الجمعة 10 آذار , 2023 02:26

السيد الموسوي للخنادق: أصبح لدينا 110 آلاف مقاتل

في أجواء الذكرى السنوية للشهداء القادة، أجرى موقع الخنادق مقابلةً مع النائب السابق السيد نواف الموسوي، الذي كان على علاقةً وثيقة بهم، وخصوصاً مع الشهداء السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية والسيد مصطفى بدر الدين، للتحدث مع عن بعض ذكرياته، وتجربته الشخصية مع الشهداء القادة، ويكشف للمرة الأولى بعضاً من أسرار تلك المرحلة، ويطلق مواقف سياسية لافتة ومهمة.

وهذا نص الحوار:

كنتم في فترة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، في مرحلة الشباب وكان عمركم حينها 17 عاماً، حدثنا عن بعض خفايا تلك المرحلة من مراحل المقاومة، مرحلة البدايات، وخاصةً عن علاقتكم بالشهيد الشيخ راغب حرب؟

نعم، قبل اجتياح عام 1982 حصل الاجتياح الاول في 14 اذار للعام 1978، وكنت آنذاك حوالي الـ 14 عاماً، أول مرحله الشباب. يومها اهتممنا بأهالينا النازحين بفعل الاجتياح، فكنا نعبئ سكر وأرز والى آخره، لأنه كان الجهد العسكري آنذاك تقوم به المقاومة الفلسطينية من جهة، وحلفاؤها الحركة الوطنية من جهة أخرى، وبعض الإخوة في حركه أمل وعلى رأسهم الشهيد مصطفى شمران في بلدة رب الثلاثين وغيرها، حيث كان له دور فاعل رضوان الله عليه. 

اختلف الموضوع عام 1982، لشدة الاجتياح الذي طال معظم الاراضي اللبنانية بأكثر من 120 ألف جندي صهيوني، مؤزرين بـ 40 ألف جندي من القوات المتعددة الجنسيات، المقسمين على 20 ألف في البر و20 ألف في البحر. لذلك كان هناك هول للاجتياح الإسرائيلي، الذي دفع بكثير من المنضوين في أحزاب الحركة الوطنية الى إلقاء السلاح، ولم يقاتلوا. فمن غير المعقول انه خلال 3 أيام، بل اقل من ذلك، ويصل الصهيوني الى خلدة، وفي خلدة فقط يبقى 3 أيام، ولو ووجه بالقتال في المناطق الجنوبية لما حصل ذلك، طبعاً ووجه بالقتال هناك لكنه كان قتالاً فرديا، على ما اعتقد عزمي الزغير مع بعض الشهداء المفقودين حتى الان، مثل شهداء آل غنيم في صيدا وتحديدا في مخيم عين الحلوة، حركات مقاومة فردية حصلت. 

نواة قيادة المقاومة الإسلامية تبلورت في معركة خلدة

اما المقاومة الأعنف فكانت في خلده، التي كان فيها نواة المقاومة الإسلامية، او بالأحرى نواة قيادة المقاومة الاسلامية تبلورت في معارك خلدة. أتكلم عن السيد مصطفى بدر الدين الذي قاتل واصيب في تلك المعركة، والإصابة التي كانت موجودة في قدمه التي جعلتها شبه معطله حتى استشهاده، تعود لتلك المعركة. الحاج عماد ايضاً، الذي قد تكون اصابته حينها ليست كبيرة، وقد روى لي ذلك أحد الذين كانوا بالقرب منه في تلك المعركة، وهناك اسم لا أستطيع البوح به، لأنه ما زال على قيد الحياة، أصيب ايضا في تلك المعركة، وأكمل طريقه، وهو الان أحد قيادات المقاومة. وهناك قيادات اخرى لا نستطيع ذكر اسمائهم الان، لكن ان شاء الله عند الناس هم معروفون، وعند رب العالمين هم معروفون. هناك تشكلت نواة المقاومة، كان هناك اناس يقاتلون بالقرب من كليه العلوم، واناس تقاتل في العمروسية، واناس تقاتل في الليلكي، ولاحقا اناس قاتلوا في الغبيري.

نشأة المقاومة لم تكن عام 1985 هذا تضليل

فإذا من اللحظة الاولى للاجتياح الاسرائيلي، المقاومة الإسلامية كانت حاضرة في المواجهة.  لان حديث البعض بأن نشأة المقاومة الإسلامية كانت عام 1985، فان هذا تضليل، وهذا لا علاقة له بالتاريخ. وقد أتيح لي في إحدى المرات، عندما شاركت في ندوه مشتركة في بلدة كفرمان، انا والراحل الاستاذ سمير قصير، الذي كان قبلي في إلقاء الكلام، فأشار الى هذا الموضوع. فقلت له: أيها الزميل أحب ان اوضح لك ان هذه الوقائع أي وقائع بدايات المقاومة الإسلامية هكذا قد جرت، وأنا لم أُخبَر عنها، أنا كنت اعايشها وكنت فيها. هناك 12 من إخواني قاتلوا قتال الابطال وفقد أثرهم في كلية العلوم، منهم من آل دبوق، وشقيقه الآن هو صحفي وكاتب معروف. 

فإذا هذه المقاومة، منذ ان وطىء الجندي الاسرائيلي الاراضي اللبنانية، قاومته وواجهته، ولم تنتظر كما يقول البعض عن تبلور تنظيمي وتشكيلات، بل بالأصل واجهت هذه المقاومة مباشرة، وفي ذهني الآن قائمة من الشهداء من عائله زهر الدين مثلاً، الذين قاوموا في الجنوب وليس فقط في خلدة، وغيرهم أيضاً حيث استطاعوا. 

الحاج عماد قام بتفخيخ سيارة الاستشهادي احمد قصير

يكفي عملية الشهيد أحمد قصير، التي حصلت في 11/11/1982، هل تعلم بان عمليه من هذا النوع، وهنا نتكلم عن مقاومه ليس لديها مخازن جاهزة، لأنه حتى استطاعوا جمع المتفجرات، يعني اساسا اللي هو بالعملية واللي بقدر احكي عنه، هو الحاج عماد رضوان الله عليه، هو الذي قام بتفخيخ السيارة، هو وبعض الاخوان، واحد منهم ما يزال على قيد الحياة، هو الذي قال لي، بأنه عندما كانوا يفخخون السيارة، "اقتربت دورية اسرائيلية من المحل الذي كنا نقوم فيه بذلك، فاستعددنا لمواجهة استشهادية، في حال فتح الجنود باب المحل"، فإلى اين كان سيذهب المقاومون حينها، فإذا سيخوضون اشتباك. لكن الحمد لله فإن الله سلًم، وتمكن الحاج عماد من تفخيخ السيارة. وهنالك لغط في هذا الموضوع، من فخّخ ومن أعدّ لهذه العملية، يا اخي طوّلوا بالكم. الذي عايش هذه التجربة (أي الحاج عماد ورفاقه)، "ليش" كم واحد كان يعرف كيف تفخخ السيارة، الحاج عماد كان يعلم كيفية ذلك، لأنه سبق له ان فخخ سيارة في عمليه سابقة لست في صدد الحديث عنها الان، والتي حصلت في العام 1981. 

الحاج عماد والسيد مصطفى جاءا من خبرة الى العمل المقاوم، وسبق ان جربوا ذلك، وفخخت هذه السيارة، والشهيد احمد قصير رضوان الله عليه قد اختاره الله، فكانت هذه العملية المدوية، التي تسببت بأكبر عدد من قتلى الجيش الاسرائيلي منذ قيام الكيان الصهيوني، في ضربة واحدة. هذا ارييل شارون المنتصر، علينا أن نرى ويمكننا ذلك بالعودة الى الأرشيف، نرى كيف كان واقفا على الانقاض وعلى وجهه عبارات الهزيمة وعلائم الانكسار. فالمقاومة الإسلامية وان لم تكن قد اخذت اسمها في ذاك الوقت، او تشكلت تنظيميا، الا انه كل واحد من موقعه قاتل، اي أن هناك شهداء، وقلت لك ذلك، في كليه العلوم فقط 12 شهيدا. 

أنا احببت ان اوضح هذه النقطة لأنه هناك أمور أتت لاحقا، مثل استشهاد الشيخ راغب حرب، انا اقول لك بسبب الاشتباكات التي حصلت بين حركه امل وبالتالي الناس، لان الناس كانوا ايضا مع حركه امل وقتها في الجنوب، وبين أحزاب في الحركة الوطنية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، الناس كان مزاجها مختلف. 

بداية الشيخ راغب كانت من قبل الاجتياح عام 1982، كان اول لقاء لي مع الشيخ راغب على سبيل المثال، عندما كنت في الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، كنت حينها ابلغ من العمر 15 عاما، قال الاخوان حينها لنلتحق بدورة في جبشيت، دوره تتضمن بعض التدريبات العسكرية اي في العام 79 أو 80. آنذاك، ذهبنا نحن هذه المجموعة من الاتحاد، وأقمنا في مدرسة في جبشيت، وكان أحد المسؤولين عن هذه الدورة الشيخ عبد الكريم عبيد اطال الله في عمره، وكان جزء من جهدنا ان نقوم بحفر أساسات المسجد والحسينية الحاليين في جبشيت. من يومها تعرفنا على الشيخ راغب، الودود الحنون القريب من الناس. 

الشيخ راغب حرب حرّم حتى الابتسامة بوجه الإسرائيلي

لاحقا عندما اتى الاجتياح الاسرائيلي، حضرت في سهرة، قبل أن يقال "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف"، انا اقول لك في ضيعتنا ماذا حصل، واقولها بالوقائع:

عند ابو يحيى ديب الشامي، كان الشيخ راغب يأتي وينام في ضيعتنا مرة عند بيت الشامي ومرات عند أصدقائه. إذاً كان هناك سهرة، وحث الشيخ راغب حينها على مقاومة العدو الاسرائيلي، بأي طريقة. وقتذاك كان هناك عبارة سائدة تقول: "يا مولانا العين لا تقاوم المخرز"، فكان يقول: "لا، يجب أن نقف بوجه الاحتلال، حتى ولو على مستوى البسمة، فلا يجب التبسم بوجه الاسرائيلي، ولا يجب بيع الإسرائيلي، ولا نتعاطى معه الى آخره. بضاعة إسرائيلية حرام المتاجرة بها".  فقام أحد الدهاة فقال له: "يا مولانا إذا جاء أحد الضباط الاسرائيليين ودخل لعندك على البيت، ومعه كل كتيبته ومد يده لمصافحتك فلا تصافحه؟".  فأجابه الشيخ راغب: " لو قيل لي بأن الجنوب، لا بل لبنان سيصير قاعاً صفصفاً، اي مدمّراً على الارض، إن لم اضع يدي في يد الضابط الاسرائيلي، ما وضعتها.. ما وضعتها". 

 

الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال بدأت من الحلوسية وليس من جبشيت

هذه الحادثة التي ذكرتها تعود الى أحد ليالي الصيف اوائل الاجتياح، اي كان الاجتياح ما زال جاريا، لم يكن قد انتخب حينها بشير الجميل رئيساً للجمهورية، لم تكن حينها قد حصلت المجازر، واقصد بذلك مجزرة صبرا وشاتيلا. الشيخ راغب كان في ذلك الوقت بهذه الرؤية، فمثلاً نحن نقول بان الانتفاضة بدأت من جبشيت، الانتفاضة الشعبية الجنوبية. لا شك بأن جبشيت كانت رائدة في الانتفاضة الشعبية، لكن في الحقيقة، الانتفاضة إذا أردنا ان نؤرخ لها، فهي قد بدأت في بلدة الحلوسية. آنذاك حصلت عملية ناجحة للمقاومة، ويصادف أني أعرف الأفراد الذين شاركوا فيها. فالإسرائيلي حينها داهم الحلوسية، وبدأ بالاعتقالات، فاعتقل شباب فيها، واعتقل ايضا الشيخ عباس حرب. آنذاك أقام الشيخ راغب اعتصاماً في مسجد الحلوسية، وجاءت الناس اليه تنديدا باعتقال الشيخ عباس حرب، حتى يعوّد الناس على أن تقف بوجه المحتل، وبالتالي أمّنت حاضنة شعبية للمقاومة، بحيث يصبح المقاومون محتضنين شعبيا، وليس انه بسبب الخوف من ردّ الفعل الاسرائيلي العنيف، يصبح هناك بين الناس فجوة مع المقاومة. الشيخ راغب عمل على تأسيس الحاضنة الشعبية المقاومة. وبعدها نحن نعلم ان الشيخ راغب بقي على هذا الموقف، عندما اعتقل الشيخ محرم العارفي وهو من صيدا ومن أعضاء الجماعة الاسلامية واهل السنة، وايضا كان له هذا الحضور وهذا النشاط الى أن اغتاله الاسرائيليون. 

فبحمد الله تعالى هؤلاء الإخوة الشهداء، لم يكونوا بحاجة الى من يوجههم، فمن اللحظة الاولى أدركوا مهمتهم الشرعية، ومهمتهم الوطنية والقومية في مواجهه العدوان الاسرائيلي.

السيد عباس كان يشارك في العمليات وكاد ان يستشهد في إقليم التفاح

هنا ننتقل الى ما جرى خلال فترة الشهيد السيد عباس الموسوي وعلاقتكم به؟

لا شك بان سماحه الامين العام وهو الذي كان رفيقه وواكبه في تلك الفترة، تحدث مراراً عن الدور الذي قام به السيد عباس.  انا فيما عرفته عن السيد عباس، قبيل ان يكون الأمين العام وبعدها، انه على سبيل المثال، في احدى زياراته للمجاهدين في منطقه اقليم التفاح سقطت بالقرب منه قذيفة 120 مليمتر وكاد يستشهد حينها. يعني السيد عباس خلال العمليات وعند الانطلاقة اليها كان يتواجد دائما، يتواجد في غرفة العمليات، هو والاخوان. وانا متأكد بانه لولا رفض الاخوان في العمل العسكري، لكان السيد عباس يذهب بنفسه الى عمليات المقاومة. والبعض قال لي بان السيد عباس خلال بعض العمليات، شارك بنحو او بآخر باجراءاتها ومجرياتها.  السيد عباس كان شهيدا يمشي على قدميه، وكل من ينظر اليه يرى ذلك. وانا كنت من المتحمسين له ولعقله، لأن قضيته التي لا يتقدم عليها شيء، كانت قضية المقاومة، ومقاومة العدوان الصهيوني لا في لبنان فحسب وإنما في فلسطين أيضاً. فكانت له علاقة حرص عليها مع فصائل المقاومة الفلسطينية.

عبد الحليم خدّام للسيد عباس: أنتم قاتلوا واستشهدوا ونحن ندير لبنان!

 طبعا عندما صار في الأمانة العامة تحسس به هم آخر وهو هم المستضعفين، حينما زارهم في حي السلم، وشعر بأهمية ان يكون هناك دور فاعل على هذا المستوى. وهو فاتح آنذاك من كان يدير الملف اللبناني في سوريا بهذا الأمر، عبد الحليم خدام، الذي اجابه على نحو:" انتم شغلتكم يا سيد تقاتلوا وتستشهدوا فقط، اتركوا موضوع ادارة لبنان لنا".

 السيد عباس عندما تولى الأمانة العامة، ولأني كنت أمرّ للقاء به في صبيحة كل يوم مع اخ آخر هو النائب الاسبق ابو علي حيدر، على مدى أشهر، لتقديم تقرير سياسي وميداني وأمني وما الى ذلك، وكنا نتشرف في ان نكون في خدمته.

ماذا تتذكر عن يوم شهادة السيد عباس؟

 بتذكر يومها كنت في الجنوب في بلدتي، في يوم استشهاده. في الساعة 3:50، الاخ الذي كان برفقتي في السيارة قال لي سيد إذا ما عنا شيء هون خلينا نطلع من السيارة ونروح نقعد بشي مطرح لأنه "الام كا" (طائرة إسرائيلية مسيرة) بالجو، ويبدو في شي بدهم يعملوا الاسرائيليين.  فانا قطعت مسافة لأوصل لضيعتي وجوارها، وطلعت على بيت قريب لي، قلنا بنقعد عنده نشرب كبايه شاي، لنشوف كيف رح تنجلي الامور. فيواجهني قريبي فورا، مبين هون، ما عرفت شو صار، كانت الساعة حينها 4:12 عندما ألقيت الصواريخ على السيد عباس واستشهد معه ابنه ورفيقة دربه المجاهدة ام ياسر.

السيد عباس الموسوي لم يكن يملك منزلاُ خاصاً به

 آنذاك انا فجعت بفقدانه، لأني كنت مع قائد ترى فيه الامل ليقود جماعه نحو النصر، وفيه المزايا للقيادة العلوية اي قياده علي بن ابي طالب عليه السلام، لناحية هذا التواضع ورفض مظاهر الحياة كلها، والاحساس بالناس وتحسس آلامها، وحضور المقاومة في وجدانه، في عيشه، في علاقته مع الناس.  مثلا السيد عباس استشهد وليس له منزل، وفي الاخر الشورى بعد استشهاده اخذت قرارا لتأمين منزل لأولاده. نتحدث عن شخص باع نفسه بالكامل لله، وشهادته تؤكد على ذلك. فنوعيه شهادته هي النوعية التي اختارها، وقد تذكرت هذه الشهادة باستشهاد الحاج قاسم سليماني، اي بالطريقة التي استشهد بها. والحاج قاسم سليماني ماذا كان يطمح؟ كان يطمح لأن يكون في مقام عباسك يا زينب. ألم يكن هذا هو الشعار الذي يردده.

فسبحان الله بان رب العالمين يرينا المقام الرفيع لهؤلاء الشهداء في هذه الدنيا على نحو هذه المظاهر، والذين كتب لهم ان يخرقوا الحجب، يرون الشهداء الأحياء في المقام الرفيع.

انتخاب السيد نصر الله أفضل رد على اغتيال السيد عباس

ألم تفقد الأمل حينها؟

 أنا أصبت بنوبه من البكاء الحاد، جئت الى هنا الى منزله. أحد الاخوان في المجلس السياسي آنذاك قال لي: طول بالك.  اختيار سماحه الامين العام السيد حسن آنذاك، وما عرفته من مزاياه ومن خصاله، فان ذلك قد جدد الأمل. لكن في تلك اللحظة كان الشعور الطاغي، الحزن على الفقد لم يكن هناك قدرة على التفكير في المستقبل، الإخوان في الشورى، مبايعة سماحة الامين العام السيد نصر الله، كانت أفضل رد يحصل على هذا الاستهداف الصهيوني، الذي لم يتركه الحاج عماد وإخوان الحاج عماد بلا ثأر، وبلا انتقام.  بل ردوا وثأروا وانتقموا.

ماذا تخبرنا عن علاقتك بالحاج عماد مغنيه؟

 الحاج عماد معرفتنا به، كان لي من العمر آنذاك تقريبا 14 عاما، عندما تلقيت علومي الدينية في مدرسة الامام الحسين عليه السلام، التي أسسها المرحوم السيد نسيم عطوي، وأوكل إدارتها للشيخ جمال السباعي.

الشيخ جمال السباعي كان بمثابة المرشد لي، والدليل لي، فكان يعلمنا خطب نهج البلاغة والمسائل الفقهية. ما اتذكره جيدا جمال في احدى المرات قال لي سر معي، وكانت حينها مدرسه الامام الحسين تبعد مسافة قليلة عن منزل عائله الحاج عماد. تعرفت حينها على والدة الحاج عماد، الحاجة ام عماد رضوان الله عليها. آنذاك عندما كان عمري 14 عاما كان عمر الحاج عماد مغنيه حوالي 18 عاما، وهو كان أكبر مني تقريبا بحوالي أربع سنوات. كانت الحاجة ام عماد مهتمة بان يتابع الشيخ جمال ابنها. لذلك انا متأكد ان التربية الدينية حرصت عليه ام عماد حينها، لأنه كما نعلم لم يكن هناك لمقاومة العدوان الاسرائيلي الا من خلال المقاومة الفلسطينية، وكان الحاج عماد بالفصيل الأكبر للمقاومة الفلسطينية اي فتح. ام عماد كانت حريصة على ان تكون تربيته الدينية عميقة وجذرية إذا يومها سمعت باسم الحاج عماد.

القوات قتلت الشيخ جمال السباعي في اللحظة التي اغتيل فيها العميل بشير الجميل

 كما اذكر انه في احدى المرات، كنا منصرفين من المدرسة، الحاج عماد انتظر الشيخ جمال في الحافة السفلية للدرج. رحم الله ايضا الشيخ جمال فقد قتل مظلوما على يد مجرمي القوات اللبنانية. في اللحظة التي اغتيل فيها العميل بشير جميل.

 احدى ذكرياتي ايضا، هي خلال الاحتفال النبوي الشريف، او على ما اعتقد في معرض للصور، في ثانوية الغبيري.  حينها كان المسيطر على الضاحية الجنوبية احزاب الحركة الوطنية، وكان أبرزها من الناحية العسكرية حزب البعث العراقي لصدام حسين. وثقافيا كان هناك الحزب الشيوعي، ودائما ما كان يحصل هناك سجالات بيننا مع زملائنا الشيوعيين في الثانوية. كنا نستند في سجالاتنا على كتاب فلسفتنا (للشهيد محمد باقر الصدر) وهم يستندون على كتبهم، لكن كان في بعض الاحيان يتعدى هذا الموضوع النقاش فيما بيننا، بحيث كانوا يهولون علينا. وكنا نحن وقتها قلة. لذلك في احدى المرات تم تكسير المعرض، وكنت حينها مندوب اتحاد الطلبة المسلمين، لذلك توجهت للحاج عماد مغنية، على مكتب فتح الواقع وراء مسجد الامام الحسين عليه السلام في منطقه الشياح. واخبرناه ما حصل معنا، نظراً لأنه شخصية متدينة، اضافة الى دوره العسكري، فبمن كنا سنستجير. يومها على نخوته المعهودة، ارتدى جعبته وانتشق سلاحه وذهب برفقة رفاقه في المكتب الى الثانوية، ومن يومها لم يستطع أحد النظر الينا، لم يعد أحد يتجرأ علينا، او يفتعل معنا مشكلة، من وقتها اعتبرته مع إخوانه، هم درعنا وسيفنا.

يعني بالمواجهة مع عملاء في ذلك الفترة، كان الحاج عماد والسيد مصطفى وإخوانهما يردّون الكف كما يقال كفين وثلاثة.

اي منذ العام 1979، كنا نعيش تحت مظلة هؤلاء الاخوة الذين أرسلهم الله لنا، ولا يمكنني الآن ان اذكر اسماء سوى الحاج عماد والسيد مصطفى.

الحاج عماد كان مسؤولاً عن التحقيق واعتقال منفذي مجزرة بئر العبد

السيد مصطفى اعتقل في الكويت عام 1983, لكن الحاج عماد كان موجودا. مثلا عندما حصلت متفجرة بئر العبد، من الذي تولى التحقيق؟ من الذي وضع يده على الشبكة؟ من الذي توصل الى الحقائق؟ من الذي فكك تلك الشبكة؟ الحاج عماد.

لذلك كل وهن او ضعف كان يصيبنا، كان المبادر الى معالجة هذا الوهن او الضعف، وتحويله الى قوة، هو الحاج عماد. لأنه بعد إلقاء القبض على هذه الشبكة، وبعد إعدامهم لما اقترفوه من ارتقاء حوالي ١٠٠ شهيد، صار هناك رعب ومهابة. لذا الحاج عماد صار في وعينا، وعيي انا، والناس الذين هم من جيلي، هو هذه المظلة الالهية التي وصفتها بدرعنا وسيفنا.

الحاج عماد أبكى الاميركيين بكاءً حاراً

اما في الحديث عن العمليات، فالمشكلة بأنه لم يمر الزمن الكافي لكشف الأرشيف الذي لدينا، لكن إذا أردنا تصديق ما تقوله المخابرات الامريكية، عن الأشياء التي فعلها الحاج عماد. فأنت عندها تتكلم عن رجل أبكى الأمريكيين بكاءً حارا، أبكى المخابرات الامريكية- إذا أردنا تصديقهم- فهم يتهمونه بانه كان وراء تدمير مقر المارينز، يتهمونه بأنه بيده اعتقل مسؤول محطة السي آي إيه في الشرق الأوسط. يومها ما الذي حصل، بعد تنفيذ عملية استشهادية يتهمون الحاج عماد بها أيضا، وهي تفجير السفارة الامريكية في عين المريسة. آنذاك، من توفيقات الله سبحانه وتعالى، كان يُعقد في السفارة اجتماعا لمسؤولي المحطات (CIA) في كل الدول المحيطة بالاتحاد السوفياتي، وقتل فيها 33 ضابط استخبارات (وهذا ما ذكرته نيويورك تايمز بعد سنتين). بعد هذه العملية، وانهيار شبكة السي آي إيه بأسرها، وصل ويليام باكلي -كل ما أذكره الآن هو بالاعتماد على ما يقوله الأمريكيون- ما إن وطأت قدما ويليام باكلي (هذا ما يقولوه هم) مطار بيروت، وهنا يتهمون الحاج عماد بأنه هو الذي القبض عليه، وحقق معه، وكشف المزيد من الشبكات الأمريكية.

بالتالي، أنا منذ اللحظة الأولى التي استشهد فيها الحاج عماد، لم يكن لدي شك على الإطلاق، أن الذي قتله هم المخابرات الأمريكية، وأُعطي مائير داغان دور الضغط على الزر فقط. أما كيفية التحقق من ذلك، انا كنت أشعر بذلك في حينها. بعد العملية بسنوات، صحيفة الواشنطن بوست ومجلة نيوزويك، جلسوا مع السي آي إيه وقالوا لهم، كيف نفذوا هم عملية اغتيال الحاج عماد، لدرجة أن العبوة التي اغتيل بها، والتي تحتوي على كرات معدنية، من صممها هم المخابرات الأمريكية، ومن جرّبها أيضا المخابرات الامريكية.

اذن انت تتحدث عن شخص قامته تواجه الاستكبار الامريكي، نحنا كنا نراهم وهم كذلك عظماء. لا نتحدث هنا عن زعيم "زاروب" في بيروت، ولا قائد ميليشيا، بل عن شخص تتهمه الولايات المتحدة بعمليات أدت الى تغيير التوازنات في الشرق الاوسط.

عندما جاء العدوان الامريكي الصهيوني على لبنان في عام 1982، حتى السوفييت انكسروا عندما ضُربت سوريا تلك الضربة، عندما أبيد سلاحها الجوي خلال ساعة، وعمل حينها يوري اندروبوف على إعادة تأسيس سلاح الجوي السوري. كانت سوريا وقتها بلا غطاء، وقام السوفييت هم بتأمين التغطية لها. والأمريكيون كانوا حاضرين وقتها، لدرجة أن أحد المسؤولين اللبنانيين قال: كل من عليها الآن امريكان. تصور هذا الطغيان الامريكي، هذه السيطرة التامة، وعندما يقوم شخص تتهمه الولايات المتحدة بأنه وجّه لها هذه الضربات.

نحن كنا نراه بهذه العظمة، هذه قامته، لا أقيسه ولا يقاس لا على أي زعيم في لبنان، ولا أي من يذكر. طبعا وما الى هنالك من عمليات تتهمه بها المخابرات الامريكية، لذلك أنا عانيت عندما علمت باستشهاده، وأخبرتك قبل البدء بالمقابلة، وأنا صريح بذلك، أنا دخلت في اكتئاب على الأقل لمدة 4 أشهر. ليس بالأمر السهل، أن نُضرب هذه الضربة.

طبعا الحاج عماد طورد أمريكياً من العام 1982، حتى العام 2008، وبقاؤه على قيد الحياة فاعلاً ومتحركاً وحاضراً في المواجهة، طوال هذه الفترة هو إعجاز.

وطبعا، فإن التمكن منه سببه ان الحاج عماد بعد العام 2006، قد تخلى عن الكثير من إجراءاته الأمنية المعتادة، لكي يعجّل في إعادة بناء قوة مقاومة في لبنان بما يردع الإسرائيلي عن تكرار عدوانه.

وبالتالي نحن الآن، بعد استشهاد الحاج عماد مدينون لدمائه، سواءً بالانتصار الذي تحقق، او ببناء القوة العسكرية التي تؤمن الآن ضماناً للبنان، والتي اختبرنا فعاليتها عندما حصلت مشكلة الترسيم البحري، وذهبت المقاومة بقيادة سماحة الأمين العام، إلى حافة الحرب المباشرة مع العدو الصهيوني، وربحنا بلعبة توازن الردع، ونحن الذين فزنا، لأن لبنان حصل على ما كان يطالب به، فلذلك كل الكلام عن الحاج عماد لا يكفيه حقه.

السيد بدر الدين استهدف الاستكبار الأمريكي وليس الكويتيين

طبعا لا أنسى أيضا، صديق العمر: السيد مصطفى بدر الدين. فلأن الحاج عماد كان من سكان الشياح، والسيد مصطفى من سكان الغبيري، وأنا أيضا من سكان الغبيري، كانت ثانوية الغبيري التي اتعلم بها، مواجهة لبيت اهل السيد مصطفى، ودائما ما كنا سوية، وأذكر أننا أحيينا سويا أول ليلة قدر يحييها جيلنا، بالطريقة المنصوص عليها في كتب أدعيتنا، في مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام. كنا نلتقي هناك أيضاً، وكان هنالك "عشرة عمر"، وقد غبنا عن بعض، خلال الفترة التي اعتقل فيها في الكويت، بسبب عمليات موجّهة الى الاستكبار الأمريكي والى الاحتلال الصدّامي، أو العدوان الصدامي، الذي عاد وبيّن لأهل الكويت، لأن هناك من عمل على تشويه صورة السيد مصطفى أمام الكويتيين. فهو لم يستهدف الكويتيين، بل استهدف الاستكبار الامريكي الذي يمتص خيرات الكويت وأبنائها، والعدوان الصدامي الذي ذاق مرارته الكويتيون بعد عدّة سنوات. من العام 1983 حتى العام 1990، اي بعد 7 سنوات، اكتشف الكويتيون من هو صدام حسين، وكيف فتك بهم وكيف دمر منازلهم.

السيد مصطفى بدرالدين أنشأ المقاومة الكويتية

وللأمانة، السيد مصطفى لم يخرج من السجن إلا حينما حصل الغزو الصدامي، حيث خلا السجن (من حرّاسه)، عندها هو الذي قام بتدبير عملية خروجه بعدما استطاع فتح زنزانته الإفرادية (أي السيد مصطفى). وقد قال لي بأنه كانت تصل الحرارة في فصل الصيف هناك، الى 65 درجة مئوية، وفي الليل البرودة "تقص العمود". نعم لقد عانى في معتقله كثيراً، ولذلك عندما خرج وعاد الى المقاومة، كان مهتماً بقضية الأسرى، لا سيما بالشيخ عبد الكريم عبيد.

مثلاً عندما نتحدث عن مقاومة كويتية ضد الاحتلال الصدّامي، هذا أنشأه وأسسه السيد مصطفى. تصوروا سجيناً يخرج، وأول ما قام به كان تفجير سور السجن عبر قوارير غاز المطبخ، التي صنع منها عبوة وقام بتفجيرها، ثم خرج الشباب. آنذاك كان باستطاعته العودة الى لبنان، وقضاء فترة للراحة، لكنه شعر يومها بأن من مسؤوليته تجاه الشعب الكويتي المظلوم، أن يعاقب ضباط مخابرات صدّام حسين، الذين كانوا يرتكبون الأمور المعيبة بحق الشعب العراقي والتي استحي أن أذكرها. توجّه السيد مصطفى وقام بقتل هؤلاء الظالمين، وبقي هناك يقاوم ضباط مخابرات صدام حسين، حتى ليلة القصف الأمريكي على بغداد، أي قبيل بدء الأمريكيين حربهم. وقد قال لي الشخص الذي أقلّه بأنه يومها قال للسيد مصطفى تعال لنؤدّي الزيارة، لأنه لا يمكن ردع السيد مصطفى عن المشاركة في ميدان للمواجهة. وبعد لحظات استفسر السيد مصطفى بأن الطريق نحو الزيارة بغير الاتجاه الذي يسيرون فيه، عندها كانت الساعة قد صارت الـ 12 منتصف الليل، فقال له السائق: "اسمع ماذا سيحصل الآن"، وعندها أغارت الطائرات الأمريكية على العراق.

السيد مصطفى آل على نفسه ألا يترك الكويت محتلة من ضباط مخابرات صدام القاسين والظلمة، وهو واجهم. وهو الذي أسس المقاومة الكويتية وأنشأها وجعل لها فعاليتها.

انا أعطيك فكرة عن كيف لشخص كان مسجوناً في بلد غير بلده، ويؤسس مقاومة فيه. وهكذا هم هؤلاء الإخوان في لبنان. وقد تسألني من أين تم إحضار السلاح، لقد أحضروه من أيدي الضباط العراقيين أنفسهم، من المخابرات العراقية.  بدأ بمجموعة من السلاح يسيطر عليها ويأخذها، وهكذا حتى صار لديهم اي المقاومة الكويتية إمكانات فاعلة، وقد آذوهم للمخابرات الصدامية.

كان لدى السيد مصطفى كما قلت سابقا، عنفواناً عالياً ونخوة كبيرة، أتذكر آنذاك أنه كنا قد صلينا صلاة الجمعة، في العام 1982، وقرأنا دعاء كميل في مسجد الإمام الرضا (ع)، وسرنا ثلاثة اشخاص، ووصلنا لقرب مسجد الإمام الحسين (ع) في منطقة الشياح، وصادفنا حشداً لأناس هناك، فنظرت بطرف عيني ووجدت دورية لمخابرات جيش أمين الجميل آنذاك، والذي كان جيشاً بإدارة أمريكية. بعد قليل لاحظت أن فوهة مسدس قد وضعت في ظهر أحد الإخوان الذين كنت أسير معهم. عندها تسربت بين حشد الناس -فهل أنتظرهم لكي يعتقلونني- فلأي مكان سوف أذهب؟ ذهبت فورا الى منزل والدي السيد مصطفى بدر الدين. فقلت له: يا سيد لقد اعتقلوا فلاناً وفلانا. فقالي لي: اصعد (قاصداً في السيارة). واستخدم السيد مصطفى سيارة والده بيجو 504 بحسب ذاكرتي كان لونها أزرق. أنا لم أكن حينها في العمل العسكري، فآنذاك من كان في الإتحاد او فيما وراء الإتحاد أي حزب الدعوة، بل اختارني لكي أكون في العمل الثقافي وليس الأمني والعسكري. وإلا فإن زملائي وأخواني الذي كانوا معي، فهم في نهاية المطاف قد صاروا مع السيد مصطفى ومع الحاج عماد، وبسبب اختياري للعمل الثقافي بقيت زميلهم لكن من موقع ثقافي وسياسي وإعلامي.

وبالعودة الى الحادثة، قال لي السيد مصطفى اصعد (في السيارة). فأجبته: وين بدي أطلع يا سيد. فأعطاني بندقية كلاشينكوف، وهو كان يحمل أيضا بندقية كلاشينكوف آخر، وذهبنا لتحرير أخوينا من دورية مخابرات جيش أمين الجميل آنذاك، التي كانت تضم حينها سيارة مرسيدس وكومن كار، وربما ملالة، ونحن فقط شخصين فقط بال 504، لكن خلص "عالنخوة" ساعتها لا تعود تفكر بشيء. قمنا بجولة في منطقة الشياح، لكنا لم نجدهم، الى حين وصولنا بالقرب من بوظة مرعي، فوجدنا أحد الشباب منهم قد أطلق سراحه، أما الشخص الآخر الذي بقي معتقلا حينها، فكان تابعاً لحركة فتح والذي يشتغل مع الحاج عماد، يومها جرى تحريره بالطريقة المناسبة.

الكتائب اللبنانية تحتجز الحاج عماد

يمكن من الامور التي نجى الله منها الحاج عماد، هو تخليصه من الكتائب اللبنانية، عندما تم احتجازه برفقة السيد محمد حسين فضل الله. والحمدالله الذي خلصه الله منها وبقي لنا لكي يواصل جهاده.

الحاج عماد يدخل المربع الأمني لجنبلاط ويعتقل عميلاً

عندما نتحدث عن الحاج عماد، لا نتكلم عن قائد يجلس خلف مكتب في غرفة مغلقة، هذا القائد كان متواجداً دائماً على الأرض (ميداني)، ففي العمليات يكون موجوداً ومشاركا. او مجموعة تريد اعتقال أحد العملاء، الحاج عماد موجود أيضاً. أنا أعرف إحداها، كان هناك عميل يقطن في منزل يقع ضمن الحرم الأمني لأحد الزعماء اللبنانيين الذي ما زال على قيد الحياة، وهو ما يتطلب النزول الى هناك لإحضاره (أي العميل)، فذهب الحاج عماد بنفسه وقام بإحضاره. وقد عرف هذا الزعيم فيما بعد، ان الحاج عماد قد أخذ هذا العميل، وكان هذا الزعيم يهابه كثيرا، وكان يعرف من هو الحاج عماد، انه وليد جنبلاط.

الحاج عماد يطلق27 قذيفة في عمر ال14

ماذا يمكن أن تقول لنا عن مشروع تحرير فلسطين عند الحاج عماد مغنية؟

الحاج عماد انتمى الى فصيل اساسي من المقاومة الفلسطينية، لأنه لم يرضخ مثله مثل العامليين (نسبة الى جبل عامل)، وهنا عندما اقول العامليين، ليس فقط اهل الجنوب، بل ايضا اهل البقاع، لا يستكينوا للعدوان، ولا يقبلون ان يكون على جوارهم كيان مجرم توسعي عدواني استيطاني إجلائي، معتدي كالكيان الصهيوني. ولذلك لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك قنوات لمواجهة هذا العدوان إلا عبر المقاومة الفلسطينية، فلذلك انتمى اليها. وقد حكى لي البعض عن إحدى المعارك، بأن الحاج عماد قاتل فيها قتالاً شرساً، وكان فتىً في حينها، اي ان عمره كان حوالي الـ 14 عاماً. يومها رمى بشكل متواصل 27 قذيفة B7، نعم لقد كان مقداماً منذ صغره.

إذا هناك قناعة تربينا عليها كلنا، ولا زلنا عليها حتى الآن، وهي: من يريد الاستقرار في هذه المنطقة، من يريد وحدة هذه المنطقة، من يريد سلام هذه المنطقة، يجب عليه أن يعمل لإزالة هذه الجرثومة، لأن هذه الجرثومة الآن هي تستكمل مشروع تحولها الى دولة يهودية، إذا طبّعت معها فهذا يعني تقسيم المنطقة، الى دويلات قائمة على أساس العرق والدين والمذهب والطائفة. لن تبقى هذه المنطقة موحدة. هذه الكيانات ستتناحر فيما بينها، وعندها ستلجئ هذه الكيانات اثناء تناحرها بالإسرائيلي، لتستمد منه القوة والغطاء، ويصبح عندها من يلعب في المنطقة بأسرها هو العدو الصهيوني، وهذا ما بدأنا برؤيته.

إذا حصل التطبيع سيتقسم لبنان الى 4 دويلات

على سبيل المثال بعض دول الخليج الآن، على قاعدة الخوف من إيران المذهبية والفارسية وما إلى ذلك، كل هذا الكلام الديماغوجي الذي نسمعه من أبواق امريكية وصهيونية، صارت تذهب (بعض دول الخليج) الى الاسرائيلي تطلب منه المؤازرة والدعم. وهذا ما سيحصل لو لا سمح الله، تم التطبيع مع هذا العدو، فيصبح لدينا 5 دويلات في سوريا، و4 دويلات في لبنان، وبالعراق والى آخره. فالتقسيم كان على وشك الحصول في العراق، لولا إرادة الجميع أن يكون موحداً. لذلك نحن قناعتنا، وعندما أقول نحن، أي الجيل الذي تربى على المبادئ التي تربى عليها الحاج عماد. ولكي تكون لبنانياً كاملاً، ولكي تكون وطنياً كاملاً، ولكي تكون اي شيء تريده. إذا أردت الحفاظ على بلدك، لا تقدر على ان تبقي لبنان موحداً، والكيان الصهيوني موجود، ابدا لن يتركك.

منذ فترة، كنت أتابع أحد الكتب الذي صدر حديثاً، وهو كتاب يبحث في الارشيف الصهيوني الذي فتح مؤخراً، لكي يرى الوكالة اليهودية كيف كانت تتغلغل في المجتمعات العربية، والكاتب هو من أصل فلسطيني اسمه محمد المحارب. وهو كتاب باللغة الانكليزية، عن كيف كانت الوكالة اليهودية تقوم بتشبيك علاقاتها وتقوم باختراق مجتمعات المنطقة، وهنالك مقالات ايضا صدرت لمن يرغب بذلك، مثلا كيف جرت الاختراقات في سوريا، مثل كيف فتحت حواراً مع الكتلة الوطنية ثم قامت باختراقها. ما اريد قوله بان هؤلاء الجماعة (الصهاينة) قبل قيام الكيان الصهيوني، كانوا يعملون على تفكيك المجتمعات العربية. فاذاً اليوم الحاج عماد الحريص على ان يكون بلده مزدهراً مستقلاً سيداً موحداً، كان يعي أن عليه مقاومة الجرثومة الاسرائيلية. وانا أستطيع ان اقول لك بكل ثقة، الحريص على وحدة لبنان وسلامه واستقلاله، فان موقعه الطبيعي سيكون مقاومة الجرثومة الاسرائيلية.

عند استشهاد الحاج عماد هل فقدت الأمل بتحرير فلسطين والقدس؟

لكي اكون صريحاً، نعم عند استشهاد الحاج عماد، الذي ذكرت لك سابقا باننا كنا نشعر منذ العام 79، باننا نعيش تحت مظلة إلهية المكلف فيها هو الحاج عماد، لاحقاً السيد مصطفى، نعم في تلك اللحظة، وجدت نفسك اعزلاً يتيماً امام الجبروت الامريكي الصهيوني. عندما قلت لك اكتئاب قبل بداية الحديث، اي اخذت فترة كي اعود لاستيعاب بانه نستطيع ان ننهض.

سماحة الامين العام قائد، يستطيع ان يصنع هذا الموضوع. لكن أنا صريح، انا لن أدعي شيئا لم اعيشه في تلك اللحظة. نعم انت عشت مع هذا الشخص منذ السبعينيات والثمانينيات حتى العام 2008 لحظة استشهاده، وفجأة هذا الشخص (بما يمثله) قد ذهب. يعني مثل شخص كان يعيش مع أب مع أخ أكبر، وفي الأخير قد فقده، الفقد عزيز. وما زلت حتى الآن، إخواني وأحبائي هؤلاء عشنا معهم ونعرفهم، أكثر مما أعرف أقربائي الخاصين، وطبعا كل بقدره وكل من موقعه. اي الذين اشتغلوا في الأمن والعسكر، عاشوا مع الحاج عماد تفاصيله، ونحن عشنا من موقع آخر معه ومع السيد مصطفى.

بعدها في عدد من الاختبارات، التي بدأت تطمئنك. انا اعتبر ان الاختبار القاسي، الذي هو بمثابة حرب مع العدو الصهيوني، الذي حصل اثناء معركة ترسيم الحدود البحرية، طبعا موضوع المشاركة في سوريا نقلنا الى موضوع آخر وقتال آخر، لكن ما اقوله الآن فيما يتعلق بالعدو الصهيوني. مثلا في الـ 2006، تجرأ الإسرائيلي بحيث قاس قدراته واعتقد بأنه يستطيع هزيمتك، يستطيع القضاء عليك الى حد ما، فسمح لنفسه ان يدخل الحرب.

في قضية الترسيم ما فعلناه كان سيؤدي الى الحرب

بالـ 2022، كنا أمام هذا الاختبار، هل سيجرؤ الإسرائيلي على الدخول في حرب معنا؟ لأنه ما فعلناه كان سيوصل الى الحرب. ففي ليلة من الليالي، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية، انه في الغد سيتم تشغيل منصة الاستخراج، وهذا ما لا تعرفه الناس في لبنان، هذا الأمر كان سيجعلنا نستفيق صباحا، على حرب. لأن سماحة الامين العام أعطى أوامر بأنه " إذا ينفتح هذا السِكِر (صنبور الأنبوب)، اعملوا شغلكم يا اخوان (المعنيين بمتابعة هذا الموضوع)". قامت الدنيا وقعدت، قبل طلوع الفجر، آنذاك مُنِعت وزارة الطاقة الإسرائيلية من إعطاء تصريحات صحفية، وتسلم الموضوع العسكر الاسرائيلي. في هذه المواجهة، العسكر والأمن الاسرائيلي جلسوا مع الكنيست، وقالوا لهم لا تورطونا بالحرب. عندما رُفع الموضوع الى المحكمة العليا، ذهب هؤلاء الضباط الى المحكمة العليا، ليقولوا لقضاتها لا تصلوا الى قرار يدخلنا في حرب. هذا نصر.

أنت اليوم بتفاديك للحرب، وتحقيقك الإنجاز، الدولة اللبنانية التي طالبت بخط 23 واستطاعت أخذه، وما كانت تحلم بالوصول اليه، وألا تقع الحرب، هو انتصار.

ولذلك انا اقول لك نعم، هذا ما جعلني اشعر انه ان شاء الله، بعد الحاج عماد وبعد السيد ذو الفقار، هناك جيل من التلامذة، جيل من الرفاق، جيل من الإخوان، بنى قوة عسكرية، يستمر بناؤها الآن بالحديد وبالنار، وبالتضحيات من جانب الإخوان في إيران، وبالتضحيات من جانب الإخوان في سوريا، الذين يقدمون شهداء. في عدد من الشهداء في سوريا، من ضباط وخبراء، منهم شهيد قتله الاسرائيليون العميد محمد سليمان، وهناك شهيد عالم اسمه عزيز إسبر قتلوه في حلب، وبالتالي هذه المسيرة كلها هي بناء القوة، قوة الردع التي يمتلكها لبنان بحمايه نفسه من عدوان اسرائيلي مدمر.

قلنا للأوربيين: حضّروا أنفسكم لملايين اللاجئين الإسرائيليين 

كان يقال لنا اثناء عملنا في موضوع الترسيم، كان المبعوثون يقولون لنا، سيمسح لبنان، أحدهم مرة قال لي: الإسرائيليون سيمحقون لبنان، من الناقورة الى طرابلس، طرابلس ستدمر، إبادة للبنان.  يوم ذاك قلت له من دون تردد، لا مشكلة. لكن تأكد بأن الكيان الصهيوني سيشهد تدميراً، لم يشهده في تاريخه، وليستطيع القيام من هذا التدبير من بعدها. ثم قلت له بانكم أنتم الان مربكين باللاجئين الأوكران، حضّروا أنفسكم لملايين من اللاجئين الاسرائيليين الذين سيصلون الى مطاراتكم والى موانئكم.

 هل كنت لأستطيع الحديث بهذا الكلام، لولا وجود سماحة الأمين العام وعزمه، ورفاق الحاج عماد ومن خلفه.

 لذلك إن سماحة السيد في إحدى المرات، قال لي ولأحد الإخوة (المتابعين بالملف): أحسنتم -وذلك أثناء معركة ترسيم الحدود البحرية - هذا جيد الذي تمّ قوله. فانا أجبته مولانا انت الذي تشكرنا، هذا الإخوان اي المقاومين هم الذين قاموا بالإنجاز، أنت الذي حرّكت آلة حرب.

السيد نصر الله: عشرة آلاف أضيفوا الى المئة ألف مقاتل

السيد حسن قائد 100 ألف فارس، 100 ألف سيف، 100 ألف درع، 100 ألف مقاتل. طبعاً لقد صاروا أكثر من ذلك، وقد قال (السيد نصر الله) في أحد اللقاءات بأن العدد قد زاد 10 آلاف. إذا هذا ببركة من؟ فيك تتجاوز أمام حدث من هذا النوع عن الحاج عماد والسيد مصطفى ورفاقهما، ونحن اتفقنا عندما نتحدث عن الشهداء، اي الشهيدين العزيزين نعني كل إخوانهم. فمثلا انا أمنيتي ان أتحدث عن أبو فلان وعن السيد فلان، فهؤلاء أعرف ماذا ساهموا وماذا يعملون. لكن هؤلاء الإخوة مكتوبٌ لهم، أن لا يُعرفوا إلا بعد استشهادهم، أطال الله بعمرهم وارواحنا لهم فداء. السيد نصر الله قال ذات مرة: انا آمل ان تأخذ حياتي ويبقي على الحج قاسم. والله العظيم بنفس النقاء والصفاء، أنا اقول لك، والله لو خيرنا في حياة الحاج عماد، وقيل لي بانه اريد حياة، لا أتردد في أن أتنازل عن حياتي، من أجل حياة هؤلاء الاخوان، الذين كتبوا عزتنا، ورفعوا رايتنا، وقاموا بتأمين أماننا وسلامنا واستقرارنا حتى الآن. نعم افهم عندما يقول الامين العام ذلك، وافهم جوهره كذلك.

علما فيما يخصنا نحن، لا نستغني عن سماحه الامين العام، ولسان قولنا وحالنا جميعا لا حياة بعدك يا سماحة السيد، ولا أحيانا الله في زمان ليس فيه سماحة السيد، لأنه من اختار له هذا الاسم لم يخطئ ابدا، هو نصر من الله وهذا النصر حسن. وعماد ايضا، الذي عليه تقوم الأشياء، والسيد مصطفى الذي اسمه يكاد أن يكون صلوات على محمد وآل محمد.

 ماذا تخبرنا عن آخر التطورات في ملف الترسيم، هل هناك أي تأخير او مماطلة؟

سماحه السيد الله يحفظه حقق هذا الانجاز وتحدّث عنه، ولا يُضاف شيئاً على ما قاله. اما ما قاله (خلال خطاب إحياء ذكرى القادة الشهداء)، فهو يواصل تعزيز الإنجاز، وسدّ الثغرات التي يمكن ان يُنفذ اليها، للانقلاب على الإنجاز، من خلال التسويف ومن خلال المماطلة. وقد رأينا كيف هرع المعنيون من لبنانيين وغير لبنانيين، على ان العملية جارية من دون أي تعطيل ومن دون اي تأخير. وهذا الأمر جيد (موضوع تهديد الأمين العام)، يجب أن يدرك الجميع بأن هذا الانجاز الذي حققته المقاومة، لم تحققه وجلست جانباً، حققته وستبقى حريصة عليه، حتى إنجازه وتمامه، بحيث تصل آثاره الاقتصادية الى المستضعفين والى الشعب اللبناني.

القرار الأمريكي بإرهاق لبنان ورميه في دائرة الفوضى والحرب الاهلية

ماذا عن المعادلة الأخيرة التي أعلنها السيد نصر الله؟

 نعم معروف أن هناك قراراً أمريكيا، بإرهاق اللبنانيين، وأن هذا القرار يمكن ان يصل الى الحد الذي يعني رمي لبنان في دائرة من الحرب الأهلية ومن الفوضى. هنا ما يقوله سماحة الأمين العام، والله إن الحرب مع العدو الاسرائيلي أشرف وأفضل وأعز وأكرم وأقل خسائر، مما لو وقعت الحرب الأهلية، عندما توضع بين خيار حرب الأهلية وحرب مع العدو، من هو العاقل الذي لا يذهب الى حرب مع العدو، ويذهب الى مقاتلة نفسه.

ها هي الولايات المتحدة الأمريكية، إن أحد خياراتها الآن، التي تستخدمها في تكبير- طبعا لها اهدافها الاستراتيجية من وراء إغراق الاتحاد الروسي في اوكرانيا، لا أحد يناقش في هذا الموضوع- لكنها ايضا التي يُجمع فيها الكثير من الباحثين على اقتراب الحرب الأهلية فيها، ترى في تضخيم الخطر الروسي والخطر الصيني، وسيلة لتجنب الحرب الأهلية. ومن الممكن أنها تقوم بالإيهام في سبيل هذا الموضوع، لأنه لا الصين ولا الاتحاد الروسي يشكلان تهديدا أمنيا لها.

إسرائيل بدون أمريكا ودعمها لن تبقى ساعة واحدة

 نحن لا نريد اختراع عدو، هناك عدو متربص بنا، وهنا تأتي القيمة، فأمريكا عندما تمسكك باليد التي تؤلمك، أين تستطيع الامساك بهم هل تذهب إليهم لا تستطيع ذلك، هناك إسرائيل.

على الجميع ان يعرف واعتقد أن الجميع يعرف ذلك، لا يستطيع الكيان الصهيوني ان يبقى ساعة واحدة، إذا ما رُفع عنه الدعم الامريكي. 

إذا فرضوا علينا الفوضى والحرب سوف ننقل الحرب الى أمريكا وإسرائيل

ففي الـ 10 أيام الأولى من حرب تموز عام 2006، فرغت الترسانة الصاروخية الإسرائيلية، فاضطروا آنذاك الى ارسال الذخيرة إليهم من القواعد الأمريكية من الولايات المتحدة، وأن يرسلوا الصواريخ لهم لاستكمال الحرب. 23 يوما من تاريخ بدء الحرب، كانت القوات الإسرائيلية تستخدم ذخائر آتيه للتو من المخازن الأمريكية، استنفذت، هذا معروف، راجعوا، كتب هذا الموضوع علنا. وهذا أدى الى مخالفة قوانين الطيران المدني، خصوصا في بريطانيا، التي استخدم فيها مطارا مدنيا لنقل الصواريخ، وهذا مخالف للقانون البريطاني. اضطروا لمخالفه قوانينهم اي حلفاء الكيان الصهيوني، لأنه خلال 10 ايام فقط، استنفذ الجيش الاسرائيلي ذخيرته، 10 ايام لم يستطع الاستمرار دون دعم.

  لذلك انا اقول لك لا يستطيع الكيان الصهيوني البقاء من دون هذا الدعم. ولذلك عندما تواجهنا الولايات المتحدة الأمريكية، وتريد أن تفرض علينا الجوع والفوضى والحرب الأهلية، لا. فمن الافضل ان ننقل الحرب إلى دارها، ودارها هو الكيان الصهيوني.


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور