الجمعة 16 أيار , 2025 03:47

الوحدة 504: القبض على العملاء يوجه ضربة قاسية لها

الوحدة 504

الوحدة 504 (HIM) هي الوحدة الأقدم في شعبة استخبارات جيش الاحتلال الإسرائيلي – أمان، التي تأسست منذ الأيام الأولى لنشوء الكيان المؤقت، وهي الأخطر بين كل وحدات هذه الشعبة. فهي التي تجنّد العملاء الجواسيس، وتشغّلهم في الدول العربية وساحات حركات المقاومة. وشعارها التوراتي هو دليل خطورتها ومهامها: "لِيَتَجَسَّسُوا وَيَفْحَصُوا وَيَتَحَرَّوْا فِي الأَرْض" (سفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 19، الآية 3).

فهذه الوحدة التي جنّدت العملاء طوال العقود التي مرّت من عمر الكيان المؤقت، واستطاعت الوصول الى أعمق ساحات المواجهة. فسجّلت الكثير من الإخفاقات مثلما حققت من إنجازات، في حروب الظل الاستخباراتية التي تفوق أهمية من الحروب العسكرية، لأنها تبقى مشتعلة في السلم والحرب. ووفقاً لجيش الاحتلال فإن أهمية هذه الوحدة تأتي من كون: "الاستخبارات هي الإنسان أولاً وأخيراً".

وعليه فإن كل ما تشهده ساحات المقاومة من اكتشاف لشبكات العملاء، تكون وحدة الـ 504 مسؤولة عنهم (أو جهاز الموساد الذي يتشارك معها العمل في الساحات الخارجية)، وبالتالي هي الأكثر تضرراً، لأن ما يتم اكتشافه يكون قد كلّفها الكثير من الوقت والإمكانيات المادية والتكنولوجية، ولا إمكانية لتعويضه بسهولة.

بعض أجهزة الاتصالات التي استخدمها عملاء لإسرائيل في لبنان

فما هي أبرز واهم المعلومات حول هذه الوحدة ومهامها وطرقها في التجنيد؟

_ كانت الوحدة 504 معروفة سابقاً بالأسماء: "الإدارة الخاصة (المخبرين)"، و"الوحدة 154"، و" الاستخبارات 10 – موديعين 10" اختصاراً " S.M. 10"، "وحدة الكَتَم"، وباللقب "فرقة الاستخبارات البشرية". تم إنشاء وحدات مماثلة لها في الموساد "تسوميت"، و"الجناح العربي" في الشاباك.

_هي وحدة نخبة تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، مسؤولة عن الاستخبارات البشرية أي تشغيل عملاء سريين خارج حدود كيان الاحتلال الإسرائيلي (سوريا ولبنان ومصر والضفة الغربية وقطاع غزة)، على غرار وحدات الاستخبارات البشرية (HUMINT) في جهازي الموساد والشاباك، وهي مسؤولة عن العمليات السرية والخفيّة خارج الكيان، ومكافحة التجسس، وتقييم الاستخبارات، والاستخبارات العسكرية. كما أنها مُدرّبة على الدفاع عن النفس في حالات الطوارئ.

_تعود جذورها إلى جهاز الشين بيت (ش.ي.). وقد أُسست في حزيران / يونيو 1948 تحت اسم "الاستخبارات 10" (ش.م. 10). ويُستخدم هذا الاسم اليوم كاسم لجمعية "استخبارات 10" التي أُنشئت من قِبل قدامى الوحدة 504 بهدف الحفاظ على إرث الوحدة، ونقله إلى ضباط وجنود الوحدة الحاليين، وكشف أنشطة الوحدة في الماضي التي سُمح بنشرها للعامة.

_كان قائدها الأول هو دافيد كَرون، الذي حدد دورها في البداية بأنه: الحصول على معلومات عن الجيوش العربية المجاورة لفلسطين المحتلة- التدريب والتنظيم والمعدات واتجاهات التطوير، بالإضافة إلى الحصول على بيانات التضاريس والمعلومات عن البنية التحتية.

القادة الأوائل للوحدة

_في عام 1957، تم تغيير اسمها إلى "الوحدة 154". وبعد حرب 1967، وبسبب اندماجها مع الوحدة 560 التي كانت مختصة بالتحقيق مع الأسرى، تغير اسمها إلى "الوحدة 7019"، وبعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 أصبح اسمها "الوحدة 504".

_تُدير الوحدة 504 مواقع ومنشآت سرية تابعة (سجون ومعتقلات)، مثل المعسكر 1391 الذي يُلقب بـ"معسكر غوانتنامو الإسرائيلي"، والذي يقع في منطقة وادي عارة بالقرب من مستوطنة بركاي (تم الكشف عنه لأول مرة عام 2004 في مقال للمؤرخ الإسرائيلي جاد كرويزر).

_على جميع أفراد هذه الوحدة أن يكونوا متقنين للغة العربية، ومتخصصون في العادات السلوكية العربية.

_يتم إخضاع من يريد الالتحاق بها الى عملية فحص الخلفية الأمنية التي تستغرق حوالي 6 أشهر. بعدها يتم تحويله دورة مكثّفة في اللغة العربية لمدة 6 أشهر، وبعد ذلك إلى دورة احترافية لضباط العمليات الخاصة تستمر 6 أشهر. وأخيرًا، يخضع لفترة تدريب لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر إلى جانب ضباط قدامى.

_ تتزود هذه الوحدة بالوسائل والأساليب التكنولوجية المتطورة التي يتم تطويرها من قبل الوحدة ووفقا لاحتياجاتها.

معدات تجسس اكتشفتها المقاومة ما بعد معركة أولي البأس

_تعتمد الوحدة في تواصلها مع العملاء على وسائل عديدة منها التواصل المباشر، وأجهزة الاتصال المشفر والخليوي، والبريد الإلكتروني، والبريد الميت.

_ كانت سرية هيئة الأركان النخبوية "سييرت متكال" 269، من ضمن هذه الوحدة، لكنها انفصلت فيما بعد.

_ كانت فكرة استخدام الطائرات دون طيار، قد طرحت لأول مرة في سنة 1968 من قبل رئيس العمليات في الوحدة في ذلك الوقت الرائد شبتاي بريل، عندما تلقى صوراً لجسور في مصر من أحد الأعضاء في الوحدة.

_ خلال الثمانينيات، كان يائير رافيد رافيتز (المعروف بأبو داوود)، هو قائد المنطقة الشمالية في الوحدة 504 على الحدود الفلسطينية اللبنانية، وهو الذي يوصف بأنه من مهندسي الخطوط العريضة للعلاقة مع اللبنانيين. حيث كان رافيد شريكاً كبيراً في إنشاء جيش العملاء "جيش لبنان الجنوبي"، وكان من منظمي العلاقات بين كبار مسؤولي الكيان وقادة الميليشيات المسيحية في لبنان. وفي سنة 1982 أصبح رئيساً لفرع الموساد في بيروت.

يائير رافيد رافيتز (المعروف بأبو داوود)

هيكلية الوحدة ومهامها

تعمل الوحدة بالتعاون مع باقي أجهزة مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، ويترأسها ضابط برتبة عميد (يتم التعريف به في العلن بواسطة حرفين فقط). ووفقًا لتوزيع مجالات المسؤولية بينها وبين الموساد، تتولى الوحدة تجنيد وتشغيل العملاء في الدول العربية وكذلك في المناطق الفلسطينية، وتجمع معلومات استخباراتية حيوية عن "العدو"، لكي تُستخدم كأساس لتخطيط عمليات عسكرية.

_تتولى الوحدة أربعة أدوار رئيسية:

1)كاتَميم – ضباط المهام الخاصة:
هؤلاء يشكلون نواة الوحدة، وهم من يقومون بتجنيد وتشغيل العملاء. يكون كل ضابط "كاتَميم" مسؤولًا عن عدد من العملاء، يلتقي بهم ويعطيهم التعليمات بشأن مواصلة النشاط والمعلومات الاستخباراتية المطلوبة. العلاقة بين الكاتَميم والعميل علاقة فريدة من نوعها، فهي تجمع الجانب العملي بالشخصي، وتقوم على الثقة وقد تمتد لسنوات طويلة. وبحسب المعلومات المتداولة في الكيان، فإن هذا النوع من العلاقات أسفر على مرّ السنين عن إنجازات استخباراتية غير مسبوقة ساهمت في نجاح العديد من العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مختلف الساحات.

وبالنسبة للكيان فإن العميل هو المورد الأهم للمعلومات، لأنه الشخص الموجود "في الجانب الآخر" والذي ينقل المعلومات الاستخباراتية. ويجب عليه القيام بذلك دون إثارة الشبهات، ودون أن يعرف أحد في محيطه دوره الحقيقي، كي لا يُكتشف ويُلقى القبض عليه. ونجاح كل عملية لتشغيل العملاء في الوحدة، سواء كانت صغيرة أو معقدة، يعتمد على 3 عناصر رئيسية يتشارك فيها: العميل، المشغّل، والمقاتل.

حتى سنة 2023، كانت الوحدة تنشر الإعلانات عن رغبتها في توظيف مشغّلين ومشغّلات للعملاء.

2)المقاتل:
يتم اختيار المقاتلين بعناية فائقة قبل تجنيدهم لهذا الدور الخاص. يمر المقاتلون بفترة تدريب أساسي في لواء غولاني، ثم يتلقون تدريبًا داخليًا ضمن الوحدة يشمل القتال ضد "الإرهاب" وتنفيذ العمليات السرية داخل الكيان وخارجه. يرافق مقاتلو الوحدة كل عملية في أي ساحة، ومهمتهم هي حماية العميل والمشغّل وسرية العملية.
ولا يكتف المقاتلون بمرافقة اللقاءات وتأمينها، بل يبنون العملية بأكملها وحولها: من فحص المنطقة، والتأكد من عدم تعقّب العميل، وتأمين اللقاء، وصولًا إلى تنسيق وسائل الاتصال لتحديد اللقاء القادم.
إضافة إلى ذلك، يخرج المقاتلون في عمليات سرية وتنفيذ مهام خاصة خارج حدود الكيان. وفي شباط / فبراير 2025، بدأت أول دفعة من النساء المقاتلات اللواتي سيخدمن في هذا الدور ضمن الوحدة.

بعض تدريبات الوحدة

3)ضابط استخبارات (كَمَن):
يتلقى طاقم الضباط المعلوماتيين في الوحدة، الطلبات الخاصة بالحصول على معلومات استخباراتية، ويقومون بتنسيقها، وإنتاج ونشر المعلومات الاستخباراتية المستخلصة من العملاء والموقوفين. ويتم هذا بالتوازي مع الحفاظ على تواصل دائم مع الجهات التي تستخدم هذه المعلومات: من وحدات الجيش الميدانية (من كتيبة وحتى قيادة المنطقة)، وقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات، وهيئات أركانية أخرى مثل استخبارات سلاح البحرية وسلاح الجو، وغيرها من أجهزة الاستخبارات في المجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي.

4)المحققون – هقشابيم: وهناك نوعان محقق ميداني ومحقق منشآت:

أ)محقق ميداني:
يرافق المحقق الميداني القوات المقاتلة، ومن بين مهامه استجواب الأسرى (من المدنيين وعناصر الجيوش أو حركات المقاومة) واستخلاص معلومات حديثة ذات صلة باستمرار القتال. هؤلاء المحققون يجيدون اللغة العربية ومطلعون على ثقافة الشرق الأوسط. يمكن أن يأتي المحققون من أي وحدة عسكرية، وبعد اجتياز اختبارات دقيقة يتم إرسالهم إلى دورة تدريبية خاصة وصعبة جداً. هؤلاء تكون مهمتهم إجراء تحقيقات أولية.

ب)محقق المرافق:
يعمل هؤلاء في منشآت ومرافق عسكرية بهدف إجراء تحقيقات معمّقة، حيث يحققون مع الأسرى. فعلى سبيل المثال، خلال معركة طوفان الأقصى، تولى هؤلاء المحققين بشكل رئيسي، استجواب الأسرى في قطاع غزة وفي جنوبي لبنان.

دورون زهيفي المحقق المعروف بـ"الكابتن جورج"

أبرز العمليات التي نفذتها وشاركت فيها

_شاركت في كل حروب الكيان وعملياته العسكرية، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية ما قبل وبعد.

_ قبل حرب الـ 1967، حصلت على معلومات استخباراتية مهمة ساعدت الجيش الإسرائيلي في شن هجوم مفاجئ على مصر.

_في سنة 1977، كانت المسؤولة عن إنشاء ما يُعرف بـ"الجدار الطيب"، الذي حاولت من خلاله إسرائيل بالتعاون مع عملائها في ميليشيا سعد حداد (جيش لبنان الحر)، تطبيع العلاقات بين أهالي الجنوب اللبناني وكيان الاحتلال عبر استغلال الحاجات المعيشية.

_في سنة 2019، شاركت في اغتيال القائد في سرايا القدس - حركة الجهاد الإسلامي، الشهيد بهاء أبو العطا.

_في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، صرحت الوحدة بأنها استجوبت 500 فلسطيني حتى حينه خلال العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة.

_شاركت في عملية الكوماندوس في البترون في تشرين الثاني / نوفمبر 2024، والتي تم خلالها اختطاف الضابط البحّار المدني اللبناني عماد أمهز.

أبرز الإخفاقات

_اكتشاف أعداد كبيرة من شبكات التجسس والعملاء في قطاع غزة ولبنان وسوريا. وفي لبنان كان يتم سنوياً اكتشاف عشرات العملاء (بعض الأعوام 150 عميلاً)، مثل الأعوام: 2006 و2008 و2009 و2010 و2019 و2023 و2024.

وبعض الأمثلة عن العملاء ومهامهم، هو ما حصل في العام 2009، حينما استطاع جهاز أمن المقاومة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية من كشف العميل زياد الحمصي، الذي كان مكلفاً بمهمة اكتشاف مكان سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله. ووصف قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني في حينها اللواء أشرف ريفي الحمصي بأنه "العميل الأهم" في شبكة التجسس الإسرائيلية.

_مقتل المشغّل الأسطوري في الوحدة العقيد يهودا إدري "مودي" عام 2001 خلال انتفاضة الأقصى، على يد المقاوم الفلسطيني التابع لكتائب شهداء الأقصى الاستشهادي حسن سعيد احمد ابو شعيرة (عميل مزدوج)، في عملية النفق البطولية (مصيدة العسل).

يهودا إدري "مودي" ومكان تنفيذ العملية

_لم تستطع الوحدة حتى يومنا هذا من اكتشاف مصير الجندي الإسرائيلي رون آراد، رغم كل عمليات الاختطاف والتحقيقات التي نفذتها إسرائيل خلال العقود السابقة مثل: اختطاف الشيخ عبد الكريم عبيد والقائد أبو علي الديراني.

_اتهمها الصحفي الأمني في صحيفة هآرتس يوسي ميلمان بانها تتصرف مع المعتقلين والأسرى بطرق غير إنسانية، وأنها تفتقر إلى ضبط النفس والرقابة السليمة، حيث يقوم قادتها بتبييض التحقيقات وغض الطرف عن العمليات المشبوهة، وأنها تستخدم التعذيب وتتورط في تهريب المخدرات.

_ سقط لها العديد من القتلى والجرحى في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية (خلال فترات الاحتلال والحروب)، وآخرها في جنوبي لبنان خلال معركة أولي البأس حيث سقط لها جريحين في بداية العملية البرية لجيش الاحتلال.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور