الثلاثاء 30 آب , 2022 05:46

وأد الفتنة في العراق

الفتنة في العراق

فور انتهاء خطاب زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، انسحب أنصاره المسلحون من محيط المنطقة الخضراء، بعدما أن قام بإمهالهم 60 دقيقة للانسحاب منها، ومن أمام البرلمان بالتحديد وإلغاء اعتصامه، وإلا فإنه سوف يتبرأ منهم. لينهي بذلك يوماً ساخناً وأسوداً شهده العراق، كان مصدر تشفٍ لإعدائه وأعداء شعبه، من دول خليجية وصولاً الى الكيان المؤقت.

وبالعودة الى خطاب السيد الصدر، فقد جاء مقتضباً لكنه تضمن مواقف واضحة ومفاجئة، أكدّت على حقيقة واحدة، وهي بأن التيار الصدري وسرايا السلام هم الخاسر الأول مما حصل في الفترة الأخيرة.

كما كشف السيد الصدر من خلال خطابه، بأنه لم يكن راضياً عما تطورت اليه الأمور ووصولها الى الاشتباك المسلح، حينما قال بأن القاتل والقتلى بالأمس هم في النار، وبأن ثورة التيار بعد سقوط الدماء لم تعد بثورة، مؤكداً على أن الحشد الشعبي لا علاقة به بما حصل. وهذا ما يمكن إرجاعه الى وجود انقسام في الآراء داخل التيار، بحيث يتخذ بعض قادته قرارات غير مسؤولة أو حكيمة، كما حصل بموضوع استقالة نواب التيار.

فحينها ظن السيد مقتدى وفقاً لاقتراحات مستشاريه، أن بإمكانه استخدام استقالات نواب التيار الـ 73، كورقة ضغط لتحصيل مكاسب سياسية وتفاوضية، بحيث يضمن بأنها لن تقبل إلا بعد 40 يوماً. لكن ما حصل هو أنها قبلت في اليوم التالي لتقديمها، وعندها استشاط السيد مقتدى غضباً بمستشاريه، موجهاً لهم عبارات التأنيب والتقريع.

آخر المعطيات حول ما حصل بالأمس

_ أن المواجهة كانت حصراً بين سرايا السلام والقوى الأمنية التي أخرجتهم بالقوة من داخل القصر الحكومي والساحات المحيطة به، وفرضت حظرا للتجوال في العاصمة وفي جميع المحافظات العراقية.

_ يتحمل رئيس الحكومة المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي المسؤولية الكبرى حول ما حصل في الفترة الماضية، من خلال تهاون وتراخي الأجهزة الأمنية في القيام بواجبها في حفظ أمن المؤسسات العامة والدستورية، وسماحها لأنصار التيار باقتحام هذه المؤسسات.

_ اقتصرت المواجهات على منطقة لا تتعدى مساحتها 10 كيلومترات مربعة من المنطقة الخضراء، بحيث لم تتمدد الاشتباكات الى كل مناطق العاصمة وحتى كل المحافظات، واستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

_ سقط 30 قتيل وأصيب 700 آخرون جراء هذه الاشتباكات، ومن بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية.

_ كان لوسائل الإعلام الخليجية والأمريكية، كقنوات الحدث والعربية والحرة، دوراً أساسياً في التحريض وبث خطاب الفتنة والكراهية والإشاعات والمعلومات المضللة، حول ما يحصل في العراق. وكان لافتاً اهتمام الشخصيات ووسائل الإعلام الإسرائيلية لما حصل، بحيث لم يخفوا شماتتهم وفرحتهم بسبب حصول هذه الأحداث.

_ ويتحمل المجتمع الدولي بمؤسساته لا سيما بعثته الخاصة الى العراق، المسؤولية الكبيرة عما حصل في الآونة الأخيرة من أحداث، لأنها لم تلتزم الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد، كما لم تتدخل بشكل جدي لإيجاد مخارج سلمية لهذه الأزمة السياسية، التي ساهمت في صنعها أيضاً.

_ كما كان موقف العشائر والشعب العراقي مهم جداً، لناحية عدم الانجرار للخطاب التحريضي ووأد الفتنة.

_ وبالتالي فإن من شارك في أحداث الأمس، كانوا جماعات صغيرة لا تمثل الأكثرية الشعبية، فكان من بينهم أيضاً أشخاص تابعين لحزب البعث البائد، الذين استغلوا تحركات أنصار السيد مقتدى لتوتير الأجواء أكثر فأكثر.

_ كما حاول تنظيم داعش الوهابي الإرهابي، الاستفادة من انسحاب قوات سرايا السلام من مدينة سامراء المقدسة وانتقالها نحو بغداد، لكي يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية هناك، لكن الحشد الشعبي تصدى لهم واستطاع إجهاض هذه المحاولة.

_ أكدت مصادر عديدة على وجود مفاوضات بين الأطراف، تهدف للتوصل إلى اتفاق يُجنب البلاد الانزلاق نحو دوامة العنف عبر الحوار.

الانعكاسات

بالتأكيد سيكون لهذه الأحداث الأليمة تداعياتها المهمة على العراق على صعيد الكثير من النواحي أبرزها:

_ التراجع الكبير في شعبية التيار الصدري، خصوصاً لناحية عدم احترام سرايا السلام لأجواء أربعينية الإمام الحسين (ع)، وبسبب ارتكاب التيار العديد من الأخطاء والخطوات غير المحسوبة النتائج، وتكرار اعتزال السياسة للمرة الـ 7 منذ تأسيسه.

_ إدراك جميع القوى السياسية أن الخاسر الأكبر من أي مواجهة عسكرية داخلية هو الشعب العراقي، فيما سيكون الرابحين الوحيدين هم أعداء البلد.

_ أنه من المهم جداً تشكيل حكومة عراقية تتولى زمام الأمور، غير حكومة الكاظمي، الذي بات يشكل طرفاً يستفيد من توتير الأجواء الداخلية بدل تحملّه لمسؤولية منع الانزلاق اليها.


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور