الأربعاء 19 آذار , 2025 03:12

سوريا أمام المنعطف السياسي: انتقال هش نحو المستقبل

مؤتمر الحوار الوطني السوري والجولاني

فتحت سوريا صفحة جديدة عنوانها الرئيس "الضبابية وعدم اليقين"، فشهدت المئة يوم الماضية فصلاً جديداً في تاريخ سوريا الحديث.

بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي مزّقت النسيج الاجتماعي والاقتصادي لسوريا، يواجه "الحكام الجدد" مهمة جسيمة تتمثل في بناء دولة مستقرة ومزدهرة على أنقاض الدولة التي خلفوها بعملية عسكرية كبيرة وساهموا في تدميرها خلال 14 عاماً من الفوضى والحرب الأهلية الطاحنة. تتركز الأنظار الآن على مراقبة أداء الإدارة الجديدة، وقدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وإعادة بناء الاقتصاد، وإصلاح العلاقات الخارجية، وتلبية تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والعدالة والازدهار.

انتقال هش نحو المستقبل

لا يزال المشهد السياسي في سوريا العام 2025 يتسم بالضبابية والتعقيد، حيث تتصارع قوى ومجموعات مختلفة للحصول على موطئ قدم في النظام الجديد. فبعد سقوط النظام القديم، أعلن الجولاني عن تشكيل حكومة تسيير أعمال مؤقتة، وتعيينات في المناصب الرئيسية، في خطوة نحو تأسيس إدارة جديدة للبلاد.

تتجه الأنظار الآن إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته الإدارة الجديدة، والذي ظهرت اتجاهاته من أول جلساته وهي وضع أسس الدولة السورية الجديدة وتحديد مسار المرحلة الانتقالية ببصمة رئيسية لهيئة تحرير الشام وبتمثيل شكلي أو متفاوت للجماعات والاحزاب والمجموعات السياسية والدينية والعرقية. السؤال المركزي الذي يطرح نفسه هو: هل ستتمكن سوريا من تجاوز هذه المرحلة الانتقالية بنجاح، والانطلاق نحو بناء دولة مستقرة وديمقراطية، أم أن التحديات السياسية ستعرقل هذه الجهود، وتدفع البلاد نحو مزيد من عدم الاستقرار؟

مؤتمر الحوار الوطني: اختبار الشرعية والتوافق

يعكس إطلاق الحاكمون الجدد لسورية لمؤتمر الحوار الوطني إدراك الإدارة الجديدة لحجم الانقسامات العميقة في المجتمع السوري، وحاجتها إلى بناء شرعية سياسية جديدة تتجاوز "شرعية الأمر الواقع" التي اكتسبتها عبر القوة العسكرية. يهدف المؤتمر إلى أن يكون نقطة ارتكاز قانونية وسياسية للإدارة الجديدة، والانتقال من مرحلة القيادة العسكرية إلى مرحلة الحكم المدني الشرعي. هذا المؤتمر هو اختبار حقيقي لقدرة المجموعة الحاكمة والسوريين على التوافق وتجاوز الانقسامات العميقة التي خلفتها سنوات الصراع والتي تنذر الأزمات المستمرة ببقائها لفترة تتعدى الفترة التي حددها الحكم الجديد للمرحلة الانتقالية.

إلا أن المؤتمر يواجه تحديات جمة، أبرزها غياب الثقة بين الأطراف السورية المختلفة، واستعجال بعض القوى المعارضة للمحاصصة لضمان تمثيلها في النظام الجديد بعدما رأت أن الشرع وإدارته الحالية تعتمد على الزبائنية "الحزبية" في توزيع المناصب والاستئثار بها فضلاً عن احتكار معظم المراكز السيادية في سوريا والتي تحكم للشرع القبضة على البلاد وتمكنه في أي لحظة فرط الحوار والاستمرار بحكم سوريا وتجاوز أي اعتراضات قد لا تروق له ولهيئة تحرير الشام التي تقبض على ناصية الحكم، بالإضافة إلى ضغوط خارجية متنوعة تسعى لتمكين مجموعات معينة (الدروزالاكراد ...).

فنجاح مسار الحوار الوطني يعتمد على قدرة الإدارة السورية الجديدة على احتواء الضغوط الخارجية، وتخفيف حدة التوتر الداخلي عبر تمثيل واسع ومعبر عن المكونات السورية، وتوفير مساحة شاملة لكل الأصوات على قاعدة الشراكة وليس فقط الموافقة على خطط الإدارة الجديدة.

يتطلب ذلك تعزيز التحالفات والتفاهمات بين الجولاني وبين نخب ومجموعات أوسع حيث أن بناء الثقة الذي يعتبر مفتاحاً للاستقرار والاستمرار، يتطلب خطوات ملموسة من الإدارة الجديدة لإظهار التزامها بالشراكة الحقيقية والمصالحة الوطنية.

تقف سوريا في العام 2025 على مفترق طرق حاسم، فبعد سنوات من الصراع والاضطرابات، يواجه الحكم الجديد فرصة تاريخية لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء البلاد، إلا أن التحديات التي تواجهه جسيمة ومتعددة. مستقبل سوريا لا يزال غير واضح المعالم، ويتوقف على قدرة الإدارة الجديدة على تجاوز التحديات واستغلال الفرص.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور