الثلاثاء 27 أيار , 2025 10:05

تعيين رئيس الشاباك: نتنياهو في مواجهة مع القضاء؟

في خضمّ صراع سياسي داخلي، وعزلة دولية متزايدة، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعيين اللواء ديفيد زيني رئيساً جديداً لجهاز الأمن العام (الشاباك)، وهي خطوة لم تمرّ بهدوء كما أراد لها. حيث اعتبرتها المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، "غير قانونية"، مستندة إلى تضارب مصالح واضح، اذ إن زيني سيكون مسؤولاً عن جهاز يحقق في قضايا تمسّ دائرة نتنياهو المباشرة. لكن هذه الخطوة ليست مجرد جدل قانوني، بل تكشف عن استراتيجية سياسية أكثر تعقيداً تتجاوز مجرد السيطرة على جهاز أمني.

منذ سنوات، يخوض نتنياهو معركة طويلة مع المنظومة القضائية، غير أنه منذ 7 تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2023، ومع بدء الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، اتسعت رقعة المواجهة لتشمل مستويات ومؤسسات عدة داخل الكيان. فالحرب منحت الحكومة ذريعة لتوسيع صلاحياتها، وأعطت لنتنياهو هامشاً واسعاً للمناورة وتحريك الأجهزة الأمنية وفق ما يراه مناسباً بشكل منفرد في اغلب الأحيان. غير أن تعيين رئيس الشاباك الجديد في هذا السياق جاء بمثابة تحدٍّ مباشر للمحكمة العليا، التي سبق أن اعتبرت قرار إقالة سلفه، رونين بار، غير قانوني.

تستند المستشارة القضائية في موقفها إلى أمرين أساسيين: الأول، أن نتنياهو، باعتباره متورطاً سياسياً وشخصياً في ملفات يجري الشاباك التحقيق فيها، لا يمكنه قانوناً تعيين رئيس للجهاز؛ والثاني، أن القرار يخرق بشكل مباشر توجيهات المحكمة العليا، وهو ما يُعدّ سابقة خطيرة في السياق القانوني الإسرائيلي. بهذا المعنى، فإن التعيين لم يعد مجرد مسألة مؤسساتية، بل تحوّل إلى اختبار قدرة القضاء الإسرائيلي على مواجهة سلطة تنفيذية تتصرف بمعزل عن الرقابة.

ردود الفعل داخل الحكومة كشفت النوايا الحقيقية خلف التعيين. وزير الاتصالات، شلومو كارعي، لم يتحدث عن الكفاءة أو الضرورات الأمنية، بل اعتبر أن منع نتنياهو من التعيين "يمسّ بأمن الدولة"، وطالب بإقالة المستشارة القضائية. أما وزير التراث، عميحاي إلياهو، هاجم "البيروقراطية القضائية"، في خطاب يعكس نهجاً ثابتاً لدى حكومة اليمين المتطرف في تحويل القضاء إلى عدو داخلي.

في المقابل، فإن هذه التصريحات لا تعكس فقط رفضاً للمساءلة القانونية، بل تفضح نية الحكومة في استغلال حالة الحرب لتصفية خصومها داخل مؤسسات الكيان. فالتعيين في هذا التوقيت الحساس لا ينفصل عن سعي نتنياهو لحماية نفسه سياسياً وقضائياً.

يرى مراقبون في الداخل الإسرائيلي أن الحرب المستمرة لأكثر من سنة ونصف لم تعد مجرّد معركة عسكرية، بل غطاء سياسي لتمديد ولاية نتنياهو. وفي ظلّ تآكل شعبيته، وتزايد الانتقادات داخل المؤسسة العسكرية، واحتدام النقاش بشأن "اليوم التالي" في غزة، يبدو أن إطالة أمد الحرب بات خياراً استراتيجياً بالنسبة لرئيس الحكومة.

تعيين زيني، في هذا السياق، يوفّر لنتنياهو شريكاً أمنياً أكثر توافقاً مع أجندته السياسية. ليس المطلوب من رئيس الشاباك المقبل أن يكون فاعلاً أمنياً فحسب، بل أن يكون جزءاً من شبكة الولاء السياسي، التي يسعى نتنياهو لتوسيعها، حتى داخل أجهزة يُفترض أن تكون محايدة.

الخطورة لا تكمن فقط في تعيين غير قانوني، بل في الانعكاسات بعيدة المدى على مؤسسات الكيان. فمحاولة إخضاع الشاباك لاعتبارات سياسية يقوّض أحد آخر الخطوط الدفاعية عن النظام المؤسساتي في إسرائيل. وإذا ما تم تمرير هذا التعيين، فإن الرسالة واضحة: حتى أكثر الأجهزة حساسية أصبحت خاضعة لميزان الولاء الشخصي.

هذا التآكل في الثقة المؤسسية لا يقتصر على الشاباك. فقد سبقته محاولات لترويض المحكمة العليا، والهجوم المتكرر على الإعلام، وملاحقة ما يسمى "المجتمع المدني"، وهو ما يجعل من إسرائيل، بنظر بعض المحللين، "دولة تتحرك بثبات نحو حكم الفرد"، على حد تعبير الصحفي الإسرائيلي نحوم بارنيع في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

إن تعيين ديفيد زيني ليس مجرد قرار وظيفي أو خلاف مؤسساتي داخلي. إنه لحظة كاشفة في مسار الصراع على هوية النظام السياسي الإسرائيلي. فبين مَن يدافعون عن استقلال القضاء، ومن يسعون لتحصين السلطة التنفيذية من المساءلة، يبدو الكيان في مفترق طرق خطير.

وبينما ينشغل العالم بجرائم الحرب في غزة، يجري على الضفة الأخرى من المشهد صراع داخلي لا يقل خطورة، قد يكون له تأثير عميق على طبيعة النظام الإسرائيلي ذاته، وربما على مستقبل نتنياهو أيضاً.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور