الأربعاء 06 آب , 2025 03:43

يوم سقوط لبنان

مجلس الوزراء اللبناني

بعد وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية في 27 / 11 / 2024 ميلادية، وعلى قاعدة قرار مجلس الأمن رقم 1701، وفي ظل وجود تفاهم ضمني خارج الاتفاق العلني، بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وموافقة ضمنية عملانية للدولة اللبنانية بحسب التجربة طيلة حوالي عشرة أشهر، حصلت إسرائيل على:

1 - إمهال مدة 60 يوماً، مددت حتى 80 يوماً. للعمل على تنظيف المنطقة الجغرافية في جنوب لبنان والتي صارت تُعرف بقرى وبلدات الحافة الأمامية للجبهة الشمالية للكيان الإسرائيلي، من حزب الله ومنشآته وسلاحه. وتثبيت منطقة عازلة فارغة مدمرة وبقوة النار من المباني والسكان.

2 - إعطاء الجيش الإسرائيلي حرية الحركة البرية والجوية والبحرية، للقيام باستهداف عناصر وأماكن وعتاد حزب الله، على كامل مساحة الجغرافية اللبنانية، تحت ذريعة منعه من التعافي ومن إعادة ترميم قدراته.

3 - تفسير أُحادي الجانب للقرار 1701، بأنه يشمل كافة الأراضي اللبنانية وليس فقط جنوب نهر الليطاني.

4 - احتلال 5 - 7 نقاط جغرافية بمساحة من 12 -18 كلم مربع، حاكمة على مجمل الجنوب وصولاً إلى مدايات أوسع ومتقاطعة مع نقاط أخرى في مزارع شبعا والجهة السورية من جبل الشيخ، لتشكل مجتمعة شبكة تحكم إستراتيجية للمنطقة كلها وليس فقط لبنان.

الحصيلة الرسمية للعدوان المستمر على لبنان:

خلال عشرة أشهر بلغ حجم الاستباحات الإسرائيلية في حصيلة رسمية للخروقات الصهيونية منذ اعلان وقف اطلاق النار مع لبنان فجر 27 - 11 - 2024 وحتى صباح 5 - 8 - 2025 :

- خرق بري 1918

- خرق جوي 2203

- خرق بحري 126

- المجموع: 4247 خرقًا وعدوانًا

- عدد الشهداء 230

- عدد الجرحى 477

سقوط القناع:

وخلال عشرة أشهر:

1 - تبيّن أن الدولة اللبنانية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة + حلفاؤهما) متماشية مع التفسيرات الأميركية والإسرائيلية في تفسير القرار 1701، وبالتالي السكوت عن استمرار العدوان، وإعطاءه التبريرات المنقولة عن هذه التفسيرات. بل نظمت الدولة اللبنانية أولوياتها بحسب ما يردها في الأوراق الأميركية والمبعوثين الأميركيين.

2 - وبعد عشرة أشهر من التزام حزب الله بكامل بنود القرار 1701 جنوب نهر الليطاني، وصبره على العدوان المستمر، وأداءه الإيجابي في إعادة بناء الدولة (الاستحقاقات الدستورية)، وتسهيل مهامها، وتقديمه كل التبيينات حول التفسيرات الصحيحة للقرار 1701 من خلال نصه الواضح، وعن ضرورة التزام الدولة بالأولويات التي وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفي البيان الوزاري (تحرير الارض والأسرى والإعمار ووقف العدوان.. إلخ) قبل فتح ملف سلاح حزب الله.

وبعد عشرة أشهر من أداء ملتبس للدولة اللبنانية، وأداء خاضع للإملاءات الأميركية، ومن تجاهل العدوان والقتل واستباحة السيادة ومن تجاهل الاحتلال. لم تتوافق هذه الدولة مع حزب الله على برنامج الأولويات اللبنانية المفترض. وظلت متمسكة ببرنامج الأولويات المُعطى لها على شكل ورقة تهديد وابتزاز (وعود جوفاء بالمساعدات والرفاه الاقتصادي) أميركية في أسوء مظاهر لفقدان السيادة وللتفريط بالحقوق الوطنية وللرضوخ والاستسلام للمطالب الإسرائيلية، وحتى من دون أي ضمانات ولو كلامية عن تطبيق إسرائيل للمطالب التي وردت وقيلت على لسان رئيسي الجمهورية والحكومة. بل أن الولايات المتحدة تبرأت من دورها الراعي لتطبيق القرار 1701، و من دورها في الضغط على إسرائيل وعلى العكس فقد أعلنت وبشكل رسمي وعلني على لسان مبعوثيها إلى لبنان عن كامل التبرير والحق والحرية في التصرف بالتحكّم بالتصعيد اتجاه لبنان لإسرائيل. وعن أن اتفاق وقف إطلاق النار على قاعدة القرار 1701 قد فشل، وعلى لبنان التفاوض على اتفاق جديد، مع كل ما يعنيه هذا الموقف من انقلاب على الاتفاقات الدولية وإدخال لبنان في بازار تسويات وتنازلات واستسلام، بعدما يتخلى عن أوراق قوته وحقوقه المشروعة.

سقوط لبنان في الفخ:

 بعد عشرة أشهر وفي جلسة مجلس الوزراء للحكومة اللبنانية عصر يوم الثلاثاء الموافق في 5 / 8 / 2025. وكان قد سبقه خطاب لرئيس الجمهورية في مناسبة العيد ال 80 للجيش اللبناني يوم 31 / 7 / 2025، انقلبت الحكومة على خطابي القسم والبيان الحكومي الذي أخذا الثقة على أساسهما، وقلبت الحكومة الطاولة في وجه الطائفة الشيعية ونسفت كل شيء، وتنصلت من كل حوار وثوابت مُتفاهم عليها. وأخرجت الورقة الأميركية والتزمت بها وأعلنت نفير الحرب على حزب الله إرضاءً لأميركا وإسرائيل. وأدخلت لبنان في مرحلة جديدة عنوانها تنفيذ الدولة اللبنانية المهمات المطلوبة منها أميركياً وإسرائيلياً غير آبهة لأية تداعيات لهذا المسار، وكاشفة عن حقيقة موقفها المُتخاذل والأجير للخارج على حساب الوطن. وطلبت من الجيش اللبناني تقديم خطة لمجلس الوزراء لنزع سلاح حزب الله في مدة أقصاها آخر الشهر الثامن من هذا العام، وتنفيذها بعد الموافقة عليها في مهلة لا تتعدى آخر عام 2025 .

مسار خطة الرضوخ المتوقعة:

 بعد عشرة أشهر كسرت الدولة اللبنانية حاجز التخفي وأعلنت أول مطالبها. وسوف تواصل بعد الابتعاد والاصطفاف على الجانب الآخر من المصلحة الوطنية اللبنانية، مطالبها وإجراءاتها لتقييد وإضعاف دور حزب الله السياسي داخل التركيبة اللبنانية، بدءاً من محاولات إغلاق لمؤسساته الرعائية لبيئة المقاومة وتقييد إعلامه ومحاصرة تمويله ونزع شرعيته، وصولاً لمحاولة إحداث انقلاب ضده في الانتخابات النيابية القادمة العام المقبل، وإخراجه من المشهد الحكومي.

بهدف دفع بيئة حزب الله الاجتماعية لأن تفقد رهانها عليه وتذهب للرهان على الدولة لتحصيل فتات الخدمات تحت سوط الابتزاز.

المخاطر المُحدقة بالوطن اللبناني:

إن رضوخ الدولة اللبنانية لحملة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، و التزامها بالسير في خطوات برنامجهما المعادي للمصلحة الوطنية اللبنانية، سيضع لبنان في مخاطر محدقة و مصيرية، يمكن تلخيصها بالتالي:

1 - مخاطر وجودية:

- تهديد أركان ما قام عليه الوطن اللبناني من العيش المشترك، والتوافق. وبالتالي تهديد السلم الأهلي ووحدة الجيش والمؤسسات، بدل أن يبقى وطناً نهائياً لجميع أبنائه.

- ترسيم الحدود المشتركة مع سوريا والكيان الإسرائيلي، مما سيفقده قسم من أراضيه (مزارع شبعا ومناطق بحرية كنموذج).

2 - مخاطر سياديّة:

- خسارته المفهوم السيادي نصاً وروحاً، بسبب رضوخه لمطالب البنك الدولي وللإصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة منه في إطارها. و التي تحاكي التحكم بالسياسات السيادية اللبنانية الاقتصادية البنيوية والخيارات السياسية للدولة اللبنانية نتيجة لذلك .

- إن دخوله في مسار السلام والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، سيجعل منه مكشوفاً ومستباحاً ومعرضاً لمختلف الأطماع التوسعية الإسرائيلية والمخططات التفتيتية، فضلاً عن سرقة مياهه والتحكم بمقدراته وحركته وتشكيل مؤسسات الحكم فيه، ووقوعه تحت الهيمنة الأمنية الصهيونية، ومصادرة دوره الاقتصادي و تبعيته للاقتصاد الصهيوني .

- ضياع هويته الثقافية والوطنية والسيادية في ظل مشروع الشرق الاوسط الجديد والديانة الإبراهيمية الجديدة، وإلحاقه بالمنظومات الجديدة لهذا الشرق المنشود وغيابه عن الخارطة كدولة مستقلة.

3 - مخاطر أمنية:

قال المحلل العسكري الإسرائيلي نوعم أمير نقلاً عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية:

"اسرئيل لن تنسحب أبداً من النقاط الخمس في لبنان وستواصل عمليات استهداف حزب الله رغم قرار الحكومة اللبنانية بتجريده من سلاحه".

لماذا العجلة الأميركية والإسرائيلية في حسم ملف نزع سلاح حزب الله:

القضاء على التهديدات الوجودية التي هي ضد إسرائيل، وعلى رأسها حركة حماس وحزب الله، هي إستراتيجية منهجية عند نتنياهو ضمن مفهومه للأمن القومي اليهودي.

كما أن القضاء على حماس يستهدف في عمقه القضاء على القضية الفلسطينية، كقضية جامعة وكقضية محل صراع عربي - إسرائيلي ولو بالشكل. والقضاء على تهديد حزب الله من خلفية إستراتيجية بعيدة المدى يستهدف قطع أقوى ذراع مُقاوم موجود على تماس جغرافي مباشر مع الكيان.

وعليه فإن الاستعجال الأميركي - الإسرائيلي لإنهاء ملف حزب الله بنزع سلاحه، يقف وراءه جملة من الأسباب والأهداف، منها:

1 - أن الانتهاء من هاتين القضيتين (حماس وحزب الله)، هو بمثابة تشريع فتح الأبواب على مصراعيها، للإعلان عن التطبيع السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي العربي مع العدو.

2- هو ما يتقاطع مع المشروع الأميركي في إنهاء كل العقبات التي تقف في وجه تمدد الهيمنة والسيطرة في كل المنطقة وطمس هويتها الثقافية وإلغاء الدين والتوحد تحت مظلة القطب الواحد الأميركي بذراعه المتقدمة الإسرائيلية.

3 - لن يحصل تقدم في ملف بسط النفوذ ولا التطبيع ولا الديانة الجديدة، طالما بقيت القضية الفلسطينية موجودة ورافعتها في المنطقة موجودة.

وعليه تنصب الجهود نحو احتلال كامل لغزة وضم الضفة وإنهاء ملف حزب الله، في المرحلة الأولى. مع تثبيت الوضع السوري على وضعية قادرة على الاستمرار.

طبعاً لكل طرف مصالحه الخاصة في قضايا مثل هذه: سواء الإسرائيلي أو السعودي أو التركي أو غيرهم.. والدور الأميركي هو المظلة التي تقود الجميع في إطار تأمين مصلحة كل طرف بما يتماشى مع السياق العام لخطته في المنطقة.

في مرحلة ثانية سيعاد فتح ملف العراق وإيران وملفات الممرات والمعابر البرية والمائية لأنها عنوان لإحكام الإطباق على الجغرافيا الاقتصادية وإضعاف الخصوم.

4 - أن عدم تحقيق الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل نتائج حاسمة لحربهما الممتدة لنحو من سنتين على حماس وحزب الله، في مدى زمني معقول لا يتجاوز بحده الأقصى عام، سيعرض كل نتائج هذه الحربين السابقة إلى الضياع وبالتالي ستنقلب ضدهما.

حيث يكون حزب الله قد تعافى، واشتدت شوكته من جديد، وفرض نفسه لاعب أساسي في الدولة اللبنانية. وتكون حماس عاشت وفرضت وجودها في مستقبل غزة.

وتذهب مع هكذا انقلاب في النتائج إستراتيجية نتنياهو الأمنية ومشروعه للبقاء في الحكم لفترة ممتدة. وتذهب معها أيضاً تطلعات أميركا في تغيير وجه الشرق الأوسط من بوابة فلسطين ولبنان .

لماذا الدور السعودي:

في ظل الجدل غير المحسوم حول اقتراب حرب إسرائيلية على لبنان من عدمه وبسبب الظروف الحالية للجيش الإسرائيلي.

وفي ظل أن فشل عهد الحكم في لبنان قد يكون خيار سيء للإدارة الأميركية التي تعلم أن دولة قوية في لبنان هو التحدي الأكبر لحزب الله ودولة ضعيفة في لبنان هو خيار إنعاشي للحزب. تقوم حالياً الولايات المتحدة الأميركية، عبر السعودية بممارسة أقصى الضغوط والتهديد بأقصى العقوبات على هذا العهد في سبيل تحقيق هدف نزع تهديد حزب الله للمشروع ووضعه في خانة إلغاء الدور في التركيبة والسياسة الداخلية للبنان.

وهذه خطوه ضمن خطوات لاحقة ستعمل على فتح مسارات نحو إغلاق مؤسسات الحزب الرعائية..

السعودية تقوم بهذا الدور الضاغط أميركياً، كونها الأقدر في هذه اللحظة على الدخول في تفاصيل التشكيلات اللبنانية لمجمل الأطراف وممارسة ضغوط مالية وعقابية وطائفية. وهي الأقدر على فهم تناقضات اللبنانيين ونزعاتهم ومصالحهم الضيقة، وهي الأقدر أيضاً على التعامل معها، وعلى إيصال رسائل الضغط والابتزاز، لحيثيتها السنيّة والمالية التي تدعم بها العديد من الأطراف اللبنانية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: إبراهيم شمس الدين




روزنامة المحور