مشاورات واتصالات مكثفة في كل من طهران وواشنطن وتل أبيب حول القضية النووية الإيرانية، أفضت الى الاتفاق على عقد الجولة السادسة من المفاوضات النووية يوم الجمعة في أوسلو أو يوم الأحد في مسقط حسب موقع اكسيوس الأميركي، سبقه تصعيد في التهديدات والمواقف واتصال مطوّل بين ترامب ونتنياهو استمر مدة أربعين دقيقة، تزامن مع تسريبات إيرانية حول اختراق أمني نوعي طال منشآت إسرائيل النووية والمراكز الحيوية والحساسة، وتهديدات عالية النبرة لمجلس الأمن القومي الإيراني وقائد حرس الثورة اللواء حسين سلامي حيث أكد أن" صواريخنا ستصبح أدق بفضل المعلومات الاستخباراتية التي حصلنا عليها من الصهاينة". تطورات الساعات الماضية تفرض تساؤلاً جاداً: هل يتجه المشهد نحو عمل عسكري إسرائيلي محتمل ضد إيران، أم نحو مرحلة جديدة من الردع المدعوم بوثائق استخباراتية دقيقة؟ يأتي ذلك في وقت تسعى فيه إدارة ترامب إلى إعادة صياغة مقاربتها تجاه إيران، بين استكمال المفاوضات النووية من جهة، واحتواء الضغوط الإسرائيلية من جهة أخرى. بالتوازي، يسارع كيان الاحتلال إلى تعزيز جاهزيته العسكرية على خلفية احتمال فشل المسار الدبلوماسي، في حين توجّه طهران رسائل واضحة بأن أي ضربة استباقية ضد منشآتها ستقابل باستهداف مباشر ودقيق لمنشآت الكيان النووية، استناداً إلى بنك أهداف تم تحديثه وحصلت عليه إيران مؤخراً.
خلفيات الاتصال بين ترامب ونتنياهو
جاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي ترامب مع رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو في توقيت بالغ الحساسية، يعكس تعقيداً متزايداً في المسار التفاوضي غير المباشر بين واشنطن وطهران، والقلق من احتمال الانزلاق إلى تصعيد إقليمي واسع. المكالمة التي امتدت نحو أربعين دقيقة، ركّزت بشكل شبه حصري على القضية النووية الإيرانية، ما يشير إلى معطيات مستجدة دفعت البيت الأبيض إلى إعادة تنسيق الموقف مع "إسرائيل". ووفقاً لما نقلته صحيفة هآرتس عن مصدر مطّلع، فقد حاول نتنياهو خلال الاتصال إقناع ترامب بوقف المفاوضات النووية مع إيران، في مقابل تأكيد ترامب أنه لن يمنح "إسرائيل" الضوء الأخضر لتنفيذ هجوم على إيران في الوقت القريب، طالباً في المقابل إخراج هذا الموضوع من الخطاب العام.
هذه المؤشرات تفيد بأن التعثر الحاصل في المفاوضات بعد أن رفضت طهران ما وصفه ترامب بـ "العرض المعقول" ربما دفع الرئيس الأمريكي إلى تهدئة الشريك الإسرائيلي مؤقتاً، في محاولة لضبط إيقاع ردود الأفعال الإقليمية وتفادي أي تطور ميداني مفاجئ من شأنه أن يطيح بالمسار الدبلوماسي كلياً. لا يُستبعد أيضاً أن تكون المكالمة قد هدفت إلى ثني نتنياهو عن تنفيذ خطوة تصعيدية كان يعدّ لها، خصوصاً أن اجتماعاً أمنياً موسعاً عُقد لاحقاً في الكيان عقب الاتصال. وفي هذا السياق، يظهر ترامب وكأنه يسير على حدّين: من جهة، التأكيد على "الجهود الكبيرة المبذولة للتوصل إلى اتفاق مع إيران"، ومن جهة أخرى، الإقرار بإمكانية الفشل بالقول "قد لا يتحقق هذا الاتفاق وسنعرف قريباً". هذه الازدواجية في الموقف تعكس التوتر داخل الإدارة الأميركية، وتناقض أولوياتها بين مواصلة الضغوط الدبلوماسية على طهران، وتقييد أي تحرك إسرائيلي قد يفجّر المنطقة.
الاستعداد الإسرائيلي: خطة حرب أم ورقة ضغط؟
كشفت تقارير صحافية إسرائيلية بينها "هآرتس" و"يسرائيل هيوم"، أن القيادة السياسية والأمنية في "إسرائيل" ناقشت في اجتماع رفيع المستوى، سيناريوهات توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيرانية، على خلفية "الجمود" في المفاوضات النووية. هذه المعطيات، التي ترافقت مع الإعلان عن رفع حالة الجاهزية في أنظمة الدفاع الجوي، تشير إلى أن الكيان يأخذ بعين الاعتبار احتمال الرد الإيراني المباشر. بالإضافة إلى إشراك الموساد والشاباك في هذه المشاورات، إلى جانب قادة الجيش وسلاح الجو، وهذا ما يشي بتوسّع دائرة القرار لتشمل البعد الاستخباراتي وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت "إسرائيل" تحضّر فعلياً لعملية عسكرية مركبة، أم أنها توظّف هذا الحراك في سياق الضغط النفسي والسياسي على المفاوض النووي الإيراني؟
الوثائق الاستخباراتية: هل انقلبت موازين الردع؟
كانت طهران قد كشفت قبل هذه التطورات عبر مجلس أمنها القومي ووزير الاستخبارات إسماعيل خطيب عن إنجاز استخباراتي بالغ الحساسية تمثل في الحصول على معلومات دقيقة بشأن منشآت نووية إسرائيلية ومراكز حيوية واستراتيجية. ورغم أن تفاصيل العملية بقيت طي الكتمان، إلا أن التصريحات الإيرانية المتزامنة مع التصعيد السياسي تشير إلى تحول في موازين الردع. فامتلاك بنك أهداف نووية إسرائيلية سرية محدثّة يعني أن طهران باتت قادرة على الرد بالمثل، وتحقيق اهداف عسكرية أكثر دقة. الأهمية الاستراتيجية لهذه المعلومات تتمثل في كونها عامل ضغط مضاد في وجه التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشن ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وإذا صحت تسريبات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، فإن إيران أبلغت الوكالة أنها قد تذهب نحو التصعيد النووي – إما بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي أو بإعلان امتلاكها للسلاح النووي خلال أسابيع – إذا تعرضت لهجوم. وعليه، فإن امتلاك إيران لهذه الوثائق يفتح الباب أمام احتمالين متوازيين: الأول، تعزيز موقعها التفاوضي في جولة المفاوضات المقبلة مع واشنطن هذا الأسبوع؛ والثاني، تعزيز الردع حيث تضع طهران المنشآت الإسرائيلية في مرمى الاستهداف المباشر، وهو ما قد يغيّر قواعد الاشتباك التقليدية في المنطقة.
السيناريوهات المتوقعة في حال فشل المفاوضات:
-الأعمال التخريبية
سواء بالمنشآت النووية الإيرانية (عبر اختراق معين أو فيروس) أو غيرها من قبل "جهات مجهولة" يمولها الموساد من دون تبني لها.
-التصعيد المحدود
تنفيذ "إسرائيل" لضربات محدودة على منشآت إيرانية حساسة (نووية أو عسكرية)، بدعم سياسي ولوجستي من واشنطن، من دون التورط في حرب شاملة، تقابلها إيران برد عسكري قوي عبر موجات من الصواريخ فرط الصوتية على مراكز إسرائيل النووية.
-التصعيد في اللهجة من دون الذهاب إلى مواجهة مباشرة
من خلال رسائل "التهديد" ومحاولة الكشف عن أهداف إيرانية وتكثيف التصريحات والتسريبات الاستخبارية، دون تحرك ميداني واسع. خصوصاً إذا ترافق هذا مع الضغط الأمريكي على "إسرائيل" لعدم تهورها، مقابل شروط صارمة على البرنامج النووي الإيراني ومنها تجميد التخصيب مدة محددة، وهذا مستبعد أن تقبل به إيران.
-المواجهة الشاملة
فشل مسار التفاوض، وتنفيذ "إسرائيل" لضربة استباقية بدعم أمريكي -مع احتمالية نفي واشنطن لمعرفتها مسبقاً بالضربة-. وهذا ما سترد عليه إيران بقوة وربما يتطور إلى مواجهة مفتوحة.
وثمة رأي آخر يرى ان "إسرائيل" قد تلجأ لتنفيذ عدوان على إيران خلال المفاوضات واستخدامها ورقة ضغط على الإيرانيين، بعبارة ثانية، "إسرائيل" ستنفذ عدوانها على إيران سواء نجحت المفاوضات أو فشلت، لكن لا يعني هذا بالضرورة الذهاب الى حرب شاملة.
الكاتب: غرفة التحرير