الجمعة 01 نيسان , 2022 04:54

المستهلِكة الأكبر للنفط في العالم: كيف ستتعامل واشنطن مع الأزمة؟

الولايات المتحدة

بعد ارتفاع أسعار النفط عالمياً، الذي نتج عن العملية الروسية في أوكرانيا، برزت حركة أميركية دولية تهدف إلى إيجاد حلول لاعادة التوازن إلى سوق الطاقة وأسعار النفط، وكان أبرزها الضغط على كل من فنزويلا والسعودية من أجل انتاج مزيد من النفط إضافة لتكثيف جهود نهب الآبار النفطية في المناطق التي تسيطر عليها كبعض المحافظات في اليمن. وهذا يعود بشكل أساسي لحاجتها الضخمة إلى النفط مع عدم قدرتها على إيجاد البديل.

تعد الولايات المتحدة البلد الأكثر استهلاكاً للنفط في العالم وقد وصفها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بأنها "مدمنة نفط"، وكانت سياسات معظم الرؤساء الأمريكيين مما بعد الحرب العالمية الثانية تركز على موضوع الأمن النفطي الخاص بالولايات المتحدة وبتنويع مصادر النفط وبالسيطرة على مناطق إنتاج النفط في العالم بشكل كبير.

منذ عام 1973 أعلن الرئيس نيكسون مشروع الإستقلال، وهو حملة "لفطم أمريكا عن النفط الأجنبي" وبحلول عام 1980 فشل هذا المشروع، وبعده سعى كل الرؤساء وصولا الى باراك أوباما الى تنفيذ "استقلال الطاقة"، ومع الرئيس السابق ترامب تبدل المشروع ليصبح "هيمنة الطاقة" والتأكيد على الهيمنة على النفط العالمي ومصادره وإمداداته.

تدعم صناعة النفط والغاز الإقتصاد الأمريكي بشكل لا مثيل له من خلال ضخ واستثمار مليارات الدولارات في كافة قطاعات الإقتصاد. فمثلاً بين عامي 2012 الى 2016 انفقت صناعة النفط والغاز ما متوسطه 227 مليار دولار سنوياً على استثمارات البنية التحتية، وتساهم هذه الصناعة في جلب حوالي 100 مليار دولار سنوياً من عمليات الإستثمار الخارجي لتطوير هذا القطاع وهذا ينعكس على باقي الصناعات الأمريكية.

-كمية النفط المنتج:

تشير المعلومات الأولية لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية الى أن إجمالي إنتاج الولايات المتحدة بحوالي 11.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام.

  وبحسب المراجعة الإحصائية الصادرة عن شركة بي بي البريطانية لشهر تموز 2021، فإن إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام والمكثفات بلغ 16.476 مليون برميل يوميًا عام 2020

-كمية النفط المستوردة:

في عام 2021 استوردت الولايات المتحدة 8.47 مليون برميل نفط يومياً، من 73 بلد 6.11 مليون من النفط الخام والباقي منتجات ومشتقات نفطية مختلفة.

-كمية النفط المصدرة:

 في عام 2020 صدرت الولايات المتحدة 8.63 مليون برميل نفط يوميا، الى 176 دولة منها 2.98 مليون برميل من النفط الخام. وإذا احتسبنا الفارق بين الصادرات والواردات فتعتبر الولايات المتحدة المصدّر لـ 160 ألف برميل يومياً.

الاستهلاك الداخلي للنفط:

عام 2021 أستهلكت الولايات المتحدة ما يقارب من 20 مليون برميل يومياً.

توزعت نسب الإستهلاك على الشكل التالي:

66% لقطاع النقل والموصلات

28% لقطاع الصناعة

3% لقطاع السكن

2% للقطاع التجاري

1% للطاقة الكهربائية

البنزين هو المنتج الأكثر إستهلاكا بحيث بلغ متوسط استهلاكه في السنوات الأخيرة 8.3 مليون برميل يومياً وهو ما يعادل 44% من اجمالي استهلاك الولايات المتحدة من البترول، ويأتي الديزل في المرتبة الثانية بمعدل 3.78 برميل يومياً اي ما يعادل 21% من الاستهلاك. في المرتبة الثالثة تأتي غازات الهيدروكربون "بروبان ـ إيثان ـ بيتان" بمعدل 3.20 مليون برميل أي ما يعادل 18% من الإستهلاك العام تستخدم هذه الأنواع في مصانع الغاز الطبيعي وتشغيل مصافي النفط. وقود الطائرات يأتي في المرتبة الرابعة بحيث بلغ متوسط إستهلاكه 1.08 مليون برميل يوميا اي ما نسبته 6 % من الاستهلاك العام. بلغ معدل الاستهلاك العالمي للبترول في السنوات الأخيرة 100 مليون برميل يوميا تتربع الولايات المتحدة على عرش الصدارة بإستحواذها على 25.5%، تليها الصين 13.9% فالهند 4.8% فاليابان 3.8% وروسيا 3.6%.

وعلى هذا المقياس فإن الولايات المتحدة تمثل 5% من سكان العالم وتستهلك ربع ربع نفط العالم.    

-الاحتياط الإستراتيجي للنفط: SPR

هو عبارة عن أربعة أماكن لتخزين النفط الخام على سواحل لوزيانا وتكساس تم اختيار هذه الأماكن بسبب وجود كهوف طبيعية وكلفة تجهيزة غير عالية ولقربها من مصافي التكرير وأنابيب النفط، وسعة هذه الخزانات 727 مليون برميل. فكرة التخزين الإستراتيجي للنفط هي قديمة منذ عام 1944 إلا أنها طبقت بعد عام 1973 والحظر النفطي الذي فرضه العرب. وهذا الاحتياط أساسي في سياسة الطاقة الأمريكية بحيث يستعمل في حالات عديدة ومنها التدخل في أسعار النفط، والتحكم في هذا الإحتياطي هو بالدرجة الأولى بيد الرئيس الأمريكي مباشرة.

أهمية النفط بالنسبة للاقتصاد الأمريكي:

-يوفر النفط والغاز والفحم 80% من إحتياجات الطاقة الأمريكية.

-صناعة النفط والغاز مسؤولة عن 12.3 مليون وظيفة أميركية في السنوات الأخيرة.

-في عام 2025 من المتوقع أن تؤمن هذه الصناعة 1.6 تريليون دولار من الضرائب والإيرادات وهذا الرقم مخصص لدعم وتجديد البنية التحتية الأمريكية.

- يوفر الإنتاج النفطي على الإقتصاد الأمريكي من ناحية الإستهلاك الداخلي 203 مليار دولار سنويا، أي أن كل عائلة أمريكية مؤلفة من 4 أشخاص توفر ما يقارب 2500 دولار سنوياً.

-عام 2019 ساعدت عملية صناعة النفط بتخفيض عجز الموازنة الأمريكية بمقدار 305 مليار دولار.

-الاستثمارات الأمريكية بشكل عام لا يمكنها النمو بمعزل عن الطاقة الرخيصة التي يؤمنها قطاع التصنيع النفطي.

النفط الصخري:

يعبر عنه خبراء النفط بأنه نفايات نفطية وعملية استخراجه مختلفة عن إستخراج النفط العادي وهي عملية مكلفة جدا، وله أثر بيئي خطير من ناحية طريقة الحفر وضخ مواد كيميائية داخل هذه الآبار لتسهيل عملية التكسير والإستخراج بلغ إجمالي انتاج الولايات المتحدة عام 2020 من النفط الصخري ما معدله 60% من إنتاجها النفطي العام. أهمية إنتاج النفط الصخري هو مرتبط بشكل مباشر بتأمين عدد الوظائف الكبير في الداخل الأمريكي "19 مليون وظيفة" وهذا النوع من الإنتاج مرتبط بالسعر العالمي للنفط فإذا إنخفض سعر برميل النفط عالميا عن 90$ فهو يهدد هذا القطاع بشكل مباشر نتيجة الكلفة العالية لإستخراجه، ويهدد إقتصاد سبع ولايات أمريكية تنتج هذا النوع.

"أوهايو ـ ويسكنسن ـ نيو مكسيكو ـ بنسلفانيا ـ كولورادو ـ تكساس ـ ميشيغن "، وهذه الولايات تاريخيا أنتجت 75% من النفط الخام الأمريكي. مع الإشارة أن هذا النوع من النفط ينفد في السنوات الأولى من بدء الاستخراج.

سياسة استقلال الطاقة:

عرف الرئيس نيكسون مشروع "استقلال الطاقة" بتلبية احتياجات الطاقة الأمريكية بدون الإعتماد على أي مصادر خارجية، بينما كان استنتاج تشرشل قد سبق نيكسون بالحديث عن تنويع مصادر الطاقة "لا بلد واحد، ولا نوع واحد، ولا عملية واحدة، ولا مسار واحد، الأمن والإستقرار النفطي يكمن في التنوع والتنوع وحده"، وهذا الإستنتاج لا زال ساري المفعول الى الوقت الحاضر. ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن الولايات المتحدة اعتمدت على الواردات لتلبية 65% من الطلب اليومي حتى عام 2005 وأخذ هذا المعدل بالهبوط الى أن وصل إلى 28% في السنوات الأخيرة.

من المؤكد أن إستقلال الطاقة لا يعني وقف الإستيراد لأن حاجة الولايات المتحدة لأنواع النفط الثقيل مرتبط بنوعية المصافي لديها لأنها مصممة لتكرير النفط الثقيل. وكذلك فإن اعتمادها على إنتاج النفط الصخري فقط غير مجد على المدى الطويل بسبب نوعية هذا النفط وقصر عمر الآبار التي يستخرج منها، إضافة للسعر العالمي للنفط بما له أثر على كلفة إستخراج النفط الصخري، ونمو الطلب على النفط الخام داخلياً وعالمياً.

 لذلك تكمن التحديات الحقيقية لإستقلال الطاقة بتأمين مصادر آمنة ومستدامة للطاقة، ومن هنا تحول الحديث على لسان الرئيس السابق ترامب إلى الهيمنة على الطاقة، وتوسيع مصادر الإمداد والتركيز على المصادر القريبة مثل كندا والمكسيك وإضافة المزيد من الموردين الأجانب، مع تنفيذ سياسات خفض الطلب على الإستهلاك ودعم إنتاج الطاقة البديلة والمتجددة.

توأمة النفط والدولار(البترودولار) قوة الإقتصاد الأمريكي:

بعدما فرضت إتفاقية الولايات المتحدة مع السعودية في أوائل السبعينات تسعير النفط بالدولار أمتلكت الولايات المتحدة أكبر قوة إقتصادية مكنتها من تحويل تغطية الدولار بالنفط بدل الغطاء الذهبي الذي كان معمولا به منذ إتفاقية "بريتون وودز" عام 1944 ، ومع هذه الخطة الذكية التي سوقها نيكسون وكيسينجر بأن تبيع السعودية نفطها بالدولار مقابل الحماية العسكرية الأمريكية لها تحول الدولار إلى العملة الإحتياطية العالمية الأساسية، وأمنت هذه الإتفاقية نفطا رخيصا وآمنا للولايات المتحدة من جهة ومن جهة ثانية خلقت للولايات المتحدة سوقا لبيع عملتها لكل دول العالم التي تريد أن تشتري النفط مقابل الدولار.

إن القوة الإقتصادية التي وصلت إليها الولايات المتحدة مبنية على النفط في كل مستوياتها وإن نسبة الإستهلاك الضخم من النفط في كافة قطاعات النقل يشير إلى قوة التجارة الأمريكية في الداخل والخارج التي تؤمن الكثير من الأصول المالية للخزينة الأمريكية ويعود الفضل إلى تأمين التجارة الأمريكية وخطوط مواصلاتها على صعيد العالم وحمايتها بالقوة العسكرية إنطلاقا لما قاله الجنرال ماهان: "إن كافة الأساطيل الحربية الأمريكية هدفها حماية التجارة الأمريكية".

لقد منح النفط للولايات المتحدة القوة الجيوسياسية لتربعها على عرش الأمبراطورية العالمية خلال كل العقود الماضية ولأجل أهميته القصوى لها فقد سعت بشكل متواصل لفرض هيمنتها على الدول المنتجة، وعلى سعر برميل النفط بحيث أن تسعير ثلثي نفط العالم يستند على سعر "خام برنت وخام غرب تكساس" ، وكانت شركات النفط الأمريكية هي السباقة لإستكشاف حقول النفط وإستخراجه في كل أنحاء العالم وإن أغلب الحروب والإنقلابات العسكرية في الدول النفطية من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا وآسيا كانت خلفها الولايات المتحدة وسببها وهدفها النفط والسيطرة عليه.       


المصدر: مركز يوفيد للأبحاث والتطوير

الكاتب: محمد ابراهیم




روزنامة المحور