الأذرع الماليـة للمنظمة الصهيونية العالمية

كان للمنظمة الصهيونية العالمية أدوات سخّرتها لخدمة عدوانها واحتلالها لفلسطين، ومن هذه الأدوات؛ الصندوق القومي اليهودي وصندوق تأسيس فلسطين.

أولى هذه الأدوات هي "كيرين كايميت"، وباللغة العربية الصندوق القومي اليهودي، أحد أقدم مؤسسات المنظمة الصهيونية العالمية وذراعها المالي لشراء الأراضي في فلسطين. ترجع فكرة انشاء الصندوق إلى المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 باقتراح من عالم الرياضيات الحاخام الليتواني هيرمان شايبرا، من اجل شراء الأراضي في فلسطين، لم يحظى الاقتراح بأي دعم حتى المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901 حينما تقرر وبتأييد من تيودور هرتزل إنشاء الصندوق القومي اليهودي ليكون "وديعة للشعب اليهودي" لا يُستعمَل إلا لشراء أو تخليص الأراضي في فلسطين لتظل "ملكاً للشعب اليهودي إلى الأبد" لا يجوز بيعها أو رهنها.

ومع صدور وعد بلفور وسيطرة الإنكليز على فلسطين، اتّسع نشاط الصندوق. وفي عام 1920، وضع المؤتمر الصهيوني المنعقد في لندن آنذاك خطة شاملة لتنظيم وتمويل الهجرة والاستيطان اليهوديين في فلسطين، حيث تقرر إنشاء الصندوق التأسيسي اليهودي كأداة تمويل عمليات الاستيطان في فلسطين على أن يتفرغ الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي وأن تُخصَّص له نسبة 20% من حصيلة الصندوق التأسيسي لهذا الغرض. وفي ذلك العام أيضاً، أصدرت إدارة الاستعمار البريطاني تنظيماً جديداً سهَّل عملية تحويل ونقل ملكية الأراضي وإزالة العقبات التي كانت تعترضها. وانتقال مقر الصندوق إلى القدس عام 1922.

نجح الصندوق في إيجاد حقائق جديدة على أرض فلسطين تدعم المشروع الصهيوني إلا أنه لم ينجح في نهاية سوى في امتلاك 3.55% من أراضيها. ولم يتم تخليص ما تبقَّى من الأراضي إلا عن طريق القوة الجبرية والاحتلال العسكري المدعوم من قبل قوى الاستعمار والاستكبار.

وبعد قيام الكيان المؤقت، انتقلت ملكية أغلب الأراضي التي تم إفراغها من سكانها العرب ومالكيها العرب إلى الصندوق القومي اليهودي، ووصلت ملكيته عام 1960 الى مليون دونم أي 17% من مساحة الكيان. وكان في العام 1953، وافق الكنيست الإسرائيلي على قانون الصندوق القومي في الكيان المؤقت والذي أجز تسجيل الصندوق في الكيان المؤقت كشركة مساهمة. وفي عام 1954، حصلت الشركة الإسرائيلية المساهمة الجديدة على جميع الموجودات والديون الخاصة بالصندوق القومي اليهودي المُسجّل أساساً في إنكلترا عام 1907.

ونظراً لتبعية الصندوق للمنظمة الصهيونية العالمية، فقد كان من الضروري تنظيم علاقته مع حكومة الكيان المؤقت. وقد تم هذا باتفاقية وُقعت عام 1961 نصت على أن "الصندوق سوف يواصل أعماله بين اليهود في طلّ من الكيان المؤقت وبلاد الشتات كوكالة مستقلة تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية وذلك بهدف جباية الأموال وتخليص الأراضي والقيام بنشاطات إعلامية وتربوية صهيونية وإسرائيلية".

يُعد الصندوق مؤسسة مالية ضخمة، تتبع له شركات عديدة، وله كذلك أسهم في شركات مختلف، وللصندوق فرع في الولايات المتحدة مسجل كشركة معفاة من الضرائب، وهو يعمل كذراع للصندوق في جباية الأموال من الولايات المتحدة.

ولا بد من التحدث الإدارة المالية الرئيسية للمنظمة الصهيونية العالمية، أي صندوق تأسيس فلسطين، بالعبرية "كيرين هايسود"، الذي أنشئ في العام 1920 عندما واجهت المنظمة الصهيونية العالمية مشكلة تمويل مشروعها الاستيطاني في فلسطين بعد صدور وعد بلفور. وقد تضمن قرار انشائه التزام كل يهودي أياً كان موقفه من الصهيونية بدفع ضريبة سنوية بحد أدنى معين للمساهمة في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على أن يقوم الصندوق بتوظيف التبرعات والمساهمات المالية المختلفة في استثمارها في مشروعات إنتاجية لا ستهدف الربح في المقام الأول. من بين أهم مؤسسيه حاييم وايزمان وفلاديمير جابوتنسكي وإسرائيل سيف. وقد سُجل الصندوق عام 1921 كشركة بريطانية، وظل مقره في لندن حتى عام 1926 حين انتقل الى القدس. وفي عام 1925، انضم الصندوق التأسيسي إلى الصندوق القومي، ومع تأسيس الوكالة اليهودية الموسعة عام 1929 أصبح صندوق تأسيس فلسطين ذراعها المالي الأساسي.

وقد ظل الصندوق المُموِّل الرئيسي لنشاطات الوكالة اليهودية في فلسطين في مجالات الاستيطان والتعليم والخدمات الصحية والأمن وشراء الأسلحة.

وبعد قيام الكيان المؤقت، وضع الصندوق موارده لتمويل استيعاب المهاجرين الجدد.

وقد ساهم الصندوق أيضاً، أثناء حرب عام 1967 وبعدها، في جمع التبرعات اليهودية التي انهمرت على الكيان المؤقت ويومها تم جمع 150 مليون دولار.

يٌعرّف الصندوق التأسيسي منذ عام 1948 باسم "النداء الإسرائيلي الموحَّد"، ويعمل الصندوق التأسيسي في أكثر من 69 دولة عدا الولايات المتحدة التي تُعد مجالاً للنداء اليهودي الموحَّد. وقد اكتسب الصندوق صفة الشركة الإسرائيلية بموجب القانون التأسيسي للصندوق الصادر عن الكنيست عام 1956. ويعمل رئيس الصندوق التأسيسي كعضو في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، وفي حين يترأس رئيس النداء الإسرائيلي الموحَّد اللجان التابعة لمجلس حكام (أمناء) الوكالة اليهودية.

كما أن النداء الإسرائيلي الموحَّد، هو منظمة صهيونية لجمع التبرعات، تأسست عام 1925، وهو مُسجل في الولايات المتحدة كمنظمة معفاة من الضرائب، ومنذ إعادة تنظيم الوكالة اليهودية عام 1971، أصبح النداء الإسرائيلي ممثلاً في أجهزتها القيادية، وبنيته الأساسية تحت سيطرة المنظمة الصهيونية العالمية. ويجب التمييز بين النداء الإسرائيلي "كيرين هايسود" (الصندوق التأسيسي) والنداء الإسرائيلي الموحَّد (شركة مساهمة) وهو الاسم الجديد للوكالة اليهودية في الكيان المؤقت.

وهناك النداء اليهودي الموحّد، الذي يطلق عليه اسم "الجباية اليهودية الموحَّدة"، وهو منظمة يهودية أميركية تأسست عام 1939، لأتكون أداة رئيسية لجباية الأموال، وهو هيئة خيرية معفاة من الضرائب وفقاً للقانون الأميركي، وذلك رغم أنها تُعتبر بالفعل ذراع الحكومة الإسرائيلية لجباية الأموال. ويدل ذلك بوضوح على العلاقات الخاصة بين الكيان المؤقت والولايات المتحدة، التي يشكل الكيان المؤقت قاعدتها في الشرق الأوسط.