بعد العدوان العسكري الذي شنه ترامب على إيران، والذي لم يحقق سوى نتائج مؤقتة وغير حاسمة. نشر موقع "ذا ناشيونال انترست" مقالاً ترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، ويتناول فكرة مفادها أنه وبالرغم من الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، إيران مستمرة في تطوير برنامجها النووي، مما يجعل الخيارات مفتوحة على احتمالات التصعيد المستمر. المقال يؤكد أن الحل الحقيقي لا يكمن في استمرار الهجمات العسكرية التي لا تنهي التهديد، بل في ضرورة إيجاد اتفاق نووي جديد يراعي مصالح الأمن الإقليمي مع "مراقبة مشددة لتقييد تخصيب اليورانيوم". وهذا يتطلب دعوة ترامب ومن يدعمون نهجه أن يتبنوا موقفاً أكثر حكمة ومرونة بعيداً عن السياسات العسكرية التي تزيد من التوتر وتهدد الاستقرار في المنطقة.
النص المترجم:
رغم المكاسب العسكرية، يواجه ترامب وقف إطلاق نار هشاً مع إيران. ومن دون إبداء مرونة بشأن تخصيب اليورانيوم، فإنه يخاطر بتجدد الصراع أو الدخول في دوامة مكلفة سياسياً من الضربات المستمرة وانعدام الاستقرار.
وقد بلغت الحملة ذروتها في 21 يونيو حين شنّت الولايات المتحدة هجمات عبر طائرات "بي 2" مستخدمة أقوى القنابل الخارقة للتحصينات التي لا تمتلكها "إسرائيل".
هل كان القصف الأميركي لإيران ناجحاً بالفعل؟
رغم ما يبدو من "نجاح" الحملة العسكرية، إلا أن هذا النجاح لم يؤدِّ إلى تحقيق توازن مستقر، وهي حقيقة يبدو أن ترامب إما ينكرها أو يحاول التعتيم عليها، رغم اعترافه بأن استئناف المفاوضات مع طهران سيكون ضرورياً. ففي تصريح له في لاهاي خلال قمة الناتو بتاريخ 25 حزيران/يونيو، قال ترامب: "سنتحدث معهم الأسبوع المقبل، مع إيران. ربما نوقّع اتفاقاً، لا أدري. بالنسبة لي، لا أعتقد أن الأمر ضروري للغاية".
وعندما سُئل عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستوجه ضربات جديدة في حال أعادت إيران تفعيل برنامجها للتخصيب، أجاب ببساطة: "بكل تأكيد".
يُعزى جانب من ارتباك إدارة ترامب حالياً إلى تسريب تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية (دي أي اي) في 24 حزيران/يونيو، أشار إلى أن الضربات الأميركية لم تُدمّر المعدات الأساسية في المنشآت النووية الإيرانية، بل أدت فقط إلى تأخير البرنامج لبضعة أشهر. كما أن إيران كانت قد نقلت جزءاً كبيراً من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى خارج المجمعات النووية الثلاثة المستهدفة، ما ساهم في حمايته من القصف.
كان تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية (دي أي اي) تقريراً أولياً، ومع ذلك، فإن ما ورد فيه ينسجم مع ملاحظات طالما أثارها المحللون المشككون في جدوى الحل العسكري لملف إيران النووي، وهي أن حملة قصف قصيرة لا يمكن أن توقف البرنامج الإيراني بشكل حاسم.
النائب الديمقراطي مايك كويغلي عن ولاية إلينوي، صرّح لصحيفة "واشنطن بوست" في 25 حزيران/يونيو بأنه "لطالما قيل له من قبل مسؤولين استخباراتيين أميركيين أن أي هجوم جوي على المنشآت النووية الإيرانية لن يُحدث أثراً دائماً"، مرجحاً أن الضرر المحدود هو السبب وراء تأجيل إدارة ترامب الإحاطة السرية المقررة للكونغرس في ذلك اليوم.
وقد بلغ مستوى الدفاع عن الرواية الرسمية حداً دفع المكتب الإعلامي في البيت الأبيض إلى إصدار بيان صادر عن هيئة "الطاقة الذرية الإسرائيلية" يفيد بأن البرنامج النووي الإيراني "تأخر لسنوات عديدة"، وهو البيان الذي تم تعميمه سريعاً من قِبل مكتب نتنياهو. تجدر الإشارة إلى أن هذه الهيئة ليست معنية عادةً بتقييمات الأضرار الحربية أو بإصدار بيانات علنية، ما يدلّ على أن البيان ربما تم استدراجه بطلب من واشنطن.
إيران لا تزال متمسكة بإعادة بناء مواقع التخصيب النووي
بعيداً عن الأسئلة الفورية المتعلقة بالصورة السياسية والمعلومات الاستخباراتية، أوضحت إيران بشكل لا لبس فيه أنها عازمة على إعادة بناء برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وهذا يعني أن "الهدنة" الحالية قد لا تدوم طويلاً، إذ إن استئناف أنشطة التخصيب سيستدعي ضربات إسرائيلية أو أميركية جديدة خصوصاً إذا ما اقترن ذلك بمحاولة رفع نسبة التخصيب من 60% إلى مستوى يصلح لصناعة الأسلحة.
أما الرئيس ترامب، فقد أقر بضرورة التوصل إلى اتفاق يحدّ من الأنشطة النووية الإيرانية المستقبلية، لكنه تناول الأمر بخفة في مؤتمر صحفي على هامش قمة الناتو في 25 حزيران/يونيو.
ماذا سيحدث عندما يجتمع المسؤولون الأميركيون والإيرانيون؟
رغم ما تعرضت له إيران من ضربات، فإنها لم تُهزم، ولا تزال تمتلك أوراق ضغط مهمة أبرزها احتفاظها بمخزون من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة جداً من الدرجة العسكرية من حيث وحدات العمل الانفصالي المطلوبة للوصول إلى النقاء التام. علمياً، فإن عملية التخصيب تصبح أسهل كلما زادت النسبة، وتتم بشكل متسارع على مقياس لوغاريتمي. وفي حال تمكنت إيران من إنشاء سلسلة أجهزة طرد مركزي سرية، يمكنها في أي وقت تنفيذ اختراق نووي يمكّنها من إنتاج رأس حربي نووي في نهاية المطاف.
كما أن إيران لا تُظهر أي بوادر على وجود انتفاضة داخلية ضد النظام، رغم أن العديد من مؤيدي العمل العسكري كانوا يراهنون على "هشاشة" النظام وسرعة انهياره. "الهدنة" الحالية صامدة، لكنها لا تمثل حالة استقرار دائم، بل توازن هشّ ومؤقت.
الرئيس ترامب سيكون بحاجة إلى دفع إيران إلى قبول قيود نووية جديدة، من خلال مفاوضات لن تكون أحادية الاتجاه، على عكس ما يوحي به تفاؤله الظاهري في تصريحاته العلنية. ويُتوقع أن تُصرّ إيران على الاحتفاظ بحقها في التخصيب، حتى وإن كان ذلك ضمن شروط صارمة وتحت رقابة مشددة.
ماذا لو تمسكت إدارة ترامب بموقف "لا تخصيب"؟
إذا أصرّت إدارة ترامب على موقفها المتصلب الرافض لأي شكل من أشكال التخصيب النووي الإيراني، فإن المحادثات المرتقبة ستنهار مجدداً، وسيُعاد فتح باب المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من جهة، وإيران من جهة أخرى، وغالباً في غضون أشهر لا سنوات.
وقد بات واضحاً الآن أن "إسرائيل"، وليس واشنطن، هي من بات يحدد متى يتم تجاوز الخط الأحمر الذي يستدعي التدخل العسكري، بعدما أرست سابقة واضحة في هذا الاتجاه. ومع ذلك، ستواصل الولايات المتحدة توفير القدرات والدعم العسكري عند الحاجة.
ما يواجهه ترامب هو خيار بين التنازل عن كبريائه وقبول اتفاق نووي شبيه باتفاق عام 2015، أو الانجرار إلى سيناريو "جز العشب" الذي توقعه المتشككون في الحلول العسكرية كنتيجة محتملة.
ومع ذلك، كان من اللافت أن غالبية الأمريكيين يعارضون بالفعل أي عمل عسكري ضد إيران، حيث أظهر استطلاع رأي لـ "سي إن إن" بعد الضربات الأمريكية نسب تأييد بلغت 44% مقابل رفض 56%. ولم يكن هناك أي تأثير "التفاف حول العلم" المعتاد في بداية العمليات العسكرية الأمريكية.
حتى بين الجمهوريين، عبّر 44% فقط عن دعم قوي للعمل العسكري الأمريكي، مما يوضح أن جزءاً كبيراً من قاعدة ترامب الانتخابية (ماغا) ترى هذا الانخراط على أنه خروج عن مبدأ "أمريكا أولاً".
سيكون من الحكمة لترامب أن يتبنى نظرة بعيدة المدى في هذا الملف. لكن إذا واصلنا طريق الإجراءات العسكرية المتكررة لتعقب جهود إيران النووية السرية، فمن المتوقع أن يتحول هذا الملف إلى عبء سياسي ثقيل على ترامب والجمهوريين مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي 2026 ورئاسة 2028.
المصدر: The National Interest
الكاتب: Greg Priddy