الأربعاء 19 تشرين ثاني , 2025 09:02

كيف يشتري الجيش الإسرائيلي صمت أهالي الجنود القتلى

الجيش الإسرائيلي يبتز أهالي القتلى الإسرائيليين

في سياق التصعيد المستمر الذي تشهده المنطقة مع كيان الاحتلال وارتفاع أعداد القتلى في صفوف الاحتلال، يبرز جانب قليل التداول يتعلق بكيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع أهالي القتلى وهو نمط اتبعه جيش الاحتلال في الحروب الأخيرة مع غزة أو لبنان. حيث كشفت العديد من المصادر العبرية إضافة إلى تصريحات أهالي الجنود أن الجيش يعتمد على آليات مالية دقيقة لضمان صمت هذه العائلات، ما يعني أن الجيش الإسرائيلي يفرض الضغوط على مجتمعه بشأن التداول بأسماء القتلى والإفصاح عن سبب موتهم (أثناء القتال في لبنان مثلاً) ويهددهم بسحب التعويضات المالية منهم في حال تم الحديث عن الأمر دون موافقة المؤسسة العسكرية ما يترك تأثيراً نفسياً واجتماعياً على عائلات القتلى أو المفقودين.

آلية التعويضات والامتيازات

تقوم سياسة الجيش الإسرائيلي على ركيزة أساسية تجاه أهالي الجنود القتلى وهي التعويضات المالية المباشرة والامتيازات المرتبطة بها. حيث يوفر الكيان مبالغ مالية، إضافة إلى عقود تأمين وضمانات طويلة الأجل تشمل التعليم والرعاية الصحية، كوسيلة لدعم العائلات بعد فقدان أحد أبنائها. لكن استمرار هذا الدعم يترتب عليه شروط عديدة؛ منها الامتثال للصمت وعدم نشر أي تفاصيل قد تنتقد الجيش أو تكشف عن ظروف مقتل الجنود.

هذا الأسلوب بطبيعة الحال يشكل أداة ضغط حيث تصبح المبالغ المالية وسيلة للتحكم بالسلوك الاجتماعي، وترضخ العائلات بسببها للقبول بالأمر الواقع والحديث بإيجابية عن الجيش الإسرائيلي ومدى "أخلاقيته".

إلى جانب البعد المالي، يواجه أهالي الجنود ضغوطاً نفسية وإدارية تُجبرهم على الالتزام بالسرية. فعدم الامتثال قد يؤدي إلى فقدان المزايا، أو ظهور معوقات في الخدمات الحكومية الأخرى. هذا الإكراه يخلق حالة مزدوجة فمن جهة، يرغب أهالي القتلى في حماية امتيازاتهم، ومن جهة أخرى، يشعرون بأن أصواتهم ومطالبهم محجوبة أو مكبوتة.

النتيجة أن الكثير من العائلات تختار الصمت حفاظاً على المكاسب المالية، كذلك لتجنب الصدام مع المؤسسة العسكرية.

الانعكاسات النفسية والاجتماعية

الصمت المفروض له آثار بعيدة المدى على المجتمع الإسرائيلي. حيث تشير الدراسات إلى أن هذا الكبت النفسي يفاقم من شعور الحزن والغضب غير المعبر عنه، وقد يؤدي إلى اضطرابات عاطفية ونفسية مثل الاكتئاب والقلق. ويولد صراعاً داخلياً. بينما يساهم هذا الصمت في تعزيز صورة "المثالية" للجيش الإسرائيلي وتقليل النقاش العام حول خسائر الاحتلال البشرية على مختلف الجبهات.

الاستراتيجية المالية لا تقتصر على الضغط على الأفراد فقط، بل لها بعد سياسي واضح. عبر كبح أي انتقاد من أهالي الجنود، حيث يضمن جيش الاحتلال استمرار إخفاء المسؤولية المباشرة أو القرارات العسكرية المثيرة للجدل. فيضمن بذلك "الحفاظ على الدعم الشعبي للمنظومة العسكرية، وتقليل الدعوات لمراجعة السياسات أو لمساءلة القادة العسكريين". كما يضمن الجيش استمرار هيمنته على السردية العامة حول الحرب، بالتالي، يصبح المال وسيلة لإدارة الرأي العام الداخلي.

تفاوت المعاملة حسب المكانة

إضافة إلى ذلك، يظهر من خلال تركيبة وبنية المجتمع الإسرائيلي وجود تفاوت في التعويضات بين العائلات حسب مكانة الجنود أو إنجازاتهم العسكرية. فبعض العائلات تحصل على امتيازات أكبر لأن لها معارف أو مكانة، ما يخلق شعوراً بعدم المساواة في ذات المجتمع -وهذه الحالة تتكرر بكثرة سواء في ملف التجنيد أو أفضلية دخول الملاجئ في حالات الحرب-.

السياسة الإسرائيلية تجاه أهالي الجنود القتلى تكشف مدى تحكم الاحتلال بمجتمعه الذي بدأ بإظهار معاناته على العلن وكذلك بات الإسرائيليون يفضلون أن يرسلوا أولادهم إلى الخارج لا سيما الشباب كي لا يكونوا ملزمين بتنفيذ متطلبات الجيش التي أودت بحياة الكثير منهم.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور