الجمعة 30 نيسان , 2021 09:38

النفوذ العسكري الأمريكي في لبنان: برسم دعاة السيادة و الحياد

لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية العسكري في لبنان، تاريخ طويل يبدأ من العام 1957، حين أصدر الرئيس دوايت أيزنهاور مبدأه، الذي يعلن فيه منطقة "الشرق الأوسط" مجالًا حيويًا لمصالح الأمن القومي لبلاده. وأتاحت الخلافات السياسية والقتال الداخلي اللبناني في أيار1958 ، إلى التدخل العسكري الأمريكي المباشر والأول لها، مستفيدة من وجود كميل شمعون في رئاسة الجمهورية وقتذاك. لكن هذا التدخل فشل في تحقيق غاياته، ليتحول إلى  مستوى منخفض من التعاون العسكري بين الجيشين الأمريكي و اللبناني، قدر حينها ب 4 مليون دولار كمساعدات سنوية.

واستمر الدعم على هذه الحال حتى العام 1982، حين تطور ليشمل إرسال جنود المارينز. فقد أرسل الرئيس الأمريكي وقتذاك دونالد ريغان هذه القوات، لتنسيق خروج المقاتلين الفلسطينيين ضمن اتفاق فيليب حبيب، إثر الإجتياح الإسرائيلي للبنان. وفي الوقت نفسه، تم نشر وحدة من القوات الخاصة الأمريكية في بيروت، لتدريب وحدات من الجيش اللبناني.

لكن هذه المشاركة انتهت بأكبر هجوم تتعرض له القوات العسكرية الامريكية، بعد حادثة "بيرل هاربور". ففي 23 تشرين الأول 1983، اقتحمت شاحنة متفجرة مجمع مشاة البحرية بالقرب من مطار بيروت، ما أسفر عن مقتل 241 من أصل 300 جندي. لذلك تم سحب هذه القوات من لبنان في 26 شباط 1984. عندها تقلص الاهتمام الامريكي بلبنان، ليقتصر على منح عسكرية محدودة، من أسلحة خفيفة وذخيرة ومروحيات وغيرها من الإمدادات، لكن الحكومة اللبنانية كانت تدفع ثمنها.

 لكن في العام 2004 على إثر الحروب الأمريكية على أفغانستان و العراق، وتوجه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، لإعادة تشكيل شرق أوسط جديد يدعم مصالحها. عاد اهتمام واشنطن يلبنان من جديد، خصوصاً بعد إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم1559، الذي يدعو فيه القوات الأجنبية إلى الانسحاب من البلاد( الجيش السوري فقط )، وحل ونزع سلاح ما يسمى بالميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية (المقاومة و الفصائل الفلسطينية). ما ولد أزمات داخلية في لبنان، تصاعدت حدة توترها في فترة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، و ما تبعها من أحداث و تطورات كبرى، حينها دعمت إدارة بوش، قيام ما سمي بثورة 14 آذار، ومكنت القوى السياسية المشاركة فيها، من الوصول إلى السلطة السياسية، ثم قدمت لهم دعماً شاملاً لكل المستويات، خصوصاً الدعم العسكري للجيش والقوى الأمنية، الذي تضاعف بشكل كبير، ليصل إلى أكثر من 1.9 مليار دولار.

ولإنشاء جهة تتولى التنسيق العسكري ما بين الطرفين، أنشأت اللجنة العسكرية المشتركة (JMC) المؤلفة من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين الأمريكيين واللبنانيين، لمناقشة المساعدات الأمنية والتعاون العسكري، فضلاً عن تطوير الخطط الأمنية لبناء "شراكة قوية".

أهداف الدعم العسكري الحالي (الخطة الأمريكية الاستراتيجية المتكاملة للبنان)

_ تعزيز قدرات الجيش والقوى أمنية، على تأمين الحدود (الحدود السورية فقط) والتصدي للتهديدات الداخلية (لا تلحظ واشنطن تهديدات من كيان الإحتلال الإسرائيلي).

_ دعم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و 1680 و 1701.

_تعزيز قدرة الجيش اللبناني على التمدد والسيطرة الكاملة في جميع أنحاء البلاد، بالتنسيق مع اليونيفيل.

وتزعم أن المبرر لذلك: وجود حزب الله الذي يقوض مؤسسات الدولة من تأدية مهامها.

_ تطوير قدرات الجيش اللبناني في مجالات الدعم الجوي القريب (طائرات مروحية لا تستطيع تهديد الطيران العسكري الإسرائيلي)، والدفاع البري على الحدود (الشمالية و الشرقية خاصة)، وتدريب وحدات النخبة، بالإضافة إلى مواصلة دعم قوى الأمن الداخلي،عبر الدورات و تجهيزات قوى مكافحة الشغب، وتزويدها بأجهزة الكترونية حديثة.

_تقويض حزب الله وعرقلة نشاطاته وجهود دعمه و قطع طرق امداداته العسكرية (خصوصاً بعد حرب تموز 2006 حيث بات قوة سياسية عسكرية قوية في لبنان و الإقليم).

والعمل على نزع شرعية وجوده (بالتسويق لقدرة الجيش و القوى الأمنية، على تحقيق الامن الداخلي و الخارجي).

الدعم والمبيعات بالأرقام

_ تمثل المساعدات الأمريكية ما يقرب من 8% من ميزانية الجيش.

_ كما يشتري لبنان أكثر من 80% من تجهيزاته ومعداته وأسلحته من أمريكا.

_ في عام 2019، قدمت واشنطن 218 مليون دولار مساعدة عسكرية مشتركة من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (DoD) للجيش والقوى الأمنية، 3 ملايين دولار منها مخصصة للتعليم والتدريب العسكري الدولي (IMET).

_ منذ عام 2014 ، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية 12.86 مليون دولار لبرنامج IMET الخاص بلبنان. والذي يعد رابع أكبر برنامج IMET في العالم، فمنذ العام 1970 تلقى أكثر من 6039 عسكري لبناني تدريبات في الولايات المتحدة، بما في ذلك 310 عام 2019. ويهدف هذا المعهد من خلال التعليم والتدريب العسكري، إلى إقامة علاقات دائمة مع طلابه واصفاً إياهم ب "قادة المستقبل" ومعرفاً إياهم على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية!!.

_ إقامة مناورات وتدريبات، يقدر عدد الأفراد المشاركين فيها كل عام بـ 5000 جندي وضابط، وتركز هذه الأنشطة التدريبية على هدف تطبيق قراري مجلس الأمن رقم 1559 و 1701.

_ إشراك 4 فصائل من الجيش، في تمرين "الأسد الحماسي"عام 2012 ، والذي أقيم في الأردن. فتم نقل 160 جنديًا وضابطًا لبنانيًا إلى الأردن على متن طائرات سي 130 للمشاركة في هذا التمرين.

_ تبلغ قيمة عمليات شراء لبنان للأسلحة الأمريكية: 1.4 مليار دولار تخضع لنظام المبيعات العسكرية الخارجية (FMS) . وتشمل مبيعات لبنان الأخيرة: طائرات هجومية خفيفة من طراز A-29 Super Tucano ، 6 طائرات هليكوبتر Huey II ، وصواريخ AGM-114 Hellfire و TOW 2A.

وتجدر الإشارة إلى أن استخدام هذه المعدات والأسلحة، يخضع لمراقبة الاستخدام النهائي (EUM) بدءًا من التسليم والاستخدام والتخلص النهائي منها، ما يسمح للإدارة الأمريكية بفرض شروطها على أنشطة الجيش. (الرفض الأمريكي لعملية "فجر الجرود" ضد تنظيمي داعش والنصرة، كما الرفض لتصدي الجيش للإعتداءات الإسرائيلية أكبر مثالين).

_ بيع لبنان أكثر من 10000 بندقية (M-4 و M-16 A4's) و 9 ملايين طلقة من الذخيرة.

_ توفير 65 دبابة M60 A1 و 30 مدفع هاوتزر M190.

_ شراء عربات همفي مدرعة و M113 ، وإجراء تعديلات في 600 مركبة عسكرية.

_ في 26 آذار العام الحالي، افتتحت السفيرة دوروثي شيا أربعة مرافق تخزين ذخيرة كبيرة، في قاعدة حامات الجوية، تم هذا المشروع بتمويل أمريكي وتنفيذ مجموعة Mines الامريكية.

القوة العسكرية للبنان خلال 2021 بحسب موقع Global fire power

لم يؤدي الدعم الأمريكي، إلى أي تطور كمي ونوعي في قدرات الجيش اللبناني. فلبنان يحتل المرتبة 116 عالمياً لناحية القوة العسكرية، في تحليل أجري ل 140 دولة في العالم، ويشمل التعديلات حتى شهر 3 من العام الحالي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور