الثلاثاء 13 أيار , 2025 12:40

هل تنجح إسرائيل في دفع أمريكا لمهاجمة إيران؟

تدريبات جوية مشتركة أمريكية إسرائيلية فوق البحر الأبيض المتوسط.

وفقاً لكريس بامبيري، في هذا المقال الذي نشره موقع "Counter fire" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، فإنه بالرغم من استمرار الكيان المؤقت بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لشن هجوم على إيران، فإن الحسابات لذلك معقدة جداً، ومن الصعب التنبؤ بسياسة ترامب.

ودحض بامبيري في مقاله، تناقضات البروباغندا الأمريكية والإسرائيلية حول إيران، حول دورها في حروب المنطقة والخشية من امتلاكها للأسلحة النووية، بأن إسرائيل هي التي شنت حروب 1948، و1956، و1967، والغزوات المتكررة للبنان، بينما الجمهورية الإسلامية لم تبدأ أي حرب مع أي طرف في القرن العشرين أو الحادي والعشرين. مضيفاً من جهة أخرى، بأن دونالد ترامب ينضم إلى الجوقة التي تقول إنه لا يمكن السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، لكنه لا يقول شيئًا عن ترسانة إسرائيل، التي ساعدتها فرنسا وبريطانيا على امتلاكها في الأصل.

النص المترجم:

قالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شارين هاسكل، في مؤتمر صحفي للصحفيين الأجانب في نيسان / أبريل، بخصوص إيران:

"يجب ألا تمتلك إيران أسلحة نووية. إنها العنصر الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، إذ تقوم بتسليح وتمويل وترويع جميع المناطق المحيطة. نزع سلاح إيران النووي هو في مصلحة العالم بأسره."

وعندما سأل أحد الصحفيين عن الترسانة النووية الإسرائيلية، تجاهلت هاسكل السؤال تمامًا ومضت في حديثها، بل وادّعت أن إسرائيل لم تبدأ أي حرب قط (رغم حروب 1948، و1956، و1967، والغزوات المتكررة للبنان…). في الواقع، لم تبدأ إيران أي حرب مع أي طرف في القرن العشرين أو الحادي والعشرين. لا ينبغي الترحيب بحيازة أي دولة لأسلحة الدمار الشامل، لكن إيران، وكل دولة أخرى في المنطقة، تدرك تمامًا أنه إذا واجهت إسرائيل هزيمة حقيقية، فإنها قد تلجأ إلى استخدام أسلحتها النووية.

بطبيعة الحال، هناك نفاق هائل هنا. دونالد ترامب ينضم إلى الجوقة التي تقول إنه لا يمكن السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، لكنه لا يقول شيئًا عن ترسانة إسرائيل، التي ساعدتها فرنسا وبريطانيا على امتلاكها في الأصل.

في الواقع، أصدر القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، "فتوى" تحرّم تطوير الأسلحة النووية. وبدلًا من أن تكون إيران "العنصر الأكثر زعزعة للاستقرار" في المنطقة، وهو لقب تستحقه إسرائيل دون منازع، فإن طهران انتهجت سياسة شديدة الحذر منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وحرصت على تجنّب الدخول في حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو كليهما.

يمثل القائد الأعلى شخصية معتدلة ضمن نظام يُصوَّر عادة على أنه منقسم بين "محافظين" و"معتدلين"، لكن الأمور أكثر تعقيدًا من هذا التصنيف. فجيل جديد من القادة الشباب بات يحظى بأهمية متزايدة. وتقول إحدى الرؤى:

"في خضم هذه العملية الانتقالية المعقدة، لا يزال يُنظر إلى سلطة القائد الأعلى باحترام، ولكن مع التركيز بشكل متزايد على دوره كـ'الأول بين متساوين' بدلاً من كونه صاحب القرار الأوحد. أما مركز صنع القرار الحقيقي في النظام السياسي الإيراني اليوم، فهو المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو هيئة جماعية تعمل كغرفة تصفية خاصة، تمثَّل فيها جميع المكونات الجيلية والمؤسساتية والسياسية، في محاولة للتوفيق بين المواقف المتباينة على نحو متزايد بين الأطراف."

هذا الجيل الجديد يسعى إلى الابتعاد عن نهج خامنئي التقليدي القائم على البراغماتية والحذر. ونتيجة لذلك، وبسبب سلسلة من الاستفزازات الإسرائيلية، وافق خامنئي على ردود انتقامية مثّلت انحرافًا عن سياسة الحذر التي انتهجتها إيران طوال أربعة عقود.

ففي نيسان / أبريل 2024، ثم مجددًا في تشرين الأول / أكتوبر، ردت إيران عسكريًا على الهجمات الإسرائيلية، أولًا على قنصليتها في دمشق، ثم بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وحسن نصر الله في بيروت. ومع ذلك، حرصت طهران على التأكيد بأن هذه الردود كانت ردود فعل استثنائية على تلك الهجمات الإسرائيلية، وأنها لا تسعى إلى حرب إقليمية شاملة. لقد اعتادت إيران أن تعتمد على حلفائها في لبنان وسوريا والعراق وغزة لإبقاء إسرائيل منشغلة بعيدًا عن حدودها. أما اليوم، فلم يعد ذلك ممكنًا.

حرب على إيران؟
يحرض بنيامين نتنياهو على شن حرب ضد إيران، لكنه بحاجة لانضمام الولايات المتحدة الأمريكية إليه. ومع ذلك، حتى معًا، من الصعب تصوّر أن تتمكن الدولتان من تحقيق نجاح عبر حرب جوية ضد إيران. فقد أتيحت لإيران مدة طويلة للاستعداد لمثل هذا السيناريو، وصواريخها الباليستية مدفونة في أعماق الأرض، بحيث لا تستطيع حتى القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات الوصول إليها، كما رأينا في غزة. أما إسرائيل وحدها، فلا تملك القدرة على شن حملة جوية كافية القوة، نظرًا لافتقارها إلى طائرات التزود بالوقود في الجو.

منذ الثورة الإيرانية عام 1979 التي أطاحت بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة والغرب، تعيش إيران في عزلة سياسية واقتصادية. وقد تأثر اقتصادها بالعقوبات الأمريكية والغربية، واعتماده الكبير على إيرادات النفط التي لا تقارن بإيرادات دول الخليج، فضلًا عن التضخم المرتفع الذي يبلغ حاليًا 40%، وبنية تحتية متقادمة.

أبقى فريق العمل المالي الدولي (FATF) إيران على لائحته السوداء. وقد تم تأكيد هذا القرار مجددًا في شباط / فبراير 2025، مما يعني أن إيران لا تزال خاضعة لمراقبة دولية مشددة وتدابير مضادة، تحدّ بشدة من قدرتها على الوصول إلى الشبكة المصرفية العالمية. كما أن عدم عضويتها في هذه المنظمة، رفع من تكاليف المعاملات التجارية، وقلّل من تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها.

لطالما تنبأ الغرب والولايات المتحدة بانهيار اقتصادي وشيك في إيران، كما فعلوا أيضًا بالنسبة للصين. ومع ذلك، فإن عزلة إيران الاقتصادية قد تراجعت كثيرًا في ظل التوجه الروسي نحو الشرق، وسياسة إيران التي تُعرف بـ"التوجه شرقًا"، ومبادرة الصين لـ"طريق الحرير الجديد".

تربط إيران بروسيا علاقات وثيقة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وقد وقعتا معاهدة جديدة في كانون الثاني / يناير من هذا العام. ورغم أن المعاهدة لا تشمل بندًا للدفاع المشترك، إلا أنها تؤكد الالتزام السابق بالتدريبات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات. وقد زودت روسيا إيران بأكثر أنظمتها الدفاعية الجوية تطورًا. أما علاقات روسيا السابقة الجيدة مع إسرائيل، فقد انهارت بعد أن زودت إسرائيل أوكرانيا بأنظمة إنذار مبكر.

في عام 2025، ستنضم إيران إلى منطقة التجارة الحرة التابعة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم كلًا من روسيا، وأرمينيا، وقيرغيزستان، وبيلاروسيا، وكازاخستان. وكانت إيران قد انضمت سابقًا إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في عام 2023. وتعد روسيا ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أعضاء في المنظمتين، إلى جانب أوزبكستان، كما أن الصين عضو في منظمة شنغهاي. أما الهند وباكستان، فتحضران اجتماعات المنظمة بصفة مراقب.

كذلك، تُعد إيران عضوًا في مجموعة بريكس، وهي منظمة حكومية دولية تضم عشر دول: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، ومصر، وإثيوبيا، وإندونيسيا، وإيران، ودولة الإمارات العربية المتحدة. ويُعد تعميق علاقات إيران مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى نتيجةً مباشرة للإحساس بخطر التهديد الأمريكي.

نيكول غراييفسكي، زميلة في برنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي متخصصة في سياسات روسيا وإيران ضمن النظام العالمي، تشير إلى تأثير الحرب في أوكرانيا على هذين البلدين، وتقول:
"
من المؤكد أن روسيا لا ترغب في رؤية إيران تتعرض لتدخل عسكري، وهذه كانت دائمًا موقفًا ثابتًا لديها طوال أزمة البرنامج النووي الإيراني. أما فيما يتعلق بالملف النووي، فلم تكن روسيا ترغب في أن تصل إيران إلى المستوى الذي وصلت إليه اليوم، رغم أنها لم تمارس ضغطًا قويًا كما فعلت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. لكن، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لست متأكدة من مدى قدرة روسيا حاليًا على ممارسة ضغط على إيران. كانت روسيا تشعر بالإحباط عندما تتحدى إيران عقوبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس الأمن. اليوم، إيران تطلق الكثير من التهديدات النووية المبطنة حول احتمال التسلح، لكن من غير الواضح ماذا يمكن أن تفعل روسيا، أو إن كانت لا تزال تملك التأثير الذي قد يثني إيران عن ذلك. وهذا أمر مقلق، لأن هناك تاريخًا من التعاون الروسي الطويل الأمد مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الملف الإيراني، وكانت الصين إلى حدٍّ ما تسير في الركب. أما الآن، فلا يبدو أن هذا هو الحال، مما يضع المجتمع الدولي أمام تحديات أكبر بكثير."

في الواقع، تعترف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بأن إيران لا تخطط لصنع قنبلة نووية.
ومع ذلك، فإن النقطة الجوهرية هي أن الولايات المتحدة، في عهد جو بايدن، دفعت روسيا وإيران إلى مزيد من التقارب.

العامل الصيني

تأثرت العلاقات الإيرانية مع الصين أيضًا بالتطورات الأخيرة. فالصين تُعدّ أكبر مشترٍ للنفط الإيراني الخاضع للعقوبات الأمريكية. ومع ذلك، لا تزال العقوبات تحدّ من حجم التجارة، كما أن الاستثمارات الصينية في إيران أقل بكثير مما تحصل عليه دول الخليج.

لكن الصين استخدمت قوتها الاقتصادية في المنطقة للمساعدة في تحقيق تقارب بين السعودية وإيران.

وفي حين تحصل الصين على النفط الإيراني، فإنها زوّدت إيران أيضًا بمواد وتكنولوجيا أساسية لتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية. كما أن وجودها في الخليج الفارسي جعل الحوثيين يتجنبون استهداف السفن الصينية.

لقد قرّبت العقوبات الأمريكية والخوف المشترك من الحصار بين إيران والصين، كما يوضح الموقف التالي:
"
بوصفهما دولتين كثيرًا ما تستهدفهما العقوبات الغربية والتدخلات الخارجية، تتقاسم إيران والصين التزامًا بالدفاع عن السيادة ومقاومة الأحادية. هذا التحدي المشترك يعزّز عزيمتهما لبناء إطار تعاوني مستقل عن الضغوط الغربية."

كما أصبحت الصين أكبر مصدر للسلع الصناعية التي تستوردها إيران. وقد رحّبت كل من روسيا وإيران باستخدام العملة الصينية في التعاملات الاقتصادية بدلاً من الدولار الأمريكي، وذلك للتحايل على العقوبات المالية الغربية.

وفي مارس الماضي، أُجريت النسخة الخامسة من المناورات البحرية السنوية المشتركة بين روسيا وإيران والصين في خليج عمان. وتستفيد إيران من الانقسام العميق بين الدول الغربية وروسيا بعد غزو بوتين لأوكرانيا. وتدرك طهران أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لم تعد قادرة على التوحد لممارسة الضغط عليها.

ومن المهم أيضًا التأكيد أن الصين لا تريد حربًا من شأنها أن تعرقل تدفّق النفط إليها، ليس فقط من إيران، بل من دول الخليج أيضًا. فالصين تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع تلك الدول. بلغت قيمة التبادل التجاري بين إيران والصين عام 2023 حوالي 32  مليار دولار، بينما وصل مع السعودية إلى 107  مليارات، ومع الإمارات إلى 97  مليار دولار.

ومع بدء دونالد ترامب جولته في الشرق الأوسط، يُطرح السؤال: إلى أين وصلت العلاقات الأمريكية-الإيرانية؟
كان ترامب قد هدّد إيران في مارس، وقال في مقابلة مع شبكة NBC :
"إذا لم يبرموا اتفاقًا، فستكون هناك قنابل، قنابل لم يروا مثلها من قبل."
لكن، منذ ذلك الحين، أرسل مبعوثه الشخصي، ستيف ويتكوف، للتفاوض على اتفاق بشأن برنامج إيران النووي. وهذا لن يكون سهلًا.

يبدو أن ترامب قرر عدم دعم ضربة إسرائيلية مخططة ضد المنشآت النووية الإيرانية، بعد تحذير وزير الدفاع بيت هيغسيث ونائب الرئيس جي دي فانس من مغبة التدخل. ومنذ ذلك الوقت، تمّت إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز، المعروف بتأييده الشديد لهذا الخيار.

نحن الآن بانتظار نتائج اجتماع ترامب مع نتنياهو في إسرائيل.
وسياسات ترامب، على أقل تقدير، متقلبة للغاية!


المصدر: موقع Counter fire

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور