الثلاثاء 28 تشرين أول , 2025 11:48

ما هو مستقبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة؟

رويترز

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مرحلة حرجة تُنذر بتحولها إلى اختبار تطول مدته، يعيد النظر فيه كاتفاق واقعي من شأنه حل الأزمات في القطاع. فبعد مرور أسابيع على دخوله حيّز التنفيذ، لا تزال بنوده الأساسية غير قابلة للتطبيق، وسط استمرار الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية الميدانية، وتباين الرؤى حول مستقبل القطاع، والجهة التي ستديره في "اليوم التالي".

تُظهر الوقائع أن كيان الاحتلال لم يلتزم بالحد الأدنى من استحقاقات المرحلة الأولى، إذ لم يُفتح معبر رفح أمام حركة الفلسطينيين، ولم تُستكمل ترتيبات دخول المساعدات الإنسانية، فيما تواصل قوات الاحتلال عمليات القصف والتوغّل داخل المناطق السكنية. هذا التعطيل المتعمد لتنفيذ البنود، يعكس رغبة إسرائيلية في إبقاء الوضع تحت السيطرة العسكرية، وتجنب أي التزامات سياسية قد تكرّس انتهاء الحرب رسمياً.

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى إدارة هذا الاتفاق هشّ لا ينهار بالكامل، لكنها لا تمارس ضغطاً كافياً على تل أبيب للوفاء بتعهداتها. فالإدارة الأميركية، التي تقود وساطة متعددة الأطراف، توازن بين هدفين متناقضين: الحفاظ على الاستقرار ومنع انفجار جديد في القطاع، وبين إبقاء مسار التطبيع الإقليمي مفتوحاً من خلال ترتيبات أمنية مؤقتة لا تتيح نشوء سلطة فلسطينية قوية ومستقلة في غزة.

في هذا السياق، يمكن رسم 3 سيناريوهات محتملة لمستقبل اتفاق وقف إطلاق النار ومسار غزة السياسي خلال المرحلة المقبلة.

-السيناريو الأول وهو إدارة الأزمة دون حلها والحفاظ على الوضع الميداني القائم. يرتكز هذا السيناريو على استمرار التهدئة الهشة دون تقدم سياسي حقيقي. تبقى إسرائيل ممسكة بالميدان عبر عمليات محدودة ومنطقة عازلة، بينما تتولى الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة تسيير الوضع الإنساني. ويُرجَّح أن يتواصل إدخال المساعدات بصورة انتقائية مرتبطة بمستوى الهدوء الأمني. هذا الخيار، وإن كان الأقل تكلفة على الأطراف، فإنه يكرّس الانقسام الفلسطيني ويؤجل الإعمار، ويحوّل الاتفاق إلى مجرد هدنة مفتوحة قابلة للانفجار في أي لحظة. ويُعد هذا السيناريو الأقرب للتحقق على المدى القريب، نظراً لتعدد القوى المتدخلة وغياب إرادة دولية فعلية.

-السيناريو الثاني: التقسيم المؤقت للقطاع تدفع الإدارة الأميركية وبعض القوى الأوروبية نحو صيغة "مناطق آمنة" تُدار بغطاء عربي-دولي، بحيث تُقسّم غزة إلى مناطق خاضعة لترتيبات أمنية، مع ربط الإعمار بمدى الالتزام بالضوابط الأمنية. هذا السيناريو يمنح إسرائيل سيطرة غير مباشرة، ويُضعف الدورين المصري والفلسطيني، فيما تُختزل عملية الإعمار في بعد اقتصادي من دون معالجة سياسية لجذور الصراع. وإذا ما تم تبنّيه فعلاً، فسيؤدي إلى واقع جديد يكرّس فصل غزة عن الضفة الغربية ويؤجل أي تسوية فلسطينية شاملة.

-السيناريو الثالث: مسار سياسي فلسطيني برعاية إقليمية يراهن هذا المسار على نجاح الوسطاء الإقليميين في التوصل لصيغة انسحاب إسرائيلي كامل، وفتح مسار تفاوضي فلسطيني داخلي يربط إعادة الإعمار بإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع تدريجياً. هذا السيناريو يفترض توافقاً وطنياً حقيقياً بين القوى الفلسطينية، وتوفير ضمانات عربية ودولية لعدم عودة الاحتلال إلى الميدان. إلا أن فرص تحقيقه تبقى محدودة بسبب الانقسام الداخلي وتباين حسابات العواصم المعنية، فضلاً عن الرفض الإسرائيلي القاطع لأي صيغة تُعيد توحيد القرار الفلسطيني.

ما بين هذه الاحتمالات الثلاثة، يبدو أن غزة تتجه نحو مرحلة انتقالية طويلة عنوانها "إدارة الأزمة"، حيث تتراجع خلالها العمليات العسكرية تقريباً لصالح صراع سياسي على طبيعة السلطة ومصادر التمويل وإعادة الإعمار.

إن مستقبل القطاع مرهون بمدى قدرة القوى الفلسطينية على تحويل وقف إطلاق النار من هدنة اضطرارية إلى اتفاق سياسي قابل للاستمرار، عبر توحيد الموقف الوطني ووضع حدّ للتجاذبات الداخلية. أما استمرار الانقسام وغياب الضمانات الدولية، فسيعني أن غزة ستظل عالقة في منطقة رمادية، لا هي حرب مفتوحة ولا سلام مستقر، بل حالة من اللاحرب واللاسلم تُدار بالوساطات والتمويلات الطارئة، إلى أن تنضج تسوية أكثر شمولاً للملف الفلسطيني بأكمله، وهذا بدوره سيحتاج مزيداً من الوقت.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور