الإثنين 27 شباط , 2023 06:55

إيران وطالبان: تهديدات مشتركة

في الوقت الذي تخلت كافة عواصم العالم إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات عن بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان، أبقت إيران سفارتها في كابول وقنصليتها في هرات مفتوحة مع استيلاء طالبان على السلطة. خلال العامين الماضيين، لم تكن علاقات إيران مع طالبان علاقة حلفاء، كما أنها لم تكن أيضًا علاقة أعداء، عام 1998 كادت عملية اغتيال 8 دبلوماسيين إيرانيين في ولاية مزار شريف أن تشعل حربًا بين أفغانستان وإيران. إلا أن منطق المواجهة مع طالبان بالنسبة للإيرانيين ليس معروضًا حتى اليوم. وقد ساعدت البراغماتية، السياسة الخارجية الإيرانية على تخطي الكثير مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات التي تعتبر جيدة على المستوى الاقتصادي. لم تعترف إيران بعد رسميًا بحكومة طالبان قبل تحقيق المطالب واهمها حكومة وفاق وطني، إلا أنّ إيران وطالبان تشتركان بالتهديدات المشتركة من داعش، والعداء مع الولايات المتحدة.

إعادة تشكيل العلاقات بين إيران وطالبان

خلال فترة حكمهم في التسعينيات، تلقت طالبان رعاية من المملكة العربية السعودية، خصم إيران. ومع ذلك، كان من الصعب على المملكة أن تقف إلى جانب "عميلتها" طالبان على حساب "راعيتها" الولايات المتحدة في عالم ما بعد 11 سبتمبر. الأمر الذي جعل اقتراب طالبان من طهران أقل تعقيدًا بالنسبة لمصالحها. إلى ذلك،  يمكن القول إنّ علاقات الدوحة الحسنة مع طهران ساهمت في تخفيف حدة انعدام الثقة وسوء التفاهم بين إيران وطالبان. خاصة أن طالبان كانت لديها مكتبًا سياسيًا هناك.

تتجلى إعادة تشكيل العلاقات بين إيران وطالبان في مشاورات طالبان المستمرة مع السلطات الإيرانية، حيث قامت قيادة طالبان بعدد من الزيارات إلى طهران منذ بدء مفاوضات السلام مع الولايات المتحدة. وقد عكست  الزيارات في أعقاب الانهيار المؤقت للمحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان أهمية طهران، وأظهرت ثقة متزايدة بين الطرفين.

في يناير كانون الثاني 2022، سافر وزير خارجية طالبان إلى طهران في أول زيارة رسمية له  والتقى مع القادة الإيرانيين. كان هدفه الحصول على اعتراف دبلوماسي من طهران مع التأكيد على أن أفغانستان التي تحكمها طالبان لا تشكل تهديدًا لإيران. تريد إيران من حكومة طالبان اتخاذ خطوات من شأنها أن ترضي المخاوف الإيرانية في المجالات السياسية والدينية والطاقة المائية خاصة لما يتعلق بالسدود على نهر هلمند الذي ينبع في أفغانستان ويغذي محافظة سيستان وبلوشستان حيث يفرغ مياهه في بحيرة هامون.  وتريد إيران نظامًا سياسيًا شاملاً في كابول يضم شخصيات ومجموعات سياسية وقوى متنوعة غير مرتبطة تاريخيًا بحركة طالبان أيديولوجيًا أو عرقيًا. ظلّت طالبان إلى حد كبير كيانًا اجتماعيًا سياسيًا مترابطًا بقيادة معلمي وطلاب مدرسة البشتون (فصيل حقاني هو استثناء لذلك). على الرغم من أن صفوف طالبان تضم الآن أعضاء طاجيك وأوزبك ينحدرون من نفس الخلفية الاجتماعية والسياسية ويرتبطون بنظام المدرسة، لم يستوعبوا سياسياً المجاهدين التقليديين وأمراء الحرب من مختلف الأعراق في حكومتهم الأولى والحالية. من منظور إيراني، يمكن أن تشمل هذه الشخصيات خان، المقيم بالفعل في إيران، وأحمد مسعود (ابن أحمد شاه مسعود وزعيم جبهة المقاومة الوطنية المكونة من أعضاء سابقين في تحالف الشمال) وكلاهما أجرى محادثات مع وفد طالبان في طهران. هذه المحادثات لا زالت جارية مع تأكيد إيران بعدم الأعتراف رسميًا قبل تحقيق المطلوب، مع الحفاظ على الحد الأفصى من العلاقات الجيدة بين الطرفين.

على الجانب الديني، كانت إيران قلقة من توصيف طالبان للمسلمين الشيعة الأفغان كأقلية دينية خلال محادثات السلام لعام 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة وبالتالي، تريد إيران أن تعترف طالبان رسميًا بمدرسة الفكر الشيعية الجعفرية كجزء من تقاليد الفقه الإسلامي حيث تقوم حكومة طالبان بتدوين دستور جديد لأفغانستان.

التطورات الداخلية للسفارة الأفغانية في طهران

في الزيارة نفسها في يناير كانون الثاني 2022، كانت هناك تكهنات حول تسليم إيران السفارة الأفغانية في طهران لطالبان خلال هذه الزيارة. لكن المسؤولين الإيرانيين نفوا التقارير ووصفوها بأنها غير صحيحة. وهو الأمر نفسه الذي يحصل اليوم حيث يجري الحديث عن تسليم السفارة بشكل رسمي، فسارعت إدارة العلاقات العامة بوزارة الخارجية الإيرانية في إعلان رفض بعض الادعاءات المقدمة بشأن التسليم، مؤكدة أنّ التطورات الداخلية للسفارة الأفغانية في طهران هو أمر داخلي لأفغانستان، ولم تدخل وزارة خارجية إيران في هذا الأمر بأي شكل من الأشكال، وأكّدت أن وزارة الخارجية لم تتسلم أي وثيقة أو معدات أو أي شيء آخر مملوك للسفارة الأفغانية في طهران.

تهديدات وشيكة مشتركة

تواجه إيران وطالبان تهديد داعش خراسان، والقوات الأمريكية، وهما في صراع مباشر بهدف نهائي هو القضاء على الأول وطرد الأخير من المنطقة. الواقع أنّ طرد داعش على يد إيران في سوريا والعراق وصعود فرع داعش في خراسان (ISKP) في أفغانستان، وتنافسها الاستراتيجي مع المتمردين الأفغان يتطلبان من إيران وطالبان البقاء على تنسيق. خاصة أن الولايات المتحدة هي التي سهلت صعود داعش في الدولة التي مزقتها الحرب؛ حتى لو نفت ذلك وقامت بالتمويه من خلال ضرب معقل داعش في ننجرهار.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور