السبت 06 تشرين ثاني , 2021 01:41

بريطانيا تملأ "فراغ" الولايات المتحدة في الشرق الأوسط!

ليس الحديث عن تدخلات بريطانية في الشرق الأوسط بالجديد، فللمملكة المتحدة تاريخ أسود في المنطقة بدأ مع الانتداب منذ عشرينيات القرن الماضي لاسيما لفلسطين والعراق بعد اتفاقية "سايكس – بيكو"، ولم تنسحب آنذاك الا بزرع الكيان الإسرائيلي بصفته الوكيل لمصالحها ومصالح المشروع الغربي الأمريكي.

وعلى الرغم من تغييب درورها، لو ظاهرياً، لصالح الولايات المتحدة الا أنها عادت لتلوّح بتدخلات مباشرة وغير مباشرة بعد ادعاء واشنطن انكفاءها عن المنطقة. ففي اليمن، استغلت المملكة المتحدة حادثة استهداف سفينة قرابة السواحل اليمنية لتدخل بقوات عسكرية علنية الى المهرة، وفي العراق تتسلّل للتحكّم بالمشهد السياسي عبر تزويرها لأصوات الناخبين في الانتخابات النيابية الشهر الماضي، وقد بدأ التحضّر البريطاني للتوغّل في لبنان من خلال تشكيل غرفٍ سوداء مشتركة مع دول عربية للتلاعب في الاستحقاق الانتخابي المقبل في آذار 2022.

وفي هذا السياق، مقال للمرکز التحليلي الخبري "ألف"، يعرض فيه مؤشرات تواجد المملكة المتحدة كـ "وكيل" عن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.   

المقال الكامل:

إن محاولة بريطانيا لكسب المزيد من النفوذ في المنطقة وتعميق علاقاتها مع دول منطقة الخليج الفارسي، إلى جانب مزاعم الولايات المتحدة بتقليص تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، تثير تساؤلات حول ما إذا كانت لندن تنوي الجلوس مكان واشنطن في المنطقة.  لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط، كمنطقة استراتيجية، ذات أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية، ولم تكن بريطانيا بعيدة عن هذا السياق.

تقوم سياسة بريطانيا الشرق الأوسطية عموماً على أساس مبدأين هامين: الصراعات الإقليمية والموارد الهائلة للطاقة. وبسبب التواجد المباشر العسكري للقوات الولايات المتحدة في المنطقة، لم يكن لدى الدول الأوروبية مساحة ملحوظة للمناورة في المنطقة. ولكن الآن بعد أن تحول تركيز السياسة الخارجية الأمريكية، وفقًا للإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن، إلى منطقة شرق آسيا، فإن خلق هذا الفراغ سيوفر فرصة لقوى مثل بريطانيا لارتقاء دورها للعب في منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي.

من ناحية أخرى، فإن دول منطقة الخليج الفارسي، تعتبر أن تراجع السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، يشكل نوعاً من الفراغ للقوة في هذه المنطقة، حيث ترى الأمن من نافذة تواجد القوى الأجنبية، بالتالي بتوجههم نحو دول مثل بريطانيا وفرنسا يسعون لملء هذه الفجوة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، لدى حزب المحافظين البريطاني علاقات عميقة ووثيقة مع الكيان الإسرائيلي، وتم تشكيل منظمة "الأصدقاء الإسرائيليين لحزب المحافظين" داخل الحزب حيث لديها فعاليات نشطة للغاية في هذا الشأن.

لذلك، لطالما كانت حماية أمن إسرائيل ومصالحها من أهم الأولويات الرئيسية لبريطانيا في المنطقة وتعد أحد دوافعها الرئيسية للتدخل في منطقة الشرق الأوسط.  في حين تؤكد بريطانيا على وجوب الاعتراف بوجود إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن دعمها لجرائم المحتلين بحق الفلسطينيين.

مع أن البصمات البريطانية وإن كانت أقل من الولايات المتحدة، شوهدت بشكل متفرق في العديد من الازمات وصراعات دول المنطقة بما في ذلك العراق وسوريا، إلا أن الدعم البريطاني للتحالف السعودي العدواني في جرائمه ضد المدنيين اليمنيين لا يخفى على أحد، لكن في ضوء التحركات البريطانية الأخيرة، يعتقد الخبراء أن المملكة المتحدة تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة. وجدير بالإشارة الى أن علاقات دول الخليج الفارسي مع بريطانيا كانت وثيقة وعميقة بفضل المصالح المشتركة.

بعد الانسحاب النهائي البريطاني من الاتحاد الأوروبي في عام 2019، اتبعت بريطانيا سياسة مستقلة وكثفت اهتمامها الخاص نحو منطقة الخليج الفارسي. في هذا الصدد أعلن الجنرال "السیرنیك کارتر" رئيس أركان الجيش البريطاني في اجتماع عسكري له خلال الأشهر القليلة الماضية، أن بلاده مستعدة لتقديم الدعم الكامل لشركائها في منطقة الخليج الفارسي لمواجهة التهديدات المشتركة وتولي القوات المسلحة البريطانية أهمية بالغة لتواجدها في منطقه الشرق الأوسط. وتابع كارتر إن العلاقات الأمنية البريطانية في منطقة الخليج الفارسي عميقة للغاية وهناك أكثر من ألف عسكري بريطاني ناشط في المنطقة، إلى جانب تواجد الطائرات والسفن البريطانية في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، أفادت تقارير إخبارية أن القوة البريطانية (مجموعة كاريير سترايك) ستدخل منطقه الشرق الأوسط قريبًا للمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب القوات والمعدات البريطانية.

من وجهة نظر بريطانيا، تعتبر دول منطقة الخليج الفارسي، إحدى أهم اللاعبين الرئيسيين على صعيد تحديد إطار الصراعات في المنطقة، وبالتالي فإن ضمان إقامة العلاقات العميقة مع هذه الدول سيساعد على توسيع النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط. في هذا السياق قامت لندن، باستثمارات عسكرية كبيرة في دول منطقه الخليج الفارسي فضلاً عن عقد العديد من صفقات الأسلحة مع المملكة العربية السعودية، في السنوات الأخيرة.

افتتحت بريطانيا في عام 2015، قاعدتها البحرية الدائمة في البحرين المعروفة باسم (HMS Juffair)، وقامت طائرات سلاح الجو البريطاني بطلعات جوية من القواعد البريطانية الواقعة في شمال وجنوب منطقة الخليج الفارسي. وفي سبتمبر 2020، أعلن الجيش البريطاني عن استثمار بقيمة 25.7 مليون يورو لتعزيز قاعدته العسكرية في ميناء "لودقم "في عمان، باعتبارها منطقة استراتيجية.

كما وقعت كلّ من قطر وبريطانيا مذكرة تفاهم لتوسيع التعاون المشترك بينهما على صعيد سلاح الجو، بموجبها تتولى بريطانيا أيضًا مسؤولية تزويد الطائرات القطرية بالوقود. ومن المقرر أن يتم بيع الدوحة أربعاً وعشرين من المقاتلات من طراز تايفون من المملكة المتحدة بالتزامن مع مراسم كأس العالم 2022.  فمن جهة يعتقد العديد من المحللين أن إعادة النشاط العسكري البريطاني في منطقة الخليج الفارسي منذ عام 2015 تعد جزءا من الاستراتيجية البريطانية وربما الهدف الأهم لتوسيع نفوذها في المنطقة.

تطرق "عبد الوهاب بدرخان"، الصحفي والخبير في الشؤون البريطانية في حديث عن هذا الموضوع قائلاً: "تمتلك بريطانيا الكثير من البنى التحتية في منطقة الخليج الفارسي التي يمكن توسيعها وتطويرها من خلال اتفاقيات مع الدول المعنية، وبالتالي يكون لبريطانیا دوراً عسكرياً أكثر بروزاً في منطقة الخليج الفارسي.

بالمحصلة، تبحث بريطانيا عن أي طريقة لتعزيز وتقوية عجلة اقتصادها وتجارتها، ولا شك أن وقوع الصراع العسكري في منطقة الخليج الفارسي يمكن أن يؤدي إلى تطوير صفقات التسليح للندن مع دول هذه المنطقة.

لكن فيما يتعلق بفهم ما إذا كانت بريطانيا تنوي أخذ مكان الولايات المتحدة في المنطقة، يعتقد المحللون أن لندن ليست في وضع يمكنها منافسة واشنطن على صعيد دورها في منطقه الشرق الأوسط. بل إنها تسعى لملء الفراغ الموجود بعد احتمال انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وفي ضوء التحالف الجديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا، ربما يرغب البلدين بإظهار دورهم منسقا أو مكملاً لبعضهما البعض في المنطقة.


المصدر: المرکز التحليلي الخبري "ألف"

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور