يقدم العرض التالي تحليلاً مفصلاً لمسار العملية العسكرية الأمريكية على اليمن، خلال الفترة من 15 إلى 17 مارس 2025. يتناول النص المراحل الرئيسية للمعركة، بدءاً بالهجوم الأمريكي المكثف، مروراً بمرحلة الضغط المستمر، وصولاً إلى ردود الفعل اليمنية. كما يسلط الضوء على أنواع الطائرات والأسلحة التي استخدمتها الولايات المتحدة في هذه الحملة، والقواعد العسكرية التي انطلقت منها. يهدف هذا التحليل إلى فهم التطورات العسكرية الأولية للصراع، وتقدير الإمكانيات العسكرية المستخدمة، واستشراف احتمالات توسع المعركة في المستقبل، كما يقدّم رؤية شاملة للمجريات العسكرية خلال الأيام الأولى من هذا التصعيد الخطير في منطقة الشرق الأوسط.
مسار المعركة عسكرياً (15-17 مارس 2025):
بناءً على مجريات العملية العسكرية بين 15 و17 مارس 2025، يمكن تفسير مسار المعركة عسكريًا وتطورها واحتمالات توسعها على النحو التالي:
أولاً: مرحلة الهجوم الأمريكي المكثف (15 مارس):
- مباغتة وقوة نارية: بدأت المعركة بهجوم أمريكي مباغت وواسع النطاق، مستخدمة قوة نارية كبيرة من الطائرات المقاتلة والقاذفات والمسيرات، انطلاقاً من حاملة الطائرات "ترومان" وقواعد إقليمية أخرى.
- استهداف البنية التحتية العسكرية اليمنية: ركز الهجوم الأولي على تدمير البنية التحتية العسكرية الأساسية لليمن، مثل الرادارات، الدفاعات الجوية، أنظمة الصواريخ، والطائرات المسيرة. الهدف هو إضعاف قدرة القوات المسلحة اليمنية على رصد وتتبع السفن، وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، وبالتالي تقليل فعاليتهم في البحر الأحمر.
- رسالة ردع قوية: كان الهجوم بمثابة رسالة ردع قوية من الولايات المتحدة، تؤكد تصميمها على وقف الهجمات اليمنية وحماية الملاحة البحرية، كما يتضح من تصريحات ترامب ووزير الدفاع الأمريكي.
ثانياً: مرحلة الاستمرار والضغط (16-17 مارس):
- استدامة الضغط الجوي: استمرت الولايات المتحدة في الحفاظ على الضغط العسكري من خلال الغارات الجوية المتواصلة. هذا يشير إلى أن العملية ليست مجرد ضربة محدودة، بل حملة مستمرة تهدف إلى تحقيق أهداف محددة.
- استهداف أهداف إضافية: توسعت الأهداف لتشمل مواقع أخرى مثل مصنع القطن في الحديدة، مما يدل على أن الولايات المتحدة ربما تسعى لتوسيع نطاق التدمير ليشمل أهدافًا اقتصادية أو لوجستية يمنية.
- محاولة استهداف القيادات: رغم نفي اليمنيين ذلك وتفنيده من خلال ظهور قيادات ادعى الامريكيون أنه جرى استهدافهم. تشير الدعاية العسكرية الامريكية إلى تقارير عن استهداف مناطق سكنية لقادة من حركة أنصار الله، وتصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي عن "القضاء على العديد من قادة الحركة". إذا تأكد ذلك، فهذا يمثل تحولًا في الاستراتيجية الأمريكية نحو استهداف القيادات العليا للحركة، بهدف إضعافها بشكل أكبر وشل قدرتها على اتخاذ القرار والقيادة.
ثالثاً: ردود الفعل اليمنية (16-17 مارس):
- نفي التأثير الكبير للضربات: على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة أنها حققت خسائر كبيرة في البنية العسكرية اليمنية إلا أن اليمنيين يتهمون الولايات المتحدة باستهداف أهداف مدنية بشرية ومادية، ويؤكدون عدم تأثير الضربات الأمريكية، على قدرتهم على الاستمرار في القتال.
- التركيز على العمليات البحرية: رد الجيش والقوات البحرية اليمنية بالتركيز على المجال الرئيسي، وهو العمليات البحرية، بالإعلان عن استهداف حاملة الطائرات "هاري ترومان".
- رفع سقف التهديدات: تعهد حركة أنصار الله اليمنية بـ "التصعيد بالتصعيد"، ما يعني أنهم مستعدون لتوسيع نطاق هجماتهم البحرية، وربما استخدام أساليب جديدة أو أكثر قوة.
- الاستفادة من الدعاية والإعلام: يستخدم اليمنيون إعلامهم المرئي والالكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على الخسائر المدنية، التي تسبب بها العدوان الامريكي. كما يسعون من خلال الاستفادة من وسائل الدعاية والإعلام إلى شرح قضيتهم وهي "دعم غزة والضغط لرفع الحصار عنها" وحشد الدعم الشعبي والإقليمي لقضيتهم.
احتمالات توسع المعركة:
توجد عدة احتمالات لتوسع المعركة، عسكريًا وجغرافيًا وسياسيًا:
توسع عسكري تكتيكي:
- تصعيد الهجمات البحرية اليمنية: قد يحاول الجيش والقوات البحرية اليمنية تصعيد هجماتهم البحرية لتشمل أنواعًا جديدة من الأسلحة، أو زيادة وتيرة الهجمات، أو استهداف سفن أكثر أهمية. قد يلجؤون إلى تكتيكات غير تقليدية أو حرب العصابات البحرية.
- زيادة الضربات الأمريكية في العمق اليمني: قد توسع الولايات المتحدة نطاق ضرباتها لتشمل أهدافًا أعمق داخل اليمن، مثل مخازن الأسلحة، مراكز القيادة والسيطرة، أو حتى البنية التحتية الاقتصادية الحيوية. قد تزيد من وتيرة وكثافة الضربات الجوية.
- احتمال محدود لعمليات برية: لا توجد أي دلائل عن نية أمريكية للتدخل البري المباشر. ومع ذلك، في حال عدم كفاية الضربات الجوية لتحقيق الأهداف، قد تفكر الولايات المتحدة في عمليات محدودة للقوات الخاصة لمهام محددة، مثل استهداف قيادات أو تدمير أسلحة نوعية.
الأسلحة والطائرات التي استخدمتها أمريكا في العدوان على اليمن
أولاً: الطائرات المستخدمة:
طائرات مقاتلة:
مقاتلات من حاملة الطائرات "هاري إس. ترومان": معظم الضربات نُفذت بواسطة طائرات مقاتلة انطلقت من حاملة الطائرات "ترومان" المتمركزة في البحر الأحمر الشمالي. عادةً ما تحمل حاملات الطائرات الأمريكية طائرات مقاتلة متعددة المهام مثل F/A-18E/F Super Hornet أو F/A-18C/D Hornet. هذه الطائرات قادرة على تنفيذ مهام جو-جو وجو-أرض، بما في ذلك الغارات الجوية.
مقاتلات تابعة للقوات الجوية الأمريكية تشمل هذه الطائرات أنواعًا مختلفة من المقاتلات القادرة على مهام الهجوم الأرضي، مثل F-15E Strike Eagle أو F-16 Fighting Falcon. انطلقت هذه الطائرات من "قواعد إقليمية".
طائرات بدون طيار/مسيرات
مسيرات مسلحة: أُطلقت من قواعد إقليمية". النوع الأكثر احتمالاً هو MQ-9 Reaper. تعتبر MQ-9 Reaper مسيرة قتالية رئيسية في الترسانة الأمريكية، قادرة على حمل صواريخ وقنابل موجهة بدقة، وتنفيذ مهام استطلاع ومراقبة وهجوم.
مسيرات استطلاع ومراقبة: بالإضافة إلى المسيرات المسلحة، رُصد استخدام مسيرات أخرى لمهام الاستطلاع وجمع المعلومات وتقييم الأضرار بعد الضربات. تشمل هذه الأنواع RQ-4 Global Hawk أو RQ-170 Sentinel (في مهام سرية أكثر) وأنواع أخرى.
طائرات استطلاع ودعم:
- طائرات حرب إلكترونية: طائرات EA-18G Growler (المحمولة على حاملة الطائرات) وطائرات EC-130H Compass Call وF/A-18E/F Super Hornet استخدمت لمهام الحرب الإلكترونية، مثل التشويش على رادارات الاتصالات، وإعماء الدفاعات الجوية.
- طائرات تزود بالوقود جواً: لتمديد مدى بقاء الطائرات المقاتلة والمسيرة في الجو، من المؤكد استخدام طائرات تزود بالوقود جواً مثل KC-135 Stratotanker أو KC-46 Pegasus.
الصواريخ المستخدمة (غير الطائرات):
صواريخ جو-سطح وقنابل موجهة (Air-to-Surface Missiles and Guided Bombs):
استخدمت الطائرات المقاتلة والمسيرات على الأرجح مجموعة متنوعة من الصواريخ والقنابل الموجهة بدقة لتدمير الأهداف اليمنية. قد تشمل هذه:
- صواريخ AGM-158 JASSM: صواريخ كروز جو-سطح بعيدة المدى.
- صواريخ AGM-88 HARM: صواريخ مضادة للإشعاع لاستهداف الدفاعات الجوية.
- قنابل موجهة بالليزر (Laser-Guided Bombs): مثل GBU-12 Paveway II.
- قنابل موجهة بنظام GPS (GPS-Guided Bombs): مثل GBU-31 JDAM.
- صواريخ AGM-114 Hellfire: صواريخ جو-سطح تستخدمها المسيرات بشكل شائع.
صواريخ كروز بحرية (Naval Cruise Missiles):
- صواريخ توماهوك: استخدمت صواريخ توماهوك كروز لضرب أهداف برية بعيدة المدى في اليمن. تطلق هذه الصواريخ من السفن الحربية الأمريكية (المدمرات والفرقاطات المرافقة لحاملة الطائرات ترومان) ويمكنها ضرب أهداف بدقة عالية على مسافات طويلة.
أنظمة استخبارات ومراقبة واستطلاع (ISR Systems):
- بالإضافة إلى المسيرات، استخدمت الولايات المتحدة مجموعة واسعة من أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لجمع المعلومات عن أهداف يمنية، وتوجيه الضربات، وتقييم الأضرار. يشمل ذلك الأقمار الصناعية الاستخباراتية، وطائرات الاستطلاع المتخصصة مثل RC-135 Rivet Joint، وغيرها من الأصول.
القواعد الرئيسية المستخدمة في العملية العسكرية:
حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس. ترومان" (USS Harry S. Truman):
- القاعدة البحرية المتحركة الرئيسية: معظم الضربات، نُفذت بواسطة طائرات مقاتلة من حاملة الطائرات هاري إس. ترومان، المتمركزة في البحر الأحمر الشمالي، التي كانت بمثابة القاعدة الأمامية الرئيسية للعمليات الجوية. انطلقت منها الطائرات المقاتلة التي نفذت الجزء الأكبر من الضربات في الأيام الأولى للعملية. تمركز حاملة الطائرات في البحر الأحمر الشمالي يوفر موقعًا استراتيجيًا قريبًا من اليمن، مما يسمح للطائرات بالوصول السريع إلى الأهداف في اليمن والعودة للتزود بالوقود والتسليح دون الحاجة للتزود بالوقود جواً.
القواعد الإقليمية المحتملة بناءً على المعرفة العامة بالوجود العسكري الأمريكي في المنطقة:
قاعدة العديد الجوية في قطر (Al Udeid Air Base, Qatar):
- أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط: تعتبر قاعدة العديد من أكبر وأهم القواعد الجوية الأمريكية في المنطقة، وتستضيف مقر القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية (AFCENT) ومركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC).
- قدرات جوية ولوجستية هائلة: تضم القاعدة مدرجات طويلة، ومرافق صيانة وإمداد ضخمة، وتستطيع استيعاب مجموعة واسعة من الطائرات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والقاذفات وطائرات النقل والمسيرات.
- موقع استراتيجي قريب من اليمن: قطر ليست بعيدة نسبيًا عن اليمن، مما يجعل قاعدة العديد موقعًا منطقيًا لدعم العمليات الجوية في اليمن.
قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات العربية المتحدة (Al Dhafra Air Base, UAE):
- تستضيف أصولًا جوية أمريكية متنوعة: تستضيف قاعدة الظفرة أيضًا وحدات من القوات الجوية الأمريكية، بما في ذلك طائرات مقاتلة وطائرات استطلاع وطائرات تزود بالوقود جواً.
- تعاون وثيق مع الإمارات: تعتبر الإمارات العربية المتحدة حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة، مما يجعل قاعدة الظفرة موقعًا مناسبًا للعمليات الأمريكية في المنطقة.
قاعدة عيسى الجوية في البحرين (Isa Air Base, Bahrain):
- مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكي (NAVCENT): البحرين هي مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي، وقاعدة عيسى الجوية تعتبر قاعدة بحرية رئيسية.
- دعم العمليات البحرية والجوية: على الرغم من أنها قاعدة بحرية، إلا أنها يمكن أن تدعم أيضًا بعض العمليات الجوية، خاصة تلك المتعلقة بالقوات البحرية.
خلاصة عامة:
يُظهر تحليل مجريات العملية العسكرية الأمريكية على اليمن خلال الفترة من 15 إلى 17 مارس 2025، أن الولايات المتحدة شنت حملة جوية مكثفة ومباغتة، مستهدفة البنية التحتية العسكرية اليمنية في محاولة لإرسال رسالة ردع قوية. تميزت المرحلة الأولية بالتركيز على القوة النارية الجوية واستخدام أسلحة دقيقة التوجيه انطلاقاً من حاملة الطائرات "ترومان" وقواعد إقليمية. في المقابل، ركز الرد اليمني الأولي على نفي التأثير الكبير للضربات، والتركيز على العمليات البحرية، والتعهد بالتصعيد، والاستفادة من الدعاية الإعلامية.
هناك احتمالات لتوسع المعركة عسكرياً وإقليمياً وسياسياً، مع التركيز على تصعيد الهجمات البحرية اليمنية وزيادة كثافة الضربات الأمريكية، مع احتمال محدود لعمليات برية. اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على القوة الجوية المتطورة، والأسلحة الدقيقة، وصواريخ كروز البحرية، وأنظمة الاستخبارات المتقدمة. وقد استخدمت حاملة الطائرات "ترومان" كقاعدة بحرية رئيسية، بالإضافة إلى قواعد إقليمية محتملة مثل العديد والظفرة وعيسى. بشكل عام، العملية الأمريكية تمثل تصعيداً خطيراً يعتمد على القوة الجوية والتكنولوجيا المتقدمة، لكنه يواجه بردة فعل يمنية مصممة على المقاومة والتصعيد، مما ينذر بصراع أطول وأكثر تعقيداً.