الإثنين 25 تموز , 2022 04:02

عملية الوزن النوعي في حرب تموز بين الفشل والتضليل

حرب تموز

نسب جيش الكيان المؤقت النجاح لنفسه، إبّان عملية "ليلة الفجر" The Fajr Nigh" أو ما أسماها بعملية "الوزن النوعي" "The Operation Density"، والتي شنّها ثاني أيام عدوان تموز على لبنان عام 2006. وقد عزا "نجاحه"، إلى مهارة جهازه الاستخباري، والمعلومات الدقيقة التي بنى عليها سلاح الجو الإسرائيلي، فكان لضرباته على منصات صواريخ حزب الله فعاليةً وقدرةً على تعطيلها. وفيما لم تصدر عن الحزب أو المقاومة أي معلومات أو تعليقات، ظل الإسرائيليون على اقتناع بأن ما قاموا به في ساعات الفجر، تلك، كان إنجازاً حقيقياً.

وعلى النقيض من ذلك، ظهر فشلٌ عسكريٌ استخباراتيٌ أمنيٌّ إسرائيليٌّ؛ من خلال الشواهد والتقارير والتداعيات التي أعقبت حرب لبنان الثانية، عجز الكيان عن إخفائها، رغم حملة التضليل التي استعملها منذ بدء تلك الحرب الشاملة، لا سيما في عملية " الوزن النوعي".

فلماذا بدأ الكيان حربه الثانية على لبنان بعملية جوية من طراز "الوزن النوعي"؟ ولما أخفق العدو الإسرائيلي في عمليته تلك؟ وما هي الأسباب التي جعلته يتذرع بالتضليل؟ هل استخدم التضليل الإعلامي لأنه قد تمّ تضليله من قبل جهازه الاستخباراتي؟

سنعمد في هذه الورقة إلى تفنيد عملية "الوزن النوعي" وتحليل تداعياتها بعد مرور 16 عامًا على الحرب، وكشف أحد الطيارين الإسرائيليين السابقين عن فشل تلك العملية واعتماد الكيان المؤقت على التضخيم والتهويل بزعم نجاحها.

-الاعتماد في العملية العسكرية على سلاح الجو

لتحقيق الأهداف السياسية الإسرائيلية للحرب الثانية على لبنان، ووقف إطلاق الصواريخ على "الأراضي الإسرائيلية" بالإضافة إلى فرض القرار الأممي 1559، الذي ضغط على لبنان لـ "السيطرة على حزب الله ونزع سلاح الميليشيات وتأمين حدوده الجنوبية"؛ ناقش رئيس الوزراء إيهود أولمرت ورئيس الأركان الجنرال دان حالوتس (الجنرال في سلاح الجو الإسرائيلي) ووزير الدفاع عمير الخيارات العسكرية: فرجحوا الضربات الجوية والغارات البرية المحدودة، بدلاً من إرسال قوة برية كبيرة إلى لبنان.

وعليه، كان الخيار، منذ بدء الحرب، مرتكزًا على سلاح الجو الإسرائيلي، والذي لطالما كان ركيزة الكيان المؤقت في سيطرته على مختلف المعارك مع العرب والغلبة فيها. إلا أنه، "وعلى مدى الأيام الـ 33 التالية، قد فشل في تحقيق النتيجة الحاسمة التي تسعى إليها "إسرائيل بالرغم من قيامه بعشرات الآلاف من الطلعات الجوية ".

-قرار عملية الوزن النوعي

إذن، الخيار الجوي هو الخيار الأوسع في الحرب. لذا، فإن عمليةً عسكريةً واسعة الأهداف وعالية المرتجى، لم تكن لتحقق إلا من خلال الضربة الجوية الإسرائيلية، انطلاقًا من الذهن الاسرائيلي العسكري.

في عملية الوزن النوعي، كان قائد العمليات الجوية العقيد عميكام نوركين هو المسؤول. تضمنت العملية استخدام عدد كبير من الطائرات. وشارك فيها عدد من أسراب إف -15 وإف -16.

كانت إحدى خطط الطوارئ التي أثيرت في جلسة الاستماع هي خطة عملية "الخطورة المحددة"، والتي تضمنت ضربة جوية قصيرة ودقيقة تهدف إلى تدمير مجموعة صواريخ المدفعية بعيدة المدى، والتي كان معظمها مخبأ داخل منازل عناصر حزب الله في لبنان. استمرت الاستعدادات الاستخباراتية والعملياتية للعملية حوالي ست سنوات، منذ انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان.

-أسباب فشل العملية:

لما فشلت العملية التي بقي العدو لسنوات يعتد بالنصر فيها؟ هل كان فشلاً لسلاح الجو الإسرائيلي، أم فشلاً استخباراتيًا؟ وكيف تبينت معالم الفشل؟

-الأخطاء العسكرية لسلاح الجو الإسرائيلي:

بحسب شهادات جنود الاحتلال، فإن الطيران الحربي الإسرائيلي قد أخطأ في ضرب الأهداف العسكرية المحددة له أكثر من مرة خلال فترة الحرب. فيما استشرفت المخابرات الإسرائيلية في وقت مبكر من الحرب أن القوة الجوية وحدها لا تستطيع إنجاز المهمة. أثبتت محاولات المساس بمواقع حزب الله اللوجستية ومواقعها الدفاعية في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب أنها عقيمة، كما حصل في الهجوم الموجه على قيادة الحزب في بيروت. وتكهن مسؤول أمريكي راقب الحرب عن كثب بأن الضربات الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي أثرت على 7٪ فقط من الموارد العسكرية لحزب الله.

-الفشل الاستخباراتي:

في كتاب «أسرى في لبنان» لمؤلفَيْه عوفر شيلاح (محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت») ويوآف ليمور (مراسل الشؤون العسكرية في القناة التلفزيونية الأولى) ورد شرح مفصل عن العملية. وتحدث المؤلفان عن «ستة أعوام من الإعداد، والجهود الاستخبارية الضخمة، والكثير من ساعات المناورة والتنظيم التي استثمرت فيها مئات ملايين الدولارات، من أجل تنفيذ هجوم واسع على عشرات الأهداف، معظمها مخازن أسلحة ومنصات إطلاق متوسطة وبعيدة المدى تابعة لحزب الله".

إلا أن تلك الجهود لم تثمر سوى فشلٍ استخباراتيٍّ؛ أعلن عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد ست سنوات من انتهاء الحرب. حيث عمد إلى الكشف عن واحدة من أضخم عمليات التضليل الاستخبارية التي تعرض لها الكيان المؤقت في حروبه مع العرب، وأوقعته في الفخ الكبير بداية حرب تموز 2006. وقد أعلن عن حقيقة اكتشاف المقاومة المبكر لحركة العدو حول منصات الصواريخ المتوسطة المدى، وكيف عمل العقل الأمني للحاج عماد مغنية وإخوانه على إيهامهم بأنهم يحصلون على معلومات حقيقية. وبذلك قامت المقاومة بتبديل مكان المنصات وعندما قصف الاماكن المذكورة كانت الاغلبية الساحقة من الاماكن خالية من منصات الصواريخ.

وبين تحقيقات فينوغراد وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين وصراعات الأجهزة حول من يتحمل مسؤولية الإخفاقات، بقي الجميع يتحدث عن هذه العملية باعتبارها الحقيقة الأقوى التي حاول العدو تظهيرها على أنها نجاحٌ يعتد به في تلك الحرب، إلى حد جعلت أحد المعلّقين العسكريين الإسرائيليين يصف العملية بأنها «التظاهرة المذهلة للجمع الاستخباري والقدرات العملانية». وعلى النقيض من ذلك؛ يكشف اليوم طيار سابق في "الجيش الإسرائيلي" أن: "عملية الوزن النوعي التي كانت تستهدف صواريخ حزب الله بعيدة المدى اول ايام حرب تموز لم تنجح وهناك تضخيم إعلامي لها من قبل المسؤولين "الإسرائيليين".

-التضخيم الإعلامي لعملية الوزن النوعي

بعد يومين، من عملية الوزن النوعي؛ قدرت المخابرات الإسرائيلية الضربات على أنها ناجحة. لم يكن العدو على معرفة بما جُهّز له من تضليل استخباراتي من قبل جهاز أمن المقاومة، الذي تحفّظ عن الردّ، في إطار معركة الإدراك والوعي، وحرب المعلومات والاستخبارات.

تناولت الصحافة العبرية العملية على "ناجحة بشكل خاص، بسبب حقيقة أن قدرة حزب الله على ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية قد تضررت بشدة، من خلال التسلح الدقيق والاستخبارات الجيدة، والتي يمكن أن تقلل بشكل كبير من عدد الضحايا". وقد تم تصوير العملية في وسائل الإعلام على أنها "عملية جراحية دقيقة". إذ حللت أن "منظمة حزب الله مندهشة تمامًا من العملية، لأنها لم تقدر أن لدى الجيش الإسرائيلي مثل هذه الصورة الاستخباراتية الواسعة والمفصلة لتشكيل الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى التي أنشأها منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000".

واستتبع التضخيم تسمية العدوان «ليلة الفجر»، في إشارة إلى ضرب صواريخ «فجر 3» و«فجر 5» التي تشكلت منها ترسانة المقاومة. إذ تمكن سلاح الجو خلال تنفيذ هذه الخطة في ليلة الحرب الأولى من تدمير 70 إلى 80% من صواريخ هذه المنظومة.

وقد ورد في الصحافة العبرية، أنه "في نهاية الدقيقة 34من الهجوم، تم تدمير 59 قاذفة، أو 44 بحسب التحقيقات التي أجريت بعد العملية".  ووفقًا للصحافيين الإسرائيليين هاريل وإيساخاروف، كانت العملية "أكثر عمل عسكري إسرائيلي مثير للإعجاب" و "ضربة قاصمة لحزب الله".

-التشكيك في الرواية الإسرائيلية

 وفقًا للمحلل العسكري الأمريكي وليام أركين، كان هناك "القليل من الأدلة" على أن سلاح الجو الإسرائيلي نجح في القضاء على قدرة الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى في الأيام الأولى من الحرب. ورفض الادعاء برمته ووصفه بأنه "سخافة" أو مجرد "رواية". وعلى النقيض من ذلك، أصر محلل أمريكي آخر، بنيامين لامبيث، على أنه من غير المنطقي الإشارة إلى أن "تصريحات القيادة الإسرائيلية الرسمية" لم تكن مبنية على حقائق. لكنه اعترف بوجود "عدم يقين مستمر" يحيط بـ "الحقائق والأرقام القليلة المعروفة" فيما يتعلق بالهجمات المزعومة. ويعتقد محلل الشؤون الاستراتيجية أنتوني كوردسمان أن سلاح الجو الإسرائيلي ربما دمر معظم الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى في اليومين الأولين من الحرب، لكنه أقر بأن هذه الادعاءات "لم يتم التحقق منها أو وصفها بالتفصيل". 

وفي حين افترض الجنرال حالوتس أن الأمر سيستغرق يومين أو ثلاثة أيام فقط لتحقيق الأهداف بسبب تأثير الذخائر الموجهة بدقة على أهداف محددة. اعتبر المسؤولون الأمريكيون أن الإسرائيليين بالغوا في فعالية الحرب الجوية ضد حزب الله واستدلوا على ذلك بالفشل في إصابة أي من قادة حزب الله على الرغم من إلقاء 23 طنًا من القنابل على مخبأ مقره المزعوم.

ما هي تداعيات الفشل الاستخباراتي على مجريات الحرب؟

اقتنع كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي بالإنجاز وقدموا التوصية بمواصلة القتال وعدم الاكتفاء به لتقصير مدة القتال وإنهاء الحرب. وحيث أن الحرب كانت مخططًا أن تكون ضربة محددة، فإن الفشل الاستخباراتي لقادة العدو العسكريين جعلهم يتخذون قرارًا بمواصلة العدوان لتحقيق مزيدٍ من "الانتصارات".

وبحسب أحد المعلقين الإسرائيليين فإن «النشوة التي تولّدت» لدى القيادتين العسكرية والسياسية جعلتهم يندفعون قدماً في الحرب من دون الالتفات إلى نفاد بنك الأهداف في اليوم الرابع منها. والخطة، كما عرضها الإسرائيليون، هي عبارة عن عملية معقدة وطويلة الأمد لجمع معلومات دقيقة عن خريطة انتشار الذراع الصاروخية المتوسطة والبعيدة المدى الموجودة في حوزة المقاومة.

ففي 16 يوليو / تموز 2006، أوصى نائب رئيس الأركان اللواء موشيه كابلينسكي بوقف العملية خشية أن تتدهور: "لقد استنفدنا الجهد [الجوي]؛ لقد وصلنا إلى الذروة. وقال كابلينسكي لرئيس الأركان حالوتس إنه من الآن فصاعدًا لا يمكننا إلا النزول. لكن الأداء الضعيف للقيادة السياسية والعسكرية على حد سواء، منع الكيان من قبول وقف إطلاق النار في هذه المرحلة. تحولت عملية الانتقام إلى حرب.

الخلاصة:

-إذا أردنا الاستناد إلى ما كشفه الطيار الإسرائيلي، حول "التضخيم الإعلامي" بعد معركة الوزن النوعي، يمكننا القول إن الكيان المؤقت قد ظن نفسه رابحًا في معركة مؤكدة النتائج، استنادًا لما تمّ تقديمه من جهاز الاستخبارات، فعمد إلى تضليل الجماهير، والمسارعة إلى اعتبار العملية نصرًا كبيرًا له في الحرب. إلا أنه لم يكن يعلم بحقيقة تلك المنصات الصاروخية التي تم نقلها، وإفراغها من محتواها بشكل شبه كامل، بفعل الجهد العالي المستوى لاستخبارات المقاومة.

-إن جهاز الأمن الاسرائيلي قد تم تضليله وخداعه من قبل جهاز أمن المقاومة، من جهته جهاز الأمن الإسرائيلي ضلل بدوره القيادة العسكرية الإسرائيلية من حيث لا يدري. وهنا، يسجل التفوق الأمني النوعي لجهاز المقاومة الذي جعل العملية الضخمة التي شنها العدو على لبنان، تتحول من عملية وزنٍ نوعي إلى عملية "وهم نوعي" كما عبر عنها الأمين العام لحزب الله، عبر تكوين بنك أهداف وهمي تم قصفه منذ الأيام الأولى للعدوان.

-ما يجب التأكيد عليه أن الكيان المؤقت استمر في تضليله لجمهوره بسبب اعتباره أن العملية ناجحة، إلى حد وصفها بأنها "الجهة المشرقة من الحرب" التي سجّلت له الانتصار الكبير، في الوقت الذي أثبتت في وقائع الحرب التي دامت 33 يومًا، أن القدرة الصاروخية لحزب الله لم تتأثر، بدليل استمرار إطلاق الصواريخ البعيدة المدى التي أصابت عمق الكيان.


المصدر: وكالات

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور