الأربعاء 09 شباط , 2022 10:27

جيش المقاومة الالكتروني: كوادر بشرية فاعلة بمبادرات فردية

منصة تويتر

في كتابه "القوة الناعمة" يقول أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جوزيف ناي إن "معركة الحرب الناعمة تبدأ أولاً مع الرأي العام تمهيداً للانقضاض على النظام المعادي"، وفيما باتت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي هو المجال ربما الأهم اليوم في تشكيل الرأي العام، انتقلت المواجهة نحو اعتبارها جبهة قائمة بذاتها، وخاصة من ناحية الصراع بين خيار المقاومة أمام القوى الغربية ووكلائها في لبنان المنطقة.

مفهوم الجيوش الالكترونية

هي مجموعات مدّربة تعمل وفق أجندة خاصة هدفها الترويج لوجهة نظر معينة عبر اختراق مواقع الخصوم، وإسكات وتشويه سمعة المناوئين، إلى جانب ترويج الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة.

ويشرح الخبير في الثقافة والاعلام الجديد باقر كركي في حديث لموقع "الخنـادق" عن أنواع من الـجيوش الالكترونية، وأبرزها:

- أولاً، "Fake Accounts" الحسابات الوهمية الـBots حيث يمكن تحريك وإطلاق حملة رقمية في بداية انتشار "الهاشتاغ"، إنما تتوقف قدرتهم على التأثير بعد فترة وجيزة لأن سياسة تويتر لا تسمح بتفاعل طويل لمثل هذه الحسابات.

- ثانياً، مجموعة من الحسابات الحقيقية وليست وهمية (بالمئات)، إنما ثمة جهة تديرها إما بطريقة أوتوماتيكية أو عبر موظفين مدفوعي الأجر مكّلفين بهذه المهمّة، وهذا ما هو متعارف عليه باسم "الجيوش" أو "الذباب" الالكتروني حيث يقوم بالتغريد للحصول على أكبر عدد ممكن من التفاعل مع "الترند".

- ثالثاً، يكون عبارة عن شخص واحد فقط يدير مجموعة من الحسابات لصنع رسالة أو خطاب ما.  

واقع "تويتر" لبنانياً

تعتبر منصة "تويتر" في لبنان الأكثر استخداماً من نخب المجتمع والشباب المؤثرين وتحديداً القوى السياسية وجمهورها والقوى التي تريد التأثير في النطاق العام والإعلامي حيث يتم إطلاق التصريحات الرسمية عبر تويتر. ويعود ذلك الى طبيعة هذه المنصة المرنة وصناعة التشابك في التواصل عبر "التغريد" بالانسجام مع "ترند" و"الهاشتاغ" وطبيعة تصميمها التي تعزّز الجدل السياسي.

آلاف الحسابات الناشطة تدعم المقاومة في لبنان

بحسب دراسة أجريت حول نشاط وعمل بيئة المقاومة المتفاعلة على "تويتر" في لبنان، "فإن عملها الرقمي يرتكز على الكادر البشري المحلّي بنسبة تتجاوز الـ 80%، وليس عبر الحسابات الوهمية و"الذباب" الالكتروني" يقول كركي، وهي ميزة لافتة مقابل البيئات الأخرى، فالسعودية مثلاً تعتمد على "الذباب" الالكتروني، فيما يعتمد حزب القوات اللبنانية على مُشغّلات و"ترند" تنطلق من شركات في الولايات المتحدة.

ويضيف كركي، "أنه بحسب العيّنات المدروسة من أصل العدد الكامل لحسابات تويتر، فإن عدد الحسابات اللبنانية الداعمة للمقاومة تتراوح بين الـ 8000 و13000 حساب ناشط بشكل مستمر". وبهذا العدد الكبير من الحسابات فان القدرة تفوق صناعة "الترند" الى التأثير وصناعة الرأي العام.

وتشير الدراسة بعد متابعة عينة من عشرين ألف حساب من كافة المناطق اللبنانية، الى ان المعدل الوسطي للتغريدات يوميًا في لبنان هو 120 ألف تغريدة، نحو 15 % منها هي للحسابات الناشطة من بيئة المقاومة، أي حوالي 18000 تغريدة، ما جعلها أكبر قوة بشرية فاعلة ومؤثرة على منصة تويتر في لبنان.

ويشدّد كركي على "أنه لا يوجد قيادة مركزية لإدارة الحسابات بل يوجد توجيه مركزي، أي ان العمل الرقمي في بيئة المقاومة ليس "مؤسساتياً"، وهذا يعني ان شعبية المقاومة عند جمهورها عالية جداً، بل ان التفاعل نابع من خيار شخصي بكامل الإرادة الحرّة بالانتماء الى هذا النّهج". بينما في المقابل يعتمد الطرف الآخر على "الذباب" الموظّف والمدفوع.

ويلفت كركي الى "أن التوجيه يبقى عبر ممارسة خطاب بهدف بناء الوعي والثقافة لدى الجهور الناشط، وممارسة الضبط من خلال سياسة الجذب وليس الدّفع، بمعنى آخر أن ينجذب الجمهور الى خطاب جميل فيتماهون معه"، ويكون الانضباط ليس عبر قوة قاهرة إنما من خلال الالتزام بقيم ومبادئ أخلاقية ودينية ووطنية ورغبة ذاتية تعبر عن حقيقة وواقع بيئة المقاومة.

استراتيجية "الصمت" الرقمي!

إن جمهور المقاومة يمتلك من حيث الكمية والنوعية القدرة الكافية على إحداث التغيير الرقمي، بحسب كركي، إنما النقطة التي يستغلها الطرف الآخر تكمن في الأسلوب والمحتوى، أي بث المعلومات المضلّلة والأكاذيب بشكل ممنهج وهائل وعلى مستوى عالي وبطريقة جاذبة كالمواد البصرية، ما يسمح أحياناً باختراق جزئي لبيئة المقاومة الالكترونية ببعض السرديات "المؤذية". ما يدفع جمهور المقاومة للجوء الى حالة دفاعية والتصدّي لحملات التضليل ودفع سردية الطرف الآخر، وهنا يكون التوجيه المركزي في مرحلة معينة هو "التزام الصمت"، فيكون صمتاً مدروساً"، لكن لا تنفع هذه الاستراتيجية في الكثير من الحالات، حيث لا يمكن ضبط المشاعر والانفعالات عند بعض الناشطين، إلا أن جمهور المقاومة الالكتروني هو أكثر جمهور ملتزم ومنضبط سياسياً وأخلاقياً أمام استفزازات وهرطقات الأطراف الأخرى الناشطة على منصات التواصل.

التفاعل الرقمي: معركة هجومية

إن التفاعل الرقمي لبيئة المقاومة قد تطوّر بشكل ملحوظ ومهم في السنوات القليلة الماضية يضيف كركي، وباتت قادرة، بالمبادرة الفردية، على قيادة حملة إلكترونية هجومية ضد الطرف الآخر، وقد برز ذلك خلال بداية الحرب على اليمن عام 2015، وخلال الأحداث التي ترافقت مع الانتخابات النيابية اللبنانية عام 2018...وغيرها، واللافت ان جمهور المقاومة الالكتروني الذي يقوم بهذا التفاعل الكبير ويتعامل مع الحملات الالكترونية المعادية "على أرض لا يمتلكها"، بحسب ما يصف كركي، فتويتر وكافة منصات التواصل الاجتماعي هي ملعب في الأساس أوجده الآخرون وليس ملعبنا، لكن جمهور المقاومة استطاع تجييره واستخدامه في معركة كي الوعي وصناعة الرأي العام لصالح المقاومة وقضايا اللبنانيين وشعوب المنطقة المحقة. 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور