الجمعة 16 كانون الاول , 2022 04:06

قيادة قوّة المهام المشتركة 153: واشنطن ترمي القاهرة في مياه الخليج؟

الفرقاطة البحرية المصرية ENS الإسكندرية F911 ( دي أندريه دوكينز)

بعد يومين فقط، من تولّي البحريّة المصريّة قيادة قوة المهام المشتركة 153، استُقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة، بحفاوة تميّز بها، عن الرؤساء الافارقة الذين حضروا في القمة الافريقية-الأميركية، اذ التقى منفرداً بوزير الدفاع لويد أوستن بعد حضور مناقشات منفصلة مع وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، وعدد من أعضاء الكونغرس، على نهر بوتوماك مقابل المحيط الأطلسي. وفي الوقت الذي كان يراهن السيسي على حفنة من المساعدات الأميركية، خاصة بما يتعلق بسد النهضة، كانت واشنطن تخطط لتوريط مصر بشكل أكثر فعالية بالحرب على اليمن، رغم محاولات الأخيرة، بالتزام السلوك الحذر منذ بدء العدوان في آذار/ مارس عام 2015.

منتصف شهر نيسان/ ابريل الماضي، وقبل 5 أشهر من زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السعودية، أعلنت البحرية الأميركية عن تشكيل "قوة المهام المشتركة 153" للقيام بدوريات في البحر الأحمر والعمل على مكافحة "الأنشطة الإرهابية والتهريب". حينها، تسلّمت واشنطن قيادة القوة، بشكل مباشر، إلا ان التعقيدات الأخيرة التي شهدتها الساحة الدولية مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والقلق الأميركي من الحضور الصيني في المنطقة، إضافة للخلافات المتزايدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وما تبعه من معادلات الردع التي ثبتتها القوات المسلحة اليمنية، بما يتعلق بمنع عمليات نهب النفط، بعدما تصدّرت وسائل الاعلام العالمية صور العروض العسكرية الضخمة في ميدان السبعين والحُديدة، ارتأت الإدارة الأميركية ان تقف خارج دائرة الضوء وتدفع بمصر إلى الواجهة.

في الوقت الذي يعتبر البعض ان تسلّم القاهرة قيادة قوة المهام المشتركة 153، هو مجرد فعل عفوي، قد يأتي في إطار المداورة بين الدول التي تتشكل منها هذه "القوّة"، يؤكد الإعلامي والباحث اليمني، علي ظافر، في حديث خاص لموقع "الخنـادق"، ان "هذا الامر مخطط له وهناك تعمّد لاختيار مصر". مشيراً إلى ان تشكيل هذه القوة يمكن قراءتها في أمرين:

 -يمثّل حاجة أميركية في ظل التنافس مع الصين وروسيا على الممرات الدولية وأمن الطاقة والصراع الجيوسياسي في المنطقة، إضافة لحرص الولايات المتحدة على استمرار امدادات الطاقة في ظل الازمة الغربية الروسية في أوكرانيا وما ترتب عليها من اهتزازات وتداعيات في أسواق الطاقة

-تشكيل هذه القوة المشتركة هو يعبّر عن "حاجة إسرائيلية في ظل تنامي المخاوف والقلق لدى كيان الاحتلال، على باب المندب، وخصوصاً مع ظهور حركة وطنية ثورية شكلت ظاهرة فريدة في اليمن نتحدث عن أنصار الله تحديداً، وهو ما لم يُخفه السياسيون في الكيان وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو".  

ويؤكد الإعلامي اليمني، علي ظافر في حديثه مع "الخنـادق"، إلى ان صنعاء تدرك ان "الولايات المتحدة هي من تقود هذه القوة ومن توجهها ومن تضبط ايقاعها وتخضع لقيادة الاسطول الخامس في البحرين". ويشير إلى ان "الدول العربية المنضوية تحت ما يسمى قوة المهام المشتركة انما تمارس دور وظيفي وهي مخدوعة بالدعاية الاميركية التي تصنع الخوف لدى هذه الدول بأن هناك دول تهدد مصالحها وتهدد الملاحة، وتحديداً دول الخليج، تخوّفهم من إيران ومن اليمن". مضيفاً "هذه المخاوف مصطنعة، لان اليمن لا يشكل تهديداً لأي من الدول ما لم تتهدد مصالح الشعب اليمني وصنعاء سبق وأوضحت هذه الرسالة وآخرها في خطاب الرئيس المشاط في ذكرى الاستقلال، بأننا لا نشكل أي تهديد على الملاحة الدولية وان مَن يهدد الملاحة البحرية هم من يهددون مصالح الشعب اليمني. وبالتالي أي عمل عسكري سيكون بسياق ردة الفعل على أي عمل يتهدد مصالح الشعب".

لماذا مصر؟

تقف مصر حالياً في دوامة من الأزمات، تخطت مرحلة الاستجابة للإصلاحات المؤقتة، بعدما أصبحت هي نفسها بلد منتج للازمات الاقتصادية، خاصة في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد. وعلى ما يبدو ان السيسي لم يتخلَّ عن النهج الذي تحدث عنه في شباط/ فبراير عام 2015، في مكالمة هاتفية مسرّبة مع مدير مكتبه آنذاك، عباس كامل: "الفلوس عندهم زي الرز" -قاصداً دول الخليج-. بالتالي، كان من بين الثغرات التي استغلتها واشنطن، الأزمة الاقتصادية التي يناور السيسي لحلها.

من جهة أخرى، يضع ظافر هذه الخطوة ضمن إطار المحاولات الأميركية في توريط القاهرة بعمل عسكري مباشر ضد صنعاء، بعد اتهام الأخيرة بـ "تهديد الملاحة البحرية ومن ضمنها قناة السويس". على الرغم من التطمينات المستمرة التي قدمتها صنعاء منذ بداية الحرب، خاصة للجانب المصري، بأن لا تهديد لمختلف المصالح الدولية المشروعة وفي مقدمتها المصالح المصرية. ويمكن رصد هذه المحاولات، بمتابعة الأسلوب الدعائي الأسود الذي تمارسه القنوات الإعلامية الخليجية في ربط التصريح الأخير لوزير الدفاع، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، بتولّي مصر لهذه القيادة، وبالتالي تقديم الخبر على انه تهديد مباشر لمصر، بهدف خلق توتر يمني- مصري. ويشير ظافر، إلى ان "هناك مساع حثيثة أميركية-إسرائيلية-خليجية لتوريط مصر منذ البداية في عمل عدواني مباشر ضد اليمن. مصر هي دولة عضو بالتحالف لكنها اتخذت موقفاً حذراً على عكس بقية الدول العربية، ونتحدث عن السودان في عهد البشير وفي ظل الحكم العسكري، حيث تم الزج بهم إلى المعارك وقتلوا في مختلف الجبهات".  

ويقول جاريد سوبا وهو مراسل موقع المونيتور في البنتاغون، ان أوستن قال أمام الكاميرات قبيل الاجتماع: "الإدارة تقدر تقديراً عالياً قيادة مصر وتعاونها في تحقيق أهدافنا الأمنية المشتركة". وأشاد رئيس البنتاغون بنموذج مصر كأول دولة عربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشيدًا بـ "الإشراف المسؤول للقاهرة على قناة السويس" و "المساعدة الحيوية التي قدمتها مصر في تأمين وقف إطلاق النار في إسرائيل وغزة في أغسطس الماضي".

ويضيف سوبا، "بغض النظر عن دورها العملي، فإن القوات البحرية المصرية هي الآن مسؤولة عن الدوريات متعددة الجنسيات في الممرات المائية، باب المندب والبحر الأحمر والخليج".

وإذا ما رأينا الصورة بعين الصقر، بحسب تعبير سوبا، سنرى ان إدارة بايدن تعتمد "علاقة البنتاغون بالسيسي -الذي شغل منصب وزير الدفاع المصري قبل الاستيلاء على السلطة في انقلاب يوليو 2013 - لتقريبه أكثر منها بعد معارضة المشرعين، ومعظمهم من الديمقراطيين، في الكونغرس. بسبب انتهاكات حكومته الواسعة والمتواصلة لحقوق الإنسان".

كانت الإدارة قد أجازت طلب مصر منذ سنوات لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-15 من الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام بعد أن أفادت التقارير أن القاهرة ألغت خططًا للحصول على طائرات Su-35 الروسية. اذ ان المساعدات لمصر مشروطة من قبل الكونغرس بإحراز تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان، على حد تعبير الأخير.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور