الثلاثاء 29 نيسان , 2025 09:24

"مصنع المعلومات العملياتية": كيف يبني الجيش الإسرائيلي بنك أهدافه؟

جنود إسرائيليون

في سياق الحرب المستمرة في قطاع غزة، وفي ظل البحث المستمر والتحقيقات الجارية حول أساليب عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في بناء بنك أهدافه العملياتي، قام موقع الخنادق الإلكتروني بترجمة هذا المقال المنشور في صحيفة "هآرتس" العبرية، وذلك بهدف تسليط الضوء على مدى اعتماد الجيش الإسرائيلي على أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة لإدارة المعلومات واستهداف المواقع وبناء بنك اهدافه خاصة فيما يتعلق بعمليات الإغتيال والعمليات النوعية.
تكشف هذه المادة عن تفاصيل مشروع "مصنع المعلومات العملياتية" الذي طوره الجيش عبر وحدة "متسفن"، وعن المخاطر العملياتية المرتبطة بالاعتماد على هذه التكنولوجيا في ميادين القتال.
ومن خلال متابعة تصريحات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، يرصد المقال كيف أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في إنتاج بنك أهداف ضخم، وأثر ذلك على طبيعة العمليات العسكرية وعلى حياة المدنيين في مناطق النزاع.

النص المترجم :
روتم باشي، عقيد في جيش الدفاع الإسرائيلي، يقول إنه ببساطة "لا يستطيع أن يفهم كيف تحقق هذا الإنجاز المعجزي". باشي هو قائد وحدة تطوير البرمجيات "متسفن" في الجيش، والتي طورت نظام ذكاء اصطناعي أثار إعجابه الشديد.
يقول باشي: "عندما أقارن جودة الإجابة التي يقدمها النظام مع المعلومات الخام التي استلمها، لا أفهم كيف تمكن النظام من الربط بين جميع هذه المعطيات".

يسمي الجيش هذا المشروع الذكي "مصنع المعلومات العملياتية"، وهو مصمم لجمع الجزء الأكبر من المعلومات العملياتية للمؤسسة الأمنية في مكان واحد، مما يتيح قفزة نوعية في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الجيش.
وأضاف باشي: "لو تحدثنا قبل عام أو عامين، لكنت قلت لك إننا بعيدون عن استخدام هذا النظام عمليًا، ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية بدأنا نلاحظ قدراته عبر الشبكة المغلقة للجيش، ولهذا السبب أصبح من الواقعي إدخاله إلى الخدمة مع نهاية العام".

وأشار إلى أنه يضخ كمية ضخمة من المعلومات المتنوعة في النظام، وأن الذكاء الاصطناعي ينتج تحليلات توفر قدرات قوية للغاية لاتخاذ قرارات فورية.

المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في ميدان المعركة
تثار تساؤلات حول موثوقية هذا النظام عندما يُطرح عليه أسئلة مثل: "من هو قائد كتيبة حماس في حي الشجاعية بمدينة غزة، وكم عدد الجنود الذين لا يزالون تحت قيادته، وهل لديه عائلة، وأين توجد الآن؟" أو "ما هي مداخل الأنفاق الموجودة تحت هذه القرية في لبنان؟"
يشدد باشي على أهمية الجوانب الأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي والحاجة إلى الرقابة، موضحًا أن النظام لن يحل محل القادة الميدانيين، لكنه يؤكد على ضرورة تزويدهم بهذه القدرات.
وتشير وحدة المتحدث باسم الجيش إلى أن النظام، عند تقديمه لإجابة، يرفق معها مصدر المعلومة، بافتراض أن المستخدم سيتحقق من المصدر قبل اتخاذ القرار.

لكن في أجواء القتال الحامية، قد لا يحرص كل قائد ميداني على تدقيق المصادر. أي شخص على دراية بأخطاء الذكاء الاصطناعي في الحياة المدنية، يجب أن يخشى تأثيره على قضايا حياة أو موت في ساحة المعركة.

وفقًا لتحقيقات أجرتها صحيفة "الغارديان" وموقعي "Local Call" العبري و"+972 Magazine"، فإن "آلة الأهداف" التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، والتي تُعرف باسم "لافندر"، تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف. وقد استخدمت المخابرات الإسرائيلية هذا النظام لتحديد عشرات الآلاف من الأهداف للقصف خلال الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ 18 شهرًا، وأفادت التقارير أن هذا النظام يتسم بسرعة إطلاق الأوامر، وأدى إلى إصابة آلاف المدنيين الأبرياء.

تطور "مصنع المعلومات العملياتية"
بدأ تطوير "مصنع المعلومات العملياتية" عام 2022، ويعتمد على قواعد بيانات تحتوي على تقارير حول إطلاق النار والهجمات الميدانية، إضافة إلى معلومات من نظام "القوات البرية الرقمية"، إلى جانب معطيات تم جمعها عبر الطائرات المسيرة، الأقمار الصناعية، وكاميرات الدوائر المغلقة، فضلاً عن مصادر مدنية.

يقول باشي إن هذا "المصنع" يعتمد على ثلاثة أنواع رئيسية من البيانات: النصوص، والصوتيات، والفيديو. وأضاف: "عندما نربطه بتطبيق المحادثة العملياتية، سيكون لدينا واجهة يستطيع المستخدم من خلالها التحدث مع النظام وطرح الاستفسارات عليه".

وباعتبار أن المحادثة الرقمية شائعة الاستخدام في الجيش، فإن هذه الإمكانية ستحدث "ثورة في السوق"، بحسب باشي. وعند سؤاله عن دمج تقنيات التعرف على الوجوه بالنظام، أجاب بأن "قدرات كهذه موجودة بالفعل، وهناك إمكانية للتعرف على أنماط وأجسام ضمن مقاطع الفيديو".

نظام قائم على الحاجة للمعرفة
وحدة "متسفن"، المسؤولة عن تطوير البرمجيات، تتبع وحدة "لوتيم" المسؤولة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تضم "متسفن" مئات الجنود تحت قيادة باشي منذ نهاية العام الماضي.
تشكل "لوتيم" الذراع التكنولوجي-العملياتي لفيلق القيادة والسيطرة والاتصالات والحوسبة والاستخبارات (C4I) في الجيش.

وقد تم تطوير المشروع الجديد بالتعاون مع وحدة "ممرم" (البنية التحتية المركزية للحوسبة في الجيش)، وإدارة التحول الرقمي العسكري، ووحدة "معوف" للأمن السيبراني التابعة للوتيم، إلى جانب وحدات أخرى في سلاح الـC4I.

تشرف "متسفن" أيضًا على مدرسة علوم الحاسوب العسكرية، وعلى تدريب المبرمجين ومختبري البرمجيات في الجيش، بالإضافة إلى تدريب المحللين المعلوماتيين الذين سيكونون حلقة الوصل بين "مصنع المعلومات" والقادة الميدانيين.

يقول باشي: "المحلل الجالس إلى جانب القائد العملياتي سيضع مصنع المعلومات في خدمته، مما يمكّن الأشخاص الذين لم يتلقوا تدريبًا عميقًا كمحللي معلومات من الحصول على إجابات".
وأضاف: "هذه ديمقراطية للمعلومات — إدراك أن كل الجيش يمكنه الاستعلام من قاعدة البيانات. وفي وقت لاحق من هذا العام سنشعر بالتأثير الكبير لذلك".

دمج الخرائط والذكاء الاصطناعي
واحدة من الأنظمة التي ستتم مزامنتها مع النظام الجديد هي "MapIt"، الذي يعرض المعلومات العملياتية على الخرائط.
قال باشي: "مع نهاية العام، ستكون لدينا القدرة على عرض MapIt على شاشة واحدة مع جميع طبقات المعلومات ذات الصلة لتعزيز الوعي الميداني للوحدات. سيتمكن القائد من طرح أسئلة حول كل المعلومات العملياتية المتراكمة، وفي حال وجود معلومات مدنية أو مفتوحة مرتبطة، سيتمكن من الربط بينها".

وعند سؤاله عما إذا كان قلقًا من نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي في المعركة، أجاب: "نحن حذرون للغاية في إدخال التقنيات الجديدة. بدايةً، نستخدمها للبحث عن المعلومات والاستفسارات الأقل حساسية زمنياً، حيث يرى كل شخص فقط ما هو مخول له برؤيته".
وتابع: "لاحقًا سننتقل إلى دعم اتخاذ القرار. في النهاية، نحن بحاجة إلى القادة للجانب الأخلاقي، ولا يمكن استبدال الخبرة التي راكموها. ونحن حذرون جدًا من الادعاء أن النظام سيحل محل قرار القائد".

وختم باشي بالحديث عن الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي التفاعلي (Agentic AI)، الذي يعتمد على قدرات تفكير متقدمة لحل المشكلات دون إشراف بشري دائم، قائلاً: "هذا مجال بدأنا للتو في دراسة كيفية دمجه، وسيتطلب منا مراجعة دقيقة من منظور أخلاقي ودقة التنفيذ".

 
 

 

 


المصدر: هأرتس

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور