الثلاثاء 22 نيسان , 2025 04:13

أساس مشاكل أمريكا مع إيران: القضية الفلسطينية وليس البرنامج النووي

مقاوم فلسطيني يحمل سلاح مضاد للطائرات

يُخطئ الكثيرون حينما يعتقدون أو ما زالوا، بأن أساس المشكلة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها المعسكر الغربي، وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، هو برنامجها النووي للأغراض السلمية، التي تُعقد من أجله المفاوضات غير المباشرة حالياً بين أمريكا وإيران بوساطة عُمانية. فهذه القضية التي بات عمرها أكثر من حوالي ربع قرن، تشكّل غطاء واشنطن والغرب لقضيتهم الحقيقية وأصل صراعهم مع هذه الجمهورية الإسلامية منذ 46 عاماً، وهي موقفها من القضية الفلسطينية ورفضها لوجود الكيان المؤقت، ودعمها المعنوي والمادي لمقاومة الشعب الفلسطيني ولمقاومة كل شعوب المنطقة.

فالبرنامج النووي الإيراني الذي كان بالأصل اقتراحاً أمريكياً، على الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي قبل انتصار الثورة الإسلامية بأعوام، بات في مطلع الألفية الثالثة "خطراً يهدّد سلامة الإقليم والعالم".

 لذلك دأبت واشنطن ومعها تل أبيب منذ عقود، الى وصف إيران بـ "الدولة المارقة" التي تسعى لامتلاك سلاح نووي، في سعي منهم لاستغلال هذه الرواية، وتوظيفها لتبرير عقوبات اقتصادية خانقة، وتهديدات عسكرية، وحملات إعلامية مكثفة ضد الجمهورية الإسلامية.

غير أن هذا التركيز الإعلامي والسياسي على البرنامج النووي الإيراني يخفي خلفه حقيقة أكثر عمقًا وتعقيدًا: العداء الغربي لإيران لا ينبع من مشروعها النووي بقدر ما يتجذّر في دعمها العلني والفعّال لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرها، وتحدّيها للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.

أولاً: فلسطين هي قلب الصراع

منذ ما قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وما بعدها، أعادت إيران بقيادة الإمام روح الله الموسوي الخميني (رض)، تحديد القضية الأساسية لشعوب منطقة غربي آسيا، وهي دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته من أجل تحرير بلادهم وإنهاء وجود كيان الاحتلال الإسرائيلي، لأن هذا الكيان يشكّل قاعدة أمريكا والغرب لفرض هيمنتهم على المنطقة. لذلك رسمت الجمهورية الإسلامية موقعها الجيوسياسي في غربي آسيا من هذا المنطلق الثقافي والأيديولوجي، بدلاً من أن تقبل لعب دور الشرطي الإقليمي كما كانت في عهد الشاه. فاختارت طهران أن تعلن صراحة عداءها لإسرائيل، ورفضها لاتفاقيات كامب ديفيد، ودعمها لـ "محور المقاومة". وكانت خطوة الثوار الأولى، إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وتسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني.

ولم يكن هذا التوجّه الإيراني مجرد خطاب دعائي، يختفي مع نجاح الثورة وتثبيت أركانه، بل كان سياسة عملية تجلّت في:

_دعم حركتي الجهاد الإسلامي وحماس ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والتكنولوجيا، بما فيها دعمهم لتطوير وتصنيع كل ما يحتاجون إليه من سلاح محلياً.

_توفير ملاذ سياسي لقيادات المقاومة الفلسطينية والإسلامية، واحتضان خطاب "تحرير القدس" كمكوّن مركزي في خطاب وسياسات الحكومات الإيرانية.

_دعم المقاومة في لبنان وخاصةً حزب الله وحركة أمل سياسيًا وعسكريًا، وهو ما أدى الى دحر الاحتلال الإسرائيلي من جنوبي لبنان عام 2000، ثم صدّ العدوان الأمريكي الإسرائيلي 2006، وإعادة إعمار ما هدمه العدوان، وفي تصدي المقاومة للعدوان خلال معركة أولي البأس عام 2024 ومعالجة آثار المعركة.

هذا التوجه المركزي للجمهورية الإسلامية، الذي خطته في دستورها، هو ما يثير قلق أمريكا والغرب، لأنه يقوّض جوهر استراتيجيتهم في المنطقة، القائمة على تفوّق إسرائيل المطلق، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا.

ثانيًا: "بعبع" البرنامج النووي الإيراني

يمكن لأي الشخص، بعد الاضطلاع على بعض الحقائق والوقائع، أن يستنتج بأن برنامج إيران النووي لم يكن إلا سلمياً:

_إيران وقّعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ووقعّت على البروتوكول الإضافي للتحقق من الضمانات النووية، وتخضع منشآتها لرقابة وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

_حتى في ذروة التوتر، لم تجد الوكالة الدولية دليلاً قاطعًا على وجود برنامج تسليحي نووي فعّال.

_في العام 2015، وافقت الجمهورية الإسلامية على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) (المعروف بمصطلح الاتفاق النووي)، التي اعتُبرت الأكثر صرامة في تاريخ الاتفاقيات النووية، حيث قلّصت طهران من قدرات تخصيب اليورانيوم الى حدودها الأدنى، ووافقت على عمليات تفتيش موسعة، وقامت بتدمير العديد من منشآت التخصيب.

لكن بالرغم من ذلك، فإن أمريكا بإدارة دونالد ترامب، انسحبت من الاتفاق بشكل أحادي عام 2018، ومن دون تقديم أي حجّة تدفعها لذلك، وأعادت فرض العقوبات، لأن الاتفاق لم يتطرق الى علاقات الجمهورية الإسلامية بباقي أطراف محور المقاومة والبرنامج الصاروخي.

ثالثًا: ازدواجية المعايير الغربية

أما النقطة الثالثة المثيرة للاستغراب والتي تفضح ازدواجية المعايير الأمريكية والغربية، حول خطر انتشار الأسلحة النووية، هو في بروز مفارقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن إسرائيل – الكيان الوحيد في منطقة غربي آسيا - تمتلك ترسانة نووية تقدر بما بين 80 إلى 200 رأس نووي، خارج أي رقابة دولية، ودون أن تنضم لمعاهدة عدم الانتشار، أو تخضع لتفتيش وكالة الطاقة الذرية. ومع ذلك، لا تصدر بيانات إدانة بحقها أو عقوبات من الغرب، بل العكس تماماً، يتم التحشيد لها عسكرياً ومادياً وسياسياً وفي كل المجالات، عند أي تحد يواجهها، وهذا ما برز جلياً خلال معركة طوفان الأقصى ما بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر من العام 2023.

بل على العكس، فإن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل سنويًا مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات، وتوفر لها الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتدافع عن عملياتها العسكرية حتى عندما تطال المدنيين في غزة ولبنان.

إذن، كيف يمكن تفسير هذه الازدواجية؟ الجواب واضح: القضية حتى ليست في امتلاك السلاح النووي بل فيمن يمتلكه ولماذا. فعندما تمتلكه دولة تابعة للغرب كإسرائيل، يصبح "سلاحًا رادعًا مشروعًا"، لكن حين تسعى دولة مثل إيران – الداعمة لحركات المقاومة والتحرّر وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية - لتطوير قدرات نووية، حتى لأغراض سلمية، فإن ذلك يصبح "تهديدًا وجوديًا".


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور