الإثنين 14 نيسان , 2025 10:11

لماذا اقترحت عُمان نقل المفاوضات الإيرانية-الأميركية إلى أوروبا الغربية؟

في لحظة إقليمية مشبعة بالتوترات والضبابية الاستراتيجية، وفي خضم صراع محتدم بين إيران والولايات المتحدة على أكثر من ساحة، عادت عمان لتلعب دوراً مألوفاً في الكواليس: وسيطٌ صامت، فعّال، وموثوق. الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن عُقدت على الأراضي العُمانية، تماشياً مع تقليد طويل بدأ منذ ما قبل الاتفاق النووي لعام 2015. إلا أن اللافت هذه المرة أن الجولة الثانية لن تُعقد في عُمان، بل في إحدى دول أوروبا الغربية، لكن خارج نطاق الدول الأوروبية الثلاث (E3): فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا.

منذ عقدين، عُرفت سلطنة عُمان بسياسة خارجية تقوم على الحياد وعدم الدخول في تحالفات صلبة، ما مكّنها من الحفاظ على علاقات دافئة ومتوازنة مع أطرافٍ متنازعة في ملفات شائكة، وعلى رأسها إيران والولايات المتحدة. هذا الموقع جعل من مسقط منصة مثالية لاحتضان وساطات سرية ومفاوضات تمهيدية، مثلما حدث في المحادثات التمهيدية التي سبقت توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

الجولة الأولى التي عُقدت مؤخراً على الأراضي العُمانية جاءت استكمالاً لهذا الدور، لكنها على ما يبدو كانت خطوة محدودة الهدف؛ إذ تناولت وضع جدول الاعمال والعناوين العامة المرتبطة بالأنشطة النووية، ولم تدخل في  تفاصيل إحياء الاتفاق النووي بشكل مباشر، كما تطرقت الى قضايا أوسع مثل التهدئة الإقليمية، وملف المعتقلين بين البلدين.

هنا يكمن التساؤل الأهم: لماذا اقترحت عُمان نفسها نقل الجولة الثانية إلى دولة أوروبية غربية، لا تنتمي إلى ثلاثي الاتفاق النووي الأوروبي (E3

الإجابة تكمن في توازنات دقيقة ومعقّدة. فمن جهة، تعرف عُمان أن استمرار عقد الجولات على أراضيها قد يضعها في موقع حساس أمام حلفاء إقليميين قلقين من أي تقارب أمبركي-إيراني، خاصة السعودية و"إسرائيل". ومن جهة أخرى، فإن بقاء المفاوضات ضمن الإطار العُماني قد يُفسر على أنه محاولة لتهميش الدور الأوروبي التقليدي، خاصة الدول التي كانت ضالعة في الاتفاق النووي الأصلي.

واقتراح دولة أوروبية محايدة -مثل سويسرا أو النمسا مثلًا وربما إيطاليا- يحمل دلالات عديدة:

-تحييد الجغرافيا السياسية: أوروبا الغربية بعيدة جغرافياً عن ضغوطات الشرق الأوسط، ما يتيح مناخاً تفاوضياً أكثر هدوءاً.

-استبعاد E3 يخفف التوتر: فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا لطالما ارتبطت بملف الضغط على إيران ضمن إطار الاتفاق النووي. استبعادهم الآن قد يكون لإبقاء المحادثات مرنة وغير رسمية، بعيدة عن التعقيدات القانونية والسياسية المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التوصل إليها في 14 تموز/ يوليو عام 2015.

-اختيار دولة غير منخرطة رسمياً في التفاوض السابق قد يعكس انفتاحاً أميركياً على صيغة جديدة للاتفاق.

توقيت هذه الجولات ليس منفصلاً عن تطورات إقليمية ودولية ضاغطة. إدارة ترامب التي عادت إلى البيت بعد انتخابات 2024 تواجه تحديات متشابكة، من تصاعد التوتر مع الصين والتجاذب حول الرسوم الجمركية، إلى حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط نتيجة الصدام المفتوح بين الكيان المؤقت وإيران وعدد من الجبهات الأخرى، وتنامي النفوذ الروسي في ساحات حساسة والحرب في أوكرانياً. في هذا السياق، تبدو التهدئة مع طهران، ولو بشكل غير مباشر، خياراً عقلانًيا ضمن أولويات السياسة الخارجية الجديدة للإدارة الأميركية.

بالنسبة لواشنطن، فإن احتواء التصعيد الإقليمي، وضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، يشكّل مصلحة استراتيجية تتقدم على خيار المواجهة المفتوحة. أما إيران، فهي تُدرك أن عودة ترامب قد تعني سيناريوهات غير محسوبة، وبالتالي فإن إبقاء قنوات التواصل، حتى غير المباشرة، هو أحد أدوات تقليل المفاجآت.

نقل المحادثات لا يعني تراجعاً في الدور العُماني، بل يمكن قراءته على أنه "تحوّل تكتيكي مدروس". فمسقط لا تزال تقوم بدور الوساطة. هذا النموذج يُشبه ما قامت به في ملفات أخرى، كالحرب في اليمن أو الوساطة بين طهران وبعض العواصم الخليجية.

الانتقال من عُمان إلى أوروبا الغربية هو أكثر من مجرد تغيير في الجغرافيا؛ إنه مؤشر على أن شكل التفاوض نفسه يتغير. لم يعد محصوراً بإطار اتفاق عام 2015، بل يمكن أن يتخذاً شكلاً مغايراً أو يكون عبارة عن تفاهمات مؤقتة بدلاً من الاتفاق الشامل.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور