الثلاثاء 05 تموز , 2022 03:13

هآرتس: لا يمر يوم لا ترد فيه إيران على "إسرائيل"

الحرب السيبرانية

تشتد حدة المواجهات الخفية بين إيران وكيان الاحتلال في الآونة الأخيرة. ضمن إطار الرفض المستمر للأخير بعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي ويعتبر نفسه غير معني بأي "صفقة" من شأنها ان ترفع العقوبات عن طهران. ومع تصاعد حدة العمليات السيبرانية بين الجانبين، تشير صحيفة هآرتس في مقال لها إلى أنه "عندما أدركت إيران بأن إسرائيل والولايات المتحدة تديران ضدها حرب سايبر، بدأت بالرد. بنوك أمريكية تضررت، وكذلك حواسيب شركة النفط السعودية "أرامكو". لا يمر يوم لا ترد فيه إيران على إسرائيل بحرب ضروس، حتى لو كان ذلك بنجاح قليل".

النص المترجم:

حق الاختراع محفوظ لوزير الدفاع، بني غانتس، على اختراعه المفهوم الجديد "إرهاب السايبر". في خطاب ألقاه في مؤتمر السايبر الدولي في تل أبيب الأربعاء الماضي، قال إن "إيران هي رائدة إرهاب السايبر". وأضاف إلى ذلك تهديداً، وكأنه لا تكفي تهديدات زعماء إسرائيل، ورئيس الأركان، ورئيس الموساد، التي يسمعونها صباح مساء "إيران تستخدم امتداداتها أيضاً في مجال السايبر. الامتدادات الجديدة على شكل إرهابيين بلوحة مفاتيح، وحكمهم هو حكم أعضاء منظمات إرهابية أخرى".

يبدو أن لا حدود لرغبة إسرائيل في استخدام كلمة "إرهاب" التي تجذرت في الحرب الفرنسية في السنوات التي سميت "حكم الإرهاب"، والتي كان مهندسها مكسمليان روبسبير. التفسير اللفظي للكلمة هو "الخوف"، ومع مرور السنين أخذت معنى لفرض الرعب بواسطة عملية عنيفة، بالأساس ضد مدنيين، هدفها زرع الخوف بهدف تحقيق هدف سياسي أو عسكري أو شخصي. هكذا جاء مفهوم "نشاطات إرهابية" إلى عالم المصطلحات الإسرائيلية، الذي يترجم للعبرية أيضاً بـ "العمليات التخريبية".

لأن الإسرائيليين، القيادة السياسية والعسكرية بشكل خاص، يعشقون هذه الكلمة لأنها تعزز البرانويا والحيونة، فقد أضيفت إلى الإرهاب العادي اشتقاقات عبثية: "إرهاب سياسي" و "إرهاب قانوني". وقد استهدفت إنكار حقوق الفلسطينيين في النضال ضد الاحتلال بوسائل دبلوماسية؛ للضغط أو التأثير على دول لتغيير موقفها من إسرائيل، أو وسائل قانونية مثل تقديم دعاوى ضد أعضاء جهاز الأمن في محكمة الجنايات الدولية. ولكن هذه الجهود للفلسطينيين لا تعتبر إرهاباً. بل عكس ذلك تماماً. من يستخدم وسائل دبلوماسية أو قانونية، أو حتى يطالب بمقاطعة إسرائيل، لا يعتبر إرهابياً، هو دبلوماسي أو قانوني أو ناشط في “بي.دي.اس”، الذي امتنع عن تنفيذ عمليات إرهابية.

واستخدام السايبر لا يعتبر إرهاباً، بل وسيلة تحولت في السنوات الأخيرة إلى وسيلة منتشرة أكثر لتحقيق أهداف كثيرة ومتنوعة. هو يساعد الخارجين على القانون على تنفيذ جرائم اقتصادية مثل سرقة الأموال والاحتيال ومخالفات جنسية؛ ويمكن من سرقة الهويات وتقمص شخصيات آخرين وسرقة معلومات، ويمكن بمساعدته نشر معلومات كاذبة في محاولة لتشويه الواقع وخلق "حقيقة بديلة"؛ وسائل السايبر يمكن أن تؤثر على وعي الجمهور في محاولة لتغيير نتائج انتخابات، مثلما حاولت روسيا في عهد فلاديمير بوتين في الانتخابات الأمريكية في 2016 وفي بريطانيا وفرنسا ودول ديمقراطية غربية أخرى.

على الصعيد العسكري والأمني يجب التحدث عن السايبر بمصطلحات حربية وليس إرهابية. فمنذ الحرب العالمية الأولى جرت الحرب على ثلاثة مستويات، البر والبحر والجو. وقبل عشرين سنة تقريباً بدأ يتطور بُعد رابع، وهو السيبراني، والآن تم إضافة بُعد خامس أيضاً وهو الذكاء الاصطناعي.

الضرر الذي يمكن لحرب السايبر أن تتسبب به للعدو كبير، وقد تؤدي إلى موت مئات الآلاف؛ إذا تم إبطال مفعول منظومات الحواسيب في المستشفيات فسيموت أشخاص. وبدلاً من إطلاق صاروخ يصيب محطة كهرباء، يتم اختراق حواسيب تلك الدولة. وإذا تم شل محطة طاقة نووية فقد ينبعث غبار مشع. وإذا تم التشويش على حواسيب السدود فستحدث فيضانات. وإذا تم إخراج حواسيب شركات المياه من الخدمة فيمكن تسميم مصادر المياه مثلما كشف عن ذلك نائب قائد الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية في الأسبوع الماضي في مؤتمر السايبر نفسه في تل أبيب.

ليس عبثاً أن ترتكز صلاحية الرئيس الأمريكي بإعطاء الأمر لاستخدام حرب السايبر ضد دولة معادية على صلاحيته في استخدام السلاح النووي. أضرار حرب السايبر أو إلقاء قنبلة نووية قد تكون متشابهة، لكن مع فرق واحد وهو أن حرب السايبر لا تترك أي آثار. فهي حرب خفية عن الأنظار، وتسمح بمجال لنفي المسؤولية عن العمل.

إسرائيل والولايات المتحدة (بعد ذلك الصين وروسيا) كانتا أول من أدرك ذلك، وطورتا قدرات تكنولوجية بعيدة المدى. وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية والـ "ان.اس.آي" وقيادة السايبر الأمريكية، استخدمتا حرب السايبر ضد إيران. حدث هذا في 2008 و2009 عندما تم إدخال فيروس باسم "ستوكسنت" إلى الحواسيب التي شغلت أجهزة الطرد المركزي في موقع لتخصيب اليورانيوم في نطنز. تسبب "تسميم" الحواسيب بالضرر لنحو ثلث هذه الأجهزة. وطورت إسرائيل قدراتها منذ ذلك الحين، ويتم توجيه ضربات سايبر لحواسيب هذه المواقع وقواعد الجيش والبنى المدنية الحيوية في إيران، المنسوبة للموساد ووحدة 8200. تم شل حركة السفن في ميناء بندر عباس، ومثلها محطات الوقود ومحطات القطارات...

عندما أدركت إيران بأن إسرائيل والولايات المتحدة تديران ضدها حرب سايبر، بدأت بالرد. بنوك أمريكية تضررت، وكذلك حواسيب شركة النفط السعودية "أرامكو". لا يمر يوم لا ترد فيه إيران على إسرائيل بحرب ضروس، حتى لو كان ذلك بنجاح قليل.

لذلك، فإن اتهام غانتس لإيران بـ "إرهاب السايبر" نفاق. إذا كان ما تقوم به إيران إرهاباً فإن نشاطات إسرائيل إرهاب أيضاً. هذه تصريحات هراء، ومن الأفضل عدم القيام بشيطنة العدو، لأن حرباً سرية تدور بين إيران وإسرائيل منذ عشرين سنة، تستخدم فيها جميع الوسائل، بما في ذلك حرب السايبر.


المصدر: هآرتس

الكاتب: يوسي ميلمان




روزنامة المحور