الثلاثاء 18 نيسان , 2023 03:14

هل تتخلى الولايات المتحدة عن أوروبا؟

جو بايدن

 

في الوقت الذي تورّط فيه الولايات المتحدة أوروبا بحرب استنزاف مستمرة منذ أكثر من سنة، أثارت الحرب في أوكرانيا المفكرين والباحثين في الأمن القومي الأمريكي لناحية دعم أوروبا، إذ بدأوا بالضغط على الإدارة الأمريكية لتقليص التزامها تجاه أوروبا بشكل جذري، وإعادة التفكير في موقفها الأمني.

المنافسة الرئيسية هي ضدّ الصين

انضمّ إليهم مجموعة مؤثرة ممن يسمون "صقور الصين"، بقيادة المسؤول السابق في البنتاغون إلبريدج كولبي. يعتقد هؤلاء أن المنافسة الرئيسية هي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ضد الصين، ويجب على واشنطن تركيز جميع مواردها على تلك المواجهة. هم لا يدعون واشنطن للتخلي عن الناتو على الفور، ولكن يتعين عليها خفض قواتها في أوروبا وأن تحشد كل قواتها للتهديد الصيني. وإثارة إمكانية الانسحاب من الحلف. لكن في المقابل يتم طرح السؤال التالي: هل الاحتياجات العسكرية للمنطقتين هي نفسها؟ ذلك أنّ منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بسبب مسافاتها الشاسعة وتوجهها البحري، تتطلب في المقام الأول سفنا وطائرات، وليس قوات برية من النوع الذي تحتاجه أوروبا. ويضع كلا المسرحين مطالب على القدرات المشتركة، بما في ذلك الدفاع الجوي والصاروخي، والذخائر المتقدمة،

مغادرة الناتو

بعدما استنزفت الولايات المتحدة جيوش الدول الأوروبية ومواردها العسكرية والاقتصادية بسبب دفعها لتحمل تكاليف الحرب في أوكرانيا، بدأت تبرز كما لم تبرز من قبل أصوات دعاة فك الارتباط مع أوروبا بمغادرة الناتو. لكن في المقابل ثمة أصوات ترى أن مصالح الولايات المتحدة تمنع أي انفصال كامل عن أوروبا. خاصة إذا قررت روسيا مهاجمة إحدى دول البلطيق أو بولندا، فليس من المعقول بنظر هؤلاء أن تجلس الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي، فيما الصين تدعم روسيا.

تجنيد الناتو في الحرب مع الصين

يرى التيار المعارض لمغادرة الناتو بأن المزايا التي يقدمها الناتو لواشنطن لا تقتصر على تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتخطيط المشترك والمناورات، والتحليل المشترك. وتشكيل فرق الرد السريع السيبراني، إنها لا تقتصر على أوروبا، ذلك أن الولايات المتحدة ستطلب المساعدة من الناتو في حال الصراع الكبير مع الصين.

التزامات أوروبا الحالية في المحيطين الهندي والهادي

على الرغم من الرغبة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن أوروبا لا ينبغي لها أن "تنشغل بأزمات ليست لنا"، إلا أن ضربة كبيرة للقوات الأمريكية قد لا تترك خيارًا للقادة الأوروبيين سوى المساعدة. تقريبًا لحد الآن وقبل المواجهة الكبرى المحتملة، أرسل العديد من أعضاء الناتو، بما في ذلك كندا وفرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة، سفنا إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في عام 2021 وحده، كان هناك 21 عملية نشر من هذا القبيل. كما عمل حلف شمال الأطلسي على تعميق شراكاته المؤسسية مع أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية اعترافا بالتهديد الصيني. ليست كل عمليات النشر هذه مفاجئة. كان لفرنسا وجود طويل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ولا يزال لديها أكثر من 7 جندي هناك. كما أن للمملكة المتحدة علاقات تاريخية مع المنطقة، وعضويتها، مع أستراليا والولايات المتحدة، في الاتفاقية الأمنية الثلاثية التي ربطتها AUKUS مباشرة بأمن المحيطين الهندي والهادئ. كانت وثائق استراتيجية الناتو الرسمية واضحة في تحديد الصين كتهديد.

الميزة التنافسية لواشنطن: الأصدقاء والحلفاء

الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى النادرة التي تقدم شيئًا للعالم تهتمّ بمصالحها الذاتية بلا شفقة، وهو الأمر الذي أنزلها عن العرش العالمي بعدما أصبحت تكلفة الحروب بالوكالة تنقلب عليها. لعلّ الميزة التنافسية الرئيسية لواشنطن هي شبكتها العالمية المهيمنة من الأصدقاء والحلفاء، إلا أن النرجسية الأمريكية لم يعد لها سوى الانكفاء على نفسها بعدما امتصّت كافة الحلفاء.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور