تتمتع تركيا والإمارات العربية المتحدة بعلاقات تاريخية تعود إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما في 21 مارس 1973، وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من العلاقات الرسمية، شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في طبيعة هذه الروابط، حيث انتقلت من التعاون إلى التنافس الحاد ثم نحو المصالحة والتعاون مجددًا.
قبل عام 2010، اتسمت العلاقات الثنائية بتطور ملحوظ في الجانب الاقتصادي، حيث أصبحت تركيا من بين أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، وارتفع حجم التبادل التجاري السنوي ليصل إلى 9 مليارات دولار أمريكي، وهو ما يمثل زيادة قدرها 800% خلال السنوات السبع التي سبقت ذلك التاريخ. وفي عام 2008، أظهرت الأرقام التجارية الخارجية أن تركيا كانت من بين أكبر 10 موردين للإمارات، مما يعكس عمق الروابط الاقتصادية التي كانت قائمة. وقد شجعت وكالات العقارات الإماراتية رجال الأعمال على الاستثمار في تركيا، مستفيدين من جهود الخصخصة التركية المستمرة، كما أطلقت شركة الاتحاد للطيران رحلات جديدة إلى إسطنبول في عام 2009 لتعزيز الروابط السياحية.
يهدف هذا التقرير إلى تحليل أهم النزاعات والاحتكاكات والأزمات المباشرة وغير المباشرة التي نشأت بين تركيا والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2010 وحتى عام 2025، مع التركيز بشكل خاص على النزاعات التي تصاعدت في منطقة غرب آسيا خلال السنوات العشر الأخيرة. كما سيسعى التقرير إلى استشراف مآلات هذا النزاع وتقديم نظرة مستقبلية حول العوامل التي قد تؤدي إلى تطور أو إحباط الاحتكاكات والنزاعات بين البلدين في المستقبل. وسيقوم التقرير بتسليط الضوء على النقاط الرئيسية للخلاف، وتحليل الأسباب الجذرية لهذه الخلافات، وتقييم جهود المصالحة الأخيرة وتأثيرها على مسار العلاقات الثنائية.
مرحلة الصعود والتوتر (2010-2014): شرارة الخلاف
ـ تباين المواقف تجاه الربيع العربي (2011): نقطة تحول
شكلت أحداث الربيع العربي في عام 2011 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، حيث كشفت عن اختلافات جوهرية في رؤيتهما للتغيير السياسي والاجتماعي في المنطقة. فقد تبنت تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، موقفًا داعمًا للانتفاضات الشعبية التي اندلعت في العديد من الدول العربية والتي كان يتصدر معظمها الكيانات التابعة للإخوان المسلمين في مصر وتونس والمغرب وليبيا وسوريا، ورأت تركيا فيها فرصة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي وتوسيع نفوذها من خلال دعم الحكومات المنتخبة حديثًا والتي كانت تميل إلى تبني أيديولوجيات مماثلة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وقد اعتبرت القيادة التركية أنّ هذه التحركات تمثل إرادة الشعوب وتطلعاتها نحو الديمقراطية والمشاركة السياسية، وهو ما يتماشى مع رؤيتها لدور تركي أكبر في المنطقة.
في المقابل، أبدت الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة ذات نظام عائلي وراثي، معارضة قوية لتحركات الربيع العربي، ونظرت إليها باعتبارها تهديدًا للاستقرار الإقليمي ونموذج حكمها السلطوي. وقد اتخذت الإمارات موقفًا حذرًا تجاه صعود التيارات الإسلامية إلى السلطة، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرتها تهديدًا لأمنها الداخلي والإقليمي. تجلّى هذا التباين بشكل واضح في الأزمة المصرية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، حيث دعمت تركيا جماعة الإخوان المسلمين، بينما قدمت الإمارات دعمًا قويًا للحكم العسكري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد أدى هذا الاختلاف في المواقف إلى توتر حاد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث رأى كل طرف في سياسات الطرف الآخر تهديدًا لمصالحه ورؤيته للمنطقة. فبينما سعت تركيا إلى دعم ما اعتبرته قوى تغيير ديمقراطية، عملت الإمارات على الحفاظ على الوضع القائم ومواجهة أي قوى قد تهدد استقرار الأنظمة التقليدية.
ـ فتور تدريجي في العلاقات الدبلوماسية
نتيجة للتباين الكبير في المواقف تجاه أحداث الربيع العربي، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والإمارات تشهد فتورًا تدريجيًا خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2014. وعلى الرغم من عدم حدوث قطيعة رسمية في العلاقات، إلا أن التواصل السياسي رفيع المستوى تراجع بشكل ملحوظ، وبدأت تظهر بعض الانتقادات العلنية المتبادلة بين المسؤولين في البلدين. وقد انعكس هذا الفتور أيضًا على مستوى التعاون في بعض الملفات الإقليمية، حيث أصبح من الصعب التوصل إلى مواقف مشتركة بشأن القضايا الملحة في المنطقة.
تصاعد الأزمات والنزاعات (2015-2021): عقد من التنافس الحاد
ـ محاولة الانقلاب التركي عام 2016: اتهامات متبادلة
شكلت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 منعطفًا حادًا في العلاقات مع الإمارات، حيث وجهت وسائل الإعلام التركية اتهامات مباشرة إلى أبو ظبي بدعم الانقلابيين ماليًا. وزعمت تقارير تركية أن رسائل بريد إلكتروني مسربة في يونيو 2017 من سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، إلى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، تشير إلى هذا الدعم المزعوم. وعلى الرغم من أنّ هذه الاتهامات لم يتم إثباتها بشكل قاطع، إلا أنها تركت أثرًا عميقًا من انعدام الثقة في العلاقات الثنائية، خاصة لدى القيادة التركية. فقد أدت هذه الاتهامات إلى تصاعد التوتر بشكل كبير، وأضافت بعدًا جديدًا من العداء إلى الخلافات القائمة بين البلدين، حيث تحولت المنافسة من مجرد اختلاف في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية إلى اتهامات خطيرة تتعلق بالأمن القومي التركي.
ـ الأزمة الدبلوماسية القطرية (2017-2021): اصطفاف متضاد
زادت الأزمة الدبلوماسية القطرية التي بدأت في عام 2017 من حدة التوتر بين تركيا والإمارات، حيث اتخذ البلدان موقفين متعارضين بشكل واضح. لعبت الإمارات دورًا رئيسيًا في فرض الحصار على قطر إلى جانب السعودية والبحرين ومصر، بينما أبدت تركيا دعمًا قويًا لقطر ورفضت الإجراءات المتخذة ضدها. وقد تجلى هذا الدعم التركي لقطر في إرسال قوات عسكرية وتقديم مساعدات اقتصادية، مما أثار غضب الإمارات التي اعتبرت هذا التدخل بمثابة تقويض لجهودها لعزل الدوحة.
وخلال الأزمة، تبادل المسؤولون في البلدين تصريحات حادة واتهامات علنية، حيث وصف سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة في مايو 2017 تركيا تحت قيادة أردوغان بأنها "تهديد طويل الأمد" للإمارات والولايات المتحدة. وفي ديسمبر 2017، شارك وزير الخارجية الإماراتي تغريدة اتهم فيها قائدًا عثمانيًا بسرقة المدينة المنورة خلال الحكم العثماني، مما أدى إلى رد فعل غاضب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفه بأنه "وقح" و"مدلل بالنفط"، وردّ دبلوماسي إماراتي لاحقًا بأن "العالم العربي لن تقوده أنقرة". وقد أظهرت هذه التصريحات المتبادلة عمق الخلافات الشخصية والسياسية بين قادة البلدين، وعكست رؤية الإمارات لتركيا كقوة إقليمية تسعى إلى توسيع نفوذها بطرق تتعارض مع مصالحها.
صراعات إقليمية بالوكالة: ساحات متعددة للتنافس
شهدت الفترة الممتدة من 2015 إلى 2021 تنافسًا حادًا بين تركيا والإمارات في العديد من الصراعات الإقليمية بالوكالة، حيث دعم كل طرف أطرافًا متنازعة في محاولة لتعزيز نفوذه وتقويض نفوذ الطرف الآخر:
أ- الحرب الأهلية السورية: دعمت الإمارات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية، التي قاتلت ضد القوات التركية في شمال سوريا. وقد اتهمت الإمارات تركيا بمحاولة تقويض سيادة الدولة السورية من خلال وجودها العسكري في سوريا. في المقابل، اتهمت تركيا الإمارات بدعم حزب العمال الكردستاني (PKK) في صراعه مع الحكومة التركية. وقد أدت هذه الاتهامات المتبادلة ودعم الأطراف المتناحرة إلى زيادة التوتر بين البلدين وعرقلة أي جهود مشتركة لحل الأزمة السورية.
ب - الحرب الأهلية اليمنية: أبدت تركيا قلقها بشأن نشر قوات إماراتية في سقطرى دون إخطار الحكومة اليمنية مسبقًا، واعتبرت ذلك "تهديدًا جديدًا للوحدة الترابية والسيادة اليمنية". بينما كانت الإمارات جزءًا من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الأهلية اليمنية. وعلى الرغم من أن تركيا لم تدعم بشكل مباشر الطرف المقابل للتحالف الذي تقوده السعودية، إلا أن انتقادها العلني لتصرفات الإمارات في سقطرى أظهر اختلافًا في مواقفهما تجاه الأزمة اليمنية وتأثيرها على الأمن الإقليمي.
ت - الحرب الأهلية الليبية: كانت ليبيا الساحة الأبرز للتنافس الحاد بين تركيا والإمارات، حيث دعم كل طرف فصيلًا مختلفًا في الصراع الدائر. قدمت الإمارات دعمًا واسعًا للجنرال خليفة حفتر وقوات الجيش الوطني الليبي في محاولة لمواجهة ما اعتبرته صعودًا للجماعات الإسلامية وتقويض النفوذ التركي في شمال أفريقيا. وقد شمل هذا الدعم تمويلًا وتزويدًا بالمعدات العسكرية، وحتى اتهامات بتمويل مرتزقة روس من مجموعة فاغنر. في المقابل، تدخلت تركيا عسكريًا لدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس، والتي كانت تواجه هجومًا من قوات حفتر. وقد لعب التدخل التركي، بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيار ونقل مقاتلين سوريين، دورًا حاسمًا في قلب موازين القوى وإجبار قوات حفتر على التراجع عن طرابلس في عام 2020. وقد أدى هذا الدعم المتناقض للأطراف المتحاربة في ليبيا إلى مواجهة مباشرة بالوكالة بين تركيا والإمارات، وزاد من حدة التوتر بينهما بشكل كبير.
ـ تداعيات سقوط نظام الأسد في سوريا 2024
شهدت سوريا تحولًا جذريًا بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وهو حدث كان له تداعيات كبيرة على العلاقات الإقليمية، بما في ذلك علاقات تركيا والإمارات، ففي حين رحبت تركيا بهذا التطور الذي طال انتظاره، كانت هناك مخاوف إقليمية ودولية بشأن الفراغ السياسي والأمني المحتمل.
ـ مواقف (تركية – إماراتية) متباينة وردود فعل حذرة:
على الرغم من أن تركيا كانت من أشد المعارضين للنظام السوري السابق، إلا أن سقوط النظام جاء في وقت كانت فيه أنقرة قد بدأت في تبني سياسة أكثر تصالحية مع دول المنطقة، بما في ذلك الإمارات. وقد سعت تركيا إلى التعاون مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، في جهود تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا ما بعد الأسد. ومع ذلك، فإن الإمارات، التي كانت قد بدأت في تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل سقوطه، نظرت بحذر إلى الحكومة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي السلفي. وتخشى أبو ظبي من صعود جماعات إسلامية قد تهدد الاستقرار الإقليمي، وهو ما قد يخلق توترات جديدة مع تركيا التي تربطها علاقات جيدة بالفصائل المنتصرة.
ـ التنافس على النفوذ ومصالح متضاربة:
من المرجح أن يتجدد التنافس بين تركيا والإمارات على النفوذ في سوريا ما بعد الأسد. فتركيا، التي تتمتع بنفوذ كبير على الفصائل السورية المنتصرة وتسعى لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية، قد تجد نفسها في مواجهة مع محاولات إماراتية لتقويض نفوذ الجماعات الإسلامية ودعم فصائل أخرى. وقد تسعى الإمارات إلى الحفاظ على توازن القوى في المنطقة ومنع تركيا وقطر من تعزيز نفوذهما بشكل كبير في سوريا.
ـ ملف الأكراد وتحديات الاستقرار:
يبقى ملف الأكراد في شمال شرق سوريا من أبرز التحديات التي قد تؤدي إلى خلافات بين تركيا والإمارات. ففي حين تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تهديدًا لأمنها القومي، ترى الإمارات في دعم هذه القوات وسيلة لموازنة النفوذ التركي في المنطقة. وقد يؤدي أي تصعيد عسكري تركي ضد الأكراد إلى ردود فعل دولية وإقليمية قد تزيد من حدة التوتر بين أنقرة وأبو ظبي.
ـ الاعتراف الاماراتي بالإبادة الجماعية للأرمن: على الرغم من أن هذا الملف لم يكن محركًا رئيسيًا للصراع بين البلدين، إلا أن اختلاف مواقفهما بشأن قضية الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن أضاف بعدًا آخر إلى التوترات القائمة.
ـ اتفاقيات أبراهام 2020: أدانت تركيا بشدة قيام الإمارات بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في عام 2020، وهددت بتعليق العلاقات الدبلوماسية وسحب سفيرها من أبو ظبي. وقد اعتبرت الحكومة التركية أن هذه الاتفاقيات تمثل خيانة للقضية الفلسطينية وتقويضًا للجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة. وقد عكست هذه الإدانة التركية رؤية مختلفة تمامًا عن رؤية الإمارات التي اعتبرت الاتفاقيات خطوة نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي.
نحو المصالحة والتعاون (2021-2025): بداية مرحلة جديدة؟
ـ مبادرات المصالحة والتقارب (2021): تحول في السياسة
بدأت العلاقات بين تركيا والإمارات تشهد تحولًا إيجابيًا نحو المصالحة والتقارب في عام 2021، بعد سنوات من التوتر الحاد والتنافس الإقليمي. وقد تميزت هذه المرحلة بتبادل الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى، كان أبرزها زيارة ولي عهد أبو ظبي آنذاك، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى تركيا في نوفمبر 2021. وقد مثلت هذه الزيارة نقطة تحول رئيسية في العلاقات بين البلدين، حيث كان أول اجتماع على مستوى القادة منذ سنوات عديدة، وأشار إلى رغبة مشتركة في تجاوز الخلافات والبحث عن مجالات للتعاون. وقد تبع هذه الزيارة تبادل للرسائل والاتصالات بين قادة البلدين، مما عزز من أجواء الثقة المتبادلة ومهد الطريق لمزيد من التقارب.
ـ تعزيز التعاون الاقتصادي: محرك رئيسي للمصالحة
كان الدافع الاقتصادي عاملًا رئيسيًا في تسريع وتيرة المصالحة بين تركيا والإمارات. فقد أعلنت الإمارات عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار (وذكر لاحقًا أنه 15 مليار دولار) للاستثمار في تركيا، وهو ما وفر دعمًا حيويًا للاقتصاد التركي الذي كان يواجه تحديات كبيرة. كما وقّع البلدان اتفاقيات للتبادل التجاري والعملات، بهدف تعزيز حجم التبادل التجاري الثنائي الذي شهد بالفعل زيادة بنسبة 40% من عام 2021 إلى عام 2022 ليصل إلى 18.9 مليار دولار. وفي مارس 2023، تم توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تهدف إلى رفع حجم التجارة الثنائية إلى 40 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، أبدت الإمارات دعمًا قويًا لصناعة الدفاع التركية من خلال طلب شراء أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار التركية الصنع، والتي أثبتت تفوقها من حيث الجودة وسهولة الحصول عليها مقارنة بنظيراتها الصينية والأمريكية. كما لعبت البنوك الإماراتية دورًا مهمًا في توفير التمويل والقروض للبنوك التركية، وهو ما كان بالغ الأهمية لتركيا في ظل تحفظ جهات الاقراض الغربية.
ـ التعاون في مجالات أخرى
تجاوز التعاون بين تركيا والإمارات الجانب الاقتصادي ليشمل مجالات أخرى مثل الطاقة والتعاون الإقليمي. فقد اتفق البلدان على التعاون في مجال تحول الطاقة. وفي أغسطس 2024، اتفقت تركيا والإمارات، إلى جانب العراق وقطر، على الاستثمار في مشروع طريق التنمية العراقي، الذي من المتوقع أن يعزز الاقتصاد العراقي ويعزز التعاون بين دول الخليج وتركيا، بينما يمثل تحديًا للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. كما لعبت الإمارات دورًا بارزًا في تقديم المساعدات الإغاثية لتركيا خلال زلزال تركيا وسوريا عام 2023، حيث خصصت 114.6 مليون دولار لجهود الإغاثة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تحسين العلاقات بين البلدين.
سيناريوهات العلاقة المستقبلية وعوامل التطور والإحباط
أ. سيناريوهات مستقبلية محتملة:
أولًا: استمرار التقارب والتعاون: من الممكن أن يستمر مسار التقارب والتعاون بين تركيا والإمارات في المستقبل، مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية المتبادلة والرغبة البراغماتية لدى القيادتين في تعزيز العلاقات الثنائية. وقد يشهد هذا السيناريو زيادة في التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والأمن الإقليمي، مما يؤدي إلى شراكة استراتيجية أكثر عمقًا.
ثانيًا: فتور مؤقت أو تذبذب في العلاقات: على الرغم من التقدم الملحوظ في العلاقات، لا يزال من الوارد حدوث فتور مؤقت أو تذبذب في المستقبل، خاصة في ظل استمرار بعض نقاط الخلاف حول القضايا الإقليمية مثل ليبيا وسوريا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أن الاختلافات الأيديولوجية الكامنة والمنافسة على النفوذ الإقليمي قد تتسبب في تجدد التوترات في بعض الأحيان.
ثالثًا: عودة التوتر والصراع: على الرغم من أن هذا السيناريو يبدو غير مرجح في الوقت الحالي، إلا أنه لا يمكن استبعاده تمامًا. فقد تؤدي تحولات كبيرة في ديناميكيات القوة الإقليمية أو تغييرات سياسية داخلية في أي من البلدين، أو تصاعد كبير في الصراعات بالوكالة، إلى عودة التوتر والصراع بين تركيا والإمارات.
ب. عوامل تطور الاحتكاكات والنزاعات:
أولًا: استمرار التنافس الجيوسياسي: على الرغم من المصالحة، فإن التنافس على النفوذ الإقليمي بين تركيا والإمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال قائمًا وقد يتسبب في ظهور خلافات جديدة في المستقبل. فدعم أطراف متنافسة في صراعات إقليمية مستقبلية (مثل ليبيا أو سوريا) يمكن أن يؤدي إلى تجدد التوترات.
ثانيًا: الاختلافات الأيديولوجية: على الرغم من التركيز الحالي على المصالح الاقتصادية، فإن الاختلافات الأيديولوجية العميقة حول دور الإسلام السياسي في المنطقة لا تزال قائمة وقد تبرز مجددًا كعامل للخلاف، خاصة إذا تغيرت الأوضاع السياسية الإقليمية.
ثالثًا: التدخلات الخارجية: يمكن أن تلعب تدخلات قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة، دورًا في تشكيل التحالفات الإقليمية وتوجيه الديناميكيات بين تركيا والإمارات، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في بعض الأحيان.
ت. عوامل إحباط الاحتكاكات والنزاعات:
أولًا: المصالح الاقتصادية المتبادلة: تعتبر المصالح الاقتصادية القوية والمتنامية بين تركيا والإمارات، بما في ذلك التجارة والاستثمار، عاملًا مهمًا في تثبيت العلاقات ومنع عودة الصراع. فحاجة تركيا للاستثمارات الأجنبية وسعي الإمارات لتنويع فرصها الاستثمارية يخلق مصلحة مشتركة في الحفاظ على علاقات مستقرة.
ثانيًا: البراغماتية السياسية والقيادية: أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان براغماتية واضحة في سعيهما لتجاوز الخلافات وإعطاء الأولوية للمصالح المشتركة، وهو ما يمثل عاملًا مهمًا في استمرار تحسن العلاقات.
ثالثًا: التركيز على التحديات الداخلية والإقليمية المشتركة: يمكن أن يؤدي التركيز على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية المشتركة، مثل قضايا الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، إلى تعزيز التعاون وبناء الثقة بين البلدين.
شهدت العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2010 وحتى عام 2025 تقلبات كبيرة، حيث مرت بمرحلة من الصعود والتوتر، تلتها فترة من تصاعد الأزمات والنزاعات الحادة التي وصلت إلى حد دعم أطراف متناحرة في صراعات إقليمية بالوكالة. ومع ذلك، بدأت العلاقات تشهد تحولًا إيجابيًا نحو المصالحة والتعاون منذ عام 2021، مدفوعة بشكل أساسي بالمصالح الاقتصادية المتبادلة والرغبة البراغماتية لدى القيادتين في تجاوز الخلافات.
وقد كانت أبرز محطات الخلاف هي تباين المواقف تجاه الربيع العربي، ومحاولة الانقلاب التركي عام 2016، والأزمة الدبلوماسية القطرية، والصراعات الإقليمية في سوريا واليمن وليبيا، بالإضافة إلى ملفات أخرى مثل اتفاقيات أبراهام. في المقابل، تمثلت أبرز محطات التقارب في مبادرات المصالحة التي بدأت عام 2021، والتعزيز الكبير للتعاون الاقتصادي في مجالات الاستثمار والتجارة والطاقة والدفاع، بالإضافة إلى التعاون في مشاريع إقليمية مشتركة وتقديم المساعدات الإنسانية.
بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن استمرار التقارب والتعاون هو السيناريو الأكثر احتمالًا، خاصة في ظل وجود مصالح اقتصادية قوية ورغبة قيادية في تعزيز العلاقات. ومع ذلك، لا يزال من الضروري الأخذ في الاعتبار احتمالية حدوث فتور مؤقت أو حتى تجدد التوتر في حال طرأت مستجدات إقليمية أو داخلية كبيرة. وفي الختام، يمكن القول إن العلاقة بين تركيا والإمارات تمثل نموذجًا معقدًا للتفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والجيوسياسية والأيديولوجية لتشكيل مسار هذه العلاقة، التي لا شك أن تطورها سيظل له تأثير كبير على استقرار المنطقة ومستقبلها.