الثلاثاء 25 تشرين أول , 2022 04:24

كيف شكلت "عرين الأسود" خطابها التعبوي؟

عرين الأسود

"انتفاضة تيك توك" هو المصطلح الذي يطلقه الإعلام الإسرائيلي على الشبان المقاومين غير الموجودين تحت رادار المخابرات، محاولًا جعل الشبكات الاجتماعية وحدة تحليل مركزية لفهم حالة المقاومة التي شكلتها عرين الأسود في الضفة، باعتبار وسائل التواصل هي منصات تتبنّى أفكارًا مستجدة. هذا التفسير الإسرائيلي المضلل يقوم على سرديّة أن التعبئة الحاصلة للشباب الفلسطيني ليست بالأساس نتيجة التكوين الأساسي للشاب بل نتيجة التضامن الشبكي والمجتمع المتخيل الذي انتموا له إلى درجة القيام بنضال سياسي واجتماعي مشترك في الواقع المادي. وهو الأمر الذي يتنافى مع حقيقة أنّ الهوية هي المركز وليست المستجد الطارئ، والتأثير الحقيقي لمواقع التواصل فقط أنها تعزز هذه الهوية المقاوِمة ولا تصنعها، في ضوء التدفق الكثيف لصور الانتهاكات والجرائم، ودورها الأساسي الذي يستفيد منه الفلسطينيون هو في التشبيك الاجتماعي.

الوحدة النضالية

 استطاعت مقاومة "عرين الأسود" خلق وحدة نضالية سببها أنها مقاومة عابرة للتنظيمات والانتماءات الفصائلية، وبين عناصرها منتمون للجبهة الشعبية وفتح والجهاد الإسلامي وحماس، ومنهم من ليس منتميًا لأي فصيل أساسًا، يكررون في بياناتهم ذكر كل شهداء الفصائل: أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وياسر عرفات وأبو علي مصطفى دون أي تفرقة، وهو الأمر الذي أعطاها قوة هائلة في التعبئة، لم يعد من الممكن حصرها في نقطة هنا أو هناك، في البيان الذي دعت فيه إلى التصدي لمسيرات المستوطنين، خاطبت سكان الجنوب أنها تنتظر "خليل الرحمن وبيت لحم، حراس الجنوب وأسودها، ليخطوا أول بيان للعرين بالدم والرصاص"، فسجلت استجابات في رام الله والبيرة والخليل.

التشبيك الاجتماعي

من خلال بياناتها على تيليغرام، وهي المنصة الرسمية الوحيدة اعترف الإسرائيليون أنهم لم يتمكنوا من اختراقها وقد وصل عدد متابعيها إلى حوالي217 ألف مشترك حتى كتابة هذا المقال، استطاعت أن تصل الشمال بالجنوب والضفة بالقدس وغزة، دون أن تحتاج إلى منصات رسمية خاصة على باقي مواقع التواصل مثل تيك توك وتويتر وفيسبوك، فقد تحوّلت مئات آلاف من الحسابات الفلسطينية إلى منصات رسمية تعبوية لعرين الأسود، ليس باستطاعة الإسرائيلي تعطيلها كما العادة.

اللغة التعبوية والتحفيز

من خلال متابعة البيانات والمنشورات أيضًا، يمكن ملاحظة اللغة القاطعة والجازمة والواثقة. في البيان الأول الذي تمّ فيه الان انطلاق المقاومة الجديدة، أعلن بشكل مباشر، أن كلّ هدف ثابت أو متحرّك يتنفّس هو هدف لبنادق عناصر عرين الأسود وعبواتهم الناسفة ومفاجآتهم. كما توعّدوا المستوطنين: سنرى من سيمنع التجوّل على من، ومن سيحاصر من.

وفي أحد البيانات ذكرت: "إن العرين إذا قالت فعلت وإذا وعدت أوفت، تُمضى الآن بيانات العرين بالدم والرصاص، فقوموا وحيوا مجاهديكم في بيتا وعورتا وعوفر وبيتونيا إن بيانات العرين لا تكتب بالبلاغات الكاذبة نحن أصدق من خيالكم أيها الأغبياء، أخوتكم مجموعة عرين الأسود…"

توحيد الهدف

ومن خلال اللغة الدينية الوجدانية التي تخاطب عقائد الفلسطينيين، استطاعوا توحيد الشباب من الفصائل المتعددة بهذا المعتقد المشترك: "الذين يؤمنون بالله وأنه على نصرهم لقدير"، وكل بياناتهم تتضمن الوعد الإلهي "بأن الله سينصر من نصره بالجهاد". وتؤكّد على ذلك في بياناتها ووصايا شهدائها أنهم يقاتلون موحدين تحت راية "لا إله إلا الله".

المجموعة الشبح

بحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن "عرين الأسود" هي مجموعة "لا نكاد نعرف عنها شيئًا". وهذا الغموض يجعل من الصعب على الإسرائيلي أن يتنبأ بتحركاتهم وتصرفاتهم بشكل دقيق. التقديرات تقول إنهم شباب في بداية العشرينيات، إلا أن تطورهم الفكري والنضالي والعملياتي واضح جدًا، خاصة فيما يتعلّق بقدرتهم على الاستفادة من الجميع. فيما يتعلّق بالشريط الأحمر على فوهات البنادق، فهي سنّة حسنة قاموا بها لوقف عادة إطلاق النار خلال الجنازات أو العروض العسكرية، وذلك لتوفير الرصاص وإطلاقه في المكان المناسب.

أما أداؤهم على الأرض، فقد أبدوا قدرة عالية في تعاملهم مع جيش الاحتلال في الضفة، ومن بياناتهم نكتشف أننا أمام حالة تفهم جيدًا ماذا تفعل.

تفنيد الدعاية الإسرائيلية

تحمل بيانات العرين ردودًا على دعايات الاحتلال التي تهدف إلى النيل من عزيمة المقاومين والأهالي الفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بالاعتقالات وادعاء أحداث لم تحصل، في بيان مقتضب جاء فيه:

" لا وجود لاسم الشاب المُعلن اعتقاله أو محاصرته في الضاحية من قبل قوات الاحتلال بين مُقاتلين عرين الأسود إطلاقاً وإن كل ما يقوم به الاحتلال من مُناورات هي مكشوفة تماما بالنسبة لنا.. إخوتكم مجموعة عرين الأسود…".

وأخيرًا

يمكن القول إن "عرين الأسود قد تميّزت بأداء إعلامي خاص وشكّلت أكثر من مجرّد "حالة عسكرية". من خلال مراقبة مواقع التواصل يتضح أن هذه المقاومة الجديدة قد أصبحت ممثلة الناس وظهرهم، وذلك لسبب بسيط جدًا، أن الشعب الفلسطيني وخصوصًا في الضفة والقدس، مؤمن بالمقاومة ويرفع رجالها ويقدّرهم، وهو يحتاج فقط إلى القدوة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور