الثلاثاء 01 شباط , 2022 03:59

الثورة الإسلامية في إيران .. إنتصار إرادة وتغيير معادلات

ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران

إن الثورة الإسلامية التي فجرها الإمام روح الله الخميني (قدس سره) لم تكن حالة تغيير وضعي ولا لحظة مرحلية في مسيرة وطن يتمتع بثروات ومساحة جغرافية وموقع جوسياسي محوري على صعيد إقليمي ودولي فحسب، بل كانت نقطة فاصلة في تاريخ السياسة المعاصرة من جهة، وتكريس لانتصار الإرادة الحية لشعب عاش تبديد ثرواته بيد طغمة حاكمة وعميلة للغرب المستعمر بلبوس التاج الملكي، فانتشر الفقر والعوز وكمّت الأفواه ودنست معالم الحضارة الراسخة في حبايا التاريخ الممتد الى ما قبل الميلاد ونشوء الأمم.

إن ظواهر السياسة الرادفة لانتصار الثورة الاسلامية عمّقت مفهومًا جديدًا للثورات نحو التحرر والتغيير، ولكي نفهم معاني الثورة الإسلامية المباركة في إيران، علينا قراءة المرحلة السابقة لها على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، ومن هنا نعرف لماذا تٌحارَب إيران منذ انتصار ثورتها إلى اليوم، فالغرب الشره للإستبداد واستئثار الثروات وقمع الشعوب عرف تمامًا ما معنى ثورة مصيرية ذات قرار، ومختلفة عن كل الصناعات السابقة للثورات حول العالم منذ الثورة الفرنسية، والتي تعتبر ركيزة حيّة لبعض العاملين في الحقل السياسي ذات الطبيعة (الحداثية)!!!، إلى ما شهدناه في الأعوام الماضية من ثورات ربيعية ملّونة، فكانت صيفًا أصفرًا قاحلا، هو نتاج التصحر الثقافي لبعض الشعوب الغارقة في أتون الجهل والفقر والتفقير من جهة، وفرصة للانقضاض على بعض الدول المعارضة للسياسات الأمريكية والتيار الصهيوني في المنطقة. 

ما قبل الثورة
عاشت إيران ما قبل الثورة المباركة مراحل التركيع المغلّف بسطوة التاج والحديد والنار، فكان تبديد الثروة واستفحال الفقر السمة المعاشة دون الجرأة -لدى أغلب النخب السياسية والثقافية- على الإعتراض، فحالة التهميش مفروضة، والإعتقالات التعسفية لمجرد انتقاد معيشي حياتي حالة طبيعية، فكانت الثورة مطلبًا داخليًا نحو التغيير، لكنها غيّرت إيران داخليًا وخارجيا، من خلال تغيير إيران في تموضعها السياسي وتمركزها الإستراتيجي، فإيران الشاه هي مجرد أداة حادة في الإقليم، والشاه نفسه مجرد شرطي قزم عند الأمريكيين، بل كان عراب الانبطاح الشرق أوسطي، فرهن إيران وثرواتها وبعدها وموقعها الجغرافي في خدمة المشروع الأمريكي والصهيونية العالمية لصالح استمرار حكمه الفاقد لأي احتضان شعبي أو رؤى تطويرية على الصعيد الداخلي، فكانت الأجندات الإستعمارية لصانعي السياسة العالمية تسير ضمن ركب الموضوع بعد الحرب العالمية الثانية وأثير الحرب الباردة، فلا حرية عالمية بظل الثنائية القطبية في العالم ولا يمكن لأي أمة أن تمتلك الخيار المنفرد، فاختار الشاه الحلف الغربي واختار التخديم للسيد الأمريكي.

إيران الثورة
كان طموحًا جماهيريًا، واختيارًا طبيعيًا لصيقًا لطبيعة الإنسان من التحرر والعودة لفطرته، فكانت نداءات روح الله الخميني (قدس سره) تجلجل في أذهان العاشقين للحرية والتغيير دون التبعية، نعم كانت تراتيل الحرية والتحرير، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهها الإمام الثائر من بعض المدارس الدينية والحوزات، إلا إنه كان صوت ينبض بالحياة بطبائع الإقدام، فكل أفراد المؤسسات العسكرية والمدنية وكل شرائح المجتمع الإيراني واكبت الإمام الثائر. إنه بحق قائد ثورة مختلف، بعمامته وهيبته وبذور نشوئه. 

اعتاد الناس أن تملك زمام الثورات شخصيات عسكرية أو سياسية، لكنها طفرة زمنية غير مطروقة، إنها ثورة يقودها ثائر إيماني رافعًا شعارًا غارسًا في عمق التاريخ برفض الظلم والذل والإستبداد، فكانت بحق امتدادًا للنهج الحسيني الثائر، رفعت هامات المحرومين والمستضعفين وطرد الملك المتحكم بالثروة والمستأثر بمكتسبات الأمة، وسقطت معه منظومة العمالة ونظّمت النخب الشعبية للثورة التي واجهت عصابة الشاه بصدور عالية، فارتفعت رايات النصر للحرية والأحرار، وبذاك الإنتصار انتقلت إيران من موضع المسيّر إلى المخّير، فتغيرت الخارطة السياسية لهذا الشرق بأكمله، وانقلبت صورة الأحداث على راسميها، ومنها كان التحدي للإمام الخميني (قدس سره) في رسم معالم الجمهورية بصبغة حداثية ناصعة لافتة لكل الأحرار، فإذا كانت الإصلاحات السياسية والمعيشية والنهوض المجتمعي هي عناوين الأطر الداخلية للثورة فإن استحقاقاتها الخارجية وضعت في خانة التبديل لوجهة الخطاب والبعد الإستراتيجي والإنطلاق نحو التفرد في المسيرة دون التماهي المفرط مع التيارات الشرقية الجامدة والغربية المتحللة والمباغتة.

إيران الثورة المستمرة
بعيدًا عن الحالة السردية لمجمل المؤامرات التي واكبت انتصار الثورة والعقوبات الغربية المستمرة ومحاولة التشويش والشيطنة، اعتمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهجًا ثوريًا مختلفًا، فكانت صناعة المجتمع الآمن هي الأولوية لبناء الجمهورية المسلمة القائمة بتكليفها الشرعي والعابرة لكل الإنحرافات.أثبتت الثورة الإسلامية في إيران قيام دولة خصبة من نواحي الإنتاج والصناعة فرسمت مبادئ قيام الدولة الرشيدة بمؤسسات ضامنة لديموميتها. 

اهتمت الثورة بأهم صناعة في المجتمع، وهي صناعة الشباب المثقف والملتزم ضمن منهج عقائدي راسخ، لقد غيّرت الثورة الإسلامية المباركة مجرى الأحداث الإقليمية والدولية وأسقطت أقنعة، وأبرزت خيانات أنظمة، وعرف الرأي العام ماهية المؤامرات التي تسوق على الأمتين العربية والإسلامية فيما أخذت الأنظمة العملية ركب الحرب على الجمهورية الإسلامية الوليدة، فكانت حرب الثماني سنوات التي خلّدت عظمة هذه الثورة وآفاق انتصارها، على الرغم من الحصار والحرب باشرت بالتطور بكل المجالات فكان التطور البحثي والعلمي والتحديث التقني والتصاعد الردعي.

إيران اليوم
بعد رحيل الإمام الثائر روح الله الخميني (قدس سره) بدأ الرهان على استمرار النهج، فكانت محاولات متعددة لضرب الثورة من الداخل إما بيد أدوات أو ثورات مضادة، لكنها سقطت على جدار المؤسسات الدستورية وعمق المنظومة الحاكمة للدولة، فكان عهد الإشراق للجمهورية بظل قيادة الإمام السيد علي خامنئي (دام ظله)، لقد ثبت معالم ساسة الدولة الخارجية ذات الطابع المحور، فلم تتأثر بانهيار الاتحاد السوفيتي بل بالعكس استفادات لإنشاء محورها، فكان محور الأحرار والثوار حول العالم، إنها إيران قلب محور المقاومة وأم القرى لكل المؤمنين بحقيقة وجودهم. 
تربّعت إيران على عرش الصناعات الثقيلة وانتاج الطاقة وتخطيط المدن، وراكمت كل خبراتها وأصبح الناتج القومي يفوق (67.99 %)، وخفضت مستوى التضخم على الرغم من الحصار والعقوبات الأمريكية الظالمة، وذهبت موازنة الدولة بأغلب مستوياتها للتخصيب البحثي والإنتاج العلمي، فإيران اليوم قوة مهمة ومؤسسة في الإقليم ولهذا المحور الشرقي المكون للجبهة الشرقية المناهضة للمشروع الغربي المستغل، منعت إيران الإسلام هضم العراق وتفريغه من عقوله وحمت كينونة الدولة السورية في المساعدة الهامة بمكافحة الإرهاب ناهيك عن دعمها المستمر لكل التيارات والحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، إنها بحق دولة الولي الفقيه المتصدي للمسؤولية العالمية على إقامة ربوع الثورة المزهر في الإقليم، إن السرد التاريخي الموجز يجعلنا نتحسس مفردات التغيير القادم لهذا الشرق المفعم بالثروة والممرات المهمة للعالم، فإيران دولة النهوض في هذا الشرق وتعتبر من ركائز هذا التغيير.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: محمود موالدي




روزنامة المحور