهديد اليمني مرور الكرام في العواصم الغربية، حيث سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تنفيذ ضربات جوية على أهداف يمنية في محاولة لردع صنعاء عن التصعيد البحري. لكن هذه الضربات لم تحقق الهدف المنشود، مع احتفاظ صنعاء بقدرتها على استهداف السفن وفرض معادلة جديدة في البحر الأحمر.

واشنطن ولندن تعلمان جيداً أن استمرار هذا الوضع يعني كارثة اقتصادية عالمية، وليس فقط إسرائيلية. فإغلاق مضيق باب المندب أو تعطل حركة السفن عبر المحيط الهندي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وتعطل سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما سيضع الغرب في موقف صعب. ولكن في الوقت ذاته، يدرك الأمريكيون أن أي مواجهة مباشرة مع اليمن لن تكون سهلة، خاصة بعد فشل الضربات الجوية الأخيرة في تحجيم قدراتها.

لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي بحاجة إلى تحدٍ جديد ليزيد من هشاشته، فقد شهد عام 2024 تراجعًا في معدل النمو، وسط عزوف المستثمرين الأجانب، وهروب رؤوس الأموال إلى أسواق أكثر استقراراً. والآن، مع تهديد الحصار البحري، يواجه قطاع التجارة أزمة غير مسبوقة، إذ لم تعد التكاليف فقط هي المشكلة، بل بات تأمين خطوط الإمداد نفسها موضع شك.

توقف الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر لفترة طويلة يعني أن السلع المستوردة ستصل إلى المستهلك الإسرائيلي بأسعار خيالية، ما يزيد من التضخم، ويضعف القدرة الشرائية، ويعمّق الأزمة الاجتماعية داخل الكيان. في ظل هذه الأوضاع، يصبح الحفاظ على الجبهة الداخلية أكثر صعوبة، حيث بات واضحاً أن الإسرائيليين بدأوا يفقدون الثقة في قدرة حكومتهم على تأمين الاستقرار الاقتصادي.

لا يمكن فصل الحصار البحري عن مجمل الأزمات التي تعصف بالكيان الإسرائيلي، فهو ليس مجرد ضربة عسكرية بل أزمة اقتصادية ستضع تل أبيب تحت ضغط لم تعهده من قبل، وربما يكون أثره على المدى البعيد أشد من أي تهديد عسكري مباشر.


الكاتب: غرفة التحرير



دول ومناطق


روزنامة المحور