الخميس 20 كانون الثاني , 2022 01:29

لماذا تغادر الشركات الأجنبية الرياض؟

الشركات الأجنبية في الرياض

مع تسلّمه ولاية العهد، بدأ محمد بن سلمان رسم مستقبل المملكة باستراتيجية مبنية على الطموحات أكثر من الدراسات والأرقام التي تنبئ فعلياً بما لا يحب بن سلمان سماعه. فرؤيته الاقتصادية التي يتطلع إليها بفصل اقتصاد البلاد عن النفط وتعزيز القطاعات الإنتاجية وغيرها والتي تطلب بشكل أساسي الاعتماد على الشركات الاستثمارية الأجنبية بدأت تصطدم منذ اليوم الأول بعقبات ربما غابت عن حسابات ولي العهد الشاب. حيث أن سياساته الحكومية نفسها وقرار تورطه بحروب المنطقة وآخرها اليمن كانت من أهم أسباب مغادرة المستثمرين للبلاد.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أكدت في مقال لها "تراجع اهتمام الكثير من الشركات الأمريكية بالسعودية كسوق استثماري واعد، في ظل الأخطاء والأزمات التي تصدرها السياسة التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان لتطبيق رؤيته الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد غير النفطي في أقصى سرعة".

بيئة الأعمال السعودية تحولت لبيئة عدائية

وعن تفاصيل ما يجري ضمن هذا السياق، كشفت الصحيفة في تقرير أعده الكاتبان ستيفن كالين وجستين شيك انه "في الوقت الذي تتودد فيه الرياض لكبريات الشركات العالمية من أجل تعزيز اقتصادها ومنافسة المراكز الاقتصادية الإقليمية، تحولت إلى بيئة عدائية للأعمال والتجارة، وهو ما أفقد المستثمرين شغفهم بالمملكة الغنية بالنفط، ما يشكل ضربة موجعة لخطط ابن سلمان التنموية التي يحاول من خلالها الأمير الشاب تقديم أوراق اعتماده للغرب كخليفة لوالده على كرسي الحكم".

هذه الشركات بدأت تتزايد أعدادها بالفعل، وقد برزت العديد من النماذج حيث أشارت الصحيفة إلى ان "شركات أجنبية قللت من فرص وجودها داخل السوق السعودي، أبرزها شركتي "أوبر تكنولوجيز" و"جنرال إلكتريك" وذلك جراء الضرائب الباهظة المفروضة عليها في الآونة الأخيرة، هذا بخلاف إعادة شركة الإنشاءات "بيكتال كورب" لبعض المقاولين العاملين لديها إلى ديارهم، بسبب عجزها عن سداد الفواتير المحصلة عليها". وتابعت "الوضع ذاته تعاني منه شركتا "بريستول مايرز سكويب" و"جلعاد ساينسيز" وغيرهما من شركات الصناعات الدوائية، التي تعاني من تعرض ملكيتها الفكرية للسرقة دون تحركات عاجلة وإجراءات تأمينية ضامنة من السلطات السعودية، الأمر الذي دفع تلك الشركات إلى إعادة النظر في وجودها داخل المملكة".

كما رصد التقرير "التراجع الواضح في حجم الاستثمارات الأجنبية في السعودية خلال عام 2020، إذ بلغ 5.4 مليار دولار، وهي القيمة التي لا تتجاوز 50% مما كانت عليه قبل عشر سنوات تقريبًا، وأقل من المستهدف البالغ 19 مليار دولار وفق الخطة التي قدمتها المملكة لتعزيز الاستثمار الأجنبي".

والسيئ ان التوقعات كانت "تشير إلى زيادة حجم تلك الاستثمارات خلال العام الماضي لتصل إلى 6 مليارات دولار، وفق البيانات المعلنة للربع الثالث من العام المالي الماضي، هذا بخلاف إيراد بيع حصة عملاق النفط العالمي "أرامكو" البالغة 12.4 مليار دولار، لكن هذا لم يتحقق".

الأرقام المعلنة رسمياً لا تطابق الواقع

وعن أسباب تراجع قدرة المملكة توفير بيئة جذب للمستثمرين بل وعجزها عن الحفاظ على الشركات الموجودة على أراضيها، تشير الصحيفة في تقريرها إلى ان هناك "قائمة مطولة من الأسباب كانت وراء هذا التراجع" وقد كشفت وسائل الاعلام المتابعة أيضاً العديد من الممارسات التي اثارت امتعاضًا كبيرًا لدى بعض المستثمرين، ودفعت بالبعض منهم إلى مغادرة الرياض.

وتتصدر هذه القائمة الضرائب المضاعفة، حسب ما ذكرت الصحيفة التي تابعت "لا سيما ضريبة القيمة المضافة التي تضاعفت 3 مرات خلال عام 2020، وتتماشى مع موجة القفزات الجنونية في حزمة الضرائب التي فرضتها السلطة السعودية لسد عجز الموازنة العامة المستمر قرابة 6 سنوات".

والجدير ذكره ان المملكة قد اعتمدت خلال الفترة الماضية خطاب التهديد والوعيد مع الشركات الأجنبية العالمية وإجبارها على نقل مكاتبها الإقليمية إلى الرياض كشرط لاستمرار عقودها المبرمة مع الحكومة، وإلا فالانسحاب هو الرد على من لا يلتزم بتلك التعليمات الجديدة، الأمر الذي اعتبرته تلك الشركات "لي لذراعها وابتزاز رسمي لها" سيكون له تبعاته على المستوى البعيد حتى إن حقق أهدافه المرحلية مؤقتًا بنقل عشرات الشركات لمقارها إلى العاصمة السعودية حفاظًا على استثماراتها.

ومن المعوقات التي ألقت بثقلها أيضاً على خريطة الاستثمار الأجنبي في السعودية إجبار الشركات على توظيف السعوديين في إطار سياسة "سعودة الوظائف"، وهو التوجه الذي يراد منه دعم السعوديين على العمل ضمن هذا النطاق، إلا أنه يمثل إرهاقًا كبيرًا لميزانيات تلك الشركات، خاصة تلك التي تجبر على توظيف السعوديين فقط لأجل "تستيف الورق". هذا إلى جانب الثغرات القانونية في القوانين التي تنظم الاستثمارات وعمل الشركات الأجنبية والبيروقراطية الشديدة، التي رغم القيام بمحاربتها لا زالت حاضرة بقوة ونافذة التأثير.

وتجدر الإشارة هنا، إلى ان العديد من وسائل الاعلام تحدثت طيلة الفترة المقبلة عن الأرقام التي صدرت عن البنك الدولي فقد "قفزت المملكة 30 مركزًا منذ 2019 في قائمة سهولة أداء الأعمال لتصبح الآن في المركز الـ62، هذا بخلاف الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الرياض لتعزيز الاستثمار الأجنبي، أبرزها السماح بالملكية الأجنبية بنسبة 100% في عدد من القطاعات، التي تهدف إلى جذب 500 شركة أجنبية بحلول 2030 بحسب الهيئة الملكية لمدينة الرياض لوسائل الإعلام السعودية".

لكن في الواقع فإن لغة الأرقام هذه لا توصف الواقع بشكل حقيقي، فلقد كشفت الوقائع أنها لغة قد سقطت في مستنقعات التسييس لأغراض أخرى تخدم الأنظمة الحاكمة وتروج لصورتها خارجيًا، بعيدًا عن تقييم المشهد عمليًا.


المصدر: "وول ستريت جورنال"

الكاتب: ستيفن كالين وجستين شيك




روزنامة المحور