السبت 27 آب , 2022 12:58

تمديد الهدنة بين الموقف الدولي وموقف صنعاء

الهدنة في اليمن

في 2 آب/ أغسطس 2022، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن "هانس غروندبرغ" "تمديد الهدنة في البلاد لمدّة شهرين إضافيين بموافقة جميع الأطراف". وهي المرّة الثانية التي يُعلن فيها عن تمديد الهدنة التي بدأت في 2 نيسان، ثم جرى تمديدها في 2 حزيران/ يونيو. الهدنة الجديدة هي خطوةٌ لا تعارضها صنعاء، لكن لا تعوّل عليها طالما أنها لم تحقّق مطالب الشّعب اليمني، وأهمها: رفع الحصار، وفتح مطار صنعاء الدولي، وميناء الحديدة، وصرف رواتب الموظفين من إيرادات النفط والغاز. فبالنسبة لصنعاء، تمديد الهدنة فرصة أخيرة للتّحالف السعودي، وإلا ستعود الحرب إلى المربع الأول، باستهداف أنصار الله للمنشآت النفطيّة والحيويّة في السعودية والإمارات. وإن كانت الهدنة الحاليّة ليست أمرًا جديدًا في مسار العدوان السعودي على اليمن، إلا أن المستجدّات الدوليّة، تفرُض تبريد الساحة اليمنيّة. ولو كان من المُبكر الحديث عن إيقاف العدوان السعودي بالنّظر إلى المعطيات الحاليّة، إلا أن تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين والنشاط الروسي في هذا الملف، يجعلنا أمام مرحلة جديدة يمكن البناء عليها لإيقاف الحرب. 

تطوّر الموقف الأميركي

يبدو أن الموقف الأميركي يتقدّم في الأزمة اليمنيّة، فبالمقارنة بين الهدنتين السابقتين والهدنة الحاليّة، بدت تصريحات المسؤولين الأمريكيين أكثر مرونة، بعد أن حملت سابقًا تهديدات مبطّنة لصنعاء بغرض حثّها على تقديم تنازلات سياسيّة. وفيما كانت واشنطن تنظُر إلى الحرب في اليمن على أنها شأن يمني بحت، أصبح إنهائها من "أولويات الإدارة الأمريكيّة". ظهر ذلك أيضًا في تصريحات المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، الذي أعرب عن رغبة بلاده في أن "تتطوّر الهدنة المعلنة في اليمن إلى عملية سياسية شاملة". على المنوال ذاته سارت دعوات غروندبرغ الذي حثّ جميع "الأطراف لاتخاذ خيار بناء الثقة اللازمة لتجنب العودة إلى الحرب والبدء في بناء سلام دائم". وبالتوازي ناقشت المندوبة الأميركيّة لدى الأمم المتحدة "ليندا توماس غرينفيلد"، مع نظيرها السعودي عبد العزيز الواصل، أهميّة تحقيق "اتفاق هدنة موسّعة في اليمن". اللافت أن الإدارة الأميركيّة تستخدم للمرة الأولى أدبيّات مثل "عملية سياسية شاملة"، و"سلام دائم"، و"هدنة موسّعة" في ما يخصّ الحرب في اليمن، بعد أن كان الخطاب الأميركي يتّسم بالعموم ويقتصر على دعوة الأطراف جميعها لتحقيق "السلام". تفاعُل المسؤولين الأمريكيين بكثافة مع تمديد الهدنة اليمنيّة، والتأكيد على ضرورة إيجاد حلول، خلال الفترة التي أعقبت إعلان تمديد الهدنة هو مؤشر آخر على تطوّر الموقف الأميركي.

البراغماتية الأميركيّة

شكّلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منعطفًا في السياسة الأميركيّة تجاه اليمن والسعودية، فبعد ارتفاع أسعار النفط وتحذير روسيا من "تخطّي سعر برميل النفط 300 دولار"، وبعد موافقة منظمة "أوبك بلس" على زيادة إنتاج النفط لكن "بكميّات لا تؤثر على ديناميكيّات السوق العالمي إذ لا يزال "يوجد نقص في الإمدادات في العالم" بحسب تقديرات معهد "غلوبال بوليسي"، سارعت الإدارة الأميركيّة إلى تنشيط علاقتها بالسعودية بعدما مرّت بحالة خمول مع وصول بايدن إلى الحكم. والسبب أن الأخير، أبدع في استغلال ملف انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، لتوظيفه في حملته الانتخابيّة، إذ رفع السقف عاليًا في توعّد الرياض بمعاقبتها على جرائمها، ثم سارع إلى زيارة السعودية واسترضائها، فجاءت النتيجة مخيّبة للجميع، في خطوة تجلّت بها ملامح البراغماتيّة الأميركيّة في العلاقات الخارجيّة. في زيارته إلى السعودية، أبدى بايدن اهتمامًا عاليًا بتمديد الهدنة في اليمن، وتعامل معها كقضيّة أميركيّة خاصّة، وهذا يعكس الرغبة الأميركيّة في إنهاء الحرب لثلاثة أسباب رئيسة: حماية حقول النفط السعودية التي تقع تحت مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية، وتحسين العلاقات مع السعودية من خلال مساعدتها للخروج من المستنقع اليمني وحرب الاستنزاف الطويلة، وضمان وصول الغاز والنفط إلى أوروبا والولايات المتحدة عبر البحر الأحمر، وأيضًا الحفاظ على حركة التجارة الدوليّة. أما بالنسبة للجانب السعودي فهو قد تيقّن من هزيمته في اليمن، بعد مضي ثماني سنوات على تراكم خسائره الاقتصاديّة والعسكريّة من دون تحقيق أي هدف، إلى أن باتت حرب مكلفة جدًا، ومن دون جدوى. إلا أن قرار استمرار الحرب حتى الآن، ليس بيد السعودية فحسب، بل أيضًا حلفائها وفي مقدّمتهم الولايات المتّحدة والكيان المؤقت، وكل بحسب مصالحه.  

الحركة الروسيّة في الهدنة اليمنيّة

ثمّة تطوّر لافت في الموقف الروسي تجاه اليمن، انطلاقًا من أن موسكو باتت تعتقد بحجم التأثير الاستراتيجي للأحداث في اليمن، خاصّة في ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا. في 8 آب 2022 أعلنت الخارجية الروسية "استقبال وفد من صنعاء في موسكو لمناقشة آفاق تحقيق التسوية السياسة للحرب في اليمن". فيما أكّدت سفارة روسيا لدى اليمن تعليقًا على زيارة الوفد اليمني أن "الحديث ركّز على آفاق تحقيق التسوية السلمية الشاملة للأزمة العسكرية السياسية الحادة المستمرة للعام الثامن في اليمن". وفي اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الوضع في اليمن، قال النائب الأول لممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، إنه "مع وقف إطلاق النار المستقر والدائم، سيكون من الممكن تعزيز التقدّم الإيجابي في البحث عن حلول للصراع اليمني الذي طال أمده منذ سنوات". ثم اختتم حديثه بالإشارة إلى قرار مجلس الأمن 598 والمبادرات الأخرى الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك مفهوم الأمن الجماعي الروسي المحدّث. أهمية القرار 598 المذكور، أنه صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، في عام 1987 "لوقف الحرب بين العراق وإيران" . من هنا يمكن فهم التصوّر الروسي لإيقاف الحرب من خلال دعوة مجلس الأمن لإصدار قرار دولي يقف بموجبه إطلاق النار بين التحالف السعودي وأنصار الله. وبهذه الحالة، يُحفظ ماء وجه السعودية بعد الهزيمة الساحقة في اليمن، وفي الوقت نفسه تحافظ كل من الولايات المتحدة وروسيا على مصالحها وعلاقاتها مع الرياض. فبالنظر إلى التقارب الروسي السعودي في التبادلات التجارية والصفقات العسكرية وسوق النفط العالمي، لا شكّ أن موسكو ستتحرّك من منطلق حماية السعودية كسوق، وليس من منطلق تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، أو حتى المصلحة السعودية في هذا الشأن. 

الموقف اليمني من الهدنة

بالنسبة للجانب اليمني، يُشهد للوفد المفاوض تغليب المصلحة الوطنيّة، وقوّة الانتماء الوطني وتكريس الهويّة الثقافيّة. ومن جهة أخرى، استخدام التّهديد لردع التحالف السعودي من الإمعان في الجرائم التي يرتكبها بحق الشّعب اليمني. يظهر ذلك في التّهديدات التي يطلقها مسؤولون يمنيون غداة كل جولة مفاوضات، على غرار ما فعل رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام بعد زيارته روسيا، إذ أكّد أن "هذه المرة الأخيرة التي تقبل بها صنعاء تمديد الهدنة وفق الشروط الراهنة". وفي تصريح آخر، أكّد عبد السلام أن اليمن "يمتلك قدرات أثبتت فاعليتها في أبو ظبي والسعودية، وإذا فشلت الهدنة سنضطر للذهاب إلى تصعيد عسكري فرض علينا وستكون معطياته أكبر ".  موقف لاقاه بعد أيام الرئيس اليمني مهدي المشاط الذي شدّد على أنّ "الأسلحة الدفاعيّة الأميركيّة لن تحمي النظامين السعودي والإماراتي من ضربات القوة الصاروخية اليمنية والطيران المسيّر".  كلامه جاء في أعقاب "مناورات الغضب العارم" التي انطلقت منذ أيام بين القوات المسلحة السعودية ومشاة القوات البحرية الأمريكية في محافظة ينبع، على ساحل البحر الأحمر. وفي ما يخصّ التنسيق اليمني الروسي بشأن تمديد الهدنة، أكّد عبد السلام أن "هناك تحدّيات جديدة يشترك اليمن فيها مع روسيا، وإيران، ودول محور المقاومة، ودول أخرى متضررة من الهيمنة الأميركيّة، خصوصًا بعد المستجدّات في أوكرانيا" الجديد في الموقف اليمني، هو إدخال روسيا في دائرة الأخطار الاستراتيجيّة للحرب الأميركيّة السعوديّة على اليمن. وبالتالي، لم تعد هذه الحرب تعني اليمن حصرًا، ولا حتى دول محور المقاومة، إنما بات لها امتدادات دوليّة. 

في قراءة التطلّعات اليمنيّة، لا يعدّ وقف الأعمال العسكريّة إنجازًا بالنسبة للمفاوض اليمني، مع العلم أن مسار الهدنة الذي انطلق فعليًّا في نيسان/ أبريل 2022 هو امتثال لحقيقة تطوّر القدرات العسكريّة والسياسيّة لقوات صنعاء، واعتراف ضمني بشرعيّتها كقوّة رئيسة تمثّل أكثر من ثلثي الشعب اليمني، بعد أن ولّت أسطورة الحسم العسكري إلى غير رجعة. ما تريده صنعاء اليوم هو إنهاء حالة اللاسلم واللا حرب، ويتحقّق ذلك من خلال رفع الحصار كليًّا إلى جانب وقف إطلاق النار، فحتى الآن لا يزال الحديث عن إدخال سفن وقود إلى اليمن مجرّد إجراءات شكليّة، بالنظر إلى عددها المحدود جدًا، فضلًا عن الرحلات الجوية الخجولة التي انطلقت وحطّت في مطار صنعاء. على المقلب الآخر، راكمت القوات اليمنيّة المسلّحة معادلات رد وردع، وفرضت نفسها في أيّة توازنات سياسيّة محتملة، وبالتالي يقرأ التحالف السعودي تهديدات صنعاء بجديّة، بل يتحرّك وفقًا للتطوّرات الميدانيّة، فلا تهويل إعلامي ولا حروب نفسيّة في العقليّة اليمنيّة القتاليّة. أكثر من ذلك، إن أي حديث لدى قوى العدوان عن إيقاف الحرب ينطلق من هذه النقطة بالتحديد، من الخطر الذي تشكّله صواريخ ومسيّرات القوات اليمنية على المنشآت النفطيّة والحيويّة في السعوديّة والإمارات. ورغم مماطلات قوى التحالف السعودي في إنهاء الحرب، الأكيد أن هذا القرار أصبح بيد القوات اليمنيّة المسلّحة، وعلى قاعدة ما أُخذ بالقوّة لا يُسترد إلا بالقوّة، يرفض اليمني القبول بأقل من حقوقه ويفرض نفسه كلاعب قوي في الساحة الإقليميّة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور