السبت 22 آذار , 2025 12:08

حيرة أميركا: قراءة في التحليل النفسي لشخصية ترامب

الرئيس دونالد ترامب

يبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العُمر 78 عامًا، وهو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة، والسابع والأربعون أيضًا، وسيكون أكبر الرؤساء سنًا في تاريخ أميركا إذا عاش حتى نهاية رئاسته الثانية في 20 يناير 2029، إذ يصبح الرئيس الأكبر سنًا على الإطلاق حين سيشغل المنصب بعمر 82 عامًا وسبعة أشهر وستة أيام. هذا الموضوع يُثير نقاشًا متجددًا حول مدى ملاءمته لتولّي الرئاسة، لأنّ صحته الجسدية والعقلية كانت ومازالت موضوع نقاش عام، منذ الأيام الأولى لحملته الرئاسية في العام 2016 وكان حينها في السبعين من العمر عندما تولى المنصب للمرة الأولى، متجاوزًا رونالد ريغان الذي كان يعتبر الشخص الأكبر سنًا الذي تولى الرئاسة حتى ذلك التاريخ.

 خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، لم تهدأ التعليقات حول عمره ووزنه ونمط حياته وسلوكياته الحركية واللفظية، وتاريخه مع أمراض القلب والصحة الجسدية والنفسية، بعدما تحدّث العديد من الإعلاميين والكتّاب والمتخصّصين في الصحة العقلية بأن ترامب ربما يعاني من اضطرابات في الصحة العقلية، تتراوح من اضطراب الشخصية النرجسية إلى شكل من أشكال الخرف، الذي ينتشر في عائلته.

أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا في أميركا، أن غالبية الأمريكيين قلقون بشأن ما إذا كان رئيسهم لائقًا للخدمة لمدة أربع سنوات أخرى. وقد تعرض ترامب لانتقادات بسبب سريته وافتقاره إلى الشفافية فيما يتعلق بسجلاته الطبية وصحته. بدءًا من تاريخ 12 أكتوبر 2024، فهو لم يُصدر معلومات صحية أساسية منذ عام 2015، عندما بدأ الترشح للرئاسة لأول مرة، على الرغم من الوعد الذي قطعه في آب/ أغسطس 2024 بإصدار سجلات من فحص حديث، كما فعلت منافسته في الانتخابات كامالا هاريس، وكما هو معتاد بالنسبة للمرشحين الرئاسيين. خلال حملته الانتخابية لعام 2024، أظهرت استطلاعات الرأي عمومًا أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن ترامب أصبح كبيرًا في السن ليكون مؤهلًا لمنصب الرئيس. وأشار استطلاع آخر إلى أن ما يقرب من 80% من المشاركين فيه "غير متأكدين من أنه سيكون قادرًا على تولي فترة ولاية ثانية كاملة". كل هذه المعطيات تؤدي إلى مشكلة التخوّف مما قد يقدم عليه تحت وطأة العمر أولا، ثم التقلبات المزاجية والاضطرابات التي تتحكم بسلوكه (كالنرجسية والفوقية والاستعلاء والعدوانية) فهل سيستطيع الإمساك بدفة الحكم؟ أم أنه قد يأخذ أميركا نحو مغامرات سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية؟

تسعى هذه الدراسة التوصيفية المرفقة أسفل الملخص أدناه إلى معرفة الحالة النفسية للرئيس ترامب، وتشخيصها استنادًا إلى رأي الخبراء، وكيفية التعامل معها بناءً على معطيات السلوك والتفكير، مع رصد الزلات والأخطاء التي صدرت عن ترامب في محاولة للتنبّؤ بالسلوك السياسي له خلال السنوات القادمة بناءً على السلوك الحالي.

خلاصات

- يشير الانقسام المتزايد في دوائر السياسة الخارجية الأميركية إلى تحوّلٍ كبير في الدور العالمي لأميركا، يشكّل تحديًا للنظام العالمي الليبرالي أو الحر الذي طالما دافعت عنه هذه السياسة. يضع هذا الانقسام أنصار النظام الإمبريالي العالمي التقليدي، بزعامة الولايات المتحدة منذ عام 1945، في مواجهة الذين يفضلون استراتيجية إمبريالية تنافسية، تقوم على المصالح الحيوية.

- حالة ترامب اليوم مزيج من الاضطرابات العقلية التي تجعله يشوّه الواقع ويتّخذ قرارات عنيفة ومندفعة.

- يعاني ترامب من خوف وشكوك دائمة ممن حوله، فهو يشكّ في موظّفيه، ويتعامل مع أفراد عائلته بمزاجية يمكن ملاحظتها بسهولة خلال الصور والمشاهد، أحيانًا يكون شبه طبيعي ومرتاحًا، وأحيانا أخرى يبدو عصبيًا بالغ التجهّم لا يكاد يتحرك من فرط الجمود أو الغضب الدفين. ويبدو كأنه يخشى من تدبير الملفات له على غرار ما حصل خلال رئاسة بايدن، يتلعثم في الحديث ويهين الأشخاص ويستفز بسرعة. (راجع توصيفه بالشخص الذي يعاني من اضطرابات الشخصية النرجسية واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع واضطراب الشخصية بجنون العظمة).

- من الممكن أن يكون إعجاب ترامب بالأشخاص الناجحين مهنًيا مردّه إلى التأثّر الكبير بشخصية والده الذي ترك لديه مشاعر "الانبهار بآدائه المهني" إضافة إلى السعي لنيل رضاه. فقد رضي دونالد الفتى أن يذهب إلى أكاديمية تعليمية في نيويورك ذات طابع عسكري، "لأوضح له أنني أحترم سلطته" كما يقول ترامب.

- صرّح ترامب، أنه سيكون دكتاتورًا منذ أول يوم لتوليه الحكم. (أشرنا إلى قراراته بشأن إلغاء التشريعات الناظمة لشركات الوقود الأحفوري، وترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وسَنّ القوانين التي تسمح بنشر القوات في الشوارع الأميركية لقمع الحق الديمقراطي في الاحتجاج، وفصل الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، مع تحجيم حقوق العمال والنقابات العمالية وتقليص نظام الضوابط والتوازنات..) كل هذا يعني أن من الصعب فرملة اندفاعاته التي يسعى من خلالها لتحقيق أفكاره، خصوصًا في ظل وجود مستشاريه الداعمين والمؤيدين لكل ما يقوله. هذا يدلّ أيضًا، على أن إقناعه ببعض السياسات أو المشاريع الكبرى قد لا يجد أذنًا صاغية بسبب عناده وتمسّكه ببعض المواقف.

- يوم الجمعة 28شباط/فبراير 2025 استقبل ترامب الرئيس الأوكراني زيلنسكي في البيت الأبيض، حيث قام بإذلاله وأسمعه عبارات قاسية وجارحة ومذلّة أمام وسائل الإعلام. كان ذلك الحدث نموذجًا واضحا جدا لمعتقداته التي تقوده إلى سلوكيات غير متوقعة. وكان السؤال الأهمّ الذي طُرح: إذا كنتَ تسلك هذا السلوك الوقح والعدواني والفوقي والمتغطرس مع صديقك، فكيف سيكون سلوكك مع عدوك؟ هناك فرضيتان: إما السلوك الشرس نفسه، وإما سلوك مغاير ينبع من التحسّب لردات فعل الخصم.

- تعتبر استراتيجيته "التضخيم الصادق" جزءاً من فلسفته، حيث يمزج المبالغة والتفاؤل فيما يتعلق بمشاريعه، ليستطيع تشكيل تصورات إيجابية عنها، وزيادة قيمتها، وتحقيق النجاح. وهو يؤدي دوره "بطريقة منفتحة ومتفائلة ومهيمنة اجتماعيا، إنه دينامو، مدفوع، مضطرب، غير قادر على البقاء ساكنا" لأنه من السمات الأساسية لانفتاح السعي إلى المكافأة. فبسبب نشاط دوائر الدوبامين في الدماغ، يندفع الأشخاص المنفتحون إلى السعي وراء تجارب إيجابية، بهيئة موافقة اجتماعية، أو شهرة، أو ثروة. والواقع أن السعي في حد ذاته، أكثر من مجرد تحقيق الهدف الفعلي، هو ما يجده المنفتحون مرضياً للغاية.

- من المرجّح أن يصدّق ترامب بعض الأكاذيب، لأن الأوهام أكثر عدوى منها ولأنّ هشاشته العاطفية، التي تتجلى في عدم التسامح الشديد مع الحقائق التي لا تناسب رؤيته المتفائلة للعالم، تجعله عُرضة لدوامات ذهانية.

- يمكن ملاحظة عدم ردّ ترامب على تصريح الرئيس الإيراني بزشكيان الذي قال له: لن أتفاوض معك حتى تحت التهديد وافعل ما تريد. إنّ عدم الرد هو ردّ بحد ذاته، ربما لأن ترامب لا يريد الإفصاح عن نواياه المضمرة تجاه إيران، وربما من باب التهميش وإظهار عدم الاهتمام، وربما لا يملك جواباُ جاهزا.

- ترامب شخص تهّمه المظاهر بالدرجة الأولى وهو شخص يأخذ بها، في البرمجة العصبية يعتبر هذا الأمر أولوية للحسّ البصري وانشغالا به. فهو لم يكتف بالسخرية من رئيس أوكرانيا بسبب ملابسه غير الرسمية، لقد وجّه السخرية نفسها إلى صديقه وشريكه آيلون ماسك بسبب ظهوره بقميصه المعتاد، ما دفع ماسك بعد ذلك إلى الحرص على ارتداء البدلة الرسمية وربطة العنق.

- الملاحظة الأهم في القدرات السياسية والمعرفية والسلوكية، أن ترامب كان يطلق بعض المواقف بحماسة شديدة ويُشغل الرأي العام بها، ثم بعد فترة وجيزة يقول نقيضها، وكأنه ليس الشخص نفسه. هذه الملاحظة بالذات جديرة بالتأمل والتحليل لمعرفة أسبابها الحقيقية. فبعد أن تحدث مرارًا عن ضرورة لجوء أهل غزة إلى الأردن ومصر، ظهر بعد أسابيع وهو ينكر انه تحدث عن هجرة الغزاويين. ففي 10 فبراير/ شباط 2025 قال دونالد ترامب ضمن مقابلة مع شبكة فوكس نيوز إن الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة إلى قطاع غزة بموجب خطته، التي تقضي باستيلاء الولايات المتحدة على القطاع الفلسطيني، وأوضح أن الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة، لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل كثيراً، "أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم" ثم تحدّث ثانية خلال وجوده على متن طائرة الرئاسة وهو في طريقه إلى نيو أورليانز لحضور مباراة السوبر بول، الحدث الرياضي الأبرز في دوري كرة القدم الأمريكية، فقال "أنا ملتزم بشراء وامتلاك غزة للتأكّد من أن حماس لن تعود إليها". لكن الذي حصل أن ترامب ناقض نفسه، إذ قال بتاريخ 12 مارس أي بعد شهر على موقفه الأول أن "لا أحد سيُجبر على مغادرة غزة"، ما أثار الجدل وعلامات الاستفهام حول توجهات الإدارة الأميركية المتناقضة تجاه القضية الفلسطينية. وذكرت بعض التحليلات أنه يعتمد على التناقض كتكتيك سياسي يسمح له بإصدار تصريحات متناقضة، وتقديم روايات متضاربة لإرباك خصومه، مما يجعل من الصعب تحديد مواقفه الحقيقية.

لتحميل الدراسة:





روزنامة المحور