لا تزال نتيجة الاعتداء الأمريكي على منشأة فوردو النووية في الجمهورية الإسلامية، محطّ بحث وتحقيق العديد من الجهات الإعلامية والاستخباراتية وغيرها. وفي هذا السياق يستعرض هذا المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، لماذا يصعب تحديد حجم الضرر الذي ألحقته الضربات الأمريكية بموقع فوردو النووي تحت الأرض؟ مؤكّدة بأن السبب نفسه لصعوبة الإجابة عن هذا السؤال، هو أنه كان من الصعب استهداف هذه المنشأة أصلاً لشدة الغموض المحيطة بهذه المنشأة وتفاصيل أقسامها وأعماقها.
النص المترجم:
في 22 حزيران / يونيو شنّت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً على منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، المطمورة عميقاً داخل جبل، مستخدمة أعمق قنبلة تقليدية خارقة للتحصينات طوّرتها حتى الآن.
استهدف الهجوم الأميركي فتحات التهوية في الموقع، حيث أُصيبت كل فتحة بسلسلة من 6 قنابل من طراز GBU-57، ما أدى إلى تكسير طبقات الصخور والخرسانة التي تحمي المنشأة تحت الأرض.
وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إن القنابل على الأرجح لم تصل إلى القاعات التي تضم أجهزة الطرد المركزي الحيوية للبرنامج النووي الإيراني، مشيرين إلى أن الهدف كان تدميرها عبر الموجات الصدمية والتأثيرات الثانوية للانفجارات.
الصخور، بما فيها تلك التي يُرجح وجودها في فوردو، كما أوضح ريان هيرلي، أستاذ الهندسة الميكانيكية المساعد في جامعة جونز هوبكنز وخبير في سلوك الصخور تحت الظروف القصوى، تُقدَّر عمقها بين 260 و360 قدماً. وأوضح أن التشققات التي تُحدثها الضربة الأولى قد تسمح للقنابل اللاحقة بالتوغل أعمق، لكن مدى هذا التأثير يصعب التنبؤ به. وأكد هيرلي وخبراء آخرون أن تقدير الأضرار بدقة مستحيل من دون محاكاة حاسوبية متقدمة وبيانات سرية من اختبارات واقعية، إضافة إلى معرفة سرعة وشكل القنبلة وبنية فوردو وجيولوجيا المنطقة.
فتحات التهوية
عندما بحث المخططون عن نقاط ضعف في هيكل فوردو، ركّزوا على فتحات التهوية التي تفتح على سفح الجبل فوق المخبأ، لتجنب محاولة اختراق الصخور الصلبة فوق المنشأة. وأوضح مسؤول بوزارة الدفاع أن هذه الفتحات لا تنزل عمودياً بشكل مستقيم، بل تتعرج في البداية، ما يعني أن المسار المباشر نحو المخبأ يبدأ فقط قرب النهاية.
ووفق إفادة للبنتاغون في 26 حزيران / يونيو، فإن كل فتحة تنتهي بشكل ثلاثي الرؤوس، وكان المخطط أن تُزال الغطاءات الخرسانية بقنبلة واحدة، ثم تُسقط خمس قنابل أخرى في الفتحة الرئيسية.
الجيولوجيا
يعتمد حجم الأضرار التي تُحدثها قنبلة GBU-57 على طبيعة الصخور عند نقطة الاصطدام. وأشارت دراسة جيولوجية إيرانية نشرتها جامعة طهران عام 2020 في مجلة Geopersia إلى أن صخور المنطقة تتكون في الغالب من الإغنيمبريت، وهو نوع من الصخور البركانية.
وقال يزهق مكوفسكي، أستاذ مشارك في علوم الأرض بجامعة حيفا، إن الإغنيمبريت مادة سهلة الحفر، مذكراً بأن المساكن القديمة تحت الأرض في كابادوكيا بتركيا حُفرت في هذه الصخور. ورغم أن صلابتها الدقيقة في فوردو غير مؤكدة، إلا أنها على الأرجح سهّلت بناء المخبأ. وأضاف أن مساميتها قد تُخفف من تأثير الموجات الصدمية، تماماً كأكياس الرمل حول القلاع القديمة.
وأكد نِك غلومك، أستاذ الهندسة والمتفجرات بجامعة إلينوي، أن الإغنيمبريت أو "التف البركاني" معروف بقدرته الكبيرة على امتصاص طاقة الانفجارات، وهو من أفضل المواد في ذلك المجال.
المنشأة
قال مسؤول في وزارة الدفاع إن مجمّع فوردو مكوَّن من عدة طوابق، ما استدعى استخدام عدد أكبر من القنابل لتدمير أجهزة الطرد المركزي والمعدات الأخرى. وأضاف أن إيران، كونها منتجاً رئيسياً للخرسانة، قد تكون عززت المخبأ بخرسانة مخلوطة بألياف فولاذية دقيقة تزيد مقاومتها للانفجارات، وهي تقنية تُستخدم أيضاً في الولايات المتحدة لدعم الأنفاق. كما قد تُضاف صفائح فولاذية لامتصاص الصدمات ومنع تطاير الشظايا.
المفتشون الدوليون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشاروا في تقارير سابقة إلى وجود غرف سميكة الجدران وأبواب مقاومة للانفجارات داخل فوردو.
المتغيّرات
يبقى السؤال: إلى أي مدى تضررت فوردو؟ الجواب يعتمد على مدى قرب القنابل من قاعات أجهزة الطرد المركزي. فالمسؤولون الأميركيون يرجحون أن القنابل لم تصل إلى قلب المخبأ، لكنهم أشاروا إلى أن الهدف كان تدمير الأجهزة عبر الموجات الصدمية. وحتى لو لم تصل القنابل إلى الداخل، فإن انفجارها قرب الفتحات أو بجوار الجدران كان كفيلاً بإحداث أضرار كبيرة في البنية والمعدات.
وقال خبراء إن انفجاراً داخل المخبأ كان سيعطب المعدات بشكل كبير، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى انهيار كامل للمنشأة. وأوضح هيرلي أن اعتماد البنتاغون على دراسة دقيقة للجيولوجيا وفتحات التهوية يشير إلى أن الأضرار كانت "كبيرة جداً".
ويعكس ذلك الثقة المتزايدة لدى المسؤولين الأميركيين بأن الضربة ألحقت بفوردو أضراراً جسيمة ودمرت منظومة أجهزة الطرد المركزي. ومع ذلك، شدّد جون وولفستال، مدير المخاطر العالمية في اتحاد العلماء الأميركيين والمسؤول السابق في البيت الأبيض، على أن تقدير مدى تأخير الضربة للبرنامج النووي الإيراني يعتمد على طبيعة الموجات الصدمية ونتائج الانفجارات: فإذا كانت موجات صدمة فقط، قد تُستعاد بعض القدرات، أما إذا كانت انفجارات نارية مدمرة، فقد لا يُستعاد الكثير.
المصدر: نيويورك تايمز - Newyork Times
الكاتب: غرفة التحرير