الجمعة 24 شباط , 2023 02:43

هل ينجح مقترح الصين لحل الأزمة ما بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب؟

وزارات الخارجية الصينية والروسية والأوكرانية

قدمت وزارة الخارجية الصينية اليوم الجمعة، وثيقة بعنوان "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، تقترح فيها 12 بنداً للتسوية بين الطرفين. وذلك بعد زيارة أجراها مسؤول السياسة الخارجية الصينية "وانغ يي" الى موسكو، تخللها لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي أكد بعدها "وانغ يي" استعداد بلاده للعب دور "محايد وبنّاء" بين روسيا وأوكرانيا.

ومن اللافت في هذه الوثيقة، أنها تضمنت بنوداً يمكن وصفها بالليبرالية، بحيث تحتكم الى المؤسسات الدولية كمشرفة على أغلب البنود، كما تدعو إلى استئناف محادثات السلام، وإنهاء العقوبات الأحادية الجانب، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، في موقف يشكل انتقاداً واضحاً بشكلٍ مبطّن للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى، مشددةً على معارضتها لاستخدام الأسلحة النووية.

بنود المقترح الصيني

1)احترام سيادة جميع الدول. يجب التقيد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالميا، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويجب التمسك بشكل فعال بسيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية. جميع البلدان، كبيرة كانت أم صغيرة، قوية أم ضعيفة، غنية أم فقيرة، أعضاء متساوون في المجتمع الدولي. يجب على جميع الأطراف التمسك بالمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية والدفاع عن العدالة والعدالة الدولية. وينبغي تعزيز التطبيق المتكافئ والموحد للقانون الدولي، بينما يجب رفض المعايير المزدوجة.

2)التخلي عن عقلية الحرب الباردة. لا ينبغي السعي وراء أمن بلد ما على حساب الآخرين. لا ينبغي تحقيق أمن المنطقة من خلال تعزيز أو توسيع الكتل العسكرية. يجب أخذ المصالح والشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد ومعالجتها بشكل صحيح. لا يوجد حل بسيط لقضية معقدة. يجب على جميع الأطراف، باتباع رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، مع مراعاة السلام والاستقرار على المدى الطويل في العالم، المساعدة في تشكيل هيكل أمني أوروبي متوازن وفعال ومستدام. يجب على جميع الأطراف معارضة السعي لتحقيق الأمن على حساب أمن الآخرين، ومنع المواجهة بين الكتل، والعمل معًا من أجل السلام والاستقرار في القارة الأوروبية الآسيوية.

3)وقف الأعمال العدائية. الصراع والحرب لا يفيدان أحدا. يجب على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وتجنب تأجيج النيران وتفاقم التوترات، ومنع الأزمة من المزيد من التدهور أو حتى الخروج عن نطاق السيطرة. يجب على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا في العمل في نفس الاتجاه واستئناف الحوار المباشر في أسرع وقت ممكن، من أجل تهدئة الموقف تدريجيًا والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف شامل لإطلاق النار.

4)استئناف محادثات السلام. الحوار والتفاوض هما الحل الوحيد القابل للتطبيق للأزمة الأوكرانية. يجب تشجيع ودعم جميع الجهود التي تفضي إلى التسوية السلمية للأزمة. يجب على المجتمع الدولي أن يظل ملتزماً بالنهج الصحيح لتعزيز المحادثات من أجل السلام، ومساعدة أطراف النزاع على فتح الباب أمام تسوية سياسية في أقرب وقت ممكن، وتهيئة الظروف والمنصات لاستئناف المفاوضات. ستواصل الصين لعب دور بناء في هذا الصدد.

5)حل الأزمة الإنسانية. يجب تشجيع ودعم جميع التدابير التي تؤدي إلى تخفيف الأزمة الإنسانية. يجب أن تتبع العمليات الإنسانية مبادئ الحياد وعدم التحيز، ولا ينبغي تسييس القضايا الإنسانية. يجب حماية سلامة المدنيين بشكل فعال، وإنشاء ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين من مناطق النزاع. هناك حاجة إلى بذل جهود لزيادة المساعدة الإنسانية للمناطق ذات الصلة، وتحسين الظروف الإنسانية، وتوفير وصول سريع وآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، بهدف منع حدوث أزمة إنسانية على نطاق أوسع. يجب دعم الأمم المتحدة في لعب دور تنسيقي في توجيه المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع.

6)حماية المدنيين وأسرى الحرب. على أطراف النزاع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، وتجنب مهاجمة المدنيين أو المنشآت المدنية، وحماية النساء والأطفال وغيرهم من ضحايا النزاع، واحترام الحقوق الأساسية لأسرى الحرب. تدعم الصين تبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتدعو جميع الأطراف إلى خلق ظروف أكثر ملاءمة لهذا الغرض.

7)المحافظة على سلامة محطات الطاقة النووية. تعارض الصين الهجمات المسلحة ضد محطات الطاقة النووية أو غيرها من المنشآت النووية السلمية، وتدعو جميع الأطراف إلى الامتثال للقانون الدولي بما في ذلك اتفاقية الأمان النووي (CNS) وتجنب الحوادث النووية التي من صنع الإنسان بحزم. تدعم الصين الوكالة الدولية للطاقة الذرية في لعب دور بناء في تعزيز سلامة وأمن المنشآت النووية السلمية.

8)تقليل المخاطر الإستراتيجية. يجب عدم استخدام الأسلحة النووية وعدم خوض حروب نووية. يجب معارضة التهديد باستخدام الأسلحة النووية. يجب منع الانتشار النووي وتجنب الأزمة النووية. تعارض الصين البحث والتطوير واستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية من قبل أي دولة تحت أي ظرف من الظروف.

9)تسهيل تصدير الحبوب. يتعين على جميع الأطراف تنفيذ مبادرة حبوب البحر الأسود التي وقعتها روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة بشكل كامل وفعال وبطريقة متوازنة، ودعم الأمم المتحدة في لعب دور مهم في هذا الصدد. تقدم مبادرة التعاون بشأن الأمن الغذائي العالمي التي اقترحتها الصين حلاً عمليًا لأزمة الغذاء العالمية.

10)وقف العقوبات الانفرادية. لا يمكن للعقوبات الأحادية والضغط الأقصى أن يحل المشكلة؛ هم فقط يخلقون مشاكل جديدة. تعارض الصين فرض عقوبات أحادية الجانب غير مصرح بها من قبل مجلس الأمن الدولي. يجب على الدول المعنية التوقف عن إساءة استخدام العقوبات الأحادية و "الولاية القضائية طويلة المدى" ضد البلدان الأخرى، وذلك للقيام بدورها في تخفيف حدة الأزمة الأوكرانية وتهيئة الظروف للبلدان النامية لتنمية اقتصاداتها وتحسين حياة شعوبها.

11)الحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد. يجب على جميع الأطراف الحفاظ بجدية على النظام الاقتصادي العالمي الحالي ومعارضة استخدام الاقتصاد العالمي كأداة أو سلاح لأغراض سياسية. ويلزم بذل جهود مشتركة للتخفيف من تداعيات الأزمة ومنعها من تعطيل التعاون الدولي في مجالات الطاقة والتمويل وتجارة الأغذية والنقل وتقويض الانتعاش الاقتصادي العالمي.

12)تشجيع إعادة الإعمار بعد الصراع. يحتاج المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير لدعم إعادة الإعمار بعد الصراع في مناطق الصراع. والصين على استعداد لتقديم المساعدة والقيام بدور بناء في هذا المسعى.

وسائل إعلامية غربية تشكك بالحياد الصيني

سريعاً، توالت الردود السلبية على هذه الخطوة الصينية، من قبل الوسائل الإعلامية الغربية. فموقع قناة الـ CNN الأمريكية نشر مقالاً، تم التشكيك فيه بحيادية الصين، عندما عدّ الوثيقة كجزء من جهود بكين الأخيرة لتقديم نفسها كوسيط سلام محايد، في الوقت الذي تكافح فيه لتحقيق التوازن في علاقتها "بلا حدود" مع موسكو والعلاقات المتوترة مع الغرب مع استمرار الحرب. مضيفاً بأنه "تم تقويض ادعاء بكين بالحياد بشدة بسبب رفضها الاعتراف بطبيعة الصراع - فقد تجنبت حتى الآن تسميته بـ "الغزو" - ودعمها الدبلوماسي والاقتصادي لموسكو".

أما صحيفة "فايننشال تايمز – Financial Times " الأنكليزية، فقد قالت بأن زعماء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وصفوا الاقتراح بالملوّث، لأن بكين "انحازت إلى جانب" في الصراع. ورجحت الصحيفة بأن لا تتلقى هذه الوثيقة الدعم في كييف حتى تنسحب روسيا من مساحات شاسعة من الأراضي التي احتلتها، وهي قضية لم يتم تناولها في ورقة الموقف المكونة من 12 نقطة (فيما غاب عنهم أن هذا الأمر يفترض أن يكون ضمن محادثات السلام التي تم اقتراحها في البند الـ 4 كإجراء سياسي طبيعي لما بعد وقف الأعمال العسكرية!). وهذا ما تقاطعت معه أيضاً، صحيفة "وول ستريت جورنال – Wall Street Journal".

روسيا لن ترفض أي مبادرة تفاوضية لكنها لن تثق بالغرب إطلاقاً

أما من الجانب الروسي، فمن المرجح كثيراً أن هذه الوثيقة قد لاقت موافقة مبدئية عليها من قبل الرئيس بوتين، وفقاً للموقف الروسي الواضح منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بفتح الباب أمام المفاوضات الثنائية بين الدولتين التي حصلت عدة جلسات منها في منطقة الحدود مع بيلاروسيا، والتي أجهضها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "بوريس جونسون". بل كانت موسكو سبّاقةً في التفاوض مع المعسكر الغربي حتى إلى ما قبل أيام من بدء العملية. لكن المعسكر الغربي كان دائماً ميالاً نحو المماطلة والتسويف والتهديد، وربما متوهماً بعدم استعداد بوتين لأخذ الخيار العسكري، حتى تفاجئ بخطوة الأخير التي غيرت كل الحسابات.

من جانب آخر، من المؤكد أن الرئيس بوتين لن يعطي الثقة هذه المرة للغرب، كما حصل في اتفاقيتي "مينسك 1" و "مينسك 2"، اللتان كانتا خطوتان غادرتان وتضليليتان من قبل الغرب، وهذا ما عبّر عنه بوتين في خطابه الأخير حينما قال: " الآن يعترفون بذلك علناً، ولا يشعرون بالخجل حيال ذلك. يبدو أنهم فخورون بل وحتى مستمتعين بغدرهم، بينما وصفوا اتفاقيات مينسك ونسق نورماندي (الذي نتج عنه اتفاقيتي مينسك 1 و2) بأنها عرض دبلوماسي وخداع. اتضح أنه طوال هذا الوقت، بينما كان دونباس مشتعلًا، بينما كانت الدماء تسفك، وبينما بذلت روسيا بصدق كل جهد لتحقيق حل سلمي (أريد التأكيد على كلمة "بصدق")، راهنوا على حياة الناس، وفي الواقع، كانوا يلعبون بالبطاقات المميزة، كما يقولون في دوائر معينة".


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور